الثلاثاء 8 جويلية 2025 الموافق لـ 12 محرم 1447
Accueil Top Pub

سلوكيات خطيرة مشوهة نتاج العالم الافتراضي: الصدمة ولفت الانتباه أبرز معالم « سيكولوجية المجرم الجديد»

صُدم متابعون من التناول الالكتروني لجرائم حصلت مؤخرا، وقد ركزت أغلب المنشورات المتداولة على صفحات وحسابات على وصف حيثيات تنفيذ الجريمة، ولم يجر الحديث حول القتل المتعارف عليه فقط بل وجد المتلقي نفسه أمام إعادة تصوير مشاهد بشعة مثل تعذيب الضحية قبل الوفاة، التجويع، ثم التنكيل بالجثة، سلوكيات جعلت السؤال يدور حول «سيكولوجية المجرم الجديد»، واحتمال تدخل البيئة الرقمية في تشكيل دوافعه لممارسة العنف الجسدي.

إعداد / إيناس كبير

تحولت مجموعات «فايسبوكية» وصفحات مجهولة المصدر على مدار الأشهر الماضية، وفق ما رصدته النصر، إلى قاعات تحقيق لفك ألغاز جرائم حدثت مؤخرا، واختلفت الأدوار في التعليقات بين تحليل الأحداث زعما من أصحابها أنها تساعد على توقيف متهمين، ونشر معلومات حول مكان إخفاء ضحايا، وصولا إلى نشر فيديوهات موثقة من طرف متهمين أثناء ممارسة العنف على ضحاياهم ومن المقاطع الصادمة تداول «فيديو» لاعتداء منحرفين على قاصر بكلب، وفيديو انتشر على «تيك توك» يوثق لاعتداء جسدي على شخص.
وهي حالة وصفتها الأغلبية بأنها «فوضى إلكترونية» سببت ضغطا داخل المجتمع وجعلت حالة الهلع تزيد خصوصا بعد تكثيف النشر تقريبا بشكل يومي وكانت الأخبار المغلوطة سيدة الموقف، وبناء على طبيعتها لاحظنا أن معظمها يعتمد على التهويل في وصف تفاصيل الجريمة وكأن المتلقي يشاهد فيلم رعب بطله «سايكوباثي»، وعلى معدلات وتوقيت النشر تحديدا، الذي يكون عادة من الساعة السادسة مساء إلى منتصف الليل، وهي الفترة التي يؤكد مختصون في التسويق الرقمي أنها مناسبة للتواجد على مواقع التواصل الاجتماعي، والمبالغة في رفع عدد المتهمين، ولرفع مستوى الإثارة توصل بهم الأمر إلى اختلاق قصص واتهام أقارب وأفراد من أسر ضحايا خصوصا عندما يتعلق الأمر بضحية أنثى.
ويقول مصدر من منطقة شهدت حادثة من هذا النوع، أن التداول الالكتروني لهذا النوع من الأحداث خصوصا وأنها وقعت في أوقات متقاربة، جعل سكان ولايات مجاورة يستغربون من خطورة ما يحصل، وقد لمس ذلك في إحدى زياراته وتواصله مع أصحاب محلات هناك، مضيفا أن الخوف كان يسيطر على حديثهم بسبب المتابعة اليومية لصفحات وحسابات كانت تنشر عن الظاهرة بطريقة وصفها مختصون في علم النفس، وعلوم الاعلام والاتصال، وعلم الاجتماع تحدثت معهم النصر أنها خاطئة.
وبالإضافة إلى ما نُشر على «فايسبوك»، وإنستغرام» لاحظنا من خلال تعليقات على مجموعات إلكترونية تأثرا لافتا بعالم الجريمة وقصص السجون لاسيما لدى الجنس اللطيف، يتعرض إليها مستخدمون في شكل «فيديوهات» طويلة عبر «يوتيوب»، وقد رصدنا بعض الإحصائيات لما يُنشر على هذه المنصة من بينها صفحة جزائرية متخصصة في التدوين الصوتي عن فظائع حصلت فترة العشرية السوداء يصل عدد متابعيها إلى أكثر من مليون متابع، إذ حقق آخر فيديو لها من هذا النوع نُشر خلال الشهر الجاري أكثر من 174 ألف مشاهدة، حوالي 5 آلاف إعجاب، و472 تعليقا.
