يفضل الكثير من الشباب و العائلات بالوادي، الخروج إلى البرية مساء ثاني أو ثالث أيام عيد الأضحى، و قضاء سهرة في عمق الصحراء مستمتعين رفقة الأصدقاء والأحباب  بتحضير المشاوي الطازجة التي تطهى بطريقة طبيعية على مواقد من الفحم تحيط بها رمال الصحراء و يتصاعد دخانها إلى السماء الصافية الرحبة المرصعة بالنجوم وسط أجواء حالمة،تزينها قعدات الشاي و السمر التي تلي وجبة العشاء.
و يحرص الجميع على الوصول إلى المكان المتفق عليه في عمق الصحراء باكرا قبل غروب الشمس وحلول الظلام، حتى يتسنى لهم جمع ما أمكن من الحطب الجاف و تقطيعه إلى أجزاء مناسبة لإشعال النار التي ستحضر عليها مختلف الأطباق، فيختارون لها مكانا منخفضا بعيدا عن الكثبان حتى لا تحمل الرياح الرمال إليهم و تفسد المتعة، و بهذا الخصوص يقول أبوبكر، أنه لا يكاد يمر عيد أضحى منذ سنوات، إلا ويخرج رفقة عدد من الأصدقاء إلى البرية  في اليوم الثاني مباشرة، وذلك للاستمتاع بأجواء الاحتفال قبل العودة إلى روتين العمل، حيث يختارون في العادة منطقة تتواجد على بعد 40 كيلومترا جنوب بلدية النخلة، يصلون إليها بسيارات رباعية الدفع تشق الكثبان الرملية بسهولة و تمكنهم من كسب الوقت اللازم  لجمع الحطب و نقل اللوازم المطلوبة من مأكل ومشرب.
أما عبد الوهاب، وهو موظف في إدارة عمومية بالوادي، فقال، بأن العديد من أفراد عائلته يجتمعون خلال اليوم الثالث من العيد، ليقصدوا الصحراء، حوالي 50 كلم جنوب بلدية الرباح، على مستوى الطريق الرابط بين الوادي و حاسي مسعود، أين يخيمون هناك فيباشر الشباب جمع الحطب لإشعال النار و تحضر أولا عجينة خبز «كسرة الملة» المشهورة محليا، وقد سميت بهذا الاسم نسبة إلى «المل» وهو الرمل الساخن الموجود تحت النار، بعد أن تجهز يتم  حشوها بمختلف الخضروات كالطماطم و الفلفل و البصل و عديد التوابل وقليل من الشحم أو اللحم حتى تحافظ على طراوتها، و توضع بعد ذلك داخل الرمل الساخن أسفل النار لتنضج، بعد أن يتم التخلص من الجمر وهناك من يفضلها بدون حشو، ليتناولها مع اللحم أو مع بعض الأكلات الأخرى.
من جهة ثانية، يتفرغ فريق آخر من المخيمين، كما علق محدثنا، لتحضير و إعداد اللحم وتقطيعه و تتبيله، لكي يشوى بعد انخفاض درجة حرارة الجمر لتستمتع العائلة بوجبة لذيذة في الطبيعة.
«الفتفوتة» على الحطب و طهي اللحم داخل “الجرة”
عبد الوهاب قال أيضا، بأن الشباب باتوا اليوم يفضلون أكلة “الفتفوتة” التي تحضر بالبصل والطماطم والفلفل الحار و غيرها من الخضروات المتبلة، تطهى مع قطع من لحم رقبة أو ظهر الأضحية داخل قدر تقليدية بها القليل من الماء والزيت، و تقدم في “قصعة” وتخلط  بقطع من “كسرة الملة” الخالية من الحشو.
كما أدخل الشباب طريقة جديدة لتحضير اللحم في الصحراء داخل “جرة من طين”، التي كانت منتشرة أكثر في الجنوب التونسي، و عرفت رواجا كبيرا هذا الموسم لدى عدد من بائعي الفحم ومختلف لوازم العيد، حيث تتميز  هذه الآنية بفم واسع مع غطاء، يتبل اللحم و يوضع داخلها لينضج، علما أن الكثيرين يفضلون طلي “الجرة” الجديدة بالزيت قبل استعمالها للمرة الأولى لمدة يوم كامل. 
لا متعة بدون الشاي
 على الحطب
ولا يحلو الجلوس في الصحراء دون إعداد الشاي على الحطب، الذي يحضر على نار خفيفة لمدة تقارب ساعة كاملة،  مع الحرص على اختيار أجود أنواع الشاي، الذي يفضله الكثيرون قليل السكر وأكثر درجة من حيث التركيز، كونه سيشرب عقب وجبة دسمة من اللحم .
كما يفضل البعض، المبيت في عمق الصحراء مع أخذ احتياطاتهم لمجابهة مشكل الحشرات السامة و الأفاعي والعقارب  المنتشرة بكثرة خلال هذا الفصل، فيما يكمل آخرون السهرة ويعودون إلى منازلهم في ساعات متأخرة من الليل، وهم في الغالب من العائلات التي تقل خرجاتها إلى عمق الصحراء مقارنة بالشباب، كونها تفضل الضيافة عند الأقارب.
 بشير منصر


 

الرجوع إلى الأعلى