منارة "بن قوت".. وهج انطفأ بعد قرن من النور بخليج دلس  
أنارت جزءا كبيرا من المتوسط على طول الساحل الجزائري طيلة قرن من الزمن، و جذبت آلاف السياح لمشاهدة أحد أجمل المعالم و التحف التاريخية الفنية الصامدة بخليج في البحر، إنها منارة “بن قوت”، إحدى أقدم و أجمل منارات مدينة دلس العتيقة، أو كما كانت تسمى قديما الأندلس الصغيرة، بولاية بومرداس، لا تزال تتحدى الزوال رغم تحالف الطبيعة و البشر عليها، في ظل تعالي أصوات أهالي المنطقة و المؤرخين و الجمعيات المتخصصة في حماية التراث لانتشالها من براثن الانهيار و التهميش الذي أنهك جدران البناية القديمة.
فالزائر لمدينة دلس ، لا بد أن تلفت انتباهه تلك البناية الشامخة بخليج بحرها، في موقع استراتيجي رفعت منارة “برج فنار” بارتفاع 25 مترا عن سطح البحر، كما يفضل أهل المدينة تسميتها، أو “بن قوت”، كما تسمى عبر التاريخ نسبة إلى مهندسها الفرنسي خلال سنة 1881، إنه بناء عملاق يعانق مياه المتوسط، بهندسة إسلامية تشبه منارة المسجد، استلهمها المهندس من الطراز المعماري الأندلسي لدلس التي اختارها الأندلسيون مقرا لهم عند دخول الجزائر، إلا أن دورها بحري بامتياز، ساعد البحارة طوال قرن من الزمن.
منارة “بن قوت”، الكائنة على بعد 75 كلم عن مدينة بومرداس، معلم تاريخي، و تحفة فنية يشهد أهل المدينة على تدهور وضعيتها سنة بعد أخرى، بعد أن توقفت عن العمل نهائيا بسبب عمل إجرامي، حيث تم تفجيرها بقنبلة ليلة 22 فيفري 1994، بعد أن ألحقت أضرار جسيمة بالمبنى و العتاد الذي يحتويه، حيث استغرق إعادة تشغيلها 6 سنوات، لتعود هذه المرة الطبيعة خلال زلزال 21 ماي 2003 الذي ضرب ولاية بومرداس، ليكمل تخريب ما تبقى بعد العمل الإرهابي. حسب الوثائق التاريخية، فإن إشعاع منارة “بن قوت”، يصل مداه إلى 95 كلم ، و يشتغل مصباحها العملاق بقوة 6000 واط، حيث يقوم بإرسال ومضات إشعاعية للسفن طيلة 17 ثانية دون انقطاع، ما يجعل مدى ضوئه يصل إلى منطقة أوزفون بولاية تيزي وزو، على بعد 60 كلم شرق مدينة دلس، و حتى غرب الجزائر العاصمة.
التخريب و تدهور وضعية المنارة، دفع بالمسؤولين بالولاية، إلى بناء منارة مجاورة لتعويض الأصلية ، في انتظار رد الاعتبار لها، أين خص بأشغال استعجالية سنة 2010 قبل الزلزال ، عبر تثبيته من الداخل بأعمدة خشبية، و هي التي تعد محل انتقاد عدد كبير من الأهالي و المهتمين بالتاريخ، نظرا لتدهورها و تعرضها للانهيار، الأمر الذي دفعهم للمطالبة بالتعجيل في ترميمها و إنقاذها .
و في المقابل، كان مدير السياحة لولاية بومرداس عبد العالي قوديد، قد كشف على هامش إحدى اللقاءات التي نظمت خلال موسم الاصطياف، عن دراسة قال بأنها قيد الإنجاز، تخص ترميم و إعادة بناء منارة برج فنار، التي تعد أحد أهم المعالم الأثرية للغشارة البحرية بمدينة دلس، متحدثا عن تقسيم الدراسة إلى 3 أجزاء، أكد إنهاء إحداها المتعلقة بتشخيص المعلم، فيما يجري حاليا انجاز الجزء الثاني و الخاص بدراسة تيبولوجية، بينما تتمثل المرحلة الثالثة في الأشغال الميدانية لإعادة المعلم إلى طبيعته.و في انتظار إعادة إشعال أكبر مصباح في الأندلس الصغيرة، يبقى المبنى تحت طائلة التشققات و الانهيارات الجزئية التي نخرت جسم تحفة فنية تنتظر من يخصها بعملية تجميلية تعيد بعث شبابها من جديد.                 إ.زياري

الرجوع إلى الأعلى