بادر صاحب مخبزة بحي أيوف الشرقي بمدينة جيجل، إلى توزيع الخبز بالمجان طيلة الشهر الفضيل كصدقة جارية على والده المتوفى، و لغرس ثقافة الصدقة والتكافل الاجتماعي، وسط ترحيب كبير من زبائنه و مواطنين أحبوا الفكرة، التي قوبلت بالرواج، مع إطلاق نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي لدعوة لتوسيع نطاقها كي يشمل محلات تجارية تفتح بابها أمام المحتاجين.  وقد تجاوز عدد مشاهدات فيديو التغطية المصورة التي خصصتها النصر لنشاط هذه المخبزة 320  ألف مشاهدة في ظرف ساعات.

دهشة و استغراب
حطت النصر، رحالها بحي أيوف الغربي،  وقد لاحظنا بمجرد وصولنا إلى المخبرة إقبالا كبيرا من مواطنين علمنا بأن منهم من يتردد عليها يوميا منذ بداية شهر الصيام، خصوصا بعدما أعلن أصحابها عن مجانية الخبر عن طريق لافتات علقت على المدخل كتبت عليها عبارة « الخبز بالمجان طيلة شهر رمضان».
شمل التوافد على المكان أطفالا صغارا كانوا يتلذذون بتناول الخبز الذي قدم لهم، وهم يزاحمون الراشدين بكل ندية، دخلت سيدة مسنة من أجل اقتناء الخبز و قامت بإظهار النقود للبائع الذي رفضها قائلا « أمي الخبز بالمجان، إنها صدقة جارية» تفاجأت السيدة بالأمر، ثم علقت بأنها مبادرة حميدة تدل على خصال المسلم           والتاجر الحقيقي لاسيما خلال الشهر الفضيل.
 تقربنا منها، فبدا عليها التأثر و كانت تحبس دموعها قائلة « اقشعر بدني إنها مبادرة طيبة تعكس صفات التاجر الأصيل، خاصة وأن صاحب المخبزة أرادها أن تكون صدقة على روح والده وفي ذلك بر كبير بالوالدين في شهر الرحمة و الغفران و الثواب. ومن الجميل حقا أن تعمم مثل هذه الخصال والمبادرات الفردية خصوصا في وسط التجار فهذه السلوكيات تبين بأنه لا يزال في شعبنا كثير من الخير».
تكرر المشهد مرة ثانية مع شاب آخر، قال بأنه جاء لشراء الخبز بشكل عادي قبل أن يفاجأ باليافطة على الباب تشير إلى أنه مجاني، حيث أخبرنا بأن رد فعله الأول كان الابتسام و ترديد عبارة « الحمد لله، مازال الخير في بلادنا»، معلقا بأن أهم ما في المبادرة هو أنها جاءت  كصدقة جارية و من أجل تكريس العمل الصالح خلال شهر رمضان، مضيفا « في الحقيقية لا نرى مثل هذه المبادرات سوى في الأفلام القديمة و نقرأ عنها في القصص، ومن المشجع والإيجابي أن نقف على عمل مماثل في واقعنا وفي زمننا الحالي».
وحسب الشاب، فإنه من النادر أن نرى مثل هذه المبادرات الخيرية للتجار في زمن يعرف طغيان المادة، وقد أعطى صاحب المحل درسا كبيرا في السخاء و فعل الخير معلقا: «  الدرس الأول يتمثل في الوفاء للوالد بالصدقة الجارية و هو دليل على أنه ولد صالح، أما الدرس الثاني فيخص قناعة التاجر و احتكامه للدين الحنيف في الفعل و العمل الصالح»، مؤكدا، بأنه سيصبح زبونا دائما للمخبزة طوال السنة، لأن التجار من أمثال صاحبها يستحقون الدعم.
وذكر زبون آخر، أنه يقيم في الحي وقد اعتاد على شراء الخبز من المخبزة التي تفتح أبوابها أمام الجميع طوال الشهر لتوفر الخبز لغير الصائمين من الصغار والمرضى، حيث استحسن فكرة الصدقة وتفاجأ أيضا واعتبرها مبادرة رائعة خصوصا وأن جميع أنواع الخبز متوفرة و بالمجان، ما يعكس صورة حسنه عن التاجر.
بر بالوالد و سير على نهجه
لاحظنا خلال تواجدنا في المخبزة رفقة عمالها عفوية  كبيرة في التعامل مع  الزبائن الذين استغرب بعضهم فكرة عدم الدفع و الحصول على الخبز مجانا طوال الشهر، لكن البائع كان دائم الابتسام و يرد في كل مرة  « الخبز مجانا صدقة جارية»، فتغيير ملامح الزبائن من الدهشة و الاستغراب إلى الرضا و الفرح مع تكرار عبارة « الحمد لله».
قالت سيدة، بأن مثل هذه المبادرات تكرس مظاهر التكافل و الطيبة في المجتمع   وتحسن صورة التجار و كذا تعطي درسا في أهمية الصدقة الجارية، فيما رحب صديق والد المخبزة، بالمبادرة التي قام بها ابن صديقه المتوفى قائلا: « لقد كان صديقي صاحب خلق و معروفا بطيبته و عمله الصالح، وقد لقن أبناءه الصنعة و الخلق الطيب الجميل، و الدليل أن ابنه يتصدق عليه طوال الشهر كما نرى».
أما رضوان صاحب المخبزة و المبادرة، فأخبرنا بأنه قرر خلال شهر رمضان هذه السنة، أن يقوم بشيء مختلف و أن يوزع الخبز بالمجان على كل من يطرق باب مخبزته وأن يوفر كل الأنواع دون استثناء، مشيرا إلى أنه فكر في التأسيس لمبادرة حميدة تغرس روح التكافل و التضامن  وتكون بمثابة صدقة جارية على روح والده الذي تعلم منه حرفة صناعة الخبز و عمل الخير و التطوع قائلا           « قررت أن أقدم الخبز بالمجان طوال الشهر الفضيل بعدما فتحت مخبزة جديدة وقد نويتها صدقة لأجل والدي».