منصات العرض الإلكترونية جعلت العنف «مباحا»
ومما لاحظناه أيضا أن منصات العرض الالكترونية أصبحت تتوجه نحو عرض وثائقيات القتلة المتسلسلين أشهرها وثائقي «جيفري دامر» وقد لاقى تفاعلا عالميا، ووثائقي «جزيرة جيفري إبستاين» يتحدث عن رجل أعمال كان يُتاجر بقاصرات، وكذا السلسلة الكورية «سكويد غايم» وتدور قصتها عن اختطاف أشخاص وسجنهم في جزيرة ليمارسوا مجموعة من الألعاب من أجل الحصول على أموال والخاسر يتعرض للقتل ليتبين فيما بعد أن المشاركين مخطوفون من قِبل شبكة تتاجر بالأعضاء البشرية.
ظواهر جديدة يرى مختصون أنها تشكلت تحت تأثير تنشئة العالم الافتراضي التي نزعت، حسبهم، عباءة الأخلاقيات واحترام الضوابط الاجتماعية عن بعض السلوكيات وجعلت «العنف مباحا» أمام صورة يريد منحرفون تكريسها لأنفسهم باحثين عن الاعتراف الالكتروني.

* نصر الدين بوزيان، بروفيسور وأستاذ علوم الإعلام والاتصال
صفحات غير خاضعة لضوابط أخلاقية ومجتمعية
أوضح البروفيسور نصر الدين بوزيان، أستاذ علوم الاعلام والاتصال بجامعة صالح بوبنيدر قسنطينة 03، أن الدراسات حول نشر وسائل الإعلام لمضامين العنف بدأت في الستينات مع ظهور التلفزيون، وتوصلت إلى أن العنف الرمزي يتحول لفعل واقعي في المجتمعات، وقد أثيرت موجة احتجاجات حينها من طرف منظمات طالبت القائمين على هذه الوسيلة بالامتناع عن نشر مشاهد تحرض على الجريمة.
وأردف بوزيان أن هذه المضامين والصور تساهم في تفشي الجريمة خصوصا لدى أشخاص مؤهلين نفسيا لتبني سلوك انحرافي بسبب معاناتهم من مشاكل نفسية وأخرى في تكوين الشخصية، معقبا أن هذه المشاهد تؤثر في كل المتلقين لكن بمستويات متفاوتة، وذكر فئة تستغلها كرد فعل عن مكبوتات تُترجم في تقليد بعض المشاهد، وفئة ثانية أكثر هشاشة تتمثل في الأطفال بحكم أنهم في مرحلة تكوين الشخصية، لذلك فإن التأثير عليهم يكون مباشرا، أما التأثير الثالث وفقا لدراسات أشار إليها البروفيسور فإنه يكون على التفاعل مع الجريمة في حد ذاتها، فالتعرض المفرط لهذه المضامين يجعل الناس يعتادون على الفعل رغم شذوذه.
وفي سياق متصل قال المتحدث، إن المعضلة سابقا لم تكن بالوقع ذاته عندما كانت تُنشر على وسائل إعلام بفعل وقوف هيئات وسلطات مراقبة وضابطة، أما في عصر منصات التواصل الحديثة فقد أفرزت عددا كبيرا من المستخدمين والفاعلين من مختلف مناطق العالم وبمستويات متنوعة، يضيف بوزيان أن الإشكال الأكبر يكمن في أن الناشرين على الصفحات والمجموعات غير متخصصين ولا يراعون أخلاقيات المجتمع ومصلحته، والكرامة الإنسانية، وحقوق الإنسان، ناهيك عن ضوابط أخرى مرتبطة بسيرورة التحقيق والتشويش عليه بسبب نشر معلومات مضللة للرأي العالم خصوصا في قضايا الاختطاف والقتل التي تجعل جهاز القضاء يعمل في ظروف غير عادية.
