يتعرض كهف الدببة الأثري بجبل سيدي مسيد بقسنطينة لمحاولات احتلال جديدة، حيث دق مهتمون باستكشاف الكهوف ناقوس الخطر على إثر تسجيل آثار عملية جديدة لبناء جدارين داخل الكهف، بعد أن حوله شخص من قبل إلى إسطبل لتربية الأبقار. وقد زارت النصر كهف الدببة وكهف الأروي، غير البعيد عنه، اللذين بدأت تمحى فيهما آثار الإنسان القديم بفعل عامل التعنيف الثقافي الممارس عليهما من إنسان اليوم الجاهل لقيمتهما التاريخية، فضلا عن إهمالهما التام من السلطات المحلية، التي لم تتكبد حتى عناء وضع لافتة تشير إليهما أو تكليف عامل لحراسة الموقع وحمايته من الممارسات التخريبية.
روبورتاج: سامي حباطي

ولم يكن الطريق إلى كهف الدببة، أو «غار زاهر» كما يسميه سكان قسنطينة، صعبا، حيث أخبرنا مرافقنا مستكشف الكهوف والمتسلق الهاوي شوقي جغيم عن وجود عدة مسالك تقود إلى الموقع، واختار لنا أقربها بالسيارة من خلال الطّريق الوطني رقم 3، ثم اتخاذ منعطف المكان المعروف لدى سكان سيدي مسيد بـ»البريدعة»، التي يتطلب الدخول إليها العبور على مسلك وعر غير معبد وينتهي عند أعلى مخزن خشب مهجور بمحاذاة خزان المياه الذي يسقي سكان حي سيدي مسيد، وهو آخر نقطة يمكن للسيارة بلوغها، حيث نبهنا مرافقنا إلى أنه سيكون علينا المشي انطلاقا من النقطة المذكورة.
ترجّلنا وكانت تحيط بنا كميات معتبرةٌ من مخلفات البناء والقمامة وأخشاب السكك الحديدية، فقد تحول محيط خزان المياه إلى مكب مفتوح لمختلف أنواع النفايات والقمامة، في حين كان المكان خاليا من أية حركة بشرية، باستثناء كهل ظهر من خلف خزان المياه وكان يبحث داخل الردوم المنتشرة، دون أن يبدي أي اهتمام لمرورنا بالقرب منه.
مسالك المتسلقين للوصول إلى الموقع
مضينا نحو الجنوب لحوالي مائة متر على خط السكة الحديدية التي تربط بين قسنطينة ومدينة سكيكدة، ثم انعطفنا شمالا عندما وصلنا أمام ثلاثة أعمدة خشبية كبيرة وُضعت على الهوة الفاصلة بين السكة وضفة المسلك والمستخدمة لتصريف المياه، حيث عبرنا عليها لننطلق في شبه تسلق للمنحدر الصخري من أجل الوصول إلى كهف الدببة وكهف الأروي الواقعين على مسافة قريبة من جبل سيدي مسيد الذي يعلوه تمثال سيدة السلام، أو «لالة مريم» كما كان يحلو لسكان قسنطينة تسميته.
ولاحظنا الأثر البشري على الصخور التي سرنا عليها لتجاوز العتبة الأولى من الزاوية الحادة للمنحدر، حيث بدت مشذبة لتكون شبيهة بالسلالم، فيما أوضح لنا مرافقنا أن المرشدين الجبليين في العهد الاستعماري هم من قاموا بهذا العمل حتى يصبح الصعود إلى الكهف ممكنا، كما أن السكان الذين قطنوا في أرجاء المكان قد استخدموا هذه «النتوءات الحجرية»، بينما بنى المستعمرون أسفل المنحدر بمحاذاة سكة الحديد جدار دعم صخري لتسهيل صرف مياه الأمطار المنحدرة من أعلى الجبل.
وبعد تجاوز النتوءات، تصبح زاوية المنحدر أكثر انفراجا بحيث يصبح الوقوف بصورة معتدلة نسبيا مُمكنًا كما أن السير صار أسهل نحو الكهف، خصوصا وأنّ الأرضية تصبح تُرابية، في حين يقابل شمال الكهف منزل قديم مهدم ومحاط بنباتات التين الشوكي وبعض الأشجار، حيث أخبرنا مرافقنا أن هذه البناية ليست فوضوية، وإنما تعود ملكيتها إلى عائلة كانت تقيم بالمكان منذ العهد الفرنسي وكانت تستغل الأرض في النشاط الفلاحي.
ولا يمكن رؤية مدخل الكهف من المسلك الذي قدمنا منه، إلا بعد الاقتراب منه، فعناية الطبيعة قد اختارت أن تتوارى الفتحة المؤدية إليه داخل جدار صخري طبيعي يقابل الجهة الغربية، وهذا ما يفسر عدم إمكانية رؤيته من الطريق الوطني رقم 3، رغم أن الصخرة المهيبة لجبل سيدي مسيد هي أول ما يواجه الوافد على قسنطينة بالسيارة من الطريق المذكور، كما أن الأعمدة المعدنية لتمثال سيدة السلام المتربع على قمته تظهر بوضوح من تلك الجهة، في حين يحمي الجانب الثاني من مدخله جدار صخري طبيعي منحدر بنفس الطريقة تقريبا. وقد يفسر هذا الأمر السر وراء اتخاذه مسكنا من طرف الإنسان الأول.
محاولات جديدة لاحتلال كهف الدببة وتضرر الموقع الأثري

