يحتفي المسلمون غدا الثلاثاء أو بعد غد الأربعاء بعيد الفطر المبارك، في أجواء إيمانية متوجين بذلك فرحتهم بصيام شهر رمضان المبارك ومتطلعين لتحقيق أبعاد تعبدية ونفسية واجتماعية وإنسانية ومقتفين أثر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سن لهم هذا العيد مع عيد الأضحى المبارك؛ فقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه قال: (كان لأهل المدينة في الجاهلية يومان من كل سنة يلعبون فيهما، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم: قال: كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيرا منهما: يوم الفطر، ويوم النحر) [أخرجه أبو داود، والنسائي، بإسناد صحيح]؛ بيد أن أفراح المسلمين بالعيد هذا العام تأتي ممتزجة بآلام وأحزان جراء ما يحدث لإخوانهم المسلمين في غزة خصوصا وفي فلسطين عموما من قتل وتجويع وتشريد لم يسبق له مثيل ، لدرجة أن البعض دعا لإلغاء مظاهر الاحتفال بالعيد هذا العام والاكتفاء بجانبه التعبدي فقط من صلاة وذكر ودعاء، فابتسامة طفل هنا يقابله صراخ طفل هناك..
إن العيد في الإسلام وما يرافقه من مظاهر تعبدية ونفسية واجتماعية دليل على شكر المسلم لربه سبحانه وتعالى ورضاه بما قسم له وحسن الظن به وترقبه لثواب عظيم تتويجا لصيامه.
وعلى المستوى النفسي فإن المسلم يفرح لأنه أدى فريضة الصيام وفيها من الأجر العظيم الذي ينتظره؛ كمن يتوج بعد عمل جاد ومتقن؛ قال تعالى: ((كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ)) [الحاقة:24] فقد قال البعض إنها نزلت في الصائمين، وقيل روي عن مجاهد وابن جبير ووكيع وإن كانت تفيد العموم، نزلت في الصائمين.وجاء في الحديث: (وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه) [البخاري ومسلم]، وفي الصحيحين عن النبي ﷺ: (إن في الجنة بابًا يقال له الريانُ، يدخلُ منه الصائمون، لا يدخل منه غيرهم)،فالصيام عبادة تستحق فرحا عظيما لعظيم ثوابها، ولذلك شرع الفرح في هذا اليوم وهذا الفرح لا ينافي اهتمام المسلم بأمور المسلمين وتألمه لمأساتهم في شتى بقاع الأرض لاسيما في فلسطين؛ بل إن الاحتفال بالعيد وما يحمله من بعد إسلامي عالمي يعزز ذاك الاهتمام، ويدفع المسلم للسؤال عن أحوال المسلمين ودعمهم ماديا وأدبيا بالمال والدعاء وبكل ما يحتاجونه حتى ترفع عنهم المأساة وتعود إليهم الأفراح، فلا يمكن للمسلم أن يستغرق في فرح بإطلاق دون أن يتذكر إخوانه المسلمين، فتذكرهم جزء من مظاهر إحياء العيد.
بل في صيغة من صيغ التكبير يوم العيد جهر المسلم بقوله: (الله أكبرُ كبيراً، والحمدُ للَّه كثيراًَ، وسُبْحانَ اللهِ بُكرةً وأصيلاً، لا إلهَ إلا اللهُ، ولا نعبدُ إلا إيَّاه، مخلصين له الدِّينَ ولو كره الكافرون، لا إله إلا اللهُ وحدَهُ، صدَقَ وعده، ونصرَ عبدَه، وهزم الأحزابَ وحده، لا إله إلا الله واللهُ أكبرُ)، دلالات كبيرة للفرحة والتحدي والدعاء بالنصر ؛ في كل تكبيرة يتلفظ بها المسلم يوم العيد إعلان انتصار وترقب له، انتصار على الظلم والظالمين، لأن الله تعالى أكبر وأعظم، كما تم الانتصار على النفس وترويضها وحملها على الصبر والصيام، وفي قول المسلم ‹ لا إله إلا اللهُ وحدَهُ، صدَقَ وعده، ونصرَ عبدَه، وهزم الأحزابَ وحده› دعاء بالنصر على الأعداء والغزاة، واستغاثة له تعالى بالمدد من عنده وثقة في نصر الله تعالى ووعده للمؤمنين بذلك، وتفاؤل بتجدد النصر  في فلسطين على الغزاة المحتلين الظالمين المعتدين كما كان النصر حليف المسلمين في غزوة الأحزاب التي تشابه في بعض مظاهرها مع ما يتعرض له الغزاويون، تلك الغزوة التي قال عنها الله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا  وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11))) [الأحزاب]، زكما تحقق النصر في غزوة الأحزاب يأمل المسلمون أن يتحقق في فلسطين.
