تعد ليلى بلكحل لعروسي، من المجاهدات القسنطينيات اللائي ناضلن على كل الجبهات لنيل الاستقلال، فقد انخرطت في صفوف الثورة، و سنها لا يتجاوز 16 عاما ، و قالت للنصر،  إن صغر سنها جعلها تخضع   لفترة اختبار طويلة، للتأكد من قدرتها على تنفيذ المخططات و كتم الأسرار، فنجحت في كسب ثقة المناضلين، و برعت في تطبيق تعليماتهم، كما ساهمت في تزويد الثوار بالأدوية، و لم  تتوقف عن النضال، رغم اعتقالها أربع مرات، و تعرضها للتعذيب الوحشي.  

حاورتها / أسماء بوقرن

فضلت المجاهدة ليلى سديرة، ابنة المجاهد بلكحل لعروسي، أن تتحدث للنصر، عن تفاصيل مسيرتها النضالية و تضحياتها، في متحف المجاهد بقسنطينة، المكان الذي قالت إنه يجعلها تتذكر كل فصول النضال أمام صور رموز الثورة التي تزين أرجاءه.
أكدت المجاهدة أن مساهمة المرأة الجزائرية  كانت فعالة في إنجاح الثورة و طرد المستدمر، قائلة  بأن الحديث عن تضحيات المرأة و وقوفها الند للند أمام الرجل ، لا  تنصفه الكلمات، مشيرة إلى أنها واحدة ممن لبين نداء الثورة على كل الأصعدة، حيث ارتدت الزي العسكري و توغلت في الجبال و الغابات، متجردة من كل مشاعر الخوف، و متسلحة بحب الوطن، فقد اختارت الابتعاد مبكرا عن أسرتها و النضال لتحرير الجزائر.
قالت المتحدثة بأنها نشأت في منزل والدها، الذي كان قبل اندلاع الثورة،  أحد مراكز لقاء و تشاور أعضاء جمعية العلماء المسلمين، فوالدها كان عضوا في الجمعية، و صديقا للعلامة عبد الحميد بن باديس، و الشيخ البشير الإبراهيمي، فهذا الأخير كان يبيت في منزلهم العائلي، و كذلك العربي التبسي و مبارك الميلي و فضيل  الورتلاني، و أحمد رضا حوحو، فيما كانت والدتها رحمها الله، توفر الظروف و الأجواء المناسبة لاجتماعاتهم.   

و في سنة 1955، كما أضافت المتحدثة، أصبح منزل والدها، معقلا       للثوار، و استقبل زعماء الثورة، في مقدمتهم أحمد فيسلي، المدعو رقيق، سليمان حرشي المدعو «لاسو»، و عمار بوعكاز و هم من المجاهدين الأوائل الذين تمركزوا في بيت والدها و هندسوا لأولى العمليات ضد المحتل، و تعتبرهم رجالا عظماء كانوا يتمتعون بشجاعة مثالية في مواجهة قوات المستعمر الغاشم، و انضم بعد ذلك مسبلون و فدائيون و مجاهدون، ليصبح منزل والدها معقلا للفداء تسود أرجاءه الروح الوطنية و يملأه، كما ذكرت، الإخلاص و الصدق، و كان يعد من المعاقل المهمة  في ولاية قسنطينة، ما جعلها تتشبع بروح النضال في سن صغيرة، لهذا فإن التحاقها بالثورة، لم يكن بمحض الصدفة، بل كان متوقعا.
«الملاية» ساهمت في نجاح العمليات
 عن اهتمامها بالنضال الثوري، أوضحت المجاهدة ليلى، بأنها كانت في البداية تساعد المجاهدين في طباعة الرسائل و التقارير على الآلة الراقنة، فاكتشف المناضلون حبها للعمل الثوري، و عندما بلغت سن 16 ، انخرطت تدريجيا في النضال، حيث خضعت للتجريب لفترة طويلة، و كُلفت بنقل رسائل و بعد ذلك الأسلحة، لتجار على مستوى محلات تجارية بشارع العربي بن مهيدي، و حي الرصيف، و نجحت في كل المهام التي كلفت بها خلال مرحلة التجريب، مشيرة في هذا السياق، إلى أن سر نجاح المرأة في التنسيق بين الفدائيين و المجاهدين آنذاك، ارتداء «الملاية» التي تساعد على إخفاء كل ما تكلف بنقله، كما تخفي ملامح وجهها التي قد تظهر ارتباكها للعدو، و تكشف هويتها لمستلم الأمانة، حيث كانت تكتفي بذكر كلمة السر أثناء التواصل معه، دون الكشف عن هويتها، لكي لا يكشف أمرها في حال توقيفها،  مضيفة بأنها كانت تكلف بنقل علبة،و لا يسمح لها بمعرفة ما بداخلها، فدورها هو حملها و نقلها فقط، و الالتزام بالوصول إلى المكان المحدد في الوقت المحدد.  
نقلت الأدوية في قارورات المشروبات الغازية

