الجزائر هي البلد العربي الوحيد الذي دعم فلسطين دون شروط
يُعتبر الدكتور فارس شاهين، واحدا من أهم مراسلي الإذاعة الوطنية من فلسطين، و قد تحوّل مع مرور السنوات إلى صوت غزة في هذا “السجن الكبير” كما يصفه في حوار خصّ به النصر، و يكشف خلاله عن سرّ انتقاله من مهنة الطب إلى الصحافة، كما يتطرق إلى الظروف الصعبة التي يواجهها الصحفيون في ظل الاحتلال الإسرائيلي، و يتحدث لأول مرة عن رأيه في الانقسام الفلسطيني و الحلول التي يقترحها لتوحيد الصفوف.
حاورته: ياسمين بوالجدري
سبق لك التعامل مع صحف تصدر باللغة الفرنسية في الجزائر، فيما تعوّد أوفياء قنوات الإذاعة الوطنية على سماع تغطياتك الآنية لما يدور في فلسطين و قطاع غزة خاصة، لكن هلاّ عرفت بنفسك أكثـر للجزائريين؟
أنا مراسل جريدة الوطن الناطقة باللغة الفرنسية منذ بداية سنة 2001، و قد تزامن ذلك مع أشهر قليلة بعد انطلاقة الانتفاضة الثانية المعروفة بانتفاضة الأقصى، كما التحقت بالإذاعة الوطنية الجزائرية كمراسل للقسم الفرنسي لإذاعة الجزائر الدولية في 2008 و أخيرا أصبحت مراسلا للقناة الإذاعية الثالثة منذ شهور قليلة.
دخلت مجال الصحافة بالصدفة
لكن ما لا يعرفه الكثير من القراء و المستمعين، هو أنني أتيت للصحافة عن طريق الصدفة البحتة و ذلك تلبية لرغبة أحد أصدقاء طفولتي التي قضيتها في الجزائر، حيث كان من مؤسسي جريدة الوطن التي رغِبت حينها، عندما كانت الانتفاضة مشتعلة، في أن يكون لها ممثل في فلسطين المحتلة يجيد اللغة الفرنسية و تم ترشيحي.. و قد قلت إن ممارستي للصحافة كان صدفة لأنه لم يكن لدي أي تكوين في مجال الاعلام، فأنا طبيب درست الطب في الجزائر و رجعت إلى وطني مع القوات الفلسطينية التي كانت تستضيفها الجزائر ضمن جهاز الخدمات الطبية العسكرية للسلطة الفلسطينية في عام 1994.
هل ترددت في العمل كمراسل من فلسطين لوسائل الإعلام الجزائرية؟
عندما طلب مني صديقي ذلك، كنت مترددا جدا و لكنني في الأخير قبلت هذا التحدي لأنني اعتبرت ذلك ضمن العمل الوطني الذي يمكن أن أقوم به عبر إبراز أهم الأحداث التي كانت تجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة.. لقد علمت حجم اهتمام الشعب الجزائري بالقضية الفلسطينية و ذلك ما شجعني أكثر، خصوصا أن الانتفاضة كانت مشتعلة حينها و الجرائم الإسرائيلية كانت يومية.
الصحفي ياسر مرتجى قُُتِل عمدا لتخويفنا
 يعاني العديد من الصحفيين و المصورين في فلسطين القمع الإسرائيلي، و قد استشهد مؤخرا الصحفي ياسر مرتجى برصاص الاحتلال، ما تعليقك على هذه الحادثة الأليمة؟
الصحفيون الفلسطينيون كغيرهم من أبناء الشعب الفلسطيني العزّل، مستهدفون في أي وقت من الآلة الحربية الاسرائيلية، و خصوصا في مثل هذه الأحداث التي تشهدها الأراضي المحتلة و على رأسها قطاع غزة، منذ يوم الجمعة 30 مارس الذي يمثل يوم الأرض.. لقد قابلت قوات الاحتلال آلاف المتظاهرين المدنيين من أطفال و نساء و شباب و شيوخ، أثناء المسيرة الكبرى للعودة بالرصاص الحي، مما أدى إلى استشهاد 31 مواطنا و جرح ما يقارب 3000 آخرين، و ضمن الضحايا سقط شهيدا الشاب الصحفي ياسر مرتجى الذي كان يحاول أن يوثق بآلة تصويره الجرائم التي كانت تجري أمام عينيه في المنطقة الحدودية الواقعة شرق خان يونس في جنوب قطاع غزة.
