الأربعاء 9 جويلية 2025 الموافق لـ 13 محرم 1447
Accueil Top Pub

يتمتع بموهبة العزف وكتابة الشعر: يتحدى إعاقة البصر ويتحصل على شهادة الدكتوراه


توّج الأسبوع الماضي، الطالب الكفيف محمد راهم، ابن مدينة بئر العاتر ولاية تبسة، بجامعة محمد خيضر ببسكرة، بشهادة الدكتوراه الموسومة بـ “ تحولات الخطاب الديداكتيكي بالمدرسة الجزائرية وانعاكاساته على تعليمية اللغة العربية ـ السنة الثالثة من التعليم الثانوي أنموذجا ـ، بملاحظة مشرف جدا، بعد أن استغرق 7 سنوات من البحث.

لم تنعدم رؤية محمد لحلمه وطموحه الذي لطالما سعى إليه، وسهِر الليالي ليجني ثماره بالحصول على الدكتوراه، بعد أن تسلح بإرادة وعزيمة قويتين، عنوانهما الإصرار والتحدي والهمة، نحو تحقيق إنجاز يضاف إلى إنجازات أبناء الوطن العزيز، ليبعث برسالة إلى العالم، بأن الإعاقة لا تبرر تقاعس العطاء.
الدكتور محمد، الذي شاركته النصر، فرحة حصوله على شهادة الدكتوراه، يحمل طاقات إبداعية كبيرة ويعد نموذجا متميزا، مضيفا أنه بعد نجاحه في مسابقة الدكتوراه، بدأ بتحضير الرسالة، واستعان بمرافقة بعض الأصدقاء طوال دراسته بالجامعة ورحلته البحثية إلى الخارج، وبعد عودته للمنزل يظل مع أصدقائه لتزويده بالمعلومات من أجل المذاكرة والتحصيل. الدكتور محمد راهم، يقول أنه حاول في أطروحته الكشف عن أثر التحول الذي عرفته المدرسة الجزائرية من خطاب ديداكتيكي الأهداف إلى خطاب ديداكتيكي الكفاءات، على واقع تعليم اللغة العربية بأقسام البكالوريا، وقد دعم الباحث هذه الدراسة النظرية بدراسة ميدانية، شملت أسئلة وجهها لأساتذة ثانويات ولاية تبسة، الذين درّسوا مادة اللغة العربية بأقسام البكالوريا وفق هذين الخطابين المذكورين، مضيفا أن حصوله على شهادة الدكتوراه لم يكن سهلا،
فقد مرّ الدكتور محمد راهم بصعوبات كبيرة، لعل أبرزها قلة المساعدة، وصعوبة التنقل والقراءة، ولكنه رغم ذلك استطاع أن يتجاوز كل هذه المصاعب والمتاعب، وينجز بحثه وينال شهادته، وخلص محمد إلى القول بأن الإرادة والتحدي يغلبان الإعاقة، و أنه لا يوجد في العالم شخص معاق، بل حسبه المجتمع هو الذي يعيق، موجها الشكر لكل من أعانه للوصول إلى هذا المستوى، وفي مقدمة ذلك والديه، وأخيه الدكتور راهم فريد، والمشرف الدكتور الأمين ملاوي، وبعض الأصدقاء ومنهم لخضر دحداح، مراد براهمي، رشيد مجاهدي، أيمن فرحان، ويأمل أن يتحصل على منصب في جامعة الشيخ العربي التبسي بتبسة بحكم قربها من مسقط رأسه ليبدأ حياته العلمية وبناء أسرة. محمد راهم، يقول للنصر، أنه فقد بصره منذ ولادته، حيث لاحظ والداه بأنه لا يتمكن من رؤية الأشياء من حوله، مما دفع بوالديه إلى عرضه على طبيب العيون الذي قام بفحصه للتأكد من سلامة بصره، ولكن شاءت حكمة الله أن يكون فاقدا للبصر حسب ما أكده الطبيب المعالج، وهو مطمئن أشد الاطمئنان لقضاء الله تعالى، مضيفا بأنه تربى في كنف والديه، الذين كانا لهما الدور الكبير في تجاوزه للعقبات التي صادفها في حياته إذ كانت تغمره سعادة وفرحة عامرة حينما كان يلعب سويا معهما وكأنه يبصرهما من دون أن يحسسنه بأنه فاقد البصر.
أمي منبع سعادتي..
ويضيف محمد بأن والدته تعني له كل شيء في هذه الحياة، وكان أمله هو رؤية وجهها ولو لبضع دقائق، ولشدة تعلقه بها فقد رسم لها صورة جميلة في مخيلته، ولا يتوقف لحظة عن الدعاء لها بطول العمر، وأن يمتعها الله بالصحة والعافية، وأن تبقى له ذخرا في مستقبل الأيام، شاكرا على ما قدمته وتقدمه له من تربية حسنة، ورعاية كريمة، فهي صاحبة القلب الكبير والصدر الحنون، فهي الأم، والأخت، والصديقة، التي لن يتمكن من رد ولو جزء بسيط من فضائلها عليه.
يقول محمد أنه عندما اشتد عوده أخذ يسعى جاهدا للتعلم والالتحاق بمدرسة خاصة بالمكفوفين لكي يتمكن من القراءة، لكن للأسف لم تتوافر مدارس خاصة بالمكفوفين في مدينته بئر العاتر، ولم تيأس أسرته، بل بحثت عن المدارس التي تدرس فئة المكفوفين، فوجد ضالته في مدرسة المكفوفين بولاية أم البواقي أين وفق في الالتحاق بهذه المدرسة، واستقبله مديرها وجميع الأساتذة العاملين بها بكل حفاوة وترحيب، وتمكن من مواصلة دراسته بفضل التحدي الذي هو سلاحه، ومساعدة الأسرة الفاضلة وبعض الأصدقاء الأعزاء.
ويشير محمد إلى أنه بعد نجاحه وبتفوق في شهادة التعليم المتوسط، قرر العودة إلى مسقط رأسه بئر العاتر لمواصلة دراسته الثانوية أين وجد كل الترحاب والمساعدة من قبل الطاقم التربوي والإداري بثانوية فارس الطاهر وزملائه الطلبة الذين يكنون له حبا عجيبا، واعتمد محمد في دراسته على التركيز والانتباه للأساتذة أثناء الشرح، ويسجل كل ما يقولون بطريقة البراي، وعند عودته إلى البيت يراجع ما كتبه، ويحاول أن يستحضر ما نساه من شرح الأساتذة، ويستعين بأفراد أسرته في الإملاء وقراءة الكتب، والمراجع المتعلقة بالمقرر الدراسي وهذا من باب الاستزادة وزيادة الفهم.