فبين ألم وأمل يحتفل المسلم بالعيد مكبرا لله تعالى وحامدا له وثانيا عليه وموحدا، ومخلصا له وحده في عباداته، وواصلا رحمه في مثل هذا اليوم مشركا كل المسلمين في أجوائه رجالا ونساء وأطفالا وشيوخا، فالعيد فرحة عمرة تسع الجميع وتظهرهم في مظهر الوحدة والقوة والتفاؤل.
ع/خ

مــــــن آداب العيــــــــــــــد
لأن الاحتفال بالعيد وإن حمل أبعادا نفسية واجتماعية إلا أنه يظل شعيرة ذات بعد تعبدي ولذلك شرعت فيه صلاة العيد، مع جملة آداب أخرى دلت عليها الآثار النبوية منها:
صلاة العيد وهي سنة مؤكدة بأدلة كثيرة بعضها ظني الدلالة وبعضها قطعي الدلالة، منها قوله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ[ الكوثر: 2]، قيل إن أشهر الأقوال في المراد بهذه الصلاة أنها صلاة العيد،
 كما ثبتت مشروعيتها بالسمة النبوية فقد روى البخاري عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) حيث قال: «شهدت العيد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-وأبي بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهما-فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة». ويسن أن تؤدى في الصلوات بدل المساجد ويستحب خروج النساء والأطفال لها: لحديث أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (أَمَرَنَا النَّبِيَّ صلى الله وعليه وسلم أَنْ نُخْرِجَ فِي الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ وَأَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ) (متفق عليه).
ويشترط لصلاة العيد ما يشترط لسائر الصلوات من طهارة وستر واستقبال للقبلة، وخلو عن حيض ونفاس، وهي عند المالكية ركعتان، يكبر في الأول ست تكبيرات بعد تكبيرة الإحرام وفي الركعة الثانية خمس تكبيرات بعد تكبيرة القيام ووقت صلاة العيد يبدأ عند ارتفاع الشمس مقدار رمحٍ وينتهي بزوال الشمس؛ وتلي الركعتان خطبة كخطبة الجمعة، ويسن لأداء صلاة العيد:
-الاغتسال: لما ثبت عن نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلّى (رواه مالك)
-الفطر قبل الخروج للصلاة لما روي عن ابن المسيب قال: (كان المسلمون يأكلون يوم الفطر قبل الصلاة، ولا يفعلون ذلك يوم النحر) [سنن البيهقي]
-الذهاب من طريق والعودة من طريق آخر لما روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه-قال: (كان النبي-صلى الله عليه وسلم-إذا كان يوم عيد خالف الطريق) [البخاري]
-التكبير: ويبدأ من وقت الخروج للصلاة، وقد جاءت الإشارةإليه في آيات فرض صيام شهر رمضان في قوله-تعالى: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة: 185] قال الطبري: (الذكر الذي خصهم الله على تعظيمه به التكبير يوم الفطر فيما تأوله جماعة من أهل التأويل)  
كما يستحب يوم العيد عموما:
التزين باللباس والطيب: لما روي أن الرسول صلى الله وعليه وسلم كان يلبس للخروج إليهما أجمل ثيابه.
الفطر قبل الصلاة:فعَنْ أَنَسِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله وعليه وسلم لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ (وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا) (رواه البخاري).
-التهنئة بالعيد: فعن جبير بن نفير رضي الله عنه قال :( كان أصحاب رسول الله صلى الله وعليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض تقبل الله منا ومنك).
اللعب المباح:لقول النبي صلى الله وعليه وسلم لأهل المدينة: (كَانَ لَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا وَقَدْ أَبْدَلَكُمْ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى) (رواه أبو داود والنسائي).
