طوّرت لقاحا ضد السيدا سيُسوّّق بعد 10 سنوات

رغم كونه واحدا من أهم الباحثين في مجال البيولوجيا بفرنسا و الولايات المتحدة الأمريكية، لم يكن الكثير من الجزائريين يسمعون عن البروفيسور يحيى شبلون صاحب عديد براءات الاختراع في اختصاصه، لكن نيله لجائزة الابتكار من طرف وزارة التعليم العالي بفرنسا مؤخرا، ساهم في زيادة شهرة ابن ولاية بشار، الذي اشتغل بعيدا عن الأضواء و طيلة 20 سنة، على تطوير لقاح «ثوري» ضد السيدا، يتحدث عن تفاصيله لأول مرة للنصر، كما يتطرق إلى مشاريعه العلمية و لنظرته للبحث العلمي في الجزائر، إضافة إلى أمور أخرى تقرؤونها في هذا الحوار.
حاورته: ياسمين بوالجدري
وُلِدتَ بولاية بشار و زاولت هناك تعليمك ثم درست في جامعة وهران، هل يمكن أن تحدثنا عن هذه المرحلة من حياتك؟
وُلِدت بمنطقة الدبدابة بولاية بشار سنة 1954، أين درست في طوري الابتدائي و المتوسط، ثم زاولت التعليم الثانوي بثانوية العقيد عثمان بمدينة بشار، و منها حصلت على شهادة البكالوريا سنة 1974، لأسجل بعدها في الطب بجامعة وهران، لكن الدراسة في هذا التخصص لم تعجبني و رأيت أني كنت أتعلم فقط و لا أفهم، فقررت التوقف عن الدراسة في العام الثاني و تحوّلت إلى تخصص البيولوجيا، الذي وجدت نفسي فيه أكثر، لأني كنت أفهم أكثر مما أتعلم.
فضّلت دراسة البيولوجيا على الطب
كيف بدأت تجربة الدراسة خارج الوطن؟
درست البيولوجيا ثم قررت السفر إلى فرنسا، أين أجريت بجامعة ليون دراسات معمقة حول الأمراض الجينية للإنسان، مثل الثلاسيميا التي كانت منتشرة في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، بعدها حصلت على شهادة الدكتوراه بنفس الجامعة، عقب تمكني من الحصول على منحة دراسية من الجزائر، حيث أجريت أبحاثا لفهم هذه الأمراض و تطوير وسائل التشخيص، لأنها تمس أساسا الرضع و تؤدي إلى وفاتهم، لأبدأ بعد ذلك العمل في المعهد الوطني للأبحاث الزراعية بفرنسا أين عُيّنت مؤخرا مديرا للأبحاث. أنا أيضا مدير مخبر المرضيّة و التلقيح الفيروسي في غرونوبل، كما أعمل منذ سنة 2005 مع جامعة كنساس بالولايات المتحدة الأمريكية، و أنا حاليا باحث على مستواها.
ما هي أهم الأبحاث التي قمت بها في بداية مشوارك العلمي؟
اشتغلت في مخبري على فهم أسباب زيادة خطورة الأمراض عند انتقال فيروساتها من جسم محتضن إلى آخر، فعملت على تحديد الفيروس المسبب للسرطان عند الدجاج، و طورت أول لقاح ضده في سنوات التسعينيات لحماية الدجاج من هذا المرض الفتاك، بعدها اشتغلت على تطوير لقاحات مضادة لفيروسات أخرى مسببة لأمراض مثل “نيوكاسل”، الذي يؤدي إلى نفوق الكتاكيت في ظرف أسبوعين فقط.
و قد قامت إحدى شركات الأدوية المعروفة، سنة 1991، بشراء براءة اختراعي حينها، لكنها لم تسوقها بعدما تبين أن أسعار المنتج لن تكون تنافسية و لن تعود عليها بالأرباح المرجوة، فتُرك الاختراع في انتظار الوقت المناسب لتسويقه.
