كرّست النسخة 58 لمنافسة كأس الجزائر، هيمنة النوادي العاصمية على التاج، وذلك بعودة أبناء «سوسطارة» إلى المنصة، ونجاحهم في معانقة «السيدة المدللة» من جديد، في إنجاز مكنهم من إنقاذ الموسم، والخروج منه بلقب وطني، هو التاسع لهم في منافسة الكأس، مما جعلهم يتقاسمون صدارة لائحة أبطال هذه المنافسة مع الجار شباب بلوزداد، الذي يكون بخسارته نهائي هذه الطبعة قد شذ عن المألوف، وأنهى موسمه بأياد فارغة، وهو «سيناريو» لم يعشه أبناء «العقيبة» في آخر 6 سنوات، لأنهم اعتادوا على حصد لقب وطني على الأقل كل موسم، لكن خسارتهم للرهان كانت «مزدوجة» هذا الموسم، لأنهم وفضلا عن فشلهم في استعادة لقب البطولة، وتضييع تذكرة دوري أبطال إفريقيا في آخر جولة ببجاية، فإنهم أخفقوا بالمقابل في الاحتفاظ بتاج كأس الجمهورية.
قراءة: صالح فرطاس
واحتفظت النسخة 58 من الكأس بالكثير من خصوصياتها، والتي تبقى من أبرزها سيطرة الفرق العاصمية على المنافسة، بدليل أن «النهائي» كان «عاصميا» خالصا، في «سيناريو» لم يختلف كثيرا عن سابقه، والفرق الوحيد بين الطبعتين يتمثل في تبادل المولودية مع الجار الاتحاد على منافسة شباب بلوزداد على اللقب، بصرف النظر عن أن تركيبة المربع الذهبي كانت بنسبة كبيرة من الجزائر العاصمة، لأن اتحاد الحراش ضرب بمعيار الانتماء عرض الحائط، وبلغ نصف النهائي، فكان فريق مولودية البيض الوحيد الذي صنع الاستثناء بتواجده على بعد خطوة من النهائي، لكن خبرة أبناء «سوسطارة» وجيرانهم من «العقيبة» كانت كافية للبصم على نسخة سادسة من «النهائي» الأكثر تكرارا في تاريخ المنافسة، ليتقدم على «الكلاسيكو» العاصمي بين المولودية والاتحاد، والذي كان في الدور النهائي لخمس طبعات سابقة.
وحسم اتحاد الجزائر نهائي هذه النسخة بهدفي بن عياد وخالدي، ليحرز الكأس التاسعة في سجله، ويعادل بذلك رقم منافسة في النهائي شباب بلوزداد، الذي كان يراهن على لقب التتويج العاشر، الذي يسمح له بتكريس هيمنته على هذه المنافسة في المواسم الأخيرة، لكن الأمور الميدانية سارت عكس المعطيات التي بُنيت على وضعية كل فريق في الثلث الأخير من البطولة، لأن أبناء «سوسطارة» كانوا قد انهاروا في الجولات الأخيرة، بينما تمسك شباب بلوزداد بحظوظه في التتويج بلقب البطولة، أو على الأقل انتزاع تأشيرة المشاركة في دوري الأبطال، غير أنه خسر الرهان «المزدوج» في البطولة، بالتدحرج إلى المركز الثالث، ليكون ختام الطبعة 58 لكأس الجمهورية بفرحة أنصار اتحاد الجزائر، إثر نجاح فريقهم في إنقاذ الموسم، بلقب أعادهم إلى منصة التتويجات بعد غياب دام 6 سنوات، لأن أخر تتويج للاتحاد على الصعيد الوطني كان لقب البطولة في 2019، وهو الثالث في عهد الاحتراف، في حين أن آخر تتويج له بكأس الجمهورية يعود إلى سنة 2013، واللافت للانتباه أن تشكيلة «سوسطارة» لم تتمكن في آخر 10 نسخ من تجاوز عقبة ثمن النهائي سوى في الموسمين الأخيرين، حيث توقفت مغامرتها في المربع الذهبي خلال السنة الفارطة، لتكون نهاية هذا الموسم ناجحة، بترصيع خزائن النادي بلقب وطني جديد، هو الرقم 17 بين البطولة والكأس.