مشاكل الاتصالات و الكهرباء صعّبت من عملنا
لقد قتل ياسر ذو الثلاثين عاما عمدا عن طريق قناص حاقد في محاولة لطمس الحقيقة الميدانية و جرائم الحرب التي كانت ترتكب على الهواء مباشرة، رغم أنه كان يرتدي سترة واقية من الرصاص مكتوب عليها «صحافة» بالخط العريض، فالقناص يعرف بالضبط الى أين تنتهي كل رصاصة يطلقها و هو ما يؤكد أنها حالة قتل مع سبق الإصرار و الترصد يعاقب عليها القانون الدولي،  و الهدف منها بث الرعب في نفوس الصحفيين ليبتعدوا عن مسرح الجريمة.
و أذكّر أنها ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها قوات الاحتلال الصحفيين الفلسطينيين العاملين في الميدان، فلقد قتلت و اعتقلت العديد منهم و خصوصا خلال الحروب الثلاثة على قطاع غزة، أثناء أداء واجبهم أو تغطيتهم للمظاهرات و الاحتجاجات ضد الاحتلال و الاستيطان في الضفة الغربية.. الصحفيون الشباب في فلسطين يعرفون جيدا أنهم معرضون للخطر و لكن ذلك لم يثنهم يوما عن العمل في كل الظروف مهما كانت الصعوبات.
بالحديث عن الصعوبات، ما هي العقبات التي تواجهك في عملك اليومي، خاصة أننا نتحدث عن منطقة محاصرة شهدت حروبا وحشية و كانت مؤخرا فقط مسرحا لاستشهاد عشرات الأشخاص في مسيرات العودة؟
إذا كانت الصحافة في أي مكان من العالم هي مهنة المتاعب، فكيف يمكنك تخيلها في فلسطين التي تقبع تحت الإحتلال.. أنا أعيش في غزة التي تعاني الويلات جراء الحصار الإسرائيلي غير الإنساني المفروض على قرابة مليوني مواطن حيث الأزمات الإنسانية متعددة و العدوان العسكري مستمر، و عدا الأخطار المباشرة التي تهددك في كل وقت من طرف الآلة الحربية الإسرائيلية، كما حصل مؤخرا مع الصحفي الشهيد ياسر مرتجى, فإننا نعاني من الانقطاع المستمر للكهرباء, و المشاكل المزمنة في وسائل الاتصال هي من أهم العقبات التي تواجه أي صحفي فلسطيني في هذا السجن الكبير.
القلم و الصوت هما سلاحي لخدمة القضية الفلسطينية
هل سبق لك أن تعرضت للاعتقال من طرف الاحتلال؟
لحسن حظي لم أعتَقل يوما من طرف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، حيث لا تتواجد قوات احتلال على أرض قطاع غزة منذ انسحابها سنة 2005 كخطوة أولى سبقت فرض الحصار الظالم، لكن العديد من الصحفيين في فلسطين يقبعون حاليا وراء القضبان و الاحتلال لا يحتاج لأسباب لاعتقال أي مواطن فلسطيني، فأقل شيء نفعله نوضع بسببه في الحبس الإداري الذي لا يتطلب اتهاما و لا المثول أمام المحكمة، كما يجدد لمدة 4 أشهر لعدد غير محدود من المرات كلما شاء ذلك القضاء العسكري، تحت ذريعة أنك تشكل خطرا على أمن الكيان الصهيوني، و بهذه الطريقة قضى الكثير من الصحافيين و الأساتذة و حتى المواطنين العاديين، سنوات طويلة في السجون الاسرائيلية دون أن يعرفوا لماذا هم مسجونون.
كيف خدمتك تجربتك الطويلة في الصحافة، في تجاوز متاعب المهنة، و ما هي النصائح التي توجهها للصحفيين الشباب في فلسطين؟
لا أستطيع الادعاء بأن لدي خبرة كبيرة في مجال الصحافة و لا أعتبرها مهنتي التي أقتات منها، فأنا فعليا أتعلم كل يوم، و عملي، لغاية اليوم و في المستقبل، في هذا المجال الصعب و المتعب، لا يتعدى رغبة مني في خدمة بلدي و قضيتي عبر نشر معاناة الشعب الفلسطيني المظلوم في الوسائل التي أعمل فيها، من إذاعة و جريدة، على أمل أن يصل صوتي ليس لأكبر عدد من المواطنين الجزائريين فحسب، و لكن لما يتعدى الحدود الجزائرية.
مخاطبة الغرب تتطلب نقل الوقائع بصدق لا الشعارات و العواطف
اسرائيل قوة احتلالية جبارة تستطيع أن تدافع أمام الرأي العام العالمي، عن أية مواجهة عسكرية تدخل فيها، سواء ضد التنظيمات الفلسطينية أو غيرها، بحجة الحرب ضد الإرهاب، مع أنها تمارس يوميا إرهاب الدولة، و لكنها ترتبك و تتلعثم أمام توثيق جرائم جنودها ضد المواطنين العزل، و لأني أؤمن أن للقلم أو الصورة في بعض الأحيان، فعالية أقوى من الرصاص، أنصح الصحفيين الشباب أن يحاولوا إتقان عملهم و أن ينقلوا الأحداث بصدق دون تضخيم أو كذب و أن يستعملوا اللغة البسيطة بعيدا عن الشعارات و العاطفة، خصوصا إذا أرادوا مخاطبة العالم الغربي.
