استطاعت ابنة قسنطينة الشابة وداد كيموش، أن تتخطى الصعاب و تكسر جل الحواجز و القيود، لتحقق  مبتغاها و تلج  مجالا لطالما احتكره الرجال، و هو طلاء الجدران  بلمسة فنية إبداعية، فلم  تمنعها مسؤوليتها الأسرية من بلوغ هدفها، و لم تحرمها من صقل موهبتها بالتكوين المستمر، على يد مختصين عرب و أجانب، فاطلعت على أحدث  تقنيات و أنواع  الطلاء العصرية، فأتقنت حرفتها و نالت شهرة تخطت حدود الولاية، رفقة أختها سميحة التي سارت على دربها، ففرضتا مكانتهما في  عالم الشغل، و أصبحتا مقصدا للزبائن، و بالأخص النساء.        
تعتبر حرفة دهن المنازل بالنسبة لوداد بمثابة هواية و متنفس يخلصها من ضغط مسؤولياتها الأسرية، فلم تسمح للظروف المحيطة بها بأن تحبط معنوياتها و  تعكر صفو حياتها و تعرقلها ، فاستطاعت أن توفق بين تربية أبنائها الثلاثة و الحرص على تعليمهم، و بين نشاطها المهني الذي تعشقه.
تحدثت وداد للنصر عن بداياتها في مجال دهن الجدران، قائلة بأن الفكرة راودتها عندما كانت حاملا بابنتها الصغرى سنة 2014، و كان ذلك قبيل شهر رمضان، حيث قررت أن تضفي حلة جديدة على بيتها، فاستعانت بمختصين و بائعي خردوات، فقدموا لها نصائح حول أنواع الطلاء و كيفية استعمالها، فباشرت عملية طلاء بيتها و الأثاث و كذا النوافذ بمفردها، متبعة في ذلك التوجيهات   الأساسية التي تلقتها، مشيرة إلى أنه من بين الأسباب التي جعلتها تعتمد على نفسها في تزيين بيتها و القيام بأعمال الصيانة المنزلية، أن زوجها لا يحب هذه الأعمال و لا يتقنها.
و أضافت الحرفية صاحبة 34 ربيعا،  في حديثها للنصر، بأنها تحب اقتحام مختلف الميادين، و خوض تجارب جديدة لم يسبق و أن اقتحمتها المرأة، مؤكدة بأنها و قبل آن تقتحم ميدان الطلاء العصري، درست الخياطة و انطلقت في مشروع تجهيز ورشتها بالوسائل و المعدات اللازمة، غير أنها و بعد مدة من العمل، قررت توقيف نشاطها لمدة سنتين، و التوجه لدراسة تخصص آخر و هو تربية الدواجن، و قد اختارته عن حب، و كذا بسبب تأثرها بوالدها الذي يشتغل في قطاع الفلاحة، و كذا أختها التي تمتهن تربية النحل و أخيها المختص في الدواجن، غير أنها لم تتمكن من تجسيد مشروعها، بعد أن اكتشفت بأنها تعاني من حساسية من الدواجن.
موهبة   الرسم مكّنتها من الإبداع في الطلاء العصري
ذكرت محدثتنا بأنها قررت تطوير نفسها في ميدان دهن الجدران، فلم  تكتفي بطلاء بيتها ، بل امتدت خدماتها إلى بيوت أهلها و إخوتها و عائلة زوجها، لتقرر سنة 2016 صقل موهبتها بالتكوين في الدهن العصري، لأنها موهوبة في فن الزخرفة الرسم، فالتحقت بغرفة الحرف و الصناعات التقليدية بقسنطينة و درست تخصص رسم و زخرفة و دهن الجدران بالتقنية الثلاثية الأبعاد، ما مكنها من الإبداع في عملها، و اكتساب تقنيات حديثة، لإضفاء لمسة فنية على الجدران، موضحة بأنها أصبحت تتابع عن كثب المجموعات الفايسبوكية المختصة في الدهن العصري لمواكبة كل المستجدات، كما ترافق محترفي هذا النشاط  للاطلاع على خبايا المهنة ميدانيا، و تطبق ذلك في بيتها و بيوت أقاربها، ما ساهم في تحقيق الشهرة لها، و أصبحت تتلقى طلبيات يومية و بالأخص من النساء، اللائي يقصدنها نظرا لاحترافيتها، و كذا للتمكن من التواصل معها بكل حرية، و اختيار أنواع الطلاء التي يفضلنها، و كذا التنقل بحرية في البيت أثناء تواجد وداد و أختها .
محدثتنا قالت بأنها لا تكتفي بالطلاء و إنما تقوم بإصلاح كل التشققات الموجودة في الجدران، قبل مباشرة عملية الدهن، كما تعتمد على بعض التقنيات التي اكتسبتها خلال الدورات التكوينية التي تابعتها تحت إشراف مختصين من بريطانيا و كذا من داخل الوطن، مشيرة إلى أنها حضرت تكوينات نظرية و تطبيقية،  و أتقنت مختلف أنواع الطلاء العصري، مثل «لاتيكو» و «صابلي» و «كراكلي» و «قطيفة» و «ساتيني»، مع إضفاء أشكال و زخارف على جدران المنازل،  ما ساهم في شهرتها و زيادة الطلب عليها من ولايات مجاورة مثل سكيكدة و عنابة و غيرها من الولايات، حيث تنتقل رفقة أختها سميحة و هي أيضا أم لثلاثة أولاد في الثلاثينات من عمرها، تعلمت الحرفة على  يد أختها و صقلتها بالتكوين، لتساعدها في عملها، مشيرة إلى أن الطلب على خدماتها لم يعد منحصرا في البيوت، و إنما شمل مكاتب الموثقين و صالونات الحلاقة و المشاريع السكنية الفردية الخاصة، و يرافقها هي و أختها عند التعامل مع الرجال، ابن أختها، لممارسة نشاطهما بأريحية.  

نشاطها ازدهر في الجائحة
المتحدثة أكدت بأن نشاطها لم يتأثر بالأزمة الوبائية، بل ازدهر أكثر، فاتخذت إجراءات الوقاية و لبت كل الطلبات ، حيث قامت رفقة أختها، بطلاء شقق بأكملها و كذا مكاتب و مدارس متخصصة، مشيرة إلى أن ما يميز عملها هو تركيزها على اللمسة الفنية و إضفاء ديكور يناسب الخصوصية الهندسية لكل بيت أو مرفق ، حيث تستعمل القطع الزجاجية لتزيين الجدار و  الاستغناء عن الصور و قطع الديكور.
و عن مدى توفيقها بين مهامها المنزلية و المهنية، أكدت وداد بأنها موفقة لحد بعيد، كما تحرص على تفوق أبنائها الذين تتراوح أعمارهم بين 06 و 14 سنوات، في الدراسة، مضيفة بأن زوجها رفض في البداية عملها في مجال الطلاء ، لكنه سرعان ما وافق على نشاطها عندما اطلع عليه.                                    أسماء بوقرن

الرجوع إلى الأعلى