وكان المشهد الطبيعي ليبلغ الكمال لولا أن طرأ عليه العامل البشري العنيف، فالجزء السفلي من فتحة الكهف الشبيهة بالمثلث قد تم حجبها من طرف شخص شيد عليها جدارا بأعمدة وجعل له بابا ضيقا، كما لم يكتف بالطبقة الأولى من الجدار وترك عمودين مرتفعين، ما يشير إلى أن المعني كان يسعى إلى جعل السور أكثر علوا.
وأخبرنا شوقي جغيم، الذي سبق وأن ندد من خلال جمعية لاستكشاف الكهوف بالأضرار التي لحقت بالكهف، أن هذا السور، الذي بدا أنه أنجز منذ فترة طويلة من خلال لون الطوب، قد بني من طرف شخص حوّل الكهف إلى إسطبل لتربية الأبقار خلال الأعوام الماضية، مشيرا إلى أن ذلك قد ألحق الكثير من الأضرار بالكهف، خصوصا وأنه من المواقع التي لم تكشف عن جميع أسرارها الأثرية إلى غاية اليوم، فيما أوضح لنا المعني أن مُشيّد السور جعله في السابق أكثر علوا باستعمال صفائح معدنية كبيرة واتخذ من إحداها بابا للكهف، قبل أن تُنتزع.
ويضيف محدثنا متأسفا على وضعية الموقع الأثري الهام، أن جمعية «كاف قسنطينة» التي ينتمي إليها اليوم قد سجلت محاولات جديدة لاحتلال المكان وبناء سور بداخله، حيث أطلقت إنذارا عبر منصة التواصل الاجتماعي «فيسبوك» شهر أوت الماضي، بعد أن لاحظت وجود كمية جديدة من الرمل المستعمل في البناء ولبِنات مكدسة بمدخل الكهف.
أشخاص يحاولون سد شرفة طبيعية في الكهف بجدار
ووجدنا عند مدخل الكهف مجموعة من طوب البناء، في حين ما زالت كومة من الرمل مكدسة داخل الكهف على الجانب الأيسر من المدخل، فضلا عن أن أشخاصا قد حاولوا بناء سور لتقسيم الكهف إلى ما يشبه الغرف، فكهف الدببة الذي يبلغ طوله ستين مترا وعرضه ستة أمتار، قد حفر في الصخر على شكل الحرف اللاتيني L، وعند الجهة اليمنى منه حاول أشخاص بناء سور جديد لكننا لاحظنا أنه تهدم، وقد تسببوا خلال ذلك في حفر الأرضية الترابية أسفل الجدار الصخري الطبيعي الذي يمتد في الرواق الأساسي من الكهف، ما أدى إلى ظهور فراغ كبير فيه.
أما الفجوة اليمنى من الكهف فتفضي إلى شرفة طبيعية تطل من الصخرة على التجمع السكاني بحي سيدي مسيد ويمكن من خلالها مشاهدة عمارات حي بكيرة والعديد من المناطق الأخرى بمدينة قسنطينة على غرار الجباس وجبل سيدي سليمان وابن الشرقي وغيرها. وقد حاول المعتدون على الموقع الأثري بناء جدار لسد هذه الشرفة الطبيعية أيضا، حيث لاحظنا ذلك من خلال آثار الطوب على جانب الشرفة، لكن يبدو أنه تم هدمها من طرف أشخاص آخرين، كما أننا وقفنا على إحدى الفجوات الطبيعية الصغيرة في نفس المكان وقد امتلأت بالقمامة كقارورات المياه البلاستيكية وبقايا علب الطعام.
عظام أثرية مهملة وآثار عمليات نهب