موسم صفري لبلوزداد ورقم الوفاق صامد
تتويج اتحاد الجزائر أبقى الكأس «عاصمية» للموسم الثاني على التوالي، بعد خلافته شباب بلوزداد على المنصة، ولو أن سجل هذه المنافسة يجسد السيطرة المطلقة لفرق الجزائر العاصمة على «السيدة المدللة»، بدليل أن الكأس أحرزها فريق عاصمي للمرة 30، وهي حصيلة يبقى فيها الرقم القياسي من نصيب كل من شباب بلوزداد واتحاد الجزائري بالتساوي بمجموع 9 ألقاب لكل فريق، مع تواجد مولودية الجزائر في وصافة اللائحة برصيد 8 تتويجات، وهذا بالتساوي مع وفاق سطيف، بينما تبقى التتويجات الأربعة «العاصمية» الأخرى من نصيب اتحاد الحراش بلقبين، ونصر حسين داي وجيل هندسة الجزائر بلقب لكل ناد، بصرف النظر عن أن تاريخ المنافسة عرف تنشيط نهائي 15 طبعة بنكهة «ديربي» عاصمي خالص.
إلى ذلك، فإن مخلفات هذه النسخة أخرجت شباب بلوزداد بأياد فارغة، بعد موسم شذ عن المألوف بالنسبة لأبناء «العقيبة»، الذين اعتادوا على انهاء مشوارهم كل موسم بلقب على الأقل، وهو الأمر الذي تجسد ميدانيا منذ سنة 2019، بحصد الشباب لقب البطولة 4 مرات متتالية، فضلا عن التتويج بالكأس في مناسبتين، لتكون الخيبة كبيرة، بخسارة الرهان، في النهائي الثالث على التوالي، ويفشل بذلك في الاحتفاظ بلقبه، أمام منافس يبقى صاحب الرقم القياسي في تنشيط النهائيات، بخوضه النهائي 18، لكن بمسيرة تبقى استثنائية، عند خسارة اللقب في 5 نهائيات متتالية، خلال الفترة الممتدة ما بين 1969 و1973، ومع ذلك فإن عودة اتحاد الجزائر إلى الواجهة وإحراز الكأس سمحت له بإنقاذ الموسم، والتواجد في صدارة لائحة الأبطال، مع قطع الطريق أمام شباب بلوزداد لتكريس سيطرته على هذه المنافسة، لأنه نشط النهائي رقم 15 في تاريخه، وأخفق في إحراز اللقب العاشر، مع فشله في الاحتفاظ بتاجه، مما أبقى وفاق سطيف الفريق الوحيد الذي تمكن من استنساخ «سيناريو» الاحتفاظ بالكأس لسنتين متتاليتين، في مناسبتين، وذلك خلال سنوات (1963 و1964) ثم (1967 و1968)، بينما تضم لائحة الأبطال الذين نجحوا في التتويج بالكأس لموسمين متتاليين في مناسبة واحدة فرق اتحاد ومولودية الجزائر، شباب بلوزداد، شبيبة القبائل ومولودية وهران.
الطبعة 58 أعادت اتحاد الحراش للواجهة
على صعيد آخر، فإن الطبعة 58 لمنافسة كأس الجزائر شهدت نجاح اتحاد الحراش في بلوغ المربع الذهبي، حاملا راية تمثيل فرق الهواة، وهذا بعد مشوار مميز أداه هذا الفريق، الذي كان رهانه منصب أيضا على تأشيرة الصعود إلى الرابطة المحترفة، لكن نهاية الموسم كانت بخيبة كبيرة في أوساط أنصار «الصفراء»، لأن توقف المغامرة مع «السيدة المدللة» في نصف النهائي على يد الجار اتحاد الجزائر، بعد مقابلة مراطونية أعقب بنكسة في البطولة.