وتحدث في هذا الجانب عن دوافع النشر على المنصات الالكترونية لاسيما البحث عن الاعجاب، الانتشار، والشهرة، أو العائد المالي عما يحصده «الفيديو» من تفاعل ومشاركة خصوصا على منصة «تيك توك» التي تتعامل وفقا لهذا المبدأ، ويرى الأستاذ أن هذا التوجه سبب مع الوقت «هوس النشر»، أما عن اهتمام مستخدمين بعالم الجريمة أفاد أنه، مرتبط بالبحث عن الأمن ومراقبة البيئة التي يعيشون فيها بمتابعة أخبار ما يحصل في أحياء، ومدن، والبلد ككل.
وعرج الأستاذ إلى وصف الجرائم البشعة، ومن وجهة نظره فإن هذه الأخيرة موجودة منذ القدم لكن المشكلة الحاصلة في المجتمعات المعاصرة هي تضخيم تفاصيلها ونقلها إلى المتلقي، الأمر الذي تسبب في الإساءة إلى صورة مدن، أحياء وأشخاص ويتعدى الأمر أحيانا إلى أجهزة، مما يعطي انطباعا عن غياب الأمن، حسبه، ويؤثر بطريقة سلبية على الرأي العام خصوصا في بعض القضايا التي تهز الرأي العام مثل جرائم الأطفال.
الجريمة في الجزائر تُنفذ في إطار محدود
أما عن توثيق الجرائم فقد اعتبر البروفيسور نصر الدين بوزيان، أستاذ علوم الاعلام والاتصال، أن هذا السلوك يُفسر وفقا لبعدين الأول المفاخرة بالجريمة، والثاني رغبة المجرم في تشكيل صورة له داخل المجتمع وبناء اسم في عالم الجريمة، ناهيك عن التقليد الذي وسم اللغة الاجرامية، وهي ظواهر يرى أنها جديدة في المجتمع جاءت من ثقافات أجنبية تكرس لها أفلام ومسلسلات الجرائم والتحقيقات، وقال المتحدث، إن أبطالها يكونون بمعايير معينة يواجهون مجرما خطيرا وفي إطار الحبكة تُضمن أفكارا يمكن أن يستغلها المجرم أو تنبهه لسلوكيات ومعلومات يتبناها في الفعل الإجرامي.
وفي إجابته عن سؤال «إذا كان هناك نشاط لسوق «ديب ويب» أو «الانترنت» المظلمة في الجزائر» توجه منحرفين إلى تصوير سلوكيات خطيرة وعنيفة يقومون بها ضد ضحاياهم، أكد البروفيسور أن نطاق الجريمة مازال محدودا والأجهزة الأمنية متحكمة في زمام الأمور، فضلا عن أن التشريعات القانونية تواكب التحولات الجديدة، معقبا أن الحديث اليوم يدور حول التداول الواسع مثل النشر في مجموعات خاطئة، أو إعادة مشاهدة الفيديوهات بين الجماعة المنحرفة في حد ذاتها لكنها في غالب الأحيان تتسرب وتصل في وقت قياسي إلى الأمن.

* نوال مامي عبد اللطيف بروفيسور وباحثة في علم النفس
عوامل نفسية جديدة خرجت من العالم الافتراضي
وحول التأثر المتزايد لعقول شباب بعالم الجريمة وانحراف سلوكهم، أوضحت البروفيسور والباحثة في علم النفس من جامعة سطيف، نوال مامي عبد اللطيف، أنه يُفسَّر نفسيًا بانخفاض مناعتهم النفسية أمام مؤثرات خارجية قوية، وسط فراغ تربوي وعاطفي، وانفصال عن المرجعيات الدينية والقيمية، يُضاف إليها عامل المخدرات الذي يُعد اليوم، وفقا لها، محفزًا خطيرًا لتشويه الإدراك، ضعف السيطرة العصبية، وتفجير السلوك العدواني أو التهوري، ما يجعل منحرفون يقدمون في كثير من الحالات على الجريمة إما بدافع التقليد، أو ملء الفراغ الداخلي، أو للحصول على المال لشراء مواد مخدرة.