وتحدث محمد عن هواياته ويقول في هذا الشأن “ إن الله منحني هوايات متعددة لم يمنحها لمن هم يبصرون، وذلك فضل من الله يأتيه من يشاء، ومن هذه الهوايات اكتشافي لموهبة الشعر، وأشهر ما كتبت قصيدة سميتها “ أوصاف شاعر”، وقصيدة أخرى موزونة اخترت لها عنوان “ أهل الشعر”، ومن أجمل ما قلته في هذه القصيدة التي أعتبرها تجسيدا لعودتي الميمونة لكتابة الشعر :
يا سامع المدح مني في تميزهم  
   هم الرياض التي غنى بها الشجر
والله ما نسجوا وصفا بقافية     
    إلا وكان مقاما مثل ما ذكروا
قالوا بمن لا ترى بهذي فقلت 
بمن لهم على كل شبر من فمي أثر
أقولها وغرام الشعر تشرق من    
بلاغة الشعراء جهرا لمن حضروا
إن الفؤاد إذا استدعت مواجعه
    يرى بحكمته ما لا يرى البصر
ويتمتع الدكتور محمد بموهبة العزف على آلة “ البيانو” حيث قال “ أتفنن في استعمال البيانو بتميز كبير وهذا بشهادة الجميع، وهو ما سمح لي بالمشاركة في العديد من المسابقات والمهرجانات التي نظمت داخل الولاية وخارجها، وقد نلت استحسان كل من حضر”، وكغيره من الشباب فإن لمحمد راهم  طموحات مستقبلية يتمنى أن تتحقق، وهو عازم على تحقيقها  وهو أن يصبح أستاذا جامعيا، وعازفا بارعا، وشاعرا مفوها.
وفي ختام حديثه وجه محمد النصح لزملائه الطلبة، بضرورة الاجتهاد والمثابرة، شاكرا الله تعالى على جزيل عطائه وعظيم توفيقه، دون أن ينسى جريدة النصر التي أتاحت له فرصة الظهور على صفحاتها، كما يشكر كل من ساعده في دراسته من قريب أو بعيد.
عبد العزيز نصيب

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com