من حقّ المُبدع والفنّان أن يستفيد من عائدات إبداعه وفق القوانين والقواعد المُتعارف عليها عالميًا، ويتطلّب منه ذلك أن يكون مُبدعا وأن يحقّق "منتوجه" عائداتٍ، و فق منطق السّوق غير الرّحيم.. وكم سيكون رائعًا لو كانت العائدات كبيرة تضمن الرّفاه للمُشتغلين في مختلف حقول الفنّ، لأنّ ذلك يجعل المبدع مكتفيًا بما حَصّلَ، و يُنهي مشاهد "القِتال" على أبواب الرّيع ومظاهر التودّد لمسؤولي الثقافة!
و يفترض في جميع الحالات، أن يكون المُبدع قادرًا على قراءة المحيط الذي يتحرّك فيه، ويطرح الأسئلة الضروريّة، من نوع: كم ستبلغ مبيعات كتابي؟ هل ستغطي مداخيل فيلمي تكاليف إنتاجه؟ هل سيقبل الجمهور على مسرحيتي؟...
تمكّن الإجابة على الأسئلة المذكورة، مُعزّزة بالتجربة، السّائِل من معرفة طبيعة مُجتمعه بالشّكل الذي يجعله يتصرّف بواقعيّةٍ، ويتجنّب التّصرفات التي قد تضعه في مواضع سخريّةٍ، كادعاء العالميّة والتّأثير في المجتمع وإرباك السيّاسيين، وغيرها، كما تمكنّه من اختيّار أسلوبٍ في العيش، يجمع فيه بين النّشاط الوظيفي والإبداع باعتباره ولعًا ذاتيًا لا يمكن الاستغناء عنه، كما هو حال كثير من الكُتّاب في المجتمعات التي لا تقرأ الكتب، أو تُباع فيها الكتب بأرقامٍ ضئيلة لا تغني كاتبها وناشرها والماشي بينهما.
و لا شكّ أنّ دعم الدولة للثّقافة والفنون، ضرورة، في مجتمعات لم تتحوّل فيها النّشاطات المرتبطة بهما إلى صناعة واقتصاد قائم بذاته، وقد يدخل في صميم التنميّة البشريّة، لكنّ الانحرافات التي تمّ تسجيلها تحت عنوان الدعم، أنتجت طبقة منتفعة تحتاج إلى "فطام" مثلما يحتاج تسيير القطاع إلى حكامة تراعي الأبعاد الرمزيّة للثقافة وتضع "القيمة" ضمن أول الأهداف، لأنّ الفنون والآداب، هي الصّورة الحقيقيّة للأمم وهي عنوانها الذي قد يجعلها مرئيّة على المسرح الكوني أو مُغفلة، شريطة أن تخضع هذه الرّعاية إلى معايير الشفافيّة والاستحقاق، حتى لا تتحوّل إلى قيدٍ أو جزرة.
ويجب أن تكون هذه المعايير معلومة وأشبه ما تكون بعقدٍ بين المجموعة الوطنيّة وصنّاع الجمال، بشكلٍ يصون جسم الثقافة و كرامة المُبدع إذ يعفيه من رفع اللّوائح والمطالب التي قد تكون وجيهةً ونبيلةً في وجهِها الظاهر، لكنّها تُشير إلى الجزرة في وجهِها المُضمر!