عادت موضة « الأنتيكا»، أو التحف و الأواني والديكوارت القديمة إلى الواجهة بقوة هذه الفترة، وصارت رائجة جدا بين جزائريات فضلن اعتمادها لتزيين منازلهن واستعادة عبق وأصالة وأناقة الماضي، حيث صارت محلات بيع المستعمل أو « البروكونت» وجهة أولى للعديد من السيدات اللواتي يتنافسن على نشر صور جديدة لمقتنياتهن على مواقع التواصل، ولا يتوانين عن دفع مبلغ 30ألف دج أو أكثر للحصول على طقم صحون أو فناجين شاي قديم يحمل ختما معينا أو نقشا بعينه.
ويشمل الطلب على هذه القطع القديمة الأواني وبعض الأدوات النحاسية وفناجين وصحون الخزف، والدمى القديمة، وحتى الأباريق و الصواني وغيرها من الأشياء ذات الاستخدامات المنزلية المتعددة سواء داخل المطبخ، أو في الحمام، أو في غرفة المعيشة، وحتى بعض الأشياء التي تخص تسريح الشعر وتعبئة العطر وتزيين الجدران و غير ذلك من القطع التي باتت رائجة جدا بل وموضة تعبر عن الأناقة وسحر الماضي وتحمل معها كثيرا من الذكريات.
ورغم توفر المنتجات العصرية و تنوعها، إلا أن هناك موجة عكسية باتت تفرض نفسها بقوة في الفترة الأخيرة، يحركها الحنين إلى الماضي و الرغبة في استعادة الدفء الذي كان يميز المنازل، وتعتبر عائلات بأن استعادة جزء من الديكورات والوسائل القديمة مهم لإعطاء هوية للبيت خاصة عند استخدام النحاس، والخزف، والفخار، والجلد المشغول والزرابي المنسوجة من الصوف و الوبر وغير ذلك.
تقديمات القهوة.. حكاية هوية
تقول السيدة ياسمينة من قسنطينة، وهي عاشقة للأواني التراثية والقطع القديمة «عندما أحضر القهوة في الجزوة أو الإبريق وأقدمها في صينية النحاس الصفراء الدائرية الصغيرة، مع فناجين القهوة المزركشة بالورود الملونة، لا أشعر أني أقدم قهوة عادية، بل أقدم ذكرى وأروي قصة من طفولتي».
وتضيف المتحدثة، أنه في مختلف المناطق، تبقى طقوس تقديم القهوة مفعمة بالرمزية، ومهما اختلفت المدن من الجزائر إلى قسنطينة إلى تلمسان، يحرص من يقدسون الأصالة على تقديمها في الأواني التي ترمز لتاريخ البيوت وتراثها.
من جهتها عبرت منال، المهتمة كذلك بجمع هذه التحفة كما تسميها، عن قيمة كل قطعة بالقول بأنها لا تشتري فنجانا أو صحنا فقط عندما تقصد محلا للأنتيكا، بل تشتري ذكرى وتعيد الاحتفاظ بها بشكل مادي.
وتعكس مواقع التواصل الاجتماعي وبالأخص إنستغرام هذا التوجه بقوة خصوصا وأن هناك شابات مغتربات التحقن بالركب ونشرن فيديوهات لهن وهن في محلات المستعمل في الجزائر، يبحثن عن متاع تراثي يحملنه معهن إلى الخارج ليكون وعاء حافظا للذكريات، وتعبيرا عن الهوية، إذ يركزن على أطقم الشاي والقهوة وبعض الأدوات النحاسية.
حين تتحول الأواني والديكورات إلى وعاء للذاكرة
حدثتنا السيدة سامية، عن علاقتها الوثيقة بكل ما هو تقليدي خاصة الأواني والديكورات المنزلية التي تشتريها من باردو بقسنطينة، ومن كل مكان تزوره في الجزائر تقريبا، كما ورثت مجموعة كبيرة من هذه التحف من والدتها و أورثتها إياها جدتها، مما يعطيها قيمة تاريخية وتراثية كبيرة.
الاهتمام بالتراث لم يقف عند أدوات المطبخ فحسب، بل امتد إلى الديكورات الداخلية، حيث أصبحت القطع التراثية جزءا من الهوية البصرية للكثير من البيوت الجزائرية، أين نرى العديد من البيوت العصرية تتوفر على أركان تضم جلسات تقليدية، وديكورات نحاسية، أو فخارية، وزرابي من منسج الصوف الأصلي، وهو توجه يبرز بشكل كبير في المدن الكبرى العريقة كقسنطينة، وتلمسان والعاصمة.وفي خضم هذا الإهتمام توجه البعض لتوفير هذه المنتجات بكثرة خصوصا محلات الأنتيكا التي استعادت زبائنها، وصارت تعرض تشكيلات متنوعة تضم كل ما يمكن استعماله في المنزل تقريبا، بما في ذلك الأثاث القديم، والأواني الخزفية، والديكورات الخشبية، وحتى اللوحات و المفروشات والوسائد المطرزة باليد.وبعيدا عن حدود الوطن، يمتد تأثير هذا التعلق بالتراث إلى خارج الوطن و تحديدا لدى مغتربين جزائريين، يسعون لتثمين تراثهم وتقديم هويتهم من خلال الديكورات المختلفة.
تعرف السيدة نسيمة المقيمة في فرنسا، وصاحبة صفحة «فن الحياة الجزائرية»، من خلالها مواقع التواصل صورة عن تراثنا الجزائري الأصيلا، وتحاول أن تكرس حضوره الدائم حتى في لباسها وجلساتها العاصمية الأصيلة، بتفاصيل دقيقة تسافر بمتابعيها إلى القصبة من خلال «الكازاكا، والسروال المدور».
ولا تستعمل في يومياتها أي أدوات كهربائية، سوى أدوات بسيطة لتحضير وتقديم طعامهم والقهوة، مع توظيف دائم للنحاس، والخزف والفخار.
لمسة من الدفء والحنين.. هوية لا تموت
ويروج البعض لهذا التراث كنوع من الموضة الجزائرية، خصوصا صناع المحتوى المتخصصين في الديكور أو تحضير الطعام والذين يحرصون على القيام بذلك باستعمال أدوات قديمة، من جهتهم يعتبر آخرون هذا التوجه تعبيرا عن الهوية الجزائرية و محاولة للحفاظ عليها، في زمن العولمة التي ابتلعت كل الثقافات.ويعتبر هؤلاء، أن الأواني القديمة والديكورات التقليدية ليست مجرد أدوات للطبخ أو الزينة، بل تمثل شاهدا على ذاكرة أمة وإرثا حضاريا عريق لا يجب إهماله، بل من المهم تكريس حضور في البيوت اليوم.
إيمان زياري