تشهد، بلدية القنار نشفي، شرق جيجل، خلال شهر رمضان المبارك حركية غير عادية و تحديدا بمنطقة المزاير، سببها الإقبال الكبير على حلوى « الميلفاي» التي تحمل نفس الاسم، حيث تضم المنطقة سبع محلات متخصصة في صناعة الحلوى وأصناف أخرى، تحظى جميعها بشهرة كبيرة خصوصا محل « عميرات»، أول من بدأ النشاط في المجال سنوات التسعينيات.

كـ. طويل 

كانت البداية صدفة، ثم تحولت الشهرة إلى حقيقة جعلت المنطقة تعرف هذا النوع من الحلوى، وتستقطب عشاقها على مدار السنة، ليبلغ النشاط ذروته خلال رمضان.
كيلومترات لأجل حلوى بطعم خاص
تبعد منطقة المزاير، بحوالي 22 كلم عن عاصمة ولاية جيجل، و تقع ببلدية القنار نشفي، على محور الطريق الوطني رقم 43، وقد عرفت في سنوات ماضية بنشاطها الفلاحي و بهدوئها طوال السنة، حيث يفضل سكانها الزراعة كتخصص عائلي متوارث، لكن بعد ازدواجية الطريق الوطني رقم 43، تحولت المنطقة إلى فضاء تجاري نظرا لموقعها، حيث تعد صناعة الحلويات وتحديدا الميلفاي، من أشهر الأنشطة الشائعة فيها.
ويتوقف العديد من مستعملي الطريق عند محل عميرات خلال أيام رمضان، للحصول على الحلوى التي تتميز بالهشاشة واللذة، وهي خصوصية حافظ عليها لمحل لسنوات و ضاعفت شهرته، لدرجة أن هناك من يقطعون كيلومترات قادمين من بلديات و مناطق بعيدة للاستمتاع بتجربة تذوقها.
وتكون الحركية كبيرة بعد صلاة العصر وفي نهاية الأسبوع ، إذ يزيد عدد الزبائن الذين يتوافدون لشراء حبات ميلفاي تضفي نكهة ومتعة خاصة للسهرة الرمضانية العائلية، وهو ما وقفنا عليه خلال زيارة إلى المنطقة.
 وصلنا إلى المحل المذكور في حدود الساعة الخامسة مساء، وكان أول ما شد انتباهنا هو عدد الزبائن الذين يهمون بالمغادرة وبين يدي كل واحد منهم علبة أو اثنتين على الأقل من الحلويات، قال أحدهم إنه قدم من بلدية زيامة منصورية تبعد حوالي 60 كلم مضيفا « أعشق ميلفاي المزاير    وأدمنه طوال، السنة لكن استهلاكي له يزيد في رمضان، و لا أكاد أستغني عنه، وقد قدمت إلى المدينة خصيصا لآخذ منه ما يكفي لسهرة عائلية طويلة، علما أنني عادة ما أشتري كمية تكفي لومين كاملين».
حركة غير عادية وصعوبة في الركن على الوطني رقم 43
حركية غير عادية  كانت تطبع المنطقة، بالنظر إلى انتشار المحلات المتخصصة في صناعة الحلويات العصرية و تحديدا الميلفاي وقد تعددت اللافتات الإشهارية التي تشجع الزوار و سكان الأحياء القريبة على تذوق الحلوى الشهيرة، و الواضح من خلال الإقبال أن تأثير الإشهار إيجابي فالركن يعد شبه مستحيلا قرب مداخل المحلات و الحركية كبيرة على محور الطريق الوطني رقم 43.
عند دخولنا إلى محل  عميرات، تقاطعنا مع عديد الزبائن وقد كان الجميع في الانتظار للحصول على طلبه، وبدا الباعة منهمكين في مجاراة الزبائن الذين يتعاملون بلغة الأرقام، فهذا يطلب 20 قطعة، ويريد الآخر 15 قطعة، ويصل البعض إلى حد شراء 25 قطعة من الميلفاي الشهي.
 شكل الأطفال فئة من الزبائن، حيث رافقوا آباءهم إلى المحل و كان بعضهم مستمتعين بتناول الحلوى قبل الجميع، قال زبون وقفنا قربه      « أتردد على المحل يوميا لأجل الميلفاي، وأفضل هذه الحلوى لأنها خفيفة و هشة لدرجة أنه يمكنني أن آكل قطعتين تباعا دون أن أشعر بالتخمة». يواصل « أعرف محل عميرات منذ سنوات، والحقيقة أنه أول من بدأ في هذا المجال في المنطقة ككل، يمكن القول إنه هو من صنع شهرتها، بدليل أني أقصده كل رمضان قادما من بلدية سيدي عبد العزيز دون أن أكل أو أمل،  فوجود الميلفاي الذي يعده المحل على مائدة السهرة خلال الشهر يفتح شهيتي، والجميع في عائلتي يحبه خصوصا زوجي وابني الأصغر».