صلة الرحم: لقول اللهِ سبحانه: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا. [النساء : 1]، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ». [البخاري]

فتاوى
llهل تخرج زكاة الفطر عن المولود ليلة العيد؟
إن ولد قبل الغروب فقد أخذ بجزء من شهر الصوم، وعليه فتخرج عنه، وإن ولد بعد الغروب فلم يأخذ بشيء منه فلا يخرج عنه، بخلاف عكسه فيمن مات فإنه إن مات قبل الغروب فلا يخرج عنه لأنه مات قبل وجوب زكاة الفطر، وإن مات بعد الغروب أخرجت عنه لكونه مات بعد ما دخل الوجوب، هكذا قرره فقهاء المالكية.
llهل صلاة العيد واجبة على المرأة المسلمة؟
صلاة العيد سنّة مؤكدة يخاطب بها كل من تلزمه الجمعة، فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وواظب عليها، وأمر بها وأخرج لها حتى النساء والصبيان، وهي شعيرة من شعائر الإسلام، ومظهر من مظاهره التي يتجلى فيها الإيمان والتقوى، فللمرأة أن تشهد صلاة العيد، وخروجها لها جائز سواء كانت بكرا، أو ثيبا، أو عجوزا أو شابة، وحتى الحائض لحديث أم عطية قالت:» أُمرنا أن نُخرج العواتق والحيّض في العيدين يشهدن الخير ودعوة المسلمين ويعتزل الحيّض المصلى» متفق عليه.لكـن تبقـى صلاة العيدين غير واجبة على المرأة كصلاة الجمعة.
موقع وزارة الشؤون الدينية

نساء غزة..  قصة ازدواجية معايير حقوق الإنسان
بعد أكثـر من ستة أشهر من العدوان على قطاع غزة. ها هم سكانها يعيشون حالة إنسانية مأساوية. بدأت بنزوح تلاه سكن في الخيام، لتبدأ بعدها رحلة البحث عما يبقيهم على قيد الحياة، وفي خضم هذا العدوان الهمجي تواجه المرأة الغزاوية كل الظروف التي لا تراعي كيانها وفطرتها،فالمعروف أن المرأة في الحالة الطبيعية معتادة على السير وفق نمط خاص من العناية والاهتمام بنفسها، وأول ما يمكن أن تواجهه في حالة الحرب فقدان كل ما يمكن أن يساعدها في البقاء على ذلك النمط.
فمما تحتاجه المرأة الفوط الصحية، منتجات التنظيف، ملابس نظيفة، المخدر والأدوية الخاصة بالحوامل التي أدى غيابها إلى فقدان أمهات وأجنة وأرحام... وقائمة طويلة من الضروريات الأخرى المفقودة في حياتها جعلتها في حيرة وتساؤل، هل كانت منظمات حقوق المرأة تستثنينا في خطاباتها؟ ولماذا هذه المنظمات تنزعج من حجاب وقوامة زوج  وولاية أب وتعدها ظلما وسطوة، بينما لا تنزعج من قتل  واغتصاب؟
بينما العالم يحتفي بالمرأة وما يخصها في مناسبات شكلية في العام عدة مرات، يجدر القول إن المرأة في غزة تم تهجيرها من منزلها غصبا من طرف الاحتلال الصهيوني، حيث قصفه بعد ذلك ورقص جنوده على الأنقاض واستولوا على ما بقي فيه من أغراض في سرقة وقحة على مرأى العالم أجمع دون أن يحرك أحد ساكنا.
بينما العالم يدعي نشر الحب والسلام. يجدر القول إنه خلال هذا العدوان تغيرت الحالة الاجتماعية لكثير من نساء غزة من متزوجة إلى أرملة أليس هذا اغتيالا للحب؟
وبينما العالم يحتفي بعيد الأم. يجدر القول إن آلاف الأمهات في غزة يبكين خسارة فلذات أكبادهن قصفا جوعا، عطشا. هكذا يتفنن المحتل الصهيوني في اجتثاث شعور الأمومة من قلوب الأمهات هناك.
فهل تكفي الورود الحمراء  والعطل مدفوعة الأجر ، يا منظمات حقوق المرأة و يا قادة العالم للاحتفاء بالمرأة؟ أم أن الأمر يتعلق بأكثـر وجوه الاحتفال سطحية ، بل هو استغباء واستخفاف بالمرأة ووجودها، هذه الانتقائية في نوعية النساء اللواتي تحارب لأجلهن الجمعيات العالمية لا تدل إلاّ على ازدواجية في المعايير.

الرجوع إلى الأعلى