سلطت الكاتبة والدكتورة نادية بوجلال، خلال جلسة قراءة حول كتابها الموسوم «قسنطينة والدراويش» «الحلي فلسفة وإبداع»، نظمت أمس بالمكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية «مصطفى نطور» بولاية قسنطينة، الضوء على البعد الفلسفي والإبداعي لفن الحلي التقليدي في المدينة، بوصفه مكونا حيا من الذاكرة الشعبية وجزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية القسنطينية.
وأشارت المتدخلة، في إطار نشاط «منتدى الكتاب» نظم احتفاء بشهر التراث، إلى أن جمعية العلماء المسلمين لعبت دورا محوريا في ترسيخ ثقافة الهوية الجزائرية الإسلامية، من خلال تشجيع المنتج الحرفي الوطني ومقاطعة المنتجات الفرنسية الاستعمارية، لا سيما في قطاع الصياغة والمجوهرات، مضيفة أن الجمعية شجعت اقتناء الحلي المصنع محليا.
وأوضحت الدكتورة، أن فن الصياغة يتمثل في منح المعادن النفيسة قيمة جمالية عبر الأشكال والزخارف ودقة الصنع، مؤكدة أن هذا الفن ارتبط تاريخيا بالمرأة القسنطينية التي لطالما كانت رمزا للذوق الرفيع والأناقة. فقد استعملت جميع أنواع الحلي، للتزين من الرأس حتى القدمين، ما يعكس علاقتها العميقة بالجمال كقيمة اجتماعية وثقافية.
كما أبرزت المتحدثة أن صناعة الحلي في قسنطينة تعد صناعة ذهبية فاخرة بدرجة أولى، لتأتي الفضة في درجة ثانية، حيث كانت رحبة الصوف، حسبها، أول فضاء يحتضن ورشات صناعة المجوهرات، قبل أن يتمكن الحرفي محمد منيعي سنة 1936 من افتتاح أول محل جزائري بفضل دعم وتوجيهات العلامة عبد الحميد بن باديس، رئيس جمعية العلماء المسلمين، الذي سعى إلى تكريس المقاومة الاقتصادية من خلال دعم المنتوج الوطني.وأفادت الأستاذة، أن جريدة «الشهاب» نشرت في عددها الصادر بتاريخ 22 فيفري 1939 إعلانا وصف المحل بأنه «إسلامي»، يمارس بيع وشراء الذهب والفضة، ويصنع الحلي وفق النمطين التقليدي والعصري، كما يقوم بإصلاح قطع الزينة القديمة بإتقان وبأسعار في متناول الجميع.
وأكدت بوجلال، على أن جمعية العلماء المسلمين لم تشجع فقط حرفة الصياغة، بل عملت أيضا على تجديدها وفتح المجال أمام التلاقح بين القديم والعصري، مع الحرص على الدقة والإتقان، والالتزام بأخلاقيات المهنة من جهة، وحماية الطابع التراثي للحرفة من جهة أخرى، بما يراعي الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمواطن الجزائري في تلك الحقبة.
وتعتبر الجزائر من البلدان التي اشتهرت منذ قرون خلت بالعديد من الحرف والصناعات والمهارات الفنية التقليدية خاصة في المدن التاريخية العريقة من بينها مدينة قسنطينة، حيث يجمع الباحثون، حسب المتدخلة، على أن الحلي في الجزائر قد ظهرت مع بداية العصر الحجري الأعلى، ثم تطورت في العصر الحجري الحديث سواء من الناحية التقنية أو المواد الأولية التي استعملت، إلى جانب الأصداف والعظم والحجارة، وما ترصده لنا الدراسات الحديثة عن تطور الحلي عبر التاريخ يبين أن مصوغات ما قبل التاريخ تشكلت من قشور بيض النعام، الأصداف والغوريات، وهي عناصر ذات دلالات وإيحاءات ورموز.
وأوضحت المتحدثة، بأنه في متحف الباردو و بجناح الفنون والتقاليد الشعبية بقصر الباي بقسنطينة عرضت لوحات فنية جميلة تختزل مراحل صناعة الحلي التي تعود إلى مرحلة ما قبل التاريخ، وتبرز أشكالا مختلفة استعملها إنسان تلك المنطقة لتزيين رقبته، كما تظهر تفرد مبدعون جزائريون في مجال صناعة الحلي والتحكم في تقنيات الزخرفة التي تطور مع مرور الزمن خلال الفترات التاريخية المختلفة كالتهذيب والتخريم والتفصيص والتطريق والحفر.
وتعرف منطقة القبائل، كما تقول الأستاذة، بحليها الفضية المزينة بالألوان وتختلف عن حلي المرأة الشاوية التي تعتمد على النقوش والزخارف، وعن حلي الطاسيلي ذات الأشكال الهندسية الرائعة، وعن حلي منطقة الشرق الجزائري التي تعتمد على معدن الذهب وضمت جميع أنواع الحلي كالأساور والخلاخل والأقراط والتيجان والخواتم والأحزمة المرصعة بالأحجار الكريمة وشبه الكريمة.
للإشارة فقد تم على هامش الجلسة، التي تميزت بحضور مثقفين ومهتمين بالتراث المحلي، تنظيم معرض فني خاص بمدينة قسنطينة للفنان رضا سحلب، قدم من خلاله لوحات تشكيلية تعكس جماليات المدينة وتفاصيلها المعمارية والتراثية، وكذا صور بالأبيض والأسود لنسوة يرتدين الحلي القسنطيني الأصيل.
وقد شهدت الفعالية كذلك بيع بالإهداء لمجموعة من الكتب لكل من الكاتبة مسعودة مصباح، وحبيبة نقوب، ونادية بوجلال، وسميرة بلخلف، وتكريم كل من الدكتورة قشي فاطمة الزهراء، والباحثة حليمة علي خوجة، نظير جهودهما في خدمة التراث والبحث الأكاديمي، بالإضافة إلى تكريم الشاعرين محمد شايطة وياسين بودراع.
لينة دلول