وترى البروفيسور أن العصر الحالي أخرج «نماذج لمجرمين جُدد» بسلوكيات وخلفيات نفسية واجتماعية حديثة ومعقدة، متأثرين بعدة عوامل ذكرت منها الانفجار الرقمي، التعرض اليومي للعنف المرئي ومحتوى مشوه من دون حماية أو تأطير خصوصا لدى مراهقين، وتفكك الأسرة وغياب الحوار مع الأبناء، وغياب أماكن الترفيه الموجه والاحتواء النفسي الحقيقي للمراهقين، وغياب النصيحة الصادقة.
تحدثت عبد اللطيف أيضا عن تأثير الاضطرابات النفسية الحديثة وظهور أنماط إجرامية جديدة، مؤكدة أن الأبحاث السريرية أثبتت العلاقة بين هذين الفاعلين فالأفراد الذين يعانون من اضطرابات مثل الاكتئاب الحاد المصحوب بنوبات عدوانية، القلق المرضي المزمن المؤدي للانفجار أو الانهيار، واضطرابات الشخصية الحدية أو «السيكوباتية»، هم أكثر عُرضة لتبني سلوكيات عنيفة أو إجرامية إذا لم يتم التكفل بهم نفسيًا واجتماعيًا، وتتضاعف الخطورة، وفقا لها، حين يقترن الاضطراب النفسي بتعاطي المخدرات، حيث يفقد الفرد السيطرة الكاملة على قراراته ودوافعه.
ووفقا للتصنيف النفسي والاجتماعي أفادت الباحثة في علم النفس، أنه يمكن التمييز بين أصناف من المجرمين، وأشارت إلى «المجرم الانفعالي» الذي يتصرف بناء على رد فعل سواء تعلق الأمر باستفزاز، ظلم حقيقي أو متخيل، «المجرم السيكوباتي» الذي يفتقد إلى القدرة على التعاطف ويتصف بسلوك بارد ومخطط، «المجرم تحت تأثير المخدرات» غالبًا ما يرتكب جرائم خطيرة نتيجة تغييب الوعي، «المجرم الجماعي» يُشارك في أفعال إجرامية بتأثير المجموعة، دون أن يمتلك نية فردية واضحة، والصنف الجديد من المجرمين «المجرم الباحث عن الاعتراف الرقمي» المتأثر بثقافة «الترند» ينفذ أفعالا خطيرة بغرض تصويرها أو نشرها، وعقبت أن هذا التنوع يُعبّر عن مدى تعقّد الجريمة المعاصرة التي لم تعد مرتبطة بالحرمان المادي فقط، بل أيضًا بالأمراض النفسية والتربوية والقيمية الاهتمام بالصحة النفسية المجتمعية ضروري.
ولفتت الباحثة، أن السلوك الإجرامي يظهر غالبا في مرحلة عمرية ما بين 10 إلى 14 سنة في شكل عدوانية غير مبررة، الكذب المتكرر، إيذاء الزملاء أو الحيوانات، العزلة والانطواء أو العكس أي الانخراط المفاجئ مع أصدقاء منحرفين، الافتتان غير المبرر بمشاهد العنف أو الأسلحة أو السلوك الاستعراضي، الهروب من المدرسة أو التجوال الليلي، التهكم على الرموز الدينية أو الأسرية.