أبحاثي حول لقاح الإيدز استغرقت 20 سنة
ألم تر أن عدم تسويق الابتكار لأسباب مادية غير مقبول من الناحية الأخلاقية؟
في المجال الصناعي تحدث مثل هذه الأمور دائما و نحن لا نوافق عليها كباحثين، فالربح المادي يكون ذا أولوية عند شركات الأدوية، و لأن الإمكانيات لم تكن متوفرة في ذلك الوقت، كنا نلجأ إلى هذه الشركات الكبرى للتسويق، لكن الأمور تغيرت اليوم و لم تعد كالسابق.
اكتسبت شهرة علمية أكبر بفضل أبحاثك حول اللقاح المضاد للسيدا، حدثنا أكثـر عنه
قمت طيلة الأعوام الماضية بأعمال كثيرة حول الفيروس المسبب للسيدا عند الحيوان و الإنسان، و لأن الإشكال الذي كان يُطرَح هو في كيفية محاربته، أجريت أبحاثي حول فيروس عند القرود و القطط هو من نفس سلاسة ذلك المسبب للسيدا عند الإنسان، لكنه لا يؤدي للمرض عند هذه الحيوانات، و هو أمر بحثت عن أسبابه طيلة 20 سنة، إلى أن توصلت إليها و فهمتها.
و قد مكّنني ذلك من تطوير أول لقاح ضد السيدا في جامعة كينساس الأمريكية، حيث حصلت على براءة اختراعه بالولايات المتحدة الأمريكية و فرنسا، ثم عدت إلى جامعة غرونوبل و طورت لقاحا جديدا يحمي الحيوانات من السيدا بنسبة 100 بالمئة، و هو الذي دخلت به مسابقة الإبتكار العلمي “إي لاب” بفرنسا و نجحت فيها مؤخرا، حيث سيساعدني هذا النجاح في تأسيس مؤسسة ناشئة لإنتاج اللقاحات للحيوان و الإنسان مع بداية سنة 2019، بالتنسيق مع مخبري، و ذلك من أجل تسويق اللقاح ضد مرض أدى إلى مقتل 40 مليون شخص حول العالم، بينما يحمل نفس العدد الفيروس المسبب له.
حصلت على براءات اختراع بأمريكا و فرنسا
متى سيكون ممكنا تلقيح الإنسان ضد السيدا؟
لقد جربنا اللقاح على الحيوان بنجاح، في انتظار إثبات نجاعته على أشخاص متطوعين و الاستمرار في تجارب الأمان و الفعالية لمدة قد تستغرق 10 سنوات، قبل وضعه في السوق، و ذلك للتأكد من خلوه من أي أعراض جانبية ضارة. و الجيد في هذا الاختراع أنه ليس مكلفا و لا يتطلب وضع المنتج في سلسلة تبريد، لأنه يعتمد على حقن الحمض النووي الريبوزي «الآديان”، مباشرة، فيتم إنتاج مولدات الضد داخل الخلايا و بالتالي تنشيط المناعة و حماية الجسم على المدى البعيد، و هي تقنية جديدة ستجعل اللقاح متاحا بأسعار منخفضة للبلدان الفقيرة، خاصة في قارتي آسيا و أفريقيا، و هذا هو هدفنا.
ما هي مشاريعك العلمية؟
سوف أعمل على تطوير لقاحات ضد أمراض أخرى، كالتهاب الكبد الفيروسي «سي» و الملاريا و حمى الضنك، كما سأحاول رفقة الباحثين تغيير اللقاحات المستعملة حاليا ضد الانفلونزا، بجعلها لقاحات موحدة تحمي المريض بشكل نهائي و لا تتغير كل عام، مثلما يحدث حاليا.
