أحيت أمس الأول، قرية آث لحسن ببلدية آث يني بتيزي وزو، الذكرى الخامسة لرحيل ابنها الفنان العالمي إيدير صاحب رائعة «أبابا إينوفا»، وذلك بعدة نشاطات فنية وثقافية.
وقد توافد محبو إيدير من مختلف المناطق، ليشاركوا أهالي بني يني لحظات الحنين والتقدير، حيث تم تنظيم وقفة ترحم على روحه ووضع إكليل من الزهور أمام النصب التذكاري الذي يحمل صورته على مستوى قريته آث لحسن، كما تم تنظيم معارض لصور فوتوغرافية توثق لمراحل مختلفة من حياته،
واحتضنت ابتدائية «الإخوة شنان» عدة محاضرات أبرزت مسيرته الحافلة بالعطاء والإبداع، وشهرته بأغنيته «أبابا إينوفا»، حيث أكد المنظمون أن الفنان إيدير كان سفيرا للأغنية الأمازيغية، ورمزا للهوية الجزائرية المتجذرة في أعماق التاريخ، وقد ألهم أجيالا من الفنانين بفضل أغانيه التي حملت بين طياتها قصصا من التراث الشعبي، وامتزجت فيها بساطة الحياة اليومية في القرى الجزائرية بجمال الطبيعة الخلابة، وحملت حكمة الأجداد وعمق التراث، وعبرت عن قضايا مجتمعه وهموم وطنه بصدق وعمق،
وأجمع المشاركون، أن الراحل إيدير سعى دائما من خلال أعماله إلى نشر رسائل السلام والتسامح والمحبة، فمن خلال فنه العالمي وجولاته وحفلاته في مختلف الدول والقارات، لعب دور الجسر الذي يربط بين الثقافات المختلفة، واستطاع أن يروج لجمالية الثقافة الأمازيغية وعمقها الإنساني، فكان سفيرا للثقافة الجزائرية والأمازيغية، ولم يكن يرى في الاختلاف الثقافي عائقا، بل مصدرا للثراء والإلهام، مبرزا أن أغنية «أبابا إينوفا» ببساطتها وعمق كلماتها، تجاوزت حدود اللغة وانتشرت في أنحاء العالم لتلامس قلوب الملايين، وترجمت إلى العديد من اللغات، لتصبح أيقونة فنية عالمية،
وأشار هؤلاء إلى أن الراحل وعلى الرغم من شهرته العالمية ونجاحه الكبير حافظ على تواضعه واحترامه العميق لجمهوره، مما أكسبه محبة الملايين الذين كانوا يتابعونه أينما حلّ وينتظرون جديده بشغف، موضحين أن إحياء ذكرى رحيل حميد شريات وهو الاسم الحقيقي لإيدير، هو فرصة للأجيال الصاعدة للتعرف على قيمة هذا الرمز الثقافي الذي استطاع بصوته وألحانه أن يحمل قضايا وطنه وثقافته إلى العالمية، كما أنها مبادرة قيمة للحفاظ على إرث فنان استثنائي، وتعزيز الوعي بأهمية رسالته الفنية، حيث يمثل هذا الحدث أيضا مناسبة للتأكيد على أهمية الفن ودوره في حفظ الذاكرة الجماعية وتعزيز الهوية الثقافية.
من جهتها، أكدت مديرة الثقافة لولاية تيزي وزو نبيلة قومزيان، أن هذا التكريم ليس مجرد إحياء لذكرى رحيل فنان، بل هو تأكيد على أن إرثه الفني لا يزال حيا ومتجددا في قلوب محبيه، وهو تعبير عن الفخر بابن منطقة آث يني الذي استطاع بصوته أن يحمل رسالة فنية وثقافية إلى العالم أجمع، وصدح صوته بالأغنية الأمازيغية إلى أبعد الحدود، ليخلد اسمه في سجلات الفن والتاريخ.
يذكر أن إيدير ولد يوم 25 أكتوبر 1949 بمرتفعات قرية آث لحسن في بلدية آث يني جنوب تيزي وزو، ونشأ في كنف عائلة محافظة متمسكة بعاداتها وتقاليدها، حيث لم تكن دراسته للجيولوجيا في الجامعة بالجزائر العاصمة سوى محطة مؤقتة في رحلته، فسرعان ما جذبه سحر الموسيقى، ليجد فيها وطنه الروحي ولغة تعبر عن أعماق وجدانه وانتمائه، وكانت أغنية «أبابا إينوفا» التي صدرت سنة 1976 بمثابة الشمعة التي أضاءت سماء فنه ليذهب بعيدا نحو العالمية، حيث سرعان ما تجاوزت حدود الجزائر لتصل إلى قلوب الملايين حول العالم، وتصبح رمزا للتراث الثقافي الغني لمنطقة القبائل.
ولم يتوقف إبداع إيدير عند هذا الحد، بل استمر في تقديم أعمال فنية راقية، تعكس جمالية اللغة والثقافة الأمازيغية، ومن بين أبرز روائعه التي تجاوزت حدود الوطن ووصلت إلى شتى بقاع الأرض «أيزواو» و «سندو» و»أذرارينو» وغيرها من الأغاني التي رسخت مكانته كأحد أبرز الفنانين في تاريخ الأغنية الجزائرية والأمازيغية، ولم تقتصر رسالته على التعبير الفني، بل امتدت لتشمل النضال السلمي من أجل الاعتراف بالهوية الأمازيغية كلغة وثقافة أصيلة في الجزائر.
حظي إيدير بتقدير واسع على المستويين الوطني والدولي، وحصد العديد من الجوائز والأوسمة تكريما لمسيرته الفنية وإسهاماته الثقافية، وبقي وفيا لأصوله وجذوره، ومحافظا على تواضعه وعفويته، مما زاد من محبة واحترام جمهوره له.
توفي إيدير يوم 2 ماي 2020 بفرنسا عن عمر ناهز 71 سنة، تاركا وراءه إرثا فنيا وثقافيا سيظل مصدر إلهام للأجيال القادمة، ويبقى صوته وألحانه العذبة وكلماته الصادقة حاضرة في قلوب محبيه، وشاهدا على عبقرية فنان استثنائي استطاع أن يجعل من الأغنية الأمازيغية صوتا عالميا مؤثرا.
سامية إخليف