من المهام النضالية التي قامت بها المجاهدة، مهمة جمع الأدوية، حيث قالت  بأنها هي من أصعب المهام التي أوكلت إليها، حيث لم يكن تسريبها من الصيدليات بالأمر الهين، لأن أغلب مسيريها فرنسيون، فكانت تتواصل بحذر مع عاملات النظافة، و أغلبهن جزائريات لجمع الأدوية، و كانت تعتمد بشكل كبير على صيدلي بشارع العربي بن مهيدي «الطريق الجديدة» يدعى «حدود»،  فقد ساهم بشكل كبير في عملية الجمع، كما كان منخرطون آخرون في عملية الجمع، منهم صاحب مصنع للمشروبات الغازية، قالت أنه كان يزودها بقارورات المشروبات الغازية، لتقوم بملئها بالأدوية، ثم تلصق فوقها الوسم، الذي تتم طباعته بمطبعة جمعية العلماء المسلمين.
انكشف أمر نضال المجاهدة ليلى و هي في 17 من عمرها، أي بعد سنة من انخراطها، و ذلك في شهر ديسمبر 1957، عندما اقتحم قوات المستعمر بيت والدها، بحثا عن أختها نفيسة التي سبقتها إلى النضال، فنقلوها هي و والدها إلى سجن أمزيان، و سجنا في زنزانتين متفرقتين لمدة 21 يوما، و ذاقا خلالها أبشع أنواع التعذيب، و فقأ العدو عين والدها، و أحضروه لها بعد أن تغيرت ملامحه تماما.  كما تعرضت هي لتعذيب وحشي،  و جردت من ملابسها بالكامل أمام الجميع، و هي أبشع جريمة في نظرها اقترفها المستعمر، و لا تزال إلى غاية اليوم المجاهدة تعاني من آثار تلك الجريمة التي لا تنسى. تذكرت المجاهدة و ذرفت دموع الأسى، لحظة إحضار والدها لرؤيتها، بعد أن ذاق شتى أنواع التعذيب، فبكت على حال والدها، و لأنها كانت مجردة من ثيابها أمام مرأى الجميع، و جسدها مليء بآثار التعذيب و الحروق الناجمة عن إطفاء العدو السجائر بجسدها، آنذاك تمنت الموت على أن يراها والدها في تلك الوضعية المرعبة. سألت والدها إذا كان يراها، فرد عليها «هل أنت هنا؟ لم يطلق سراحك بعد؟» فخفف السؤالان  من صدمتها، فرغم حزنها لما أصاب والدها الذي فقد بصره، إلا أنها حمدت الله لأنه لم يشاهدها عارية، و أردفت « كنت محظوظة، لأنني من القلة القليلة اللائي لم يتعرضن للاغتصاب من قبل العدو»، فيما اعتبرت إطفاء السجائر في جسدها، من أبشع أنواع التعذيب التي تعرضت لها و لا يمكنها أن تنساها.  و ذكرت المتحدثة، بأنها في أول مرة سجنت فيها،  مكثت لمدة خمسة  أسابيع في سجن أمزيان، ثم سجنت مرة أخرى في نوفمبر 1958 لمدة شهرين و 20 يوما، و ألقي عليها القبض للمرة الثالثة في جويلية 1959  و سجنت لمدة شهر و 18 يوما، و آخر مرة زج بها في السجن، كانت بعد مظاهرات 11 ديسمبر 1960.    
رضا حوحو حملني فرحا بنجاحي

و بالرغم من معاناتها الشديدة خلال الثورة،  إلا أن المجاهدة  تحتفظ ببعض الذكريات الجميلة، منها نجاحها في شهادة التعليم الابتدائي و لا تزال تتذكر الشهيد أحمد رضا حوحو ، عندما علم بنجاحها، فقد حملها من شدة فرحه بها. أضافت أنها انتقلت مباشرة للطور الثانوي،  لكنها واجهت صعوبات كبيرة في التعلم، لكن رغبتها في تحقيق حلم والدها، جعلتها تتحمل أساليب المستعمر الوحشية التي ينتهجها اتجاه القلة القليلة من الجزائريين المتمدرسين، فواصلت تعليمها رفقة 80 جزائريات فقط، و كان بقية التلاميذ فرنسيين، مؤكدة بأن تعلمها اللغة الفرنسية، ساعدها في عملها النضالي و في مراوغة العدو، و إنجاح العمليات التي كلفت بها من قبل المجاهدين.
أ. ب

الرجوع إلى الأعلى