السبت 12 جويلية 2025 الموافق لـ 16 محرم 1447
Accueil Top Pub

بعد تتويج كتابها حول تاريخ " الكسكس" بجائزة دولية: المؤسسة الوطنية النشر والإشهار تكرم الباحثة ياسمينة سلام

كرمت المؤسسة الوطنية للاتصال، النشر والإشهار «أناب» أول أمس الخميس الكاتبة والباحثة الجزائرية في تاريخ فن الطبخ، ياسمينة سلام، احتفاء بتتويجها العالمي بجائزة ‹› Gourmand World Cookbook Awards 2025’’، في فئة «الكتاب ذو الموضوع الواحد»، عن مؤلفها المميز: «الكسكسي، جذور وألوان الجزائر»، في البرتغال.

الاحتفالية التي جرت في أجواء مفعمة بالفخر والاعتزاز، ترأسها الرئيس المدير العام للمؤسسة، مسعود ألغم، وشهدت حضور عدد من الضيوف والصحفيين، حيث قُدّم درع تكريمي للمؤلفة، تقديرا لعطائها العلمي والثقافي، وإسهامها في تثمين التراث الجزائري من خلال مشروعها التوثيقي الرائد.
وفي كلمة له قال السيد ألغم بأن «هذا التتويج ليس فوزا شخصيا فحسب، بل هو انتصار للثقافة الجزائرية»، مشيدا بشغف ياسمينة سلام وبحثها الدؤوب عن عمق الجذور، ومثمنا روح التعاون التي جمعتها مع مؤسسة ‹› أناب ‹› التي احتضنت مشروعها منذ بداياته.
العمل الحائز على الجائزة، «الكسكسي، جذور وألوان الجزائر»ليس مجرد كتاب طبخ، بل هو دراسة أنثروبولوجية وتاريخية شاملة تغوص في أعماق الذاكرة الجماعية الجزائرية من خلال طبق الكسكسي، أحد أهم رموز الهوية الوطنية، وقد صدر عن منشورات «أناب»، ويعكس سنوات من البحث الميداني والدراسات الأكاديمية، التي جعلت من هذا المؤلف نموذجا في التوثيق الثقافي والغذائي.
وبحسب الكاتبة، فإن الكسكس ليس مجرّد أكلة، بل هو أداة سردية تحمل في طيّاتها حكايات الشعب الجزائري، وتُعبّر عن تنوعه الجغرافي والعرقي والروحي، مشيرة إلى أن لكل منطقة طريقتها ونكهتها، ولكل مناسبة طبقها الخاص من الكسكس، من النسخ الحلوة إلى الحارة، وأبرزت بأن تعدد التفاصيل لكن الجوهر يبقى واحد وهو الهوية والكرامة والمشاركة.
وفي عرضها الذي قدمته خلال الحفل، أوضحت ياسمينة سلام، أن مشروعها انطلق من قناعة راسخة بأهمية توثيق الموروث الغذائي كجزء من الهوية الوطنية، وقالت: «الكسكسي ليس فقط ما نأكله، بل هو ما نعيش به، نحتفل به، نحزن به، ونتواصل به عبر الأجيال».
ولفتت إلى أن الكتاب يعتمد على مقاربة تجمع بين التحليل التاريخي، والرصد الاجتماعي، والتوثيق الشفهي، حيث أدلت شخصيات من القرى والبوادي الجزائرية بشهادات حول كيفية تحضير الكسكس، ومتى ولماذا يُطهى، مؤكدة أن إعداد هذا الكتاب كان ثمرة عمل جماعي، وشكرت مؤسسة ‹› أناب ‹› على الدعم الذي وفرته، وأشارت إلى أن فوزها بالجائزة لم يكن ليحدث لولا «الاحترافية والجدية التي ميّزت مراحل إعداد وطباعة هذا المؤلف».
رحلة في الزمن عبر الكسكسي
يتتبع الكتاب تاريخ الكسكس منذ العصور القديمة، مشيرا إلى وجود إشارات له في نصوص تعود إلى القرن السادس عشر، مثل وصف الرحالة ليون الإفريقي الذي تحدّث عن طعام «يُعد من دقيق يُحوّل إلى حبيبات صغيرة تُطهى بالبخار»، وهي ذات التقنية التي لا تزال مستخدمة في شمال إفريقيا.
وقد خُصص جزء كبير من الكتاب لمرحلة الاستعمار الفرنسي، حيث سجل المستعمرون كثيرا من ممارسات المطبخ الجزائري، واستفادت المؤلفة من تلك الوثائق، دون أن تهمل الشهادات الشعبية التي شكلت العمود الفقري لمشروعها، معتبرة أن الرواية الشفوية لا تقل أهمية عن النصوص المكتوبة، بل تمنح البعد الإنساني والثقافي الحقيقي.
ومن بين المحاور المهمة التي يعالجها الكتاب هو البُعد الدولي للكسكسي، حيث تطرقت سلام إلى إدراج هذا الطبق ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية سنة 2020، بجهود مشتركة بين الجزائر وبلدان المغرب العربي، معتبرة أن هذا الاعتراف ليس مجرد احتفاء رمزي، بل مسؤولية أخلاقية وثقافية للحفاظ على هذا الموروث وتوريثه للأجيال القادمة.وصرحت بأن حضور الكسكس في المحافل الدولية، وتزايد الإقبال عليه في كبرى العواصم العالمية، لا يعكس فقط لذة الطعم، بل يترجم الحنين الجماعي إلى الجذور، و»رغبة العالم في التعرف على ثقافة الشعوب من خلال مطابخها».بفضل خلفيتها الأكاديمية في الزراعة وفن الطبخ، جمعت ياسمينة سلام بين المنهج العلمي والتجربة الشخصية، مما منح الكتاب ثراء نادرا، فهي لم تكتب فقط عن الكسكس، بل «عاشت معه»، كما تقول، وكانت جزءا من مجتمعه ومناسباته.ويحتوي الكتاب على جزء مخصص للوصفات، حيث استعرضت الكاتبة عشