سهرات، تناول للقهوة والسمر وتبادل لأطراف الحديث، ومداخل العمارات بديل لقاعات الشاي، تجمعات للمراهقين والشباب حول الأرصفة، هي مظاهر لخرق إجراءات الحجر الصحي، وقفت عليها النصر خلال خرجة ميدانية رفقة قوات الشرطة بأمن ولاية قسنطينة، سهرة أول أمس الثلاثاء، حيث مست عددا من أحياء الجهة الغربية للمدينة، وتم خلالها توقيف العشرات من الشباب والمراهقين الذين فضلوا تحدي التدابير الوقائية ومصالح الأمن والوباء، ولا سبيل لإعادتهم طوعا إلى منازلهم سوى أذان المغرب من أجل الإفطار أو آذان الفجر للسحور والنوم.

- روبورتاج: عبد الله بودبابة

نظمت ليلة الثلاثاء إلى الأربعاء مصالح أمن ولاية قسنطينة، خرجة ميدانية للوقوف على مدى تنفيذ إجراءات الحجر المنزلي الذي يدخل حيّز التنفيذ بين السابعة مساء والسابعة صباحا بولاية قسنطينة، وذلك على مستوى أحياء النجمة والسيلوك و5 جويلية وبوالصوف والإخوة عرفة المعروف بـ «الزاوش»، حيث تم خلالها تسخير عدد كبير من المركبات والعشرات من أعوان الأمن من مختلف الرتب، يتقدمهم رئيس أمن الولاية مراقب الشرطة عبد الكريم وابري، وبمشاركة حوامة يقوم قائدها بتزويد الفرق العاملة على الأرض بالمعلومات حول الأحياء والأماكن التي خرق بعض قاطنيها لإجراءات الحجر.
و وفقا للبرنامج المسطر تم الشروع في التجمع قرب مقر الأمن الولائي بحي الكدية عند الساعة التاسعة ليلا، وتواصل وصول الفرق الأمنية تباعا، قبل أن يتجمع جميع أعوان الأمن المشاركين في المداهمات بمحاذاة المدخل الرئيس، أين قام رئيس أمن الولاية بإعطاء التوجيهات العامة للعملية والأماكن التي ستمسها، مطالبا عناصر الشرطة بتطبيق القوانين والتنفيذ السريع والدقيق للتعليمات والصارم، مضيفا، أن اختيار الأحياء المستهدفة لم يأت اعتباطا بل بعد مراقبة ورصد للمعلومات، والتي بيّنت أن خرقا كبيرا لإجراءات الحجر الصحي قد سجّل بها بعد ساعات الإفطار الأولى، وهو ما من شأنه أن يؤثر سلبا على الصحة العامة ويزيد من عمر انتشار الوباء، كما بيّن مراقب الشرطة أن العمل سيكون بالتنسيق بين مختلف الفرق على أن تقوم الحوامة بتقديم معلومات دقيقة وآنية حول الأماكن الواجب استهدافها.
أولى التوقيفات بعد فترة وجيزة من الانطلاقة


بعد الانتهاء من الاجتماع الميداني، انطلق حوالى الساعة العاشرة ليلا، الموكب المؤلف من عدد كبير من المركبات رباعية الدفع والسيارات وعدد آخر من المركبات التي خصصت لنقل الموقوفين المفترضين، حيث تم الحرص على تخصيص عدد كبير منها وذلك من أجل ضمان تباعد بين الموقوفين وعدم تعريضهم للخطر.
ما إن قطعنا مسافة قصيرة من حي الكدية مكان تواجد مقر مديرية الأمن، نحو حي السيلوك، حتى توقفت مركبات الشرطة بعد رصد تواجد شبان على مستوى حي النجمة، ليتم التدخل بسرعة كبيرة ما مكن من توقيف 3 أشخاص بالطريق الرئيس، فيما توغل عناصر الأمن إلى العمارات أسفل الحي، مع مراقبة بعض المداخل التي يرجح أن شبانا ومراهقين أخلوها بعد لمحهم لأضواء الشرطة.
المروحية لتوجيه الفرق الميدانية
ركبنا السيارات وتوجهنا مباشرة إلى حي السيلوك الذي سبقنا إليه أعوان الأمن راجلين، وفي هذه الأثناء كانت المروحية تحوم فوق عمارات الحي وتقوم بمسح جميع المناطق المجاورة له خصوصا من الجهة الخلفية للعمارات والتي تعرف عادة تواجد مراهقين ومتعاطي المخدرات، مع توجيه الضوء على أي حركة مشبوهة ليقوم أعوان الأمن مباشرة بتقفي كل أثر، وبالمقابل تتوالى التعليمات على القادة من خلال جهاز الراديو، وذلك مباشرة من رئيس أمن الولاية، وكذا التنسيق بين مختلف الفرق من قاعة العمليات بمقر مديرية الأمن.
