السيـــاسة الاجتماعيـــة لابـــد أن تبنــــى على مقاربــــة اقتصـــاديـــة اجتمـــاعيــــة
أكد الخبير الاقتصادي أحمد سواهلية أن الجزائر تملك مؤهلات كبيرة لتحقيق الإقلاع الاقتصادي المنشود وقال إن تنشيط الحركة الاقتصادية في البلاد يحتاج لخلق استثمارات حقيقية في جل القطاعات من أجل خلق التوازن بينها وبين قطاع المحروقات الذي لا يمكن أن نستمر في الاعتماد عليه وحده فقط في تمويل التنمية.
حاوره: عبد الحكيم أسابع
في لقاء خص به النصر، أكد الدكتور سواهلية أن الاقتصاد الجزائري اليوم له مميزات إيجابية سيما وأن البلاد ليس لها  ديون خارجية ولا داخلية كبيرة معربا عن يقينه بأن تنشيط الحركة الاقتصادية وتحفيز القطاعات الأخرى خارج المحروقات ضروري لخلق قطاع بديل وقوي.
rالنصر: رغم الركود الاقتصادي نجد أن قانون المالية، قد بني على توقعات متفائلة بشأن السعر المرجعي للنفط وجاء خاليا من أعباء ضريبة على المواطن، وحاول الحفاظ على القدرة الشرائية ما هي قراءتكم لهذا التوجه؟
د.سواهلية: لقد جاء قانون المالية في ظرف غير طبيعي وفي ظل ظرف صحي صعب بسبب أثار جائحة كورونا التي كلفت الدولة نفقات وأعباء إضافية كبيرة، وآثار ذلك تتمثل في التعويضات المختلفة، للعمال والمتدخلين للقضاء على الوباء أو للتعويضات المختلفة للمؤسسات الاقتصادية أو لشراء التجهيزات المختلفة لمجابهة الوباء، كذلك فإن اقتناء اللقاح سيتطلب نفقات إضافية، وبالتالي فإن العجز في الموازنة ينم عن أنه طبيعي وهذا ليس في الجزائر فقط.
الكتلة النقدية المتداولة في السوق السوداء تقدر بـ 6000 مليار دينار
الآن وفي ظل هذا العجز لموازنة الدولة وفي ظل الركود الاقتصاد العالمي والاقتصاد المحلي الجزائري بسبب الوباء فإن خيارات الحكومة محدودة جدا وأعتقد أن الفرصة غير متاحة 100 بالمائة للخروج من هذه التبعات، لكن الصمود موجود لأن اقتصادنا اليوم له مميزات إيجابية لأنه ليس لنا ديونا خارجية وليس لنا دين داخلي كبير جدا وبالتالي أعتقد أن تنشيط الحركة الاقتصادية وتحفيز القطاعات الأخرى من أجل استثمار أكثر في قطاعات الصناعة والفلاحة والتجارة، وغيرها، ضروري جدا ومرافقة المنظومة المالية لها تجعل نسبة النمو والناتج الداخلي الخام مستحسنة نوعا ما وهذا ما أشار إليه السيد الوزير الأول أنه بإمكان الجزائر أن تلعب على عامل الاستثمار من أجل تحفيز النمو الداخلي مما سيوفر الكثير من مناصب الشغل ويوفر إيرادات للدولة وخلق الثروة.
rالنصر: برأيكم هل هناك مقومات تحقيق إقلاع اقتصادي في ظل الوضع الحالي وما هو المطلوب من المؤسسات الإنتاجية الوطنية حتى لا نستمر في الاعتماد على استيراد المادة الأولية بنسبة كبيرة لتحريك عجلة إنتاج المؤسسات الوطنية والمواد النهائية؟
د.سواهلية: لابد أن نتفق أن الاقتصاد الجزائري له القدرات من أجل الإقلاع المنشود إذ لدينا  طاقات بشرية وقدرات طبيعية في الفلاحة والصناعة والسياحة،،، حيث نملك من المقومات من المساحة الشاسعة والموقع الاستراتيجي وتنوع المناخ بين سهوب وسهول وصحراء ما يمكن لنا  أن نراهن على هذه المقومات من مناجم وطاقات متجددة نظيفة مساعدة للبيئة وهذا ليس معناه التخلص من المحروقات بل يجب التوسع في هذا القطاع.
