مازالت معضلة النفايات المنزلية بالجزائر تتفاقم بين سنة و أخرى، و تثير قلق الحكومة و حماة البيئة و السكان المنتج الأول للنفايات و المتسبب الرئيسي في انتشارها على نطاق واسع، وسط الأحياء و مداخل المدن و القرى، و على جوانب الطرقات و حتى في الوسط الطبيعي، الذي لم يسلم من الخطر المتصاعد، بعد ان تزايدت المفارغ العشوائية التي تكاد تخرج عن السيطرة.

فريد.غ        

و إدراكا منه للمخاطر البيئية و الصحية و الاقتصادية الناجمة عن تكدس النفايات المنزلية بالوسط الحضري، و إهدار فرص الاستفادة من هذا المورد المتجدد، أمر رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون في الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء باتخاذ المزيد من الإجراءات العملية الفعالة للحد من المخاطر البيئية الناجمة عن النفايات المنزلية، و التوجه نحو الاستثمار الهادف في هذا المورد الاقتصادي المستديم، و ذلك من خلال حزمة من الإجراءات و في مقدمتها إشراك المواطن في تعزيز الاهتمام بالبيئة الحضرية، و تكثيف حملات التحسيس و التوعية و دعم روح المنافسة بالوسط التربوي و بين الأحياء السكنية، للوصول إلى إطار معيشة جيد، و تشجيع الاستثمار في قطاع البيئة، و خاصة في مجال التحويل و استغلال النفايات المنزلية و الخاصة التي تعد ثروة اقتصادية حقيقية متجددة، حيث أعطى رئيس الجمهورية تعليمات إلى الحكومة لتيسير إجراءات الحصول على قروض بنكية لتمويل مشاريع المؤسسات النشطة في مجال الجمع و استرجاع النفايات المنزلية، و تحويلها إلى مادة أولية متجددة و داعمة للاقتصاد الوطني.  
وحسب الوكالة الوطنية للنفايات «أ.أن.دي» فإن الجزائر تنتج نحو 13.5 مليون طن سنويا من النفايات المنزلية، و لكن نسبة الاسترجاع و التحويل لا تتجاوز 9.83 بالمئة من هذه الكمية الضخمة التي تذهب هدرا دون ان يستفيد منها الاقتصاد الوطني. و بالرغم من نسبة الاسترجاع و التحويل الضعيفة بالجزائر فإنها تشكل قاعدة متينة لانطلاق صناعة التحويل و الاسترجاع بالجزائر، حيث وصل عدد المؤسسات الجزائرية النشطة في هذا المجال إلى 14 ألف مؤسسة على مستوى المركز الوطني للسجل التجاري حسب ما أعلنت عنه الوكالة مؤخرا.
وقد أشادت الوكالة الوطنية للنفايات بقرارات رئيس الجمهورية حول قطاع البيئة بالجزائر، و قالت بأنها ستعمل على تجسيد هذه القرارات على أرض الواقع، و اعتبرتها بمثابة مؤشر لتوجه جديد يدعم نظافة المحيط و يحمي البيئة و الصحة و يضع حدا للانبعاثات الغازية، عبر الاستثمار في عنصر الشباب و المجتمع المدني، متوقعة بأن هذه التدابير الهامة التي جديدة التي اتخذها مجلس الوزراء ستأتي بإضافة إيجابية للاقتصاد الوطني من خلال إنشاء الثروة  و مناصب عمل دائمة.
و ترى الوكالة التي تضطلع بمهمة التخطيط و التوجيه و الدعم، بأنه إذا لم تنتهج البلدية التخطيط في مجال إدارة النفايات المنزلية، فإننا سنبقى نشاهد ما وصفته بالمظاهر السلبية في أغلب بلديات الوطن، مؤكدة بأنها ستستمر في تذكير المواطنين و المجالس الشعبية البلدية بما يجب فعله تجاه معضلة النفايات دون الاتكال أو التعويل على وكالات التعاون الدولي، فالحل يجب أن يكون جزائريا. و مازالت أغلب بلديات الجزائر غير قادرة على التحكم في النفايات المنزلية التي أغرقت الأحياء السكنية و الطرقات و الطبيعة، و لم تعد مخططات الجمع و النقل مجدية خاصة بالبلديات الكبرى التي تعاني من تزايد كمية النفايات بين سنة و أخرى بعد ارتفاع الكثافة السكانية والاستهلاك، حيث تشكو العديد من البلديات من عجز في تعداد عمال النظافة وحظيرة النقل المكلفة للجهد و المال، و انعدام مؤسسات الجمع و الفرز و الاسترجاع، و نقص كبير في مراكز الردم المنظمة.  و لم تلق تجارب الفرز الأولي للنفايات المنزلية التي أطلقتها وزارة البيئة استجابة بأغلب بلديات الوطن، و إلا لكان الوضع مغايرا لما هو عليه اليوم، حيث فشلت تلك التجارب النموذجية بعد فترة قصيرة، و السبب دائما نقص الوعي لدى المواطنين باعتبارهم المصدر المنتج، و نقص مؤسسات الجمع و التحويل، و خاصة في مجال البلاستيك و الكارتون، حيث تبقى العملية مقتصرة على مراكز الردم التقني التي تعاني هي الأخرى من التشبع، ومازالت تبحث عن المزيد من الأراضي لردم ملايين الأطنان التي ينتجها الجزائريون كل عام. وتتكون النفايات المنزلية في الجزائر من مواد عضوية بنسبة كبيرة، و مواد أخرى كالبلاستيك و الورق و الكارتون، و الزجاج و حتى الخشب و الحديد و القماش، وبقايا البناء وبعض النفايات الخاصة التي أصبحت مثار قلق، حيث يشكو عمال النظافة في الجزائر من اختلاط النفايات المنزلية المعتادة مع النفايات الخاصة داخل حاويات الجمع، مما صعب من مهمة فرزها و نقلها إلى مراكز الردم و المفارغ العشوائية التي تنتظر حلولا جذرية للقضاء عليها و تطهير الطبيعة من مخاطرها الكبيرة كتلويث التربة و مصادر المياه الجوفية، والانبعاثات الغازية الناجمة عن الاحتراق المتواصل.