يسترسل في حديثه « تذكرني هذه الحلوى كذلك بوالدي رحمه الله فقد كان يعشقها و يطلبها دائما، لذلك أستمتع بالتنقل من بلديتي إلى هنا لأحضر ما استطعت منه حسب ميزانية كل مرة وفي حل لم آتي أنا أوصي جيراني أو بعض معارفي إن كانوا قادمين».
محدثنا قال، إنه يأتي بعد صلاة التراويح في بعض الأحيان، ليستمتع بأكل الميلفاي الدافئ الطازج في المحل مباشرة، خصوصا وأنه يظل مفتوحا إلى غاية ساعة متأخرة من الليل، وهي ميزة ينفرد بها عن باقي المحلات.
وحسب زبائن آخرين،  فإن نكهة الحلوى لا توصف ولا تشبه ما يتوفر في محلات ومخابز أخرى، لأن كل مكوناته ممزوجة بعناية ودرجة الحلاوة مدروسة ناهيك عن أن القوام هش بشكل كبير، كما قال لنا زبون من بلدية الجمعة بني حبيبي، مشيرا إلى أنه لا يستعمل الطريق الوطني رقم 43 إلا لأجل الحضور إلى المحل وشراء الحلوى المفضلة لديه في رمضان، وكذلك الأمر بالنسبة لزبون من ولاية سكيكدة، أخبرنا أنه عمل في ولاية سكيكدة لسنوات وقد تعود على ميلفاي لمزاير، لذلك يقصد المدينة أحيانا لشرائه.
عمل لساعات طويلة
قال آخر، إن السعر من العوامل التي صنعت شهرة الحلوى كذلك، لأنه لا يتعدى  25 دج للقطعة، بحيث يقوم صاحب المحل خلال شهر رمضان بتخفيضه مقارنة بباقي أشهر السنة، مع الاستمرار في العمل ليلا، ما يجعل الحلوى متاحة في جميع الأوقات مضيفا « أحيانا أشتري ما أريده بعد صلاة التراويح، لأني أفضل الحفاظ على الحلوى جديدة وهشة ودافئة نوعا ما كي أتسحر بها مع الحليب، ولذلك أزور المحل مرتين في بعض الحالات، فقد آخذ كمية للسهرة وأعود مجددا لأطلب المزيد لأجل السحور».
هكذا بدأت القصة
تحدثنا إلى عميرات داود صاحب المحل الشهير، فأخبرنا أن بداياته تعود إلى التسعينيات عندما قرر فتح محل لبيع الحلويات، فعرفته الصدفة على شاب ينحدر من بلدية برج الطهر، قرر العمل عنده و علمه صناعة الميلفاي بطريقة مختلفة وبوصفة خاصة، و كان المحل آنذاك الوحيد الذي يقدم الحلويات والمرطبات في المنطقة ككل، وهكذا لقي الميلفاي صدى كبيرا وسط الزبائن و زادت شهرته على مر السنوات، و أضحت الحلوى المفضلة للمئات من الزائرين، حتى أن هناك من بطلبها دونا عن أي صنف آخر.
و أشار، إلى أن طريقة تحضيرها بسيطة و ترتكز على المكونات الأساسية التي تدخل في إعدادها مع تغيير المقادير للحصول على حلوى هشة بنكهة مميزة، معلقا « لم أكن أعتقد أني سأقتحم مجال صناعة الحلويات وكانت البداية وليدة الصدفة».
 قضى محدثنا أزيد من 34 سنة في صناعة الميلفاي و تحضيره بنفس الوصفة التي أورثها لابنه كذلك، حيث يقضي الشاب يومه رفقة أشقائه إعداد طلبات الزبائن، قائلا إن السر وراء نجاحه هو الالتزام بنفس الطريقة دون تحريف أو اجتهاد، علما أن الطلب دائم و يستدعي العمل بجد أكثر خلال رمضان والاستمرار إلى منتصف الليل.
الملاحظ في المنطقة، أنه مع مرور السنوات، تزايد عدد محلات بيع الميلفاي وبلغ السبعة، ما حول لمزاير إلى عنوان لأجود أنواع الحلوى وتحديدا الميلفاي لاسيما خلال الشهر الفضيل، و قد ساهم ذلك في انتعاش المنطقة تجاريا و حتى المناطق المجاور لبلدية القنار نشفي.

الرجوع إلى الأعلى