عائلات تقع في مأزق  الاستدانة و  أخرى تلجأ  لرهن  الحلي
التهمت مصاريف الشهر الفضيل ميزانية أغلب الأسر ذات  الدخل الضعيف و المتوسط ، التي وجد أربابها  أنفسهم في مأزق مع حلول عيد الفطر، ما دفع البعض للاستدانة،  و آخرين لرهن الحلي أو للبحث عن عمل إضافي ، للخروج من الضائقة المالية  و سد متطلبات العيد ، كما وضع الأولياء أمام حتمية مقاطعة العطلة الصيفية، و البحث عن مخرج لتغطية نفقات الأعراس ، هذه الظاهرة التي باتت تؤرق أرباب العائلات فسرها خبراء في الاقتصاد للنصر، بغياب ثقافة ترشيد النفقات من جهة و تدني الحد الأدنى للأجور من جهة أخرى، فيما أكد  رجال الدين أن رمضان مدرسة لتعلم سياسة التسيير و التنظيم،  غير أن العادات الخاطئة المتفشية في المجتمع  جعلت الفرد يقع في فخ التبذير و تبديد الأموال .
ربورتاج / أسماء بوقرن
انقضى شهر رمضان المعظم، غير أن تبعاته ظلت قائمة لدى عديد الأسر، بسبب التهامها كامل الميزانية و لجوئها إلى الاستدانة لاستكمال ما تبقى من أيامه و تحضير حلويات العيد و كسوة أبنائها، واقع وقفنا عليه  عند جل الأسر التي تحدثنا إليها، و التي أجمعت في حديثها للنصر بأن هذا الموسم جاء مغايرا تماما للمواسم الماضية، بسبب التهاب أسعار المواد واسعة الاستهلاك و الخضر و الفواكه و حتى الألبسة ، مؤكدين بأنهم تخلوا عن بعض العادات التي دأبوا على إحيائها في كل شهر فضيل، لتجنب الوقوع في أزمة مالية، غير أنهم لم ينجحوا، مذكرين بأن الوضع الاقتصادي الراهن أثر بشكل كبير على معيشة ذوي الدخل المتوسط و الضعيف الذين لم يجدوا حلا للخروج من الأزمة المالية التي يتخبطون فيها ،و التي أجبرتهم على الاستغناء عن السفر لقضاء العطلة الصيفية على الشاطئ  .
غير أن ما لمسناه لدى بعض الأسر التي تحدثنا إلى أربابها، أن ضعف قدرتهم الشرائية مع سوء التخطيط، جعلهم يقعون في فخ الاستدانة، حيث أنهم لا يرتبون أولوياتهم على حساب  قيمة راتبهم الشهري، و يتطلعون لاقتناء أشياء تفوق إمكاناتهم و قدراتهم المالية، و هو ما دفع بالكثير منهم، إلى البحث عن شغل إضافي، و حتى إلى رهن حلي الزوجات لتوفير الضروريات.    
10 ملايين سنتيم ..
ميزانية أسرة من 6 أفراد في رمضان
تحدثنا إلى رب أسرة تتكون من 6 أفراد، يتقاضى 60 ألف شهريا، فقال لنا، بأنه و ككل جزائري مسؤول عن إعالة أسرة ينفق كثيرا في رمضان، و ذلك بسبب تغير عادات الأكل و توسع دائرة الاستهلاك مع التحضير لحلويات عيد الفطر ، موضحا بأن راتبه الشهري مقارنة بعدد أفراد أسرته ،لا يكفي لسد كل المتطلبات، كما أن كل المخططات التي يضعها للتسيير الأمثل لأجره مع حلول كل رمضان لا تنجح ، حيث تظهر  بعض المستجدات التي لم تكن في الحسبان، كالمرض و تعطل بعض الأجهزة المنزلية و ارتفاع فواتير  الكهرباء و الغاز و الماء، التي تزامن تسديدها هذه المرة مع بداية الشهر الفضيل، مشيرا إلى أن رب الأسرة و مهما كانت سياسته رشيدة في الإنفاق، إلى أنه يجد لا محالة إشكالا في توفير كل متطلبات أسرته .
ذات المتحدث أضاف بأنه قرر هذه السنة حذف العطلة الصيفية من أجندته، لتزامنها مع رمضان و الأفراح و حلول عيد الأضحى بعدها ثم الدخول المدرسي، مؤكدا بأنه و بالرغم من أنه كان يدخر القليل من المال، تحسبا لموسم الاصطياف ، إلا أن المبلغ المدخر أنفقه و لم يتبق منه سوى 5 آلاف دينار،  مقدرا قيمة نفقاته لهذا الشهر  بـ 10 ملايين سنتيم دون تكاليف ألبسة العيد .
رهن الحلي المنفذ لتأمين الكسوة  و مستلزمات الحلويات
لجأت السيدة فضيلة 50 عاما و أم لأربعة أولاد، إلى رهن قطع من حليها، بعد أن نفد راتب زوجها المقدر بـ 27 ألف دينار في العشر أيام الأولى من رمضان، لكونه قام بتسديد تكاليف الدروس الخصوصية لابنهما المقبل على شهادة البكالوريا و دفع فاتورة الماء مع شراء المواد الاستهلاكية، و هو ما أوقعه في مأزق دفع بزوجته إلى رهن حليها لشراء كسوة أولادها، حيث قالت في حديثها لنا بأنها لا تستطيع أن تستغني عن كسوة فلذات كبدها في العيد، و لا على تحضير الحلويات ، في مناسبة تأتي مرة في السنة .في المقابل أكد جمال و هو شاب متزوج منذ 5 سنوات،  يتقاضى 40 ألف دينار شهريا ، و له ثلاثة أولاد تتراوح أعماره بين 5 سنوات و سنة واحدة، أن هذه السنة لم يتمكن من ادخار المال، نظرا لغلاء العيشة، و زيادة احتياجات أسرته، ما دفعه في العشر الأواخر من رمضان للبحث عن شغل ، حيث خصص ساعات فراغه للعمل في بساتين جني الفاكهة بحامة بوزيان، لتحقيق دخل إضافي،  مشيرا إلى أن راتبه لم يعد كافيا، خاصة و أن مبلغ منه يُقتطع لتسديد قيمة السكن، مشيرا إلى أنه في السنوات الأولى من زواجه كان يتحكم في زمام الأمور ،غير أنه في الوقت الحالي أصبح يجد نفسه عاجزا، و الراتب ينفد في النصف الأول من الشهر ، خاصة في المناسبات كرمضان.