سأعمل مستقبلا على لقاحات الانفلونزا و الملاريا
ألم تفكّر في مواصلة أبحاثك في مختبرات الجزائر؟
لقد عرضت خدماتي عدة مرات، فأنا أحاول أن أنفع بلدي منذ سنة 2009، لكني اصطدمت بحالة من الانسداد، إذ يُفتَرض أن هناك مشاريع لتطوير اللقاحات و البحث مع معهد باستور، لكن الأمور لم تعرف تقدما و لم يحصل أي جديد، في حين أنه و في شهر جانفي الماضي فقط، تحدثت مع وزير الصحة و المدير العام بمعهد باستور في هذا الشأن، و رغم ذلك سأواصل العمل مع الجامعات الجزائرية كجامعات عنابة و بشار و العاصمة و البليدة و وهران، و استقبال الطلبة في مخبري لإعداد مذكراتهم، فمؤخرا فقط اتصلوا بي من جامعة بسكرة لمساعدتهم في إنشاء مخبر بحث، و هذا ما سأفعله، لكن ما تمنيته هو إجراء أبحاثي في الجزائر.
إذا فعدم إقحامك في إجراء الأبحاث بالجزائر، لم يثنِك عن مساعدة جامعات بلادك؟

صحيح، فأنا جزائري الدم و المولد و الجنسية، و ما أقوم به هو رد للجميل لوطني، و من الرائع بالنسبة لي أن وزيرة التعليم العالي و البحث و الابتكار الفرنسية، فريديريك فيدال، كرّمتني عن أبحاثي حول اللقاحات يوم الخامس جويلية الماضي، و هذا يعني لي الكثير، فهذا التاريخ يتصادف مع ذكرى عيد استقلال الجزائر.. والدي كان مجاهدا و قضى سنوات في محاربة المستعمر في صفوف جيش التحرير الوطني، فقط لعيش أبناؤه أحرارا في بلدهم، لذلك أعتبر أن ما حققته هو انتصار له حتى لو كان غير موجود بيننا.
تكريمي بفرنسا هو انتصار لوالدي المجاهد
حظيت بفرصة إجراء الأبحاث في فرنسا و الولايات المتحدة الأمريكية، هل وقفت على اختلافات في مناهج و سياسات البحث العلمي بين البلدين؟
نعم، هناك اختلافات كبيرة جدا، ففرنسا تعتمد في مختبرات البحث على أشخاص يتم توظيفهم بشكل دائم إلى غاية خروجهم للتقاعد، لكن في الولايات المتحدة الأمريكية، أغلب الباحثين متعاقدون يأتون من كل أنحاء العالم للإنتاج لصالح هذا البلد، بفضل المغريات المادية و الإمكانيات المتوفرة، و هو نفس ما يحدث مع الأدمغة الجزائرية التي تم استقطابها لتطوير البحث العلمي، حيث تُعطَى حرية التصرف لمدير المخبر سواء تعلق الأمر بالتوظيف أو غيره، لكن عليه بالمقابل الإنتاج و بكثرة. أمريكا أيضا سبقت أوروبا بعدة سنوات في مجال إنشاء المؤسسات التي تعتمد على عمل الباحثين و تسويق ما ينتجونه، و هي أمور بدأت أوروبا في تطبيقها مؤخرا.
أنت أيضا من الأدمغة الجزائرية التي تم استقطابها إلى مخابر البحث الأمريكية، كيف حدث ذلك؟
عندما بدأت الاشتغال على لقاح السيدا، التقيت عالما أمريكيا عرض علي العمل معه، فوافقت و بدأت أبحاثي بالولايات المتحدة الأمريكية منذ سنة 1993.
البحث العلمي بالجزائر يحتاج إلى إعادة تقييم
ما رأيك في مستوى البحث العلمي بالجزائر؟
ضعيف جدا و يعرف سوءا في التنظيم، فهناك أموال طائلة تصرف بطرق سيئة لا تشمل التقييم القبلي و البعدي، كما أن البحث العلمي بالجزائر غير مُحيّن و ما نحتاجه هو إعادة التفكير فيه و في تنظيمه.. أعتقد أن البحث يكون ذا نوعية إذا تم تقييمه بطريقة صحيحة و صارمة، و هذا ما اقترحته على وزارتي التعليم العالي و الصحة، فإذا لم تكن هناك مرافقة عميقة، ستضيع الكثير من الأموال على حساب الكم و النوع و الإنتاجية.
ي.ب

الرجوع إلى الأعلى