وكان اتحاد الحراش أفضل سفير للهواة في هذه المنافسة، ولو أن المميز أن كأس الجزائر لم تعد تعرف تفجير «الصغار» لمفاجآت «مدوية»، إلا في حالات استثنائية، وهذا منذ دخول عهد الاحتراف، بدليل أن آخر «صغير» نشط النهائي هو اتحاد سطيف في سنة 2005، وآخر تتويج لفريق من خارج القسم الأول كان من تحقيق شباب بني ثور في نوفمبر 2000، وما دون ذلك فإن انجاز شباب الزاوية في طبعة 2018 يبقى الأبرز بالنسبة للفرق الناشطة في الهواة، لما أدرك نصف النهائي.
فشل «الصغار» في التأهل إلى الأدوار المتقدمة لا يحجب الرؤية عن بعض المفاجآت التي تشهدها المنافسة، والتي كانت من أكبرها في النسخة 58، الخروج المبكر لجمعية الشلف من الدور 32، على يد اتحاد الكرمة الناشط في قسم ما بين الجهات، كما أن اتحاد الحراش ظهر كقوة ضاربة، وسجل نتائج مكنته من سرقة الأضواء، خاصة بعد نجاحه في العودة بالتأهل من تيزي وزو ووهران، على حساب شبيبة القبائل و»الحمراوة» تواليا، في حين صنع جيل حي الجبل الحدث بتأهله إلى ثمن النهائي أمام الجار نادي بارادو، في «ديربي» عاصمي ضرب بمعيار الانتماء والامكانيات عرض الحائط، وأبقى «الباك» دون أي مشوار ناجح في هذه المنافسة.
من هذا المنطلق، فإن نظام المنافسة الذي اعتمدته الفاف منح الفرصة لبعض الفرق الصغيرة للاستثمار في عاملي الأرض والجمهور لتحقيق نتائج مكنتها من الظهور في الواجهة الوطنية، ولو أن حضور فرق الجهوي كان ضئيلا للموسم الثاني على التوالي، إثر نجاح 3 أندية فقط في التواجد ضمن منشطي المرحلة الوطنية، ويتعلق بنجم ثنية العابد من جهوي باتنة الثاني، وكذا شباب سنجاس من رابطة سعيدة، إضافة إلى شبيبة أرزيو من الجهوي الأول لوهران، والذي بلغ الدور 16، فكان فريق مولودية بجاية أصغر سفير في الدور ربع النهائي، لما حمل راية ما بين الجهات، لأن إدراج أندية الرابطة الثانية في التصفيات الجهوية قلص من حظوظ «صغار» الجهوي في التواجد في الدور 32، والحصيلة الاجمالية لم تتجاوز 3 أندية للموسم الثاني على التوالي.
نظام قرعة جديد والسنافر وخنشلة أكبر الخاسرين
عرفت هذه النسخة إقدام الفاف على ضبط قرعة شاملة منذ انطلاق المرحلة الوطنية من التصفيات، مما ساهم في تقديم صورة واضحة منذ عملية سحب القرعة التي كانت خاصة بالدور 32، لكنها كانت الوحيدة خلال هذه الطبعة، ولو أنها لم تكن «رحيمة» ببعض «كبار» الرابطة المحترفة، لأن شباب قسنطينة واتحاد خنشلة ودعا المنافسة من أول الأدوار، بعد الاصطدام بمنافسين من نفس القسم في الدور 32، كما أن مولودية الجزائر تجرعت مرارة الإقصاء من الدور 16 على يد منافسها في نهائي النسخة الماضية شباب بلوزداد، والأمر ذاته ينطبق على نجم مقرة، الذي أقصي أمام اتحاد الجزائر، لتكون تركيبة الدور ثمن النهائي نصفها من فرق الرابطة المحترفة، والنصف الثاني بالتساوي بين وطني الهواة وما بين الجهات، وهي نفس إفرازات الموسم المنصرم، لكن بروز اتحاد الحراش غيّر نسبيا من تركيبة أضلاع المربع الذهبي، مع بصم مولودية البيض على انجاز تاريخي، بالنجاح في التأهل إلى نصف النهائي لأول مرة في تاريخها، والتواجد مع منافسين سبق لهم إحراز اللقب، بما في ذلك اتحاد الحراش، الذي توج مرتين في النهائيات الثلاثة التي كان قد نشطها.
