الأحد 6 جويلية 2025 الموافق لـ 10 محرم 1447
Accueil Top Pub

يلتزمون منذ سنوات بتوفير حاجة المستشفيات: قصص متبرعين ينقذون الأرواح بدمائهم

حوَّل واهبون للدم من ولاية قسنطينة، أجسادهم إلى مضخات تخدم الإنسانية، حيث يتبرعون بانتظام لبنوك الدم و المستشفيات التي تكون في حاجة لمساعدتهم، وقد أصبح هذا العمل الخيري ضمن عاداتهم كل ما ناداهم واجب الإنسانية لإنقاذ حياة الأفراد خصوصا الحالات الحرجة منها.

إيناس كبير

يروي متبرعون للنصر، قصصا مؤثرة ومواقف إنسانية كانوا طرفا فيها جعلتهم يعكفون على هذه العادة، بل ويؤثرون في الناس والمقربين منهم تحديدا لحثهم على الالتحاق بهم وعدم التخلف عن واجب إنقاذ حياة البشر، وهو فعل يرون أنه غير حياتهم إيجابيا، حيث أصبحت أكثر فائدة كما جعلهم التبرع يفهمون معنى الألم والمعاناة.
أدرك محدثونا من خلال تجاربهم، قيمة الصحة ومشاركة الحياة مع الآخر بعد أن عايشوا حالات انكسار ودموع في أروقة المستشفيات، جعلتهم يستبشرون بالفرحة التي ترسمها قطرة دم على أوجه المحتاجين لها، كما اعتبروا التبرع بالدم من الحاجات الأساسية في المستشفيات خصوصا خلال موسم الصيف أين تكثر حوادث المرور.

* سليمان قريون متبرع بالدم منذ أكثر من 25 سنة
إنقاذ حياة الناس من أرقى المشاعر الإنسانية
عند الحديث مع السيد سليمان عن التزامه بالتبرع بالدم، يرد عليك بروح متحمسة وحب كبير لما يقوم به، فتظن لوهلة أنه شاب في العشرينات أو الثلاثينات مع أنه في الحقيقية ابن العقد الخامس من العمر، وقد بدأت قصته مع إنقاذ حياة الناس في التسعينات عندما كان طالبا بالمعهد التقني للإطارات الشباب.
يقول، إن مدير الدراسات هناك كان يذهب إلى مستشفى الأطفال بالمنصورة ويحضر برفقته الطاقم الطبي حاثا الطلبة على التبرع بالدم ومنذ تلك المرحلة بدأ مشواره التطوعي، مضيفا أن للمعني قصة مؤثرة لأنه كان والدا لطفل مريض في حاجة دائما إلى الدم لذلك كان السيد سليمان يذهب معه كمتبرع.
يستحضر محدثنا بحسرة صور أطفال مصابين بفقر الدم، وعبر أن المرض كان يمحي ملامح الطفولة من وجوههم، كما كان يتأثر كثيرا بالألم الرهيب الذي يصيب أجسادهم وهم ينتظرون أكياس الدم التي كان الحصول عليها صعبا جدا، لانعدام جمعية تسهر على تنظيم النشاط وجمع المتبرعين.
يتحدث الرجل، بحماس وروح شبابية عن اقتراب موعد تبرعه بالدم الذي ينتظره بفارغ الصبر كل ثلاثة أشهر، ويضيف أنه يشعر بالحزن أحيانا عندما لا يستطيع تلبية نداء المستغيثين لكنه يحاول ترك أثر ساعيا لمساعدتهم في البحث عن متبرعين آخرين.
ووصف المتبرع، الشعور الذي يعتريه وهو يبث الأمل في الآخرين بأنه راق جدا وتعجز الكلمات عن وصفه كونه سعي لتقديم حياة جديدة للآخرين، وفي هذا الصدد دعا الناس إلى التوجه للتبرع بالدم وتحويل هذا السلوك إلى ثقافة وعادة.
ويحافظ السيد سليمان، على صحته عند اقتراب موعد تبرع بالدم، مشيرا إلى أنه يحاول أن يتغذى جيدا ويكثر من شرب المياه، ويحرص ألا يصاب بمرض يضعف جسده، كما يحبذ أن يكون خاليا من آثار الأدوية، حتى لا يحول ذلك بينه بين والنشاط الذي يحب.
كما استطاع التأثير على ابنه الذي يبلغ 19 من عمره، وابنته التي تبرعت أول مرة وهي ابنة 21 سنة، ودفعهما ليصبحا متبرعين دائمين متمنيا لهما دوام الصحة حتى يستمرا في نجدة كل من يحتاجهما، ويواصلا مشوارا بدأه والدهما منذ أكثر من 25 سنة.

