يعرف طبق «شباح السفرة» القسنطيني، شهرة متزايدة هذا الموسم   بفضل الترويج له على مواقع التواصل، وانتشار فيديوهات تحضيره على يوتيوب، ما ساعد على خروجه من المطبخ المحلي لتصبح الوصفة حاضرة على موائد عائلات من ولايات أخرى، وقد رافقت هذا الانتشار تعديلات وإضافات مست الوصفة الأصلية التي اشتقت منها أطباق أخرى تحمل تسميات مختلفة، وهو ما يرفضه طهاة محليون يعتبرون التعديل في الطبخ تحريفا.

جدل حول أصل الوصفة
رغم الاتفاق المطلق حول أصل شباح السفرة، باعتباره طبقا قسنطينيا خالصا، إلا أن الروايات تختلف حوله نشأته، إذ يؤكد مهتمون بتاريخ المطبخ التقليدي الجزائري، أنه أقدم بكثير من وجود العثمانيين في الجزائر، وهو ما يفند حسبهم رواية «عيشة باية» ابنة صالح باي التي يقال، بأنها كانت أول من طبخ الطبق عن طريق الخطأ، حيث يروى أنها كانت تعد حلوى من عجين اللوز والسكر، لكن الوصفة فشلت ولكي لا ترمي العجين قامت بإعادة تشكيله من جديد، وطبخت له مرقا حلوا وقدمته للباي الذي أحبه جدا، فعلق في تلك اللحظة قائلا لعيشة « شبحت السفرة» أي زينت السفرة وتميزت، وهكذا صارت الوصفة شائعة وحملت ذات التسمية.
 ومن بين الحجج التي توظف لتكذيب هذه الرواية، القول بأن عيشة لم تكن في الأصل ابنة الباي صالح آخر بايات قسنطينة، بل كانت شقيقة  أحد الأعيان وكنيته الحاج العربي، وقد طلبها صالح باي للزواج ورفض شقيقها.
من جانبها، تروي الماستر شيف و سيدة المطبخ القسنطيني نصيرة فصيح، قصة مختلفة تماما عن قصة عيشة والباي، حيث تقول بأن أصل عجين اللوز إيطالي وكذلك الأمر بالنسبة للطبق، مضيفة بأن هناك حكاية عنه مفادها أن ابنة خباز وصانع حلويات إيطالي هي من أخطأت في إعداد وصفة العجين المخصص لتحضير الحلوى، فمزجت المكونات بطريقة مختلفة لكنها حصلت في النهاية على نتيجة جيدة أعجبت والدها الخباز، فاعتمدها في تحضير طبق حلو، وهكذا اشتهر ليصل إلى قسنطينة.
طبق خرج عن التقليد و المناسباتية
لم تعد شباح السفرة أو « شباح الصفرا» كما يطلق عليها البعض، وصفة  تحضر في اليوم الأول من رمضان فقط، أو خلال الأعراس و المواعيد المهمة والسارة، فمواقع التواصل الاجتماعي أتاحت أسرار إعداد الطبق أمام الجميع، ولذلك بات تحضيره متاحا لكل راغب في التجربة، وهكذا خرج الطبق عن الإطار المناسباتي و أسقطت عنه صفة الصعوبة، فبات تقديمه مرتبطا بالرغبة في تذوقه، و تحضيره ممكنا حتى بالنسبة لغير القسنطينيات.
واليوم، تستمتع عائلات من ولايات مختلفة بلذة وجمال شباح السفرة التي تشتهيها العين قبل البطن، نظرا لتميز الطبق المكون من قطع ذهبية اللون مختلفة الأشكال مصنوعة من عجين اللوز الطري، كما أنها وصفت صارت تحضر خارج الجزائر كذلك، و اشتهرت في تونس وبلدان أخرى حيث تعرض صانعات محتوى طبخ شهيرات فيديوهات لعملية إعداد الطبق الحلو المميز.
 ولأن الطلب عليها تعدى حدود الولاية والوطن، فإن إعدادها لم يعد مقتصرا على المنازل فقط، بل تتوفر جاهزة غير مطبوخة في المحلات و على رفوف المراكز التجارية الكبرى مقابل 2000دج للكيلوغرام على الأقل، كما أن التعديلات التي أدخلت عليها، غيرت طريقة طبخها فبدل إعدادها في مرق حلو مع قطعة لحم و قليل من القرفة و القرنفل           والبصل و الفلفل الأبيض، صارت تحضر بـ « عقدة»، أو ما يشبه الشاربات الجاهزة مع تزيينها بحبات من اللوز أو نوع آخر من المكسرات.
ورغم سهولة هذه الطريقة، التي تعد أقل تكلفة مقارنة بما يتطلبه تحضير المرق من مكونات وبخاصة اللحم، إلا أن سيدات قسنطينيات يرفضن التجديد ويعتبرن بأن تغيير الوصفة تحريف لتاريخ المطبخ المحلي ومساس بعراقته.
