تعد سوق طنجة الشعبية الشريان النابض لبلدية الخروب بقسنطينة، خاصة أيام الشهر الفضيل، حيث يمتزج عبق رمضان بعراقة المكان وحركيته الكبيرة، لكونه قبلة مفضلة لأبناء المدينة و الأحياء القريبة وحتى لزوار من ولايات مجاورة، يقصدون السوق للاستمتاع بنفحات الشهر والحصول على ما يتوفر من منتجات تكون أقل سعرا في العادة، كالحلويات التقليدية والخطفة والأعشاب العطرية واللبن وزبدة البقر و الخضر والفواكه.

ربورتاج / أسماء بوقرن     

يُحافظ حي طنجة العريق على بناياته ودكاكينه القديمة، وبالأخص على سوقه التي ما تزال قاطبة رغم ظهور أنماط تجارية أكثر حداثة، فالتطور الذي رافق نشأة المراكز التجارية وفضاءات التسوق الكبرى في المدينة، لم يلغ شعبية طنجة ولم يسرق زبائن يجدون متعة في التجول بين الطاولات والمحلات، لما للمكان من خصوصية فريدة تعكسها عراقته، ناهيك عن توفره على كل المنتجات على اختلافها.   
وتتجلى المكانة الخاصة لسوق طنجة، في الحركية الواسعة التي يشهدها المكان على مدار السنة وبالأخص خلال رمضان، حيث يكتسي حلة مغايرة مع تضاعف الإقبال بعد منتصف النهار، وهو ما وقفنا عليه خلال جولتنا هناك، فطاولات البيع منتشرة بقوة تعرض بالعموم منتوجات بسيطة يزيد الطلب عليها في هذه الفترة مثل الأعشاب العطرية، كما تعرف محلات بيع اللبن و زبدة البقر انتعاشا وعودة للزبائن، ويكون النشاط قويا وملحوظا  كذلك في غالبية الدكاكين، خاصة عند نقاط بيع اللحوم الحمراء والأسماك والحلويات التقليدية و حتى الخضار.
 أما أكثر ما يميز الحركية فهو النظام، وكأن هناك اتفاقا مسبقا بين الزبائن على أن ينتظر كل واحد دوره ويلتزم بالطابور إن وجد دون تدافع أو مناوشات، مع أن الممرات في السوق ضيقة، ما يفرض الاحتكاك ويصعب التحرك بسلاسة أحيانا.
 يمكن أن تلاحظ أيضا في المكان، طبيعة العلاقات الاجتماعية فالغالبية تتعارف و هناك ألفة بين أصحاب المحلات و الزبائن، ولا تمر لحظة إلا وتسمع فيها صوت أحد يهتف باسم شخص ليحييه       في أجواء تبين بأن السوق عنوان للقاء أيضا.
المعاملة الحسنة تحكم علاقة التجار و الزبائن
ولا يقصد مواطنون طنجة لأجل التسوق فحسب، بل لاستشعار أجواء رمضان و الاستمتاع والتفاعل مع الناس، ويقول التاجر جابر وهو بائع زيتون و مخللات وأعشاب عطرية وبيض، بأن حركة الناس لا تعكس بالضرورة انتعاش التجارة، لأن هناك من يقصد السوق للتجول فقط و الاحتكاك بغيره من المواطنين و قضاء الوقت في المنطقة الشعبية.
وحسب أحد المتجولين، فإن الأمر صحيح وينطبق عليه، حيث أخبرنا أنه يقصد السوق بعد منتصف النهار لأجل لقاء بعض الأصدقاء أو لتبادل أطراف الحديث مع تجار يعرفهم، وقد يحدث أن يقابل جارا قديما أو زميل دراسة من أيام الطفولة والشباب، فيشعره ذلك بالسعادة و بمتعة كبيرة، مردفا بأن حفاوة الاستقبال وحسن تعامل التجار مع الزبائن أمر يشجع على العودة في كل مرة، وهو تحديدا السر وراء استمرار شعبية السوق و توافد الناس عليها من كل صوب بالمدينة وحتى من خارجها، مؤكدا بأن الحركة تصبح صعبة جدا في المساء بسبب الاكتظاظ في الممرات و الشوارع.
تحيل الأجواء في طنجة إلى التفكير في السويقة، فالحيان القديمان متشابهان كما قال رجل آخر كان يقف عند طاولة لبيع الفواكه، موضحا بأن علاقته بالسوق عميقة لأنها تذكره بفترة صباه في السويقة، لذلك يتردد على الحي منذ سنوات وتحديدا منذ انتقل للعيش في مدينة الخروب، ولا يقصد طنجة للتسوق فقط وإنما لأجل الأجواء التي تنعش نفسيته وذاكرته معا.