* حمزة روابح قائد كشفي ومتبرع دائم
تأثرت بحادث مرور ضحاياه من عائلة واحدة
يتذكر القائد في الكشافة الإسلامية حمزة روابح، صاحب 39 سنة، مواقف إنسانية جعلته يلتزم بالتبرع بالدم منذ أول تجربة له وهو ابن 22 سنة، قائلا إن أكثر ما أثر به هو حادث مرور ضحاياه من عائلة واحدة، ولأنه ساعد في نقل الجرحى إلى المستشفى فقد بقيت صورهم عالقة في ذهنه وتأثر بذلك كثيرا.
كما يعود بذاكرته إلى يوم ازدياد ابنته البكر، فعندما نقل زوجته إلى مصلحة الأم والطفل ب سيدي مبروك وجد شابين ينحدران من ولاية مجاورة يهرولان في الرواق باحثين عن متبرعين بالدم، مردفا أن شكوكا انتابته حولهما في بداية الأمر، لكن بعد أن سأل عنهما قيل له إنهما يساعدان في توفير أكياس دم للمحتاجين وهو سلوك إنساني يلتزمان به.
وعبر حمزة، أنه تأثر كثيرا بسلوكهما ما جعله يقتدي بهما ومنذ ذلك اليوم أصبح متبرعا دائما سواء في المسجد خلال شهر رمضان، أو في باقي الأيام حيث يتجه إلى المصحة بمعدل مرتين إلى ثلاث مرات في السنة.
وعبر محدثنا، أن الحياة مقدسة لذلك فإن السعادة التي يرسمها على أوجه المحتاجين إلى الدم تُشعره بالفخر، عاملا بأمره سبحانه وتعالى في الآية الكريمة «من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا»، وبحسبه، فإن التبرع بالدم يجب أن يتحول إلى ثقافة، والسعي لإنقاذ حياة الناس لابد أن يكون جزءا من حياة أفراد المجتمع.
ويعتبر الشاب التطوع في هذا المجال مدرسة، يخرج منها بعبر يومية أهمها أن «الصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء» ويجب المحافظة عليها لأن الإنسان حسبه لا يشعر بفقدانها إلا عندما يكون طريح الفراش.
ويحاول أيضا، التأثير في المقربين منه ومحيطه ودفعهم للتبرع بالدم، كما لا يغفل عن ترسيخ الفكرة في أذهان الأطفال الذين يتعامل معهم في الكشافة الإسلامية، وذلك من خلال ورشات وألعاب يفهمون بفضلها قيمة هذا النشاط، فضلا عن مشاركته في تنظيم حملات تحسيسية مع الجمعيات الناشطة في الميدان.