الوصفة التقليدية بصمة تراثية وجب احترامها
وترى الماستر شيف والحكم الدولي في مجال الطبخ السيدة نصيرة فصيح، أن طبق شباح السفرة تقليدي محض و يمثل بصمة من بصمات التراث ولذلك وجب علينا أن تحترم الوصفة الأصلية و نحافظ عليها، لأننا بذلك نورث جزءا من تاريخ وتراث مطبخنا للأجيال، كما أن الطريقة التقليدية تبقى هي الطريقة الصحيحة التي صنعت للطبق شهرته و تميز ذوقه، وأي تغيير في أسلوب الطهي سوف يؤثر على الطعم مضيفة، أن هذا الطبق المتكون من مسحوق اللوز الناعم والسكر والبيض، راق جدا و لم يكن يحضر إلا في المناسبات وفي مطابخ العائلات الميسورة نظرا لطبيعة مكوناته.
وأكدت المدونة والباحثة في مجال الطبخ، أنه وبمرور الوقت، بدأ الطبق بالخروج من بيوت البرجوازيين إلى مطابخ عامة الناس بعدما تحسنت ظروف العيش، ليصبح اليوم في المتناول ولم يعد حكرا على عائلات قسنطينة، بل تخطاها ولايات أخرى، أين يحضر اليوم في مناسبات عديدة وفي أول أيام رمضان.
أما الفضل في هذا الانتشار فيعود حسبها، إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي ساهمت في شهرته و تقديمه للعالم، مؤكدة أن الكثير من الأجانب الذين تذوقوه بقسنطينة خلال زياراتهم، اشتروا منه قبل مغادرتهم وهو ما وقفت عليه من خلال تعاملها مع البعض وإشرافها على مسابقات طبخ دولة، معتبرة ذلك دلالة على أصالة ورقي وخصوصية المطبخ القسنطيني والجزائري على وجه العموم، وقالت إن انتشار الوصفات بين البلدان مهم وبمثابة جسر تواصل ثقافي.
العصرنة لا تعني المساس بالأصل
طبق الشباح، كما يطلق عليه في قسنطينة، يلقى اليوم حسب فصيح، اهتماما متزايدا من قبل الطهاة ومحترفي الطبخ، لكن ذلك أثر بشكل سلبي كذلك على الوصفة بسبب التعديلات التي أدخلت عليها باسم العصرنة والتبسيط، فصرنا كما قالت « نجد أطباقا هجينة بمكونات مختلفة لا تمت للوصفة الأصلية بصلة، تقدم على قنوات الطبخ أو في المناسبات على أنها شباح السفرة». وهناك أيضا، ميل إلى استبدال اللوز المطحون بالجوز في تحضير الطبق وسمي الطبق بـ «شباح الجوز»، كما تم توظيف الفستق الحلبي لتسمى الوصفة هذه المرة «شباح البيسطاش»، قبل أن تظهر «شباح الصفراء الملكية أو « روايال» وهو طبق مشكل ويقدم بطريقة مختلفة.
و يعتبر بعض الطهاة سواء بقسنطينة أو من خارجها أن العصرنة جيدة شريطة أن لا تمس الوصفة الأصلية ولا تشوه الطعم و تغير الفكرة خصوصا وأن الرغبة في التجديد دفعت البعض إلى تحضر الشباح بالفول السوداني قصد تقليص تكلفة إعداد الطبق، وهو أمر غير مقبول حسبهم لأن أصل الوصفة واضح ومعروف وهو اللوز الناعم الذي يعطي الطعم المتميز و الملمس و اللون و النكهة و القوام.
و بالنسبة للمهتمين بالتراث والطبخ التقليدي الجزائري فإن هذا التحريف غير مقبول وفيه مساس بعراقة المطبخ التقليدي الجزائري،وبسمعته لأن تغيير الوصفة الأصلية سيضعنا أمام طبق مقلد بعيد كل البعد عما هو متعارف بحسب ما قالته الماستر شيف نصيرة فصيح، التي أوضحت أنها ليست ضد تغيير الأشكال أو طريقة التقديم، لكنها ترفض أن نحضر وصفة مختلفة بمكونات أخرى غير الأصلية، وأن نطلق على الطبق اسم  «شباح السفرة»، مضيفة أن كل الأطباق التقليدية تدخل في خانة التراث الثقافي الذي يجب المحافظة عليه كما هو دون تغيير، مرحبة بكل ما هو جديد مع حتمية عدم استغلال أسماء الأطباق الأصلية التي تبقى موروثا مهما لابد من تدوينه كما هو.           إيمان زياري

الرجوع إلى الأعلى