واعتبر شوقي جغيم أن القمامة لا تعود إلى الأشخاص الذين يحاولون استغلال الكهف بصورة فوضوية فقط، بل تتسبب الجمعيات والنوادي التي تنظم الرحلات السياحية في ظهور الكثير من هذه المظاهر السلبية أيضا، مثلما قال. وقارنا بين ما وقفنا عليه وما التقطه مرافقنا من صور قبل شهر، حيث ما زالت الكثير من الأشياء على حالها، ففي الجهة الخلفية من الجزء الأساسي من الكهف، وجدنا ثلاثة أكياس دقيق ما تزال مفروشة على الأرض وبجانبها قارورة عصير ما زالت تحتوي على كمية من المشروب، بينما لاحظنا وجود ورق ألمنيوم يستعمل في لف الطعام الجاهز، بالإضافة إلى قطع ملابس، غير بعيد عن بركة مياه جوفية تتقاطر من بين الصخر داخل الكهف.
وأرانا مرافقنا أيضا ثقبا محفورا بين الصخر والتراب في إحدى جوانب الكهف، حيث رجح أن يكون ذلك من فعل ناهبي الآثار أو من يعتقدون بوجود كنوز في هذا الموقع. وقد لاحظنا على الجهة الخلفية وجود عظم على الأرض، لكنه لم يبدُ قديما جدا، مقارنة بقطعتين صغيرتين أخريين، حيث أحاطت بهما طبقة كلسية شبه حجرية، وأكد لنا مرافقنا أنهما قد يكونان ضاربين في القدم،
لكن لا يمكن إلا للمختصين التأكد من ذلك. واعتبر محدثنا أن آرثر ديبريج، الذي استكشف كهف الدببة في عام 1907، لم يقم بتنقيب أثري وفقا للمعايير المعمول بها اليوم، وكان عمله منحصرا في الحفر واستخراج العظام والأدوات الحجرية وغيرها، لكن التنقيب المكثف اليوم قد يقود إلى اكتشاف الكثير من الأشياء البالغة الأهمية في الكهف.
كتابات «غوغائية» ورماد النيران يخفيان أسماء المستكشفين

وتوجد على مدخل الرواق الرئيسي للكهف ثلاث فجوات على الجهة اليمنى من الجدار، حيث رجح مرافقنا أنها استعملت من طرف الإنسان القديم لتثبيت أعمدة خشبية وخلق شيء يشبه السقف، في حين نشر المتطفلون على المكان الكتابات الحائطية الغوغائية على جدران الكهف في عدة نقاط منه ومن بينها قيام أحدهم برسم قلب أرجواني، وما نجا من الكتابة فقد اسودّ بفعل النيران التي يوقدونها خلال وجودهم بداخله، ما تسبب في اختفاء أسماء المستكشفين الذين مروا على الكهف منذ القرن التاسع عشر أو قبل ذلك. وقال مرافقنا أن الكهف قد لا يخلو من النقوش الجدارية والرسومات التي تعود إلى ما قبل التاريخ، لكنها تكون قد اختفت لأن الإنسان سكن «غار زاهر» عبر حقب تاريخية مختلفة.

وقال  شوقي جغيم أن أول إنذار أطلقه مع الجمعية التي كان ينشط فيها سنة 2009، بعد أن تحول الكهف إلى وكر للانحرافات، حيث أوضح في البيان الذي نشره على صفحة الجمعية أن الكتابات لم تكن مسجلة آنذاك، لكنه تحول بعد خمس سنوات إلى إسطبل أبقار وظهرت فيه الكثير من الأضرار، كما أن الجمعية راسلت والي قسنطينة في نوفمبر من سنة 2018 للتحذير من خطورة الوضع الذي وصل إليه الكهف، وتم استقبالهم من طرف رئيس الديوان ووعدهم بأنهم سيقابلون الوالي للحديث حول الأمر، لكن ذلك لم يحصل إلى اليوم، بحسبه، في حين نشر في التحذير الأخير أن مواد البناء الموجودة حاليا تشير إلى أن شخصا ما يحاول إعادة احتلال الموقع. ويذكر المعني أيضا أن الثقب الذي أحدثه اللصوص جديد.
بقايا فخار أثري تنتشر بين كهف الدببة والأروي