الخبير الاقتصادي فارس مسدور
نواجه مشكلة الإدارة السيئة للميزانية الأسرية
 الخبير الاقتصادي فارس مسدور قال للنصر، بأن الثقافة الاستهلاكية غائبة في مجتمعنا ، و أننا نواجه مشكلة الإدارة السيئة للميزانية الأسرية، لكوننا لم نشتغل على دراستها و تقييمها، ، داعيا وسائل الإعلام للقيام بدورها التوعوي التعليمي، و ذلك بتلقين المواطن الذي لم نفكر في جعله شخصا اقتصاديا بامتياز، أساليب التسيير و التخطيط باستشارة  مختصين.
و أضاف الخبير، أن الرواتب التي يتقاضاها المواطن الجزائري ضعيفة جدا، وحدها الأدنى لا يفي بالغرض في ظل الغلاء الفاحش للمعيشة، و كذا ارتفاع نسبة التضخم في الاستهلاكات الواسعة، حيث سُجلت نسبة بين 35 و 40 بالمائة زيادة في أسعار المواد خاصة ذات الاستهلاك الواسع، و أفاد بأنه يجب أن تتم مراجعة سلم الأجور ، و أن يكون الحد الأدنى لعائلة من 5 أشخاص 50 ألف دينار، هذا لضمان الحد الأدنى للمعيشة الكريمة، مشددا على ضرورة وضع إستراتجية وطنية لإعادة الاعتبار للأسر ذات الدخل المتوسط و الضعيف، للرفع من مستوى المعيشة ، داعيا إلى مراجعة المنظومة الجبائية الجزائرية و العمل على استقرار الأسعار.             أسماء بوقرن

مختص في الشريعة الدكتور كمال لدرع
شهر رمضان مدرسة لترشيد الإنفاق
من جهته أوضح الدكتور كمال لدرع، عميد كلية الشريعة بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، أن رمضان من خصوصياته أنه يعلمنا ترشيد الإنفاق الأسري،  بتنظيم أوقات الطعام، و ذلك لوجود وجبتين فقط ، فهو يعودنا على تنظيم حياتنا و الالتزام بنمط واحد في الأكل، حيث يجعل الفرد يلتزم بشراء ما يحتاجه فقط، كما يحارب  آفة الإسراف و التبذير ، و هذا ما ذكر في آيات كثيرة في كتاب الله نذكر منها قوله تعالى « إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين « .
محدثنا قال أن الإسلام يبيح التمتع بالطيبات من أكل و شراب، لكن ليس بدرجة الإسراف، الذي نلاحظه ، حيث ترمى كميات كبيرة الطعام و الخبز ملقى على الأرض، و هذا لا يمت بصلة لأخلاق المجتمع الإسلامي ، لأن رمضان في جوهره مدرسة لتعلم سياسة المعيشة و ترشيد النفقات و تعلم حسن التدبير و الاقتصاد، و كذا التفرغ لعبادة الله ، لكن للأسف لم نرتق بعد، حسبه، لهذا المستوى، بالرغم من أننا مجتمع مسلم ، و هي مسؤولية مشتركة تتحكم فيها بعض العادات الخاطئة و نقص التوعية و يتحملها الجميع، و على المسجد، كما أكد، و وسائل الإعلام أن تقوم بدورها  في التوعية و الرقي الأخلاقي .
أسماء بوقرن

الرجوع إلى الأعلى