 

بحيرة حاسي بن عبدالله بورقلة
برامج لاستزراع الأسماك حفاظا على التنوع البيولوجي وحماية المياه من التلوث

وتتوفر ولاية ورقلة، على عدد من البحيرات والمناطق الرطبة، التي تحولت إلى وجهة سياحية لسكان المنطقة، والسياح القادمين من مختلف الوجهات، على غرار البحيرة المتواجدة بإقليم بلدية حاسي بن عبد الله التي تعد من بين أهم المناطق السياحية والأماكن الرطبة التي تساعد على التنوع البيولوجي والايكولوجي، لما تتوفر عليه من عوامل طبيعية، فضلا عن البرامج والمشاريع التي تصب في هذا الجانب و تهدف إلى الحفاظ على البيئة من خلال دعم الروابط الحيوية بين الكائنات الحية من نباتات وحيوانات وما يحيط من حولهم في الفضاء البيئي.

ع/ بوعبدالله

وقد كانت لنا زيارة إلى هذه البحيرة التي أضحت مقصدا للعائلات الورقلية لما توفره من فضاءات مريحة فضلا عن الجو المعتدل، حيث عادة ما تكون الوجهة المفضلة للهروب من الحر والبحث عن أماكن للنزهة، فضلا عن تحولها إلى مقصد للسياح ومكان مفضل لإقامة مختلف التظاهرات، غير أن البحيرة مازالت تعاني حسب ما استقيناه من تصريحات المواطنين وبعض الصيادين الهواة من نقائص عديدة، ما دفع بالسلطات المحلية إلى وضعها في واجهة الاهتمامات من خلال تسجيل مشاريع سياحية بيئية وإطلاق برامج لاستزراع الأسماك بمياه البحيرة، لحمايتها من التلوث، حيث سبق وأن كشفت دراسات وبحوث لطلبة من جامعة قاصدي مرباح بورقلة، حول الخصائص الفيزيوكيميائية لتربة ومياه هذه البحيرة ومدى ملاءمتها للمعايير البيئية، في دراسة امتدت لحوالي أربعة أشهر، اختار فيها الطلبة عدة مناطق من البحیرة لأخذ عينات من المياه، وأخذ عينتين من التربة، عن وجود تلوث في میاه البحیرة وتربتها، مقارنة مع النظم الدولیة كالمنظمة الدولیة للصحة العالمية و معاییرالجودة، مع تحديد أسباب التلوث التي تعود إلى مصدرالمیاه المتحجرة من میاه السقي الخاصة بالمستثمرات الفلاحية المجاورة للبحيرة، فضلا عن تراكم المواد العضویة لركود المياه بالبحيرة.
اختيار أنواع من الأسماك تحد من التلوث وتقضي على البعوض
وأكد هبيتة فوزي مدير غرفة الصيد البحري وتربية المائيات بولاية ورقلة، في حديثه للنصر، وجود اهتمام بالجانب البيئي على مستوى البحيرة، ووضعها ضمن برنامج استزراع صغار الأسماك في إطار تظاهرة موانئ وسدود زرقاء، و هي تظاهرة وطنية تعتني بالبحيرات والمجمعات المائية والبيئة وكل ما يتعلق بتربية المائيات، يتم من خلالها استزراع السمك الصغير للحفاظ على التنوع البيولوجي للمنطقة، والاهتمام بالجانب البيئي أكثر على مستوى هذه البحيرة، حيث لم تمنح رخص للصيد والاستغلال لكبار الصيادين، بهدف الحفاظ على الثروة السمكية بها، خلافا للسدود والمجمعات المائية الكبرى التي عادة ما تمنح رخص صيد للمستثمرين في هذا المجال، في حين أن مطلب الحفاظ على الثروة النباتية والحيوانية و حتميتها بالمنطقة كما أضاف جعل من فرص الصيد متاحة للهواة فقط من أجل المتعة والنزهة.
و أشار ذات المتحدث، إلى أن برنامج تربية المائيات والاستزراع يراعي طبيعة المنطقة والبحيرة، التي تعد مجمعا للمياه المالحة ناهيك عن توفرها على بعض النباتات، ما يحتم اختيار أنواع معينة من الأسماك التي يمكنها التعايش في هذه البيئة وتساعد هي الأخرى في الحفاظ على التنوع البيولوجي، على غرار سمك البلطي والنيلي والزيلي وأسماك القمبوزية التي تتلاءم مع مناخ الصحراء و تستزرع سنويا من أجل المكافحة البيولوجية لبيض البعوض و الناموس الذي يتكاثر بكثرة خلال موسم الحر بالبحيرة . وأوضح أن هذه التظاهرة تحظى باهتمام خاص من السلطات العليا، لتنويع الثروة بمناطق الجنوب وتربية المائيات، حيث تقام سنويا ويتم خلالها استزراع كميات هائلة سنويا من صغار الأسماك، في برنامج مدروس  ومجسد من قبل المركز الوطني للبحث و التنمية في الصيد البحري وتربية المائيات.
مشاريع بمقاربة سياحية  بيئية ستحول البحيرة إلى حديقة ساحرة
من جانبها، أكدت بزين فتيحة مديرة البيئة بولاية ورقلة للنصر، على الأهمية البالغة للبحيرات والمناطق الرطبة بالولايات الصحراوية، لما لها من فوائد ومزايا في تحقيق التوازن البيئي، وتوفير فضاءات ملائمة للساكنة.
و لأجل تجسيد هذا المطلب، أشارت إلى دراسة مشروع متكامل ببعد ومقاربة بيئية سياحية، لتحويل المكان إلى حديقة تتوسطها البحيرة، و يتم تجسيد المشروع من خلال اقامة مساحات خضراء وفضاءات للراحة والترفيه للكبار والأطفال الصغار، والحرص على تهيئةالمكان ومختلف الفضاءات والمرافق بمواد صديقة للبيئة على غرار الخشب وجذوع واسعف النخيل، مضيفة أن مشروع الحديقة في طريقه للتجسيد .
و أضافت ذات المتحدثة، على أن المشروع سيجعل من هذه البحيرة، مكسبا بطابع سياحي بيئي، يتم التركيز فيه على خلق فضاءات للنزهة والراحة، خاصة وأن البحيرة تتوسط كثبانا رملية من كل الجهات، ناهيك عن توفر المياه بالمنطقة ما يسمح بإنجاح مشروع الحديقة الخضراء والاهتمام بالمساحات الخضراء والواحات، وذلك في إطار مخطط شامل لإعادة الاعتبار وتثمين المناطق الرطبة وهذه البحيرة التي تتربع على مساحة تزيد عن 30 هكتارا .