ولا تحتاج هذه المقومات سوى لتنشيط الاستثمار من خلال خلق استثمارات حقيقية في جل القطاعات الاقتصادية من أجل خلق التوازن بينها وبين قطاع  المحروقات.
إن تحسن أسعار النفط التي وصلت حدود 48 دولارا يجعلنا نقول أن تنبؤات الحكومة كانت واقعية  على أساس تحديد سعر مرجعي بـ 40 دولارا وسعر توازني بـ 45 دولارا وبالتالي يمكن أن نشهد في المستقبل القريب درجة تحسن أكثر من هذا، بتحسن الوضع الصحي وبالتخلص من الوباء وبالتالي سينشط اقتصاد العالم مما يمكن أن يرفع الطلب على النفط لكننا لا يمكن أن نبقى رهينة قطاع المحروقات ولابد لنا من تنويع اقتصادنا بما نملكه من مؤهلات.
لا يجب أن تبقى الجماعات المحلية رهينة الإدارة المركزية
الآن يبقى الإشكال في تمويل هذه القطاعات وهو إشكال حقيقي أمام شح الموارد.
rالنصر: حافظ مشروع قانون المالية لسنة 2021 على استقرار مقومات الاقتصاد الوطني والمقومات الاجتماعية وتضمن إجراءات لحل إشكالية الدعم حتى يوجه لمستحقيه من ذوي الدخل الضعيف وأبرز عنوان فيه تخصيص غلاف مالي ضخم لتنمية مناطق الظل وإدماج 355 ألف مستفيد من نظام الإدماج المهني، فإلى أي مدى يمكن لميزانية الدولة الصمود أمام الانكماش الاقتصادي الحالي؟
د.سواهلية: فعلا إن الدولة تقوم اليوم بتحويلات اجتماعية كبيرة جدا وتقوم بتنمية مناطق الظل وهذه كلها إجراءات تدخل في إطار مواصلة رعاية الفئات الهشة لكن هذا لمدى معين، إذ لابد من تنشيط الحياة الاقتصادية وتنشيط المؤسسات وخلق فرص عمل في المناطق الريفية لنتخلص من هذا الدعم الذي يرهق كاهل الخزينة.
إن السياسة الاجتماعية التي تكلم عليها السيد رئيس الدولة ستتم وفق مقاربة اقتصادية اجتماعية لتجنب تكرار أخطاء الماضي، ففي الماضي القريب قام النظام السياسي السابق في إطار آلية لونساج لدعم الشباب بسياسة إرضائية للشباب لا غير.
إن السياسة الاجتماعية اليوم لابد أن تبنى على مقاربة اقتصادية اجتماعية لأن المقاربة الاقتصادية لا بد أن تأتي كتحصيل حاصل.
عندما نمنح قرضا للمؤسسات الاقتصادية من أجل تنشيطها فإن هذا مقبول ولكن هذا ليس معناه استنزاف الخزينة ولابد اليوم من توقيف استنزاف الخزينة عن طريق إشراك المنظومة المصرفية في مرافقة المؤسسات الاقتصادية خاصة اليوم في ظل اعتماد نظام الصيرفة الإسلامية وهي مهمة جدا لأنها ستكون مرافقة حقيقية للمؤسسات وليس من خلال منحها خطوط قروض ولكن بإشراكها في القرارات المصيرية للمؤسسة الاقتصادية.
اعتماد صيغة الصيرفة الإسلامية ضروري
فعندما تكون المؤسسة الاقتصادية في حالة إفلاس أو انهيار أو في حالة توقيفها فإن البنوك تكون شريكا في حالة الخسارة وفي حالة الربح ما يجعل من الصيغة الاقتصادية أفضل بكثير من الصيغ التقليدية السابقة وهذا ما يحفز البنوك والمنظومة المصرفية على مرافقة المؤسسات الاقتصادية.