وقّعت حركتا حماس و فتح اتفاق القاهرة منذ العام الماضي، و مع ذلك ما تزال الانقسامات مستمرة في الداخل الفلسطيني. أمام هذا المعطى كيف لك كصحفي أن تضمن الحياد و الموضوعية في التغطية الإعلامية؟
أكثر موضوع يحزنني و أفضل عدم الخوض فيه، هو حالة الانقسام الفلسطيني، و قد رفضت لمرات عدة أن أتطرق إليها رغم أنني أنتمي لحركة فتح منذ أن كنت شابا، إذ أحرص على عدم استغلال المؤسسات التي أعمل لديها لزيادة الفجوة بين حماس و فتح، و أنتم تلاحظون أن بعض وسائل الإعلام تكون في عديد من المرات، وراء توسيع هذه الفجوة بين الطرفين.
بعض وسائل الإعلام وسّعت الفجوة بين حماس و فتح
و في الحقيقة، أنا لست مع نشر غسيلنا الوسخ في وسائل الاعلام و أؤمن بالمصالحة كهدف استراتيجي للشعب الفلسطيني، فبدونه لا يمكن أن نحقق حلمنا بدولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس. الاحتلال الاسرائيلي سعى لإيجاد هذا الانقسام الذي أعفاه أمام المجتمع الدولي من كثير من استحقاقات عملية السلام و لذلك هو لا يريد الوفاق و الوحدة بين الفلسطينيين، و أرى أننا إذا وضعنا صوب أعيننا المصلحة الوطنية العليا بعيدا عن الحزبية الضيقة، فإننا نستطيع كصحفيين أن نضمن الموضوعية و الحياد في التغطية الاعلامية، و مع أن الأمل ضعيف حاليا لاستكمال ملف المصالحة بعد قرابة 11 سنة من الانقسام السياسي و الجغرافي، فأنا لم أفقده تماما و على الجميع أن يساعد بطريقته على تذليل الفجوة القائمة.
لفلسطين مكانة خاصة في قلوب الجزائريين و كذلك الأمر بالنسبة لإخوتنا الفلسطينيين، كيف تفسر هذه العلاقة الوطيدة؟
أنا شخصيا اعتبر نفسي ابن الجزائر، حيث قضيت طفولتي و شبابي في بلد الثوار و الشهداء، و لقد مرت الجزائر بتجربة الاحتلال الاستيطاني الفرنسي و عانت منه كثيرا، حتى نالت استقلالها بعد دفع ثمن غال من دماء أفضل أبنائها و بناتها، و بالنسبة لي الثورة الجزائرية هي الثورة الشعبية الفريدة من نوعها في الوطن العربي، و لذلك فإن أكثر شعب يحس و يتفاعل مع قضية الشعب الفلسطيني هو الشعب الجزائري، الذي يرفض الظلم و يعلم مدى الظلم الواقع على إخوانه الفلسطينيين.
الشيء الآخر الذي يدركه الشعب و القيادة الفلسطينيان، هو أن الجزائر هي البلد العربي الوحيد الذي دعم الثورة الفلسطينية دون شروط أو تدخل في قضاياهم الداخلية، فلقد دعمت ثورتنا بالسلاح و المال دون أن تمن علينا و ذلك من منطلق الواجب الأخوي، و  لا أحد في فلسطين ينسى مقولة الرئيس الراحل هواري بومدين بان الجزائر ستبقى مع فلسطين ظالمة أو مظلومة، و  لكل هذا حب الجزائر متجذر في أهل فلسطين كما هو الامر بالنسبة للشعب الجزائري الحر.
الجزائر ساعدتنا دون أن تمنّ علينا و أتمنى زيارتها مجددا
هل تحن اليوم إلى العودة للجزائر؟
(يضحك) بزاف.. فقد عشت بها لقرابة 30 سنة منذ أن كان عمري 7 سنوات و إلى 38 عاما، و تحديدا بمنطقة مقبرة العالية بالعاصمة، و بالتالي قضيت في الجزائر مرحلتي الطفولة و الشباب و ما يزال لدي هناك أصدقاء و أفراد من عائلتي.. الحنين دائما موجود و هو قوي، و أنا أتمنى العودة لزيارتها، لكن كما تعلمون من الصعب الخروج من قطاع غزة، ففتح معبر رفح يتم لمرات قليلة و للحالات الإنسانية فقط، كما أن الإجراءات المتعقلة بالتأشيرة تفرض علينا التنقل إلى القاهرة و هذا لوحده مشكل كبير.
  ي.ب

الرجوع إلى الأعلى