وأشار محدثنا، إلى أنه تعلم الحرفة من المرحوم والده وأنه نشاط عائلي مكرس منذ سنة 1974، فعائلة « بوقطة « معروفة حسبه، بهذا النشاط المتوارث أبا عن جد، و قد كان مقتصرا في سنوات سابقة على البيع للمؤسسات الكبرى على غرار قطاع الخدمات الجامعية، لكن الإخوة  قرروا هذه السنة فتح مخابز خاصة بهم في عدة أماكن، وارتأى هو أن يكون افتتاح متجره مختلفا وأن يرتبط بالعمل الخيري  والتطوع لمساعدة الآخرين في رمضان، من خلال تقديم الخبز الذي يصنع طوال الشهر مجانا.
مؤكدا، بأن القرار لم يتضمن نية الترويج للمخبزة، بل جاء خالصا لله عز وجل بنية الصدقة و فعل الخير، حيث أخبر العمال أن قراره لن يؤثر على رواتبهم وأنه سوف يستمر في دفعها بصورة عادية، وهي مبادرة أثلجت صدورهم و أكدوا لهم استعدادهم للمشاركة فيها قدر المستطاع، كما انضم إليها أفراد من عائلته.
وأشار الخباز، إلى أنه تعلم البذل و العطاء في سبيل الخير من والده المرحوم، حيث عرفه سخيا دائم التصدق طوال حياته، وذلك قرر أن يسير على نهجه خلال هذا الشهر تحديدا بتوزيع الخبز مجانا.
أنواع عديدة من الخبز و روائح تغري الصائمين
بعد مرور ما يقارب ساعتين من تواجدنا في المكان، لاحظنا النشاط داخل ورشة صناعة الخبز، و العمال مجندين لتحضير مختلف الأنواع وقد كانت الرائحة قوية وشهية، ورغم مشقة الصيام و الحرارة المرتفعة إلا أن رضوان و العاملين في مخبزته، كانوا مجندين لتوفير الخبز بكميات كافية وخدمة كل الزبائن الذين تتباين ردود الفعل لديهم بين الاستغراب و الدهشة و الفرح و الترحاب في كل مرة يخبرهم الباعة أو صاحب المحل بأن الخبز مجاني ويرفضون قبول النقود منهم وقد كانت أجواء جميلة فعلا.
قابلنا هناك شابا، علمنا بأنه انضم إلى المبادرة أيضا لكن على طريقته الخاصة، حيث يقوم بتوزيع الخبز على بعض العائلات التي يعرفها ويوصله إلى غاية منازل المعوزين، مؤكدا بأن هدفه من ذلك هو فعل الخير وتعميم الفائدة.
كـ. طويل

الرجوع إلى الأعلى