ولأن الأمر لم يعد متعلقا بالتعدي على الأرواح بل وصل إلى التنكيل بالجثة، أوضحت المتحدثة أن هذا الفعل هو سلوك منحرف بعمق يشير غالبا إلى اضطراب نفسي أو أخلاقي خطير يحدث نتيجة، رغبة في الانتقام والتشفي المتطرف، محاكاة مشاهد إجرامية في الإعلام أو الألعاب الإلكترونية، إثبات سيطرة أو إرسال «رسالة تهديد» للمجتمع أو طرف معيّن، فقدان تام للإحساس بالآخر بسبب تعاطي المخدرات أو اختلال نفسي حاد، ومن منظور علم النفس الجنائي، اعتبرت أن هذا السلوك يظهر تفككا في الوعي الأخلاقي وقد يرتبط باضطرابات سادية أو سلوكية مركّبة.ولأن هذه الأخبار والتفاصيل أصبحت تُعرض أمام شريحة واسعة من مستخدمي المنصات الالكترونية، نصحت البروفيسور والباحثة في علم النفس، نوال مامي عبد اللطيف، بتعزيز المناعة النفسية للأطفال والمراهقين اتجاه الأخبار الصادمة والجرائم، ومساعدتهم على التعبير عن الصدمة أو الخوف بالكلام والرسم والنقاش، وعدم تعريضهم لمشاهد صادمة بشكل مباشر، وتفسيرها لهم إن حصل ذلك، وغرس قيم الأمل، الرحمة، والتسامح كمفاتيح داخلية لمواجهة العنف الخارجي.
كما ترى أن الصحة النفسية المجتمعية أصبحت مطالبة بأداء دور وقائي واستباقي وليس علاجيًا فقط، وذكرت أنه يتمثل في مرافقة المراهقين داخل المدارس والفضاءات الشبابية لاكتشاف المؤشرات الأولى للانحراف، وتكوين المعلمين والأولياء والأئمة لاكتساب مهارات الإصغاء والتدخل،ناهيك عن فتح فضاءات حوار ومرافقة نفسية مجانية وسرية في المؤسسات التعليمية والدينية، والتنسيق بين قطاعات التربية، الشؤون الدينية، الثقافة، الصحة لبناء مشروع حماية جماعي.
* الدكتورةغزالة بن فرحات أستاذة علم الاجتماع
سيكولوجية المجرم تجاوزت الأطر التقليدية
وفقا للدكتورة وأستاذة علم الاجتماع، بجامعة قالمة، غزالة بن فرحات، فإن سيكولوجية المجرم شهدت تحولات عميقة في ظل التغيرات الاجتماعية والرقمية المتسارعة خاصة في عصر تتزايد فيه الفجوات الاجتماعية والاقتصادية والرقمية، وترى أن المجرم اليوم لم يعد نتاجا حصريا لظروف الفقر أو الانحراف الفردي، بل أصبح يعكس حالة من الاغتراب الاجتماعي وفقدان الشعور بالانتماء في مجتمعات تتسارع فيها وتيرة التحول دون أن تتيح الفرصة للجميع للاندماج والمشاركة الفعلية، لذلك فإن الشعور بالتهميش والإقصاء من النسيج الاجتماعي خصوصا بين فئات الشباب، أصبح يولد أشكالا جديدة من السلوك المنحرف تتجاوز الأطر التقليدية لفهم الجريمة ولا تنبع بالضرورة من اضطراب نفسي أو خلل أخلاقي،وفي هذا السياق أوضحت المتحدثة ذاتها أن الجريمة تتحول أحيانًا إلى وسيلة لإعادة التوازن الرمزي أو لفرض الاعتراف الاجتماعي خصوصاً لدى من يعتبرون أنفسهم مواطنون من الدرجة الثانية وضحايا نظام اجتماعي غير عادل فالمجرم لم يعد شخصية هامشية، بل قد يكون في بعض الأحيان فاعلا رمزيا يطمح إلى التأثير أو الاحتجاج من خلال أفعاله حتى وإن كانت خارجة عن القانون.