فور وصولنا إلى حي السيلوك، توقف الموكب بمحاذاة مسار الترامواي، فيما انطلق أعوان الأمن بسرعة نحو العمارات وبالضبط إلى مداخلها التي تشهد في العادة تجمع الشباب، كما مكن التنظيم الموضوع في وقت سابق، من انقسام الأعوان بشكل منظم حيث توجهت كل فرقة نحو عمارة، وذلك للحيلولة دون تفطن من يتواجدون بمداخلها والفرار.
وقد أثمرت العملية بتوقيف عدد من الشبان، في وقت سرنا رفقة عدد من أعوان الأمن التابعين لفرقة البحث والتحري، خلف العمارات، وبين الأعشاب الطويلة، جريا إلى غاية الوصول إلى المنازل المشيدة أسفلها، وقد سبقنا إليها شرطيان على متن دراجة نارية، إلا أن المكان كان خاليا، أما عند الطريق فقد وقف 3 أعوان أمن وقاموا بمراقبة تصاريح المركبات المارة.
عائلات بأكملها تتابع المداهمة من الشرفات
بعد الانتهاء من تمشيط كامل محيط عمارات السيلوك، تجمع عناصر الأمن وأخذوا في ركوب سياراتهم، قبل أن ينطلق الموكب من جديد نحو حي 5 جويلية والذي سبقتنا إليه الطائرة العمودية، وفور انطلاقنا أخذت التعليمات تتوالى عبر جهاز الاتصال، من خلال التحقق من التحاق كافة الفرق بالموكب وعدم تخلف أي فرد من عناصر الشرطة، قبل أن يتم تحديد مكان التوقف بالقرب من مسجد لقمان ثم الانقسام إلى عدة مجموعات تتخذ كل منها مسلكا حتى يتم إجراء مسح كامل للحي، وعدم ترك فرصة لأي شخص للإفلات من قبضة مصالح الأمن، بينما لفت الإنزال الأمني الكبير انتباه وفضول العائلات، وهو ما عكسه تواجد عدد كبير من السكان على الشرفات وعبر النوافذ لمتابعة ما يحدث، بينما قام عدد منهم بإلقاء التحية على عناصر الشرطة وتمنوا لهم التوفيق في عملهم.
عملية المطاردة بحيي 5 جويلية وحسان بوجنانة مكنت من إلقاء القبض على عدد كبير من الأشخاص الذين كانوا يجلسون بالقرب من العمارات، بعضهم كان يحمل أكواب القهوة، وقد تم تفتيشهم بدقة قبل وضعهم في مركبة تابعة لمصالح الأمن، وقد حرص الأعوان المكلفون بحراستهم على إجلاس كل موقوف بمفرده وضمان تباعد مناسب بينهم، ولدى وصولنا بالقرب من مقر الأمن بحي بوجنانة كان أعوان الشرطة يمسكون بشاب يظهر أنه في نهاية العشرينيات من العمر، وقد بدا عليه خوف شديد، وذلك لأنه يعاني من اضطرابات نفسية، وقد طلب منهم السماح له بالعودة إلى المنزل، قبل أن يسمح لأحد الموقوفين وهو جار له بالبقاء معه من أجل تهدئته في انتظار وصول أهله لاصطحابه إلى المنزل.
واصلنا المسير مشيا على الأقدام تارة والجري تارة أخرى، وذلك تحت أنظار العائلات التي لم تفارق النوافذ والشرفات، إلى غاية الساحة المقابلة لمسجد أبي حنيفة النعمان، أين قامت الإطارات بتقديم تقرير عن حصيلة العملية بحيي 5 جويلية وحسان بوجنانة، قبل أن ننطلق من جديد في مركب كبير انقسم إلى قسمين الأول توجه نحو حي الإخوة عرفة المعروف بـ «الزاوش» والثاني نحو بوالصوف.