* عدلان بن حسان متبرع منذ حوالي 10 سنوات
تأثرت بدموع الآباء على أطفالهم
لم تكن دموع آباء ذرفوها على حال أطفالهم المحتاجين لأكياس دم في المستشفيات هينة على عدلان، فقد حول موقف مسار حياته حين عايش تجربة والد كان يعاني لإنقاذ ابنه المريض بالمستشفى الجامعي ابن باديس بقسنطينة، و ذلك المشهد تكرر مرارا أمامه حينما كان يقصد المستشفى ضمن حملات للتبرع بالدم، باعتباره رئيسا سابقا لجمعية تنشط في ا لمجال، حيث بات يدرك أن التبرع ليس مجرد عمل خيري روتيني بل هي هبة قد تنقذ البشر.
يقول، إنه التقى برجل ينحدر من ولاية تبسة كان يبكي بحرقة لأجل ابنته النائمة في الغرفة تنتظر كيس دم، مضيفا أن الأب عندما تعرف على صفته أمسك يده مترجيا «أحضر لي كيس دم من فضلك ابنتي تموت»، عندها طمأنه بأنه سيكون أول متبرع لها.
أخبرنا، أن نظرة الرجل إليه في تلك اللحظة كانت مليئة بالأمل، أما الفتاة فقد ابتسمت بطمأنينة، وبالرغم من أن عدلان كان مستعجلا لقضاء أشغاله إلا أن الفتاة ودموع والدها استحوذا على تفكيره، يقول «أنهيت مهمتي وأنا أردد لعله خير، وقد تذكرت حينها أن قضاء حوائج الناس يساعد في قضاء حوائج العبد» وهو تحديدا ما حدث معه، فقد أنهى المهمة التي جاء لأجلها في الأصل بكل سهولة ودون تعقيدات.
ومن الحالات التي لازمه التفكير بها أيضا، يذكر اتصال أب آخر به يترجاه ليجد له متبرعين لابنته، وقد بذل كل ما يستطيع لتسهيل ذلك، قائلا إن الرجل أغدق على المتبرعين بمشاعر الطيبة وكان حريصا على توفير الجو الملائم لهم رغم أنه كان خائفا يردد «ابنتي ستضيع من بين يدي».
يردف عدلان» طمأنته بأني سوف أساعده حتى النهاية، وأني سأجد له من يتبرع بزمرة الدم المطلوبة مهما حصل فبكى الرجل في تلك اللحظة». وعبر المتحدث، أن أهالي المرضى وبالأخص من الولايات البعيدة يعانون ويتعبون كثيرا في رحلة البحث عن متبرعين بالدم خصوصا في مصلحة الأطفال، وهي من المواقف الصعبة التي جعلته يسعى لنشر ثقافة التبرع بالدم ويكون سببا في إسعاد الناس وإعادة الأمل لهم.
يشعر الشاب، بسعادة تغمره في كل مرة يتبرع بالدم إلى أن تحول هذا النشاط إلى عادة تلازمه منذ أكثر من 10 سنوات، وقد اعتاد على تلبية نداءات المحتاجين لزمرة دمه، حتى إنه نشر رقمه على منصات إلكترونية متخصصة في المجال ليكون متاحا لكل لمن يطلبه.
بنوك الدم في قسنطينة تعاني نقصا
وأفاد رئيس جمعية المتبرعين بالدم لولاية قسنطينة سابقا، عدلان بن حسان، أن إحصائيات سنة 2024 كشفت أن معدلات التبرع بالدم في الجزائر ارتفعت مقارنة بما كانت عليه في السنوات الماضية، فعلى المستوى الوطني وصلت النسبة إلى 6.62 بالمائة، أما بالنسبة لقسنطينة فأوضح أن النسبة ارتفعت لكنها غير كافية.
وأرجع المتحدث السبب، إلى أن الولاية تعد مقصدا لمرضى من عدة ولايات أخرى، لذلك يركزون على المستشفيات الأربعة الرئيسية في توفير أكياس الدم، وهي المستشفى الجامعي ابن باديس، مستشفى الأم والطفل بسيدي مبروك ومصلحة الأطفال بالمنصورة، بالإضافة إلى مستشفى الكلى، ومستشفى أمراض القلب، مضيفا أنه يوجد نقص كبير في بنوك الدم المتواجدة بالولاية.
وتفاديا للندرة اقترح المتحدث جملة من الحلول خصوصا خلال فصل الصيف أين تكثر حوادث المرور، وذكر التركيز على تنشيط الحملات التحسيسية في الفضاءات العمومية المستقطبة للعائلات ليلا، وتغيير توقيت عمل مراكز نقل الدم خصوصا في المستشفى الجامعي، معتبرا أن الوقت الأنسب هو ابتداء من الساعة الثالثة مساء، حتى يتمكن الموظفون من التنقل للتبرع بالدم بعد نهاية دوامهم.
ومن العراقيل التي يعرفها ميدان التبرع بالدم، وفقا لما ذكره المتحدث الافتقار إلى متطوعين دائمين بالدم في الجزائر، أين ينتشر التبرع العائلي فقط، وعقب أن أفراد المجتمع بحاجة إلى غرس هذه الثقافة لديهم والتحسيس على مستويات واسعة تشمل كل الفئات العمرية، بالإضافة إلى التوعية في جانب تكذيب الإشاعات، مؤكدا أن الجزائر تعد من البلدان القليلة في العالم التي لا تبيع الدم.
إ.ك

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com