وترى الأستاذة أن هذه التحولات فرضت إعادة التفكير في مفهوم الجريمة وفي شخصية المجرم ذاته، خصوصا بعد ظهور أنماط اجتماعية جديدة من المنحرفين يختلفون عن الذين عرفهم المجتمع التقليدي سواء من حيث الدوافع أو الوسائل أو الخصائص النفسية والاجتماعية، وذكرت على سبيل المثال أن القتل لم يعد محصورا في إطار الانفعال اللحظي أو الاضطراب النفسي الصريح، بل بات يتغذى أحيانًا على شعور طويل الأمد بالعزلة والتهميش، يتعزز عبر الفضاءات الرقمية المغلقة التي تسمح بتكوين أفكار متطرفة دون رقيب أو تفاعل إنساني حقيقي.
تضيف أنه في هذا السياق ظهر نوع من القتلة الذين ينشأون افتراضيا ضمن مجتمعات رقمية مظلمة يتفاعلون فيها مع خطابات تحريضية أو أيديولوجيات عنيفة، ما يجعل الجريمة التي يرتكبونها تحمل بعدًا رمزيًا يتجاوز الفعل المادي إلى محاولة التأثير أو الانتقام من النظام الاجتماعي نفسه.
الجريمة أصبحت رسالة
أما عن ظاهرة توثيق الفعل الاجرامي، أوضحت الأستاذة غزالة بن فرحات، أن الظاهرة من منظور اجتماعي تعد مؤشرًا على تحول عميق في وظيفة الجريمة ودلالتها الرمزية داخل المجتمع الرقمي المعاصر، فهي لم تعد مجرد فعل عنيف موجه نحو ضحية بعينها، بل أصبحت أيضا رسالة مصورة ومسرّبة وموجهة إلى جمهور واسع، ما يمنحها بعدا أدائيا وإعلاميا يتجاوز النية الإجرامية التقليدية إلى السعي نحو الاعتراف ولفت الانتباه، أو الانتقام الرمزي من النظام الاجتماعي أو الثقافي السائد، وأشارت الدكتورة أن هذا النمط من العنف يرتبط بما يسمى في علم الاجتماع بـ «اقتصاد الانتباه»، حيث تقاس القيمة الرمزية للفعل بمدى انتشاره وقدرته على إثارة الصدمة لدى الجمهور وتحقيق نوع من الوجود «الرمزي» في الفضاء العام الرقمي، تضيف أن عملية التوثيق والنشر ليست مجرد تفاصيل تقنية بل هي جزء جوهري من الجريمة نفسها، أين تستبدل المواجهة الاجتماعية التقليدية بـ «عرض» رقمي هدفه إحداث أثر جماعي ونشر الخوف أو التحدي أو حتى البحث عن الشهرة.
وقد لعب التفاعل الافتراضي، وفقا لها، دورًا معقدا في تعزيز هذه السيكولوجية، إذ تتيح المنصات الرقمية للمجرم الشعور بأنه يخاطب جمهورا حقيقيا ما يمنحه إحساسا بالقوة والتأثير لم يكن متاحا في الفضاء الاجتماعي التقليدي، تضيف أن التعليقات والإعجابات، أو حتى الإدانات الجماعية قد تعزز هذا الإحساس لديه، وتجعل من الفعل الإجرامي سلوكا مشبعا بالمعنى والدلالة من منظور القاتل. وأوضحت الأستاذة أن بعض الدراسات تشير إلى أن هذا النوع من التفاعل يولد ما يعرف بـ «التحفيز المعزز رقميا» وهو يغذي دوافع التقليد، والانتماء إلى «مجتمعات رقمية متطرفة» تمجد العنف وتمنح الفاعل الإجرامي نوعًا من الشرعية الرمزية، وذكرت أنه وفقا لتحليلات باحثين فإن ضعف الروابط الاجتماعية في المجتمعات الحديثة حولت الشبكات الرقمية من وسيلة للتواصل إلى فضاء لإنتاج المعنى والسلطة، حتى عندما يتعلق الأمر بسلوك منحرف أو مدمر. إ.ك

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com