rالنصر: برأيكم كيف يمكن لنظام الصيرفة الإسلامية تعبئة الأموال التي هي خارج البنوك وإدماجها في القنوات الرسمية لتساهم بفعالية في تمويل التنمية الوطنية؟
د.سواهلية: أعتقد أن الصيرفة الإسلامية تقوم على نظام شراكة حقيقية من خلال الإيجار والاستصناع والمشاركة والمرابحة وغيرها من الصيغ  التي تجعل من المصرف أو البنك شريكا حقيقيا للمؤسسات في الربح والخسارة وهذا ما يشجع الطرفين ويشجع المؤسسات الاقتصادية على الاستثمار لأنها ستجد مرافقا حقيقيا وليس مقرضا فقط وفي نفس الوقت يشجع المصارف على إيجاد مؤسسات حقيقية تنتج الثروة.
ومن خلال اعتماد هذه الصيغة التمويلية للاقتصاد سنشهد استقطابا للكتلة النقدية الموجودة خارج دورة التداول الرسمي، لأن إشكالية الكتلة النقدية المقدرة بـ 6000 مليار دينار جزائري في السوق السوداء ليس فقط بإيداعها فقط في البنوك وإنما يجب إخراجها للاستثمار.
rالنصر: إذا كانت قيمة الدينار في 2021 تتجه نحو الانخفاض عن ما هو عليه أي من 119 دينار مقابل دولار واحد، إلى 142 دينار مقابل دولار واحد، هل سيكون لذلك تأثير على الأسعار ؟
د.سواهلية: إن تخفيض قيمة الدينار يأتي في إطار السياسة النقدية التي تحدث عنها السيد وزير المالية لدى خلال عرضه لقانون المالية ومن أجل إيجاد الآليات لقياس العجز المشهود في موازنة الدولة المقدر بـ 2700 مليار دينار جزائري  وأيضا في العجوزات في ميزان المدفوعات والميزان التجاري.
إن تخفيض قيمة الدينار إيجابية وفي نفس الوقت ستخلق لنا إشكالا آخر حيث يؤثر على القدرة الشرائية، باعتبار أن هذا التخفيض سيزيد من تكاليف الإنتاج خاصة عندما تكون مدخلات الإنتاج أو عوامل الإنتاج بالعملة الصعبة معناه وهو ما سينعكس على الأسعار التي ستشهد زيادات لا يمكن تجنبها والمطلوب هو البحث عن كيفية الحفاظ على القدرة الشرائية.
وأعتقد أنه ليس لنا حل للقدرة الشرائية أو لمؤشر نمو الناتج الداخلي أو لمؤشر التضخم أو غيرها من المؤشرات سوى من خلال تنشيط المؤسسات الاقتصادية وتحفيزها على الاستثمار لأن هذا الفعل وهذا المؤشر، سيعمل على ترقية كل المؤشرات الأخرى وحتى مؤشر البطالة سيتوجه نحو الانخفاض.
rالنصر: برأيكم ما هي الصلاحيات التي يمكن منحها للبلديات لضمان حصولها على موارد تمويل محلية حتى لا تبقى تثقل كاهل الخزينة العمومية؟
د.سواهلية: عندما أعدت الحكومة مخطط الإنعاش الاقتصادي فقد عقدت لقاءات مع الولاة ثم مع الشركاء الاجتماعيين وجاء حرصها على إشراك الجماعات المحلية في إعداد هذا المخطط من أجل وضع تصورات لخلق موارد محلية، حتى تبقى الجماعات المحلية رهينة الإدارة المركزية في مجال تمويلها بمختلف الاعتمادات المالية وفقط.
تخفيض قيمة الدينار إيجابية لكنها ستنعكس على الأسعار
 الآن بإمكان الجماعات المحلية أن تلعب الدور المحفز على الاستثمار المحلي، وتنمية الجباية المحلية لتستفيد منها الهيئات المحلية بدور أكثر وبنسب كبيرة جدا  وعلى السلطات المركزية أن تمنح حق  المبادرة و حق حرية الاستثمار للبلديات لأن تحرير فعل الاستثمار المحلي وتحرير الجباية المحلية يمكن أن تخلق مشاريع استثمارية ذات نجاعة كبيرة في خلق الثروة ومناصب الشغل على المستوى المحلي وتحقيق إيرادات كبيرة للبلديات.            ا.ع

الرجوع إلى الأعلى