وتركنا كهف الدببة نائما على أسراره واتجهنا صوب كهف الأروي الواقع في مرتبة أعلى منه، حيث تفرق بينهما مسافة مقدرة بحوالي  مائتي متر، بينما يتطلب الوصول إلى الغار الثاني مزيدا من الصعود. وفي طريقنا إلى الأروي لاحظنا انتشار الكثير من قطع الأواني الفخارية القديمة، لكنها قطع صغيرة مكسورة، حيث أكد لنا مرافقنا أن الأمطار الأخيرة التي هطلت على المدينة قد ساعدت على ظهورها من تحت الأرض، فهي غالبا ما تجرف الأرضية الترابية عبر المنحدر وتؤدي إلى قلب الأرض وظهور ما يختفي تحتها. ونبه نفس المصدر إلى أنه لا يمكن التأكد من الحقبة التي تعود إليها إلا من طرف المختصين، بينما لاحظنا على الأرض قطعة فخارية تبدو أنها ذراع جرة كبيرة فضلا عن قطعة أخرى تبدو أنها القاعدة السفلى لجرة أيضا.
ووجدنا في مسلكنا نحو الكهف أيضا العديد من قطع الكالسيت، وهو حجارة كريستالية لاحظنا وجودها على شكل طبقة جيولوجية ذات لون بني داخل كهف الدببة الذي كنا فيه، لكن الكميات المنتشرة بالقرب من كهف الأروي بدت أكبر وأكثر انتشارا. وأكد شوقي جغيمي أن مصدر الحجارة من داخل الكهف، مشيرا إلى أن آرثر ديبريج خرق حفرة كبيرة داخله وألقى بالأتربة خارجا، وهي منتشرة منذ ذاك بمحيطه، في حين نبه إلى أن هشاشة طبقة الكالسيت داخل صخر الجبل عامل مساعد على حركة المياه الجوفية، فضلا عن أن الكالسيت لا يتشكل إلا في الأماكن التي تنتشر بها المياه.  
شاب يحاول منعنا من دخول كهف الأروي

بلغنا كهف الأوري، الذي كانت فتحته الرئيسية تتوارى خلف ربوة صغيرة من الأتربة، وقد استوقفنا في الطريق شاب، مر بنا متجها نحو كهف الدببة واكتفى بإلقاء السلام في المرة الأولى، قبل أن ينادي علينا من محيط كهف الدببة ويومئ بذراعيه، طالبا منا ألا ندخل إلى كهف الأروي، ثم انصرف ودخل كهف الدببة دون أن نفهم سبب محاولته ثنينا عما كنا نعتزم القيام به.
وإن نجا كهف الأروي من تشييد جدار في وجه زواره، فإنه لم ينج من التخريب الذي بدت آثاره أشد وطأة على جدران الكهف وسقفه مقارنة بكهف الدببة، فقد لاحظنا أن آثار الكتابات فيه أكثر ظهورا، ويمكن رؤية إحداها عند المدخل مباشرة، بينما تحمل الصخرة الخارجية نحو جهة الغرب آثارا لشخص ما قام بالحفر عليها باستعمال آلة أتوماتيكية للحفر أو يدوية. وقد أحدث الفاعل دائرة كبيرة حفر الصخر فيها بالإضافة إلى دوائر أخرى أقل حجما، تاركا ثقبا في المنتصف، بينما لفت انتباهنا ملاحظة آثار حفر مطابقة في الجدار الداخلي للكهف، حيث أوضح لنا مرافقنا أنها قد تعود لناهبي الآثار والحالمين بالكنوز الذين يعتقدون بوجود أشياء دفينة في الصخر.
الخفافيش تهجر الأروي إلى الأبد بسبب النيران
وتثبت أحدهم عمودا معدنيا صغيرا بالقرب من المدخل، وهو نفس الأمر الذي لاحظناه بالقرب من مدخل كهف الدببة، كما قام بطلائه باللون الأبيض وكأنها علامة لتعيين موقع ما، في حين وقفنا داخل الكهف على وجود بركة كبيرة من المياه المتسربة من تجاويف الصخر، حيث تسببت في ظهور نوازل داخل الكهف. و يُلاحظ على جدران الكهف آثار خطوط المياه المتسربة عبر كم هائل من السنوات، وقد يكون عبر ملايين الأعوام.
وقابلتنا داخل الكهف علبة عصير فارغة وآثار رماد من نارٍ أضرمها المترددون على المكان، في حين يتميز كهف الأروي عن الدببة بمدخله الضيق نسبيا، وطبقة الكالسيت الأكبر من نظيره السابق، فهي تتجلى بوضوح عند المدخل، كما أن قطعا كبيرة منها كانت ملقاة على الأرض. وتسبب العامل البشري في فتح فجوة ثانية بجانب المدخل الرئيسي للكهف، حيث يبدو أن أشخاصا نبشوا الأرضية الترابية وتركوا آثارا لذلك. ويلاحظ على كهف الأروي أنه أكثر عتمة أيضا، فنسبة النور المتسربة إليه ضئيلة مقارنة بكهف الدببة وربما يعود ذلك إلى انخفاض سقفه، في حين استحالت جدرانه سوداء من جراء أدخنة النيران، وما إن بلغنا منتصفه حتى اهتاجت حولنا آلاف الحشرات، حيث أخبرنا مرافقنا أنه نوع من الذباب، بينما كدنا نقع ونحن نحاول الوصول إلى آخر الكهف البالغ طوله 42 مترا، بسبب الأرضية الموحلة جراء الرطوبة.
وأخبرنا شوقي جغيم أن مصدر العدد الهائل من الذباب يعود إلى غياب الخفافيش التي كانت تسكن الكهف، حيث هجرت المكان بسبب النيران التي يوقدها البشر، لكن بمواصلتنا المشي إلى غاية نهاية الكهف لاحظنا أن الذباب غير موجود فضلا عن أن عملية التنفس صارت أسهل، في حين يلجأ بعض الأشخاص إلى الكهف لحرق «الزقوقو»، وقد لاحظنا آثاره على الأرضية. ونبهنا مرشدنا في رحلتنا إلى الكهف إلى تشقق كبير في جزء من جداره، حيث أوضح لنا أنه ناجم عن حرارة النيران.
وعُدنا أدراجنا ونحن ندوس على أنواع مختلفة من الحجارة المنتشرة في أرضية كهف الأروي، وفي محيطه، وكنا نسير ببطء لينبهنا مرافقنا إلى ما تبقى من اسم أحد المستكشفين الأوروبيين الذين مروا بالكهف، حيث لاحظنا اسما بالحروف اللاتينية واللون الأسود وتحته تاريخ، وجاء فيه MARLE.CH 1889، بحسب ما تمكننا من قراءته، فيما تشير الكتابة إلى أن المستكشفين والمغامرين قد مروا بالكهف قبل أن يقوم ديبريج بحفرياته، في حين لم نتمكن من العثور على معطيات حول شخصية هذا المستكشف.
الإنسان عاش في الكهفين قبل 50 ألف سنة