أسرار البرية
شجرة «اللبخ» المعمرة
 العلامة الخضراء بساحة الثورة

تعد شجرة اللبخ المرن حسب التسمية العربية، إحدى المعالم القديمة والمميزة بساحة الثورة « الكور» بعنابة، تأخذ حيزا ومكانا واسعا من الجهة العلوية للقب النابض للمدينة، لا تزال صامدة لأكثر من 100 عام، بشكلها الغريب وجدعها الكبير مع أغصان نازلة من الأعلى على شكل عناقيد العنب، تشد نظر المارة و زوار ساحة الثورة، باعتبارها فضاء أخضر بامتياز يستقطب الباحثين عن خضرة الطبيعة.

وبحسب جمعية «عنابة التاريخ»، الشجرة معروفة بالاسم العربي «اللبخ المرن» تم غرس هذا النوع من الأشجار بين عامي 1903 و 1909 بعنابة، و تشير مصادر أخرى إلى غرس هذه الشجرة، مع الانطلاق في تشييد الساحة سنة 1800، كما قامت السلطات الاستعمارية بعدها بسنوات، بنزع هذا النوع من الأشجار من عدة ساحات وحدائق بعنابة، بعد قرار اتخذه حاكم « بونة» في تلك الفترة. كما تعرض هذا النوع من الأشجار عام 1942 حسب دراسات تاريخية، إلى قصف بقذائف خلال الحرب العالمية الثانية، حيث أتلفت أغلبها، ولم تقو على تجديد نفسها، حيث تم استبدالها بشجرة « الفيتوس» ذات المقومات الجمالية التي توفر الظل وتعمر طويلا.
من جهتها بادرت جمعية جذور لحماية التراث المادي واللامادي بولاية عنابة، في عدة مناسبات بالتنسيق مع بلدية عنابة ومديرية الثقافة،بغرس شجرة « العناب» في قلب ساحة الثورة، باعتبار هذه الشجرة تحمل دلالة رمزية، حيث كان يطلق على عنابة مدينة «العناب» لانتشار هذه الشجرة، التي اندثرت مع مرور السنين، وأصبح وجودها يقتصر على أعالي جبال الايذوغ وبعض المناطق وبشكل محدود.                                                  حسين دريدح

الرجوع إلى الأعلى