الحرائق و الأمراض تهدد مزارع الشجرة المباركة بجبال القل
تدخل  حملة جني الزيتون ببلديات ولاية سكيكدة، أيامها الأخيرة، على وقع مخاوف شديدة من تراجع المنتوج و توقعات بارتفاع فاحش في أسعار زيت الزيتون ، نتيجة للظروف التي أحاطت بهذه الشعبة الفلاحية، هذه السنة، بولاية سكيكدة التي تحتل المرتبة الخامسة وطنيا من حيث إنتاج الزيتون، من حرائق الصيف الماضي التي أتت على الآلاف من أشجار الزيتون، لاسيما بمناطق غرب الولاية و انتشار مرض طفيلي،   أدى إلى إتلاف كميات كبيرة من المنتوج قبل النضج.
روبورتاج بوزيد مخبي
دأب سكان قرية «دوزن» ببلدية بني زيد في جبال القل غرب ولاية سكيكدة، على إحياء عادة توارثوها أبا عن جد و هي الزردة، للإعلان عن انطلاق موسم جني الزيتون، التي يحرص على حضورها كل أبناء المنطقة، حتى القاطنين بالولايات الأخرى و خارج الوطن و يتم التحضير لها بذبح الأبقار و تقسيم لحومها على كل سكان القرية، للإعلان عن انطلاق موسم جني الزيتون و يلتزم جميع السكان بانتظار موعد إقامة الزردة، للشروع في جني المحصول.
و كانت النصر حاضرة  لمشاركة سكان قرية «دوزن» فرحتهم في عيدهم السنوي، حيث يتم التحضير المسبق لهذا الموعد، بذبح عدد من رؤوس الأبقار و توزيع لحومها على سكان المنطقة، كما يتم تحضير مختلف الأطباق التقليدية و الحلويات و توزيعها على الحاضرين، وسط أجواء بهيجة.
 هذا الموروث اختفى في السنوات الماضية بسبب الظروف الأمنية، ثم عاد من جديد منذ بضعة أعوام،  حيث قال شيوخ أن هذا التقليد كان  يتم كل سنة قبل انطلاق موسم الجني، بحيث يحرص الجميع على الحضور و الالتزام بالموعد و لا يتجرأ أحد من سكان القرية على مباشرة عملية الجني قبل الزردة مهما تأخر موعدها و مهما كانت الظروف، مشيرين إلى أن موعدها تأخر هذه السنة بأكثر من أسبوعين و قد وجدنا بأن عشرات الأشجار تساقطت منها حبات الزيتون و ينتظر أصحابها إقامة الزردة لجنيها.
و ذكر أحد الشيوخ، بأن الزردة كانت في وقت سابق تقام يوم الاثنين و يتم الشروع في عملية الجني في نفس اليوم، لكن مع تطور أوضاع السكان و انتشارهم بالمدن و الولايات المجاورة، تم تغيير موعد انطلاق الجني، حيث أصبحت تقام يوم السبت،   لتنطلق عملية جني الزيتون يوم الاثنين الموالي.
حرائق الصيف تعبث بعناء 20 سنة
 

كشفت جولتنا التي قادتنا إلى حقول الزيتون بقرى بلديتي بني زيد و كركرة التي كانت تعج بالسكان أثناء مواسم الجني، عن تحولها هذه السنة إلى مناطق مهجورة، بسبب حرائق الصيف الماضي التي اجتاحت تلك المناطق على غرار قرى، قرقورة و أقنة و الدردار و اغبال، حيث أتت حسب تقديرات المصالح المختصة، على   أكثر من 10 آلاف شجرة مثمرة، منها 7 آلاف شجرة زيتون، ما أدخل عائلات في دائرة الفقر، و هي التي كانت تعتمد على منتوج الزيتون للعيش.
و تحدث البعض من أصحاب الحقول، عن فقدان ما كانوا ينتظرونه منذ أكثر من 20 سنة من العمل و خسائر بالملايير و من الصعب تعويضها حسبهم و تأسفت «خالتي عقلية» التي وجدناها بجانب حقلها  الذي تحول اليوم إلى أرض جرداء، لما أصابه من حرائق خلال الصائفة الماضية قائلة أنها تعبت في عملية الغرس و السقي و العناية بها لمدة سنوات و بين عشية و ضحاها، جاءت الحرائق لتتحول تلك الأشجار إلى رماد.
 ذبابة الزيتون تتلف 50 بالمائة من المنتوج
و دق أصحاب حقول الزيتون غرب ولاية سكيكدة، مع بداية موسم جني الزيتون لهذه السنة ناقوس الخطر، بسبب انتشار مرض طفيلي يصيب ثمار الزيتون، حيث تكبد العديد من المزارعين، لاسيما بالمناطق القريبة من البحر بكل من أولاد معزوز، كركرة و تمالوس، خسائر معتبرة في المنتوج، بسبب انتشار ما يعرف بذبابة الزيتون أو الدبابة البيضاء، حيث تقوم هذه الذبابة، حسب حديث مسؤول بالمصالح الفلاحية لولاية سكيكدة، بإصابة الثمار بجروح و إفقادها لقيمتها و إسقاطها قبل النضج، كما تؤثر على طعم و قيمة الزيت المستخلص منها،  و هو المرض الذي أدى إلى تراجع منتوج الزيتون إلى النصف بتلك المناطق التي انتشرت بها هذه الدبابة و التي تتكاثر في  مناخ خاص من رطوبة و حرارة و تنتشر أكثر بالمناطق القريبة من البحر، حسب حديث المسؤول بمصالح الفلاحية.
فيما أكد أصحاب حقول بمنطقة تمالوس، على أن المنتوج كان  وفيرا في البداية، لكن بعد انتشار ذبابة الزيتون، أتلف نحو 50 بالمائة من المنتوج، فيما تحدث البعض من أصحاب الحقول، عن شيخوخة الأشجار و عدم الاهتمام بها، إضافة إلى عدم تجديد الحقول بزراعة أشجار فتية، وراء تراجع المنتوج كل سنة. و تبقى طريقة جني الزيتون التقليدية، حسب المختصين في المجال الفلاحي، مضرة جدا بالإنتاج كما و نوعا، خاصة طريقة إسقاط حبات الزيتون من الأشجار بطريقة الضرب بالعصي الخشبية الطويلة المتوارثة عن الأجداد و عدم وضع أفرشة بلاستيكية خاصة لتجميع الحبات، حيث أن الضرب بالعصى يتلف البراعم و مناطق النمو في الأغصان، و هو ما يجعل الأشجار قليلة الإنتاج في السنة الموالية و إسقاط حبات الزيتون فوق الأرض، يسبب لها جروحا و يؤدي ذلك إلى عدم الحصول على زيت عالي الجودة و بمذاق مختلف عن المذاق الأصلي.
كما أن تخزين المحصول لأيام في أكياس بلاستيكية معرضة للظروف المناخية المتقلبة، يفقده خصائصه و حسب العارفين من تقنيين، فإن التسخين الذي عادة ما يقوم به أصحاب محصول الزيتون قبل نقله إلى المعاصر من أجل زيادة كميات الزيت، ينقص من جودته و من الضروري نقل المحصول قبل 24 ساعة من جنيه على الأكثر و ترك مهمة غسله أو تسخينه للمعاصر، سيما و أن المعاصر العصرية تضمن إنتاج زيت بمواصفات عالية الجودة و بنقاوة و طعم جيد، كما أن غياب العناية بأشجار الزيتون و الاهتمام بها مرة واحدة في السنة وقت الجني و كذا شيخوخة الأشجار و عدم تجديد الحقول، أين يوجد 50 بالمائة من الأشجار، فاق سن الكثير منها 100 سنة، قلل من فرصة تضاعف الإنتاج.
و ناشد أصحاب الحقول، السلطات الفلاحية بالولاية، لمساعدتهم في القيام بحملات لحماية المنتوج من انتشار الأمراض الطفيلية و يطالبون الجهات المعنية، بمساعدتهم على تجديد حقولهم و حماية الأشجار من مختلف الأمراض، فيما يطالب آخرون لاسيما بالمناطق المعزولة في قرى بلدية بني زيد، بفتح الطرقات و المسالك الغابية، من أجل تسهيل نقل المنتوج، حيث يضطر البعض من أصحاب الحقول، للتخلي عن جني المحصول، خاصة عند تراجع المنتوج بسبب تكاليف النقل و متاعب نقله من وسط الغابات إلى الطرق المعبدة، فيما لجأ البعض الآخر لاستعمال الوسائل التقليدية من أحمرة و غيرها، لتأمين نقل المنتوج.
تحذيرات من الأنواع المغشوشة
يتوقع العارفون بشؤون سوق زيت الزيتون في الأسواق المحلية لولاية سكيكدة، ارتفاع أسعار الزيت هذه السنة، نتيجة لتراجع المنتوج بسبب الظروف المذكورة و زيادة الطلب على هذه المادة الحيوية بالنسبة للعائلات السكيكدية، التي لا تخلو موائد طعامها من زيت الزيتون على مدار السنة، كما تستعمل أنواع خاصة منها في علاج بعض الأمراض، حيث بلغ سعر زيت الزيتون في الأسواق المحلية، عتبة 800 دج للتر الواحد بالنسبة لمخزون السنة الماضية، فيما يتوقع ارتفاع أسعار الزيت الجديد عند دخوله السوق و إمكانية وصول الأسعار إلى عتبة 1000دج للتر الواحد، لا سميا بالنسبة لزيت بعض أنواع الزيتون المشهورة بغرب ولاية سكيكدة.
و توجد بولاية سكيكدة، 72 معصرة، منها 38 معصرة تعمل بالضغط و18 عصرية و16 أخرى تقليدية، تتواجد بكل من مناطق الحروش، عزابة، بكوش لخضر و عين قشرة و تمالوس، بين الويدان  و كركرة و القل و يتعمد أصحاب المعاصر عند تراجع المنتوج بالمنطقة، شراء كميات كبيرة من الزيتون من ولايات مجاورة و إنتاج الزيت و بيعه على مستوى المعاصر من أجل تغطية التكاليف، فيما لا يزال البعض من أصحاب حقول الزيتون بالقرى النائية  في جبال القل يعتمدون على الطرق التقليدية المتوارثة أبا عن جد في عصر الزيتون، من أجل إنتاج زيت عالي الجودة.
و حسب، عمي عمار، الذي تحدث إلينا و كشف عن بقاء هذه الطريقة التي يعتمد عليها القليل، بالنظر لاستغراقها وقتا طويلا و متاعب من أجل تحضير الزيتون إلى غاية الحصول على الزيت، عبر سلسلة من المراحل التي تحتاج إلى صبر و قوة و كذا خبرة في الممارسة،  و كشف محدثنا، عن استمراره في نفس الطريقة التقليدية لعصر الزيتون، رغم تقدمه في السن و ذلك من أجل إنتاج زيت قال بأنه يسمى بزيت «بومقرقب» و هو زيت  لا يمر على النار، حيث يحتفظ بكامل قيمته الغذائية و يستعمل غالبا في معالجة الأمراض،  فيما يسمى الزيت الذي يمر على النار، بزيت «بومسسلي»، حيث أن هذا الأخير، ينتح كميات كبيرة من الزيت، لكن قيمته الغذائية  أقل، و هو ما يجعل أسعار زيت «بومقرقب» مرتفعة،  حيث يصل حتى إلى 1200دج للتر الواحد.
المرأة... سيّدة الحقول   في جبال القل

مازال  جني محصول الزيتون بجبال القل غرب ولاية سكيكدة، يعتمد على جهد المرأة التي تقوم بالدور الأساسي خلال جميع مراحل الجني، حيث وجدنا أثناء زيارتنا لحقول الزيتون بقرى الدوار و قياطين و الطهرة  و أقنة و علي الشارف ببلدية بني زيد، وصولا إلى قرى حجرية و بوالقرطوم  و الرباحية ببلدية كركرة، أن نسبة انخراط النساء في عملية الجني أكثر من الرجال، فيما يقتصر دور الرجال  على عملية إسقاط حبات الزيتون من الأشجار، لاسيما العالية منها، بالطرق التقليدية من خلال استعمال عصا خشبية تسمى «المطرق»، في حين تقوم النساء بجمع حبات الزيتون المتساقطة داخل أكياس، كما يقمن في نفس الوقت بقطف الحبات التي يمكن الوصول إليها من الأرض، فيما تغامر بعض النسوة بالقيام بنفس الدور الذي يقوم به الرجل من تسلق للأشجار و إسقاط الحبات بالعصا الخشبية و غيرها من العمليات و يتولى الرجال في النهاية، نقل المحصول إلى البيوت و منه إلى المعاصر، في الوقت الذي يقتصر فيه دور الفتيات على جمع حبات الزيتون المتساقطة بفعل الرياح، أو ما يسمى بـ « الريمة « و عملية جمع الحبات تمسى بـ « الهومة»، حيث لا توجد حدود لـ « الهومة»،  حتى لو كانت الأشجار غير تابعة لملكية العائلة و هي عادة متوارثة من الأجداد.
و مازالت بعض العائلات تعتمد على الطريقة التقليدية حتى أثناء عملية عصر الزيتون، حيث تبدأ العملية بجمع المحصول و تخزينه لعدة الأيام، حيث تم طحنه باستعمال حجرة كبيرة تسمى ( المطحنة ) أو «القراقابة «، ليتم جمع المنتوج المطحون داخل سلة تسمى «زنبيل» و تركه  يصفى من الماء لمدة 24 ساعة، قبل أن تقوم النسوة بعملية العجن بالأرجل داخل وعاء واسع،  حيث تدوم العملية لأزيد من ساعتين و بعدها ينقل المنتوج إلى الحوض، أو ما يسمى «بالجابية»  و هي عبارة عن حفرة واسعة في التربة، يصلها مصدر للماء و يتم استعمال قضيب حديدي من أجل خلط معجون الزيتون مع ماء الحوض، لاستخلاص الزيت الصافي، حيث يطفو الزيت فوق سطح الماء و يتم تجميعه و وضعه يغلي قليلا داخل وعاء آخر، من أجل تبخير ما تبقى من ماء و من بعدها يجمع  الزيت الصافي في آوني، في الوقت الذي يتم جمع قشور حبات الزيتون التي تطفو فوق سطح و تسمى بـ « اللمش « و يتم استعماله في إعداد بعض الأطباق الغذائية، منها الكسرة و غيرها.
 و تعتمد عملية عصر الزيتون بهذه الطريقة التقليدية، أساسا على النساء، فيما يقتصر عمل الرجل في المرحلة الأولى فقط و هي عملية الطحن باستعمال الحجرة الكبيرة «القرقابة»، في عملية متعبة جدا، حسب حديث نساء من المناطق التي زرناها و مازال عدد قليل من السكان ممن يعتمدون على الطريقة التقليدية، فيما يفضل الكثير منهم   المعاصر.               ب.م

الرجوع إلى الأعلى