وتشير المصادر التاريخية أن الإنسان عاش في كهف الدببة وكهف الأروي منذ ما بين 40 إلى 50 ألف سنة، في حين عثر ديبريج على أدوات حجرية مصنوعة من الصوان وعظام لدببة منقرضة في كهف الدببة، بينما وجدت بقايا جمجمة حيوان الأروي المنقرض في كهف الأروي. واكتشف ديبريج بقايا بشرية أيضا في كهف الدببة، في حين يذكر نفس المصدر أن «غار زاهر» تعني «الغار الهادر». وأكد لنا مرافقنا أن «زاهر» تحمل معنيين، فالمعنى الأول قد يعود إلى الصدى الذي تصدره الأصوات داخل الكهف عند الصراخ وتعني «الزئير»، بينما قد يُقْصد بها ارتفاع ضوء شعله النيران من داخل الكهف.
وذكر لنا بعض السكان رواية أخرى مفادها أن «زاهر» يقصد بها صوت الزئير الناجم عن دخول الرياح إلى الكهف من جهة الشرفة الطبيعية وخروجها من الجهة الأخرى، ما يحدث صوتا يشبه زئير الأسد. وأشار ديبريج بحسب ما نشره «مجموعة الملاحظات للجمعية الأركيولوجية لقسنطينة» في عددها الصادر سنة 1908، إلى أن بقايا الأواني الفخارية المعثور عليها تعود إلى العصر الحجري الجديد. واعتبر مرافقنا شوقي جغيم، أنّ الكهفين مُهملان تماما من طرف الجهات الوصية، مشيرا إلى أنه كان من المفترض أن تمدد فيهما الإنارة وأن يفتحا للمهتمين بزيارتهما، في حين أكد لنا ما تذكره المراجع التاريخية من أنهما كانا ضمن محطة الجولات الجبلية التي تنظم لفائدة هواة رياضة التسلق، حيث استمر هذا النشاط منذ الفترة الاستعمارية إلى غاية الثلاثين السنة الأولى لفترة الاستقلال ليتوقف خلال التسعينيات.
وأضاف محدثنا أن الكهوف المماثلة في دول أخرى تزود بتماثيل إنسانية أو حيوانية تعيد تجسيد حياة الكائنات التي عاشت بداخلها والأدوات التي كانوا يستخدمونها، ما يجعلها مصدر دخل أيضا وقطبا للسياحة.
س.ح

الرجوع إلى الأعلى