هذه المعطيات، وإن كرّست السيطرة العاصمية على هذه المنافسة، بتواجد شباب بلوزداد واتحاد الجزائر في النهائي، فإنها بالموازاة مع ذلك جسدت عجز بعض الزبائن التقليديين عن كسر هذه القاعدة، والعودة مجددا إلى الواجهة، كما هو الحال بالنسبة لوفاق سطيف، الذي يحتل الوصافة في لائحة الأبطال بمجموع 8 ألقاب، لكن عدده من النهائيات توقف عند الرقم 10، وهذا مند خسارة نهائي 2017 أمام شباب بلوزداد، حيث أن «النسر الأسود» يبقى خارج المربع الذهبي، وقد توقفت مسيرته في هذه الطبعة في ربع النهائي أمام مولودية البيض، كما أن شبيبة القبائل مازالت عاجزة عن استعادة بريقها في هذه المنافسة، بعد تجرع مرارة الإقصاء على يد اتحاد الحراش في الدور 16، بصرف النظر عن خروج مولودية وهران من المنافسة في ثمن النهائي داخل الديار، وهي فرق سبق لها حصد اللقب، دون الأخذ في الحسبان «نكسة» شباب قسنطينة، الذي أقصي من أول دور، و»السنافر» لم يسبق لهم تجاوز عتبة المربع الذهبي.
شباك البطل استعصت على المنافسين
وبلغة الأرقام، فإن الطبعة 58 لكأس الجزائر عرفت في مرحلتها الوطنية إجراء 63 مقابلة، لكن المنافسة أبانت عن تقارب في مستوى الفرق في أغلب المباريات، بصرف النظر عن معايير الامكانيات والانتماء، بدليل أن أثقل نتيجة في هذه النسخة كانت فوز اتحاد الجزائر على أولمبيك المقرن بسداسية نظيفة، في الدور 32، ثم مر أبناء «سوسطارة» إلى السرعة الخامسة في ربع النهائي أمام شباب تيموشنت، وما دون ذلك فإن الكثير من المباريات انتهت بفارق هدف، وهذا منذ الدور 16.
ولعل ما يجسد تقارب المستوى في المباريات تراجع عدد الأهداف المسجلة بشكل ملفت للانتباه في هذه النسخة، بالمقارنة مع سابقتها، لأن الحصيلة الاجمالية تقلصت إلى 129 هدفا، بعدما كانت في الطبعة الماضية 169 هدفا، وتراجع عطاء المهاجمين كان في جميع الأدوار، خاصة في الدورين 16 وثمن النهائي، لكن الحسم في أمر اللقب كان هذا الموسم بهدفين، وهي الحالة التي كانت «الاستثناء» هجوميا في هذه الطبعة بالمقارنة مع الموسم الماضي، كما أن البطل اتحاد الجزائر كان الأقوى هجوميا ودفاعيا، بتوقيعه 15 هدفا، بينما لم تهتز شباكه طيلة هذه النسخة، على مدار 6 أدوار.
من جهة أخرى فإن هذه الطبعة شهدت ارتفاع حالات الحسم في أمر التأهل في الشوطين الإضافيين، بالمقارنة مع الموسم الماضي، خاصة في الدور 32، حيث نجحت 7 فرق في التأهل بعد 120 دقيقة، والحصيلة الإجمالية للنسخة الفارطة كانت 4 حالات فقط طيلة 63 مباراة، في حين أن الاحتكام إلى الشوطين الإضافيين كان خلال هذا الموسم حاضرا في جميع الأدوار، باستثناء النهائي، بينما تقلص عدد الحالات المقترنة بركلات الترجيح، من 14 لقاء الموسم الماضي إلى 06 حالات فقط هذا
الموسم. ص / ف