وأخبرنا محدثنا، أن الحي يتمتع برمزية تاريخية فضلا عن سمته التجارية، حيث احتضن الثورة و كان حصنا مهما للفدائيين، و كانت أبوابه تغلق من الجهتين ليتحول إلى إقامة تخفي داخل منازلها المجاهدين ومن يساعدهم، وميزة المكان كذلك، أن سكانه حافظوا على نمطه العمراني وظلوا أوفياء له، فمعظم العائلات التي سكنته منذ ذلك الوقت لا تزال موجودة إلى الآن، بدليل أن التجارة متوارثة هنا.
مردفا، بأن نسبة كبيرة من التجار هم في الأصل سكان قدامى بالحي، وهو ما لفتنا عند حديثنا إلى العديد منهم، كما علمنا من مواطنين آخرين، أن أكثر ما يشتهر به هؤلاء هو كرمهم وطيبة أخلاقهم، وحفاوة الاستقبال التي يخصون بها الزبائن، فالسوق هي القلب النابض لطنجة و الخروب عموما.
شهرة تتعدى حدود الولاية
وعن سر استقطابه لزبائن من مختلف بلديات الولاية ومن مناطق مجاورة، قال تجار وزبائن، إن الأمر يتعلق بالوفرة وملاءمة الأسعار، فكل شيء موجود هنا تقريبا، خضر وفواكه و زبدة البقر واللبن الطبيعي وبيض الدجاج.
ومن التفاصيل التي يراهن عليها تجار لضمان وفاء زبائنهم، الجودة والنوعية، وذلك بحسب التاجر عبد السلام بن ساري، الذي أشار إلى أن الزبون يقصد طنجة تحديدا لأنه يدرك أنه سيحصل على أفضل المنتجات وبسعر مناسب، خصوصا في شهر رمضان لأنه شهر الرحمة وهو ما يميز في رأيه كل الأسواق الشعبية. كما ذكر، أسلوب التعامل الجيد مع الزبائن على اختلافهم بوصفه من الأمور الني صنعت للسوق وتجارها سمعة حسنة تتعدى حدود البلدية والولاية، والدليل أنه يتعامل مع زبائن من قالمة وأم البواقي وعنابة و من مناطق قريبة أخرى كما عبر، مؤكدا أنهم يترددون باستمرار على السوق خاصة في رمضان، لشراء ما يلزمهم من منتجات غذائية و حلويات تقليدية قسنطينة، تعرض بكثرة وبأنواع وأشكال مختلفة مثل «حلوة الحلقوم التي تباع بأذواق كثيرة والفوندا والكوكوية وغيرها»، حيث يتفنن تجار في التسويق لها بأسلوب يفتح شهية الزوار.  
ويرى التوأم جابر وجبير، أن طنجة من الأسواق الشعبية التي لا تزال محافظة على خصوصيتها بفضل ما يبذله تجار من جهد في سبيل دفع الحركية و إرضاء الزبائن وتوفير كل ما يحتاجونه من لحوم بيضاء وحمراء وأسماك و مواد غذائية وخضار وفواكه وحتى التوابل، مع التقيد بشرط النظافة الذي يعد عاملا مهما في العملية التجارية والتعامل بحفاوة مع المواطنين لكسب وفائهم.
عصرنة في طرق العرض
وتتجلى مظاهر العصرنة التي مست السوق، في طريقة عرض السلع و تحسن و تهيئة واجهات  المحلات و تنظيم الرفوف و استخدام الديكورات التي تتناسب مع رمضان لتزيين الزوايا، فرغم أن السوق شعبية إلا أن التجار يحصرون على إعطاء صورة عصرية نوعا ما من خلال الاهتمام بالنظافة  وبالواجهات مع التفنن في توزيع البضائع واسعة الاستهلاك في رمضان، لتكون في متناول الزبون وتغري الصائمين لتجربة كل جديد.
وحسب مواطنين، فإن الديكوارت الرمضانية من التفاصيل الجديدة والمحمودة التي صارت ترافق عملية البيع في طنجة خلال رمضان، حيث توحي فعليا بأجواء مختلفة تعكس طبيعة الشهر وتضفي جمالية على المكان، وذلك بحسب ما قاله إلياس واحد من المواطنين الذين تحدثنا إليهم خلال جولتنا، مشيرا إلى أنه زار طنجة أول مرة وهو تلميذ في الثانوية وكان ذلك في رمضان، وقد شدته الحركية والأجواء وبقي الانطباع الإيجابي راسخا في ذهنه، لذلك ظل يتردد على المكان دون انقطاع لأجل التسوق، أما في المناسبات كرمضان والأعياد وغير ذلك، فإن الهدف من زيارة السوق يكون مزدوجا يجمل بين شراء ما يحتاجه و الاستمتاع بالأجواء و الحركية الكبيرة و التفاعل الاجتماعي.
أ ب

الرجوع إلى الأعلى