مداخل العمارات للفرار من قبضة الأمن
دخلنا حي بوالصوف وتوجهنا مباشرة إلى تجمع سكاني بالقرب من محل معروف لصنع الحلويات والمرطبات، وبما أننا كنا في أول سيارة بالموكب، لمحنا شبانا ومراهقين يجرون في كل الاتجاهات نحو مداخل العمارات للفرار من مصالح الأمن. توجهنا رفقة أول شرطي نزل مسرعا من مركبته ويتعلق الأمر برئيس المصلحة الولائية للأمن العمومي عميد أول للشرطة مراد بوضرسة الذي توغل خلف العمارات بعد أن رصد عددا من السكان يسرعون إلى مداخل العمارات ثم مباشرة نحو سكناتهم، وفي تلك اللحظة توزع بسرعة عشرات عناصر الأمن بين البنايات، سواء راجلين أو فوق الدراجات النارية وعلى متن المركبات رباعية الدفع، ما مكن من القبض على عدد كبير من الشبان الذين كانوا يجلسون في أماكن متفرقة ومظلمة، ويترصدون كل حركة كونهم يعلمون بأن مصالح الأمن دائما ما تداهم الحي وبشكل يومي، ولم تستثن المداهمة أي منطقة، سيما وأن رئيس أمن الولاية وجه الأعوان مباشرة لحي الشرطة القريب حتى تتم ملاحقة أي شخص يتواجد بالخارج.
قمنا بالتوغل بين العمارات القريبة من العيادة متعددة الخدمات رفقة إحدى الفرق وما إن اقتربنا أكثر، حتى تعالى صوت من إحدى العمارات ينادي أشخاصا كانوا قريبين وطلب منهم الهروب، حيث توجهوا مباشرة إلى مدخل عمارة، وظلوا يراقبون من النوافذ، ومع محاولة الأمن ملاحقتهم عبر السلالم، تفرقوا إلى مساكنهم ما حال دون توقيفهم، فيما كانت العشرات من العائلات تراقب المشهد من النوافذ بينما أخذ البعض في التقاط صور وفيديوهات ثم بثها عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما كنا نراقبه عن كثب من خلال تصفحنا لما ينشر.
 نجاعة الدراجات النارية في ملاحقة الفارين
 وقد لاقت الصور تفاعلا كبيرا بين رواد موقع فيسبوك، وتم تداولها على نطاق واسع كما أخذت حيزا كبيرا من التعليقات، كما أن سرعة انتشار الخبر دفعت بالكثيرين إلى العودة إلى المنازل تخوفا من وصول الفرق الأمنية خصوصا في ما تبقى من حي بوالصوف.
عقب ذلك أخذت الفرق الأمنية في التجمع مجددا في نقطة النهاية بمحاذاة مسجد الإصلاح، وهي نقطة مرتفعة نسبيا ويمكن من خلالها مراقبة الطريق إلى غاية السكنات الفردية القريبة من مقر الأمن الحضري، وعلى الرغم من التواجد الكثيف لمصالح الأمن إلا أن بعض المراهقين لم يغادروا وظلوا يراقبون الوضع من بعيد، وهو ما دفع بفرقة مؤلفة من 4 عناصر أمن على متن دراجتين ناريتين، بملاحقتهم ما مكن من القبض على بعضهم، ثم اقتيادهم نحو مقر الأمن، وفي هذه الأثناء التحقت بنا الفرقة الثانية من قوات الشرطة التي يقودها نائب رئيس أمن ولاية قسنطينة عميد أول للشرطة نور الدين بوالطبح بعد الانتهاء من دورية بحي الزاوش ،مع اقتياد عدد من الموقفين وتحويلهم إلى مقر الأمن ببوالصوف من أجل إتمام الإجراءات القانونية.
رئيس أمن ولاية قسنطينة: توقيف 89 شخصا وحجز 6 مركبات
وكشف رئيس أمن ولاية قسنطينة مراقب الشرطة عبد الكريم وابري في تصريح صحفي عقب نهاية المداهمة حوالى منتصف الليل، أنه ومنذ يوم 28 مارس الفارط شرعت قوات الشرطة في تطبيق إجراءات الحجر الصحي، وفي كل يوم يتم تقديم حصيلة للتوقيفات وحجز مركبات لم يحترم أصحابها التدابير الوقائية التي جاء بها مرسوم الوزارة الأولى.
أما بخصوص الخرجة الميدانية، فقد تم توقيف 89 شخصا بحسب ذات المسؤول، مع حجز 6 مركبات ودراجة نارية واحدة، كما تم اتخاذ إجراءات قانونية في حق أصحاب 3 محلات خرق أصحابها الحجر الصحي خلال وقت سريانه، وذلك على مستوى مدينة قسنطينة، بينما تم اتخاذ إجراءات في حق أصحاب 35 محلا بين الواحدة زوالا والسادسة مساء بالمقاطعة الإدارية علي منجلي لم يحترموا قرار الغلق.
ع.ب

الرجوع إلى الأعلى