دعا باحثون في تخصص الإعلام والإعلام والاتصال، إلى ضرورة مراجعة الأطر النظرية والممارسات المهنية التي تحكم نشاط القائم بالاتصال بالمؤسسات الجزائرية لاسيما في ظل التحولات الجوهرية التي فرضتها الثورة الرقمية والمتغيرات الاجتماعية والمؤسساتية، مشيرين إلى حاجة ملحة لبناء إطار قانوني وتنظيمي يواكب تحولات العصر، ويسمح للقائمين بالاتصال بممارسة أدوارهم الاستراتيجية بفعالية، بما يخدم صورة الجزائر داخليا وخارجيا.
ونظمت أمس الاثنين كلية علوم الإعلام والاتصال بجامعة قسنطينة 3، ملتقى وطنيا حول مستقبل مهن القائم بالاتصال بالمؤسسات الجزائرية «، حيث تطرق أكثر من 120 باحثا إلى الرهانات والتحديات التي تواجه القائم بالاتصال في ظل التحولات التكنولوجية وتطور تقنيات الذكاء الاصطناعي ، كما قدموا أوراقا بحثية حول واقع الممارسة سواء في المؤسسات العمومية أو الخاصة .
وذكر مستشار وزير الاتصال الذي حضر الملتقى رضا عينار أن وزارة الاتصال تثمن و تبدي اهتمامها الواسع بمثل هذه المبادرات العلمية التي من شأنها أن تعزز علاقات التواصل بين الجامعة والوزارة ، حيث أن النقاش بين الأكاديميين والمهنيين من شأنه أن ينشئ بيئة عمل مشتركة تساعد على الرقي بمستوى العمل الإعلامي في الجزائر.
وذكر البروفيسور نصر الدين بوزيان، في مداخلة له بعنوان "مهن القائم بالاتصال بين التصورات الأكاديمية وواقع الممارسة الإعلامية" بأن التعريف بالمهن الجديدة للاتصال يعرف العديد من التطورات التكنولوجية التي أوجدت حاجات متجددة لمهن الاتصال، كما ركز ضمن تدخله على الشق النظري لمعرفة التصورات والمقاربات النظرية الجديدة، ثم في الشق الثاني تحدث عن عدد من الإسقاطات المهنية على الواقع الوطني.
ولفت المتحدث، إلى أن السلطات العمومية قد أعلنت في العديد من المناسبات عن رغبتها في تطوير قطاع الاتصال، واعتبرته، كما برز، من أبرز المجالات الاستراتيجية، مشيرا إلى أن المؤسسة الجامعية تساهم في هذا التوجه من خلال تقديم مجموعة من نتائج الأبحاث المختلفة التي شملت العديد من المؤسسات العمومية وبعض المؤسسات الخاصة.
وأشار، البروفيسور بوزيان إلى أن نقاط القوة، في الاتصال العمومي تتمثل في وجود رغبة سياسية وإرادة مؤسساتية قوية لتطوير هذا القطاع، فضلا عن توفر الجزائر على كفاءات وطنية في القطاعين التعليمي والمهني، لاسيما من خلال عشرات الأقسام المتخصصة في علوم الإعلام والاتصال والتي تتوفر على نخب وباحثين.
أما فيما يتعلق بالسلبيات، فسجل المتدخل غياب إطار قانوني ينظم مهنة الاتصال في غالبية المؤسسات العمومية، فضلًا عن غيابها في الهيكل التنظيمي، كما رصد في بحثه عدم تمكين القائمين بالاتصال من ممارسة مهامهم كما يجب وتسهيل عمل الصحفيين على نطاق واسع، وهو ما يتسبب، كما قال في حرمان الرأي العام من المعلومة، ويأتي هذا في ظل انتشار الأخبار الزائفة ومساعي التضليل، مؤكدا على ضرورة تعزيز التنسيق والتكامل بين مختلف المؤسسات الإعلامية والمؤسسات العمومية ومختلف التنظيمات والمجتمع المهني، مع التركيز على عنصر التكوين وتطوير التعليم الجامعي، مبرزًا أن وزارة التعليم قد راسلت الجامعات وطلبت منها مراجعة وتحيين عروض التكوين لتتماشى مع التحولات المسجلة.
أما التوصيات في المجال القانوني، فقد دعا إلى ضرورة وضع إطار قانوني منظم لعمل مصالح الاتصال سواء خلايا أو مديريات، وهو أمر ضروري لتحديد واجبات القائم بالاتصال في المؤسسات العمومية، لأن هذا الفراغ وضعنا أمام مشكلة أخرى، وهي كما قال، تتعلق بالذهنيات، إذ تجد مسؤولا منفتحا على العملية الاتصالية بينما تجد آخر منغلقًا تماما، إذ ينظر إلى الإعلام نظرة سلبية، فالإطار القانوني هنا هو الذي يضبط الصلاحيات والتعاملات، ومن ثمة يمكن إنشاء اتصال مؤسساتي قوي يخدم البلد ويدافع عن مصالح الجزائر.
من جهته، ذكر مدير الملتقى الدكتور مهداوي نصر الدين، بأنه من الضروري إعادة ضبط مهام ووظائف القائم بالاتصال أو رجل العلاقات العامة بالمؤسسات الجزائرية، بالنظر إلى دوره الحيوي والديناميكي بهذه المؤسسات لتحقيق الأهداف الاستراتيجية، وبالتالي كما أبرز فإن غياب الوعي بهذا المنصب الحيوي وكذا الوعي بالأهداف التي يمكن أن يحققها، دفع بكلية الإعلام والاتصال إلى تنظيم هذه الفعالية من أجل العمل على إعادة ضبط مهام القائم بالاتصال، كون الواقع الحالي يؤكد عدم تحكمهم في أبجديات العلاقات العامة ولا يطبقون استراتيجيات ما يُعرف بالاتصال المؤسساتي أو الاستراتيجي.
ولفت المتحدث إلى وجود تحولات كبرى في مهام القائم بالاتصال في ظل البيئة الرقمية، لاسيما وأننا نتعايش اليوم مع جيل رقمي بامتياز يتطلب الاندماج مع التحولات الرقمية، مشيرا إلى أن الكثير من الدول قطعت أشواطًا كبيرة في هذا المجال، وهو ما يجب أن يكون في الجزائر، مبرزًا أن وزارة الاتصال، وعلى رأسها الدكتور مزيان محمد، قد شعرت بجدية في تطوير الاتصال المؤسساتي، لاسيما فيما تعلق بالترويج لصورة الجزائر والتصدي للهجمات الإلكترونية التي تعرفها الجزائر.
وأبرز الدكتور مهداوي، وجود فجوة كبيرة بين الرؤية الأكاديمية والممارسة الميدانية، وعلى الخبراء أن يمارسوا دورا طلائعيا من خلال تنظيم ورشات تكوينية للقائمين بالاتصال لتلقين مختلف التقنيات والقواعد، لاسيما وأن غالبية القائمين على الاتصال ،وفقه، لا يجيدون إدارة الحملات الاتصالية، ولا يتقنون وضع استراتيجيات لمجابهة الأزمات، كما لا يعرفون وضع مخططات اتصالية تنظيمية وغيرها من المتطلبات الضرورية التي يجب أن تتوفر لدى القائم بالاتصال.
وتابع رئيس الملتقى، بأن من بين التحديات التي يواجهها القائم بالاتصال في ظل الحتمية التكنولوجية، التحكم في الوسائل والتقنيات، فضلًا عن التحديات السوسيومهنية بين فئة تقبل استخدام التكنولوجيات وأخرى ترفضها، وبالتالي لابد من وضع خطط ومشروع حقيقي لتكوين القائمين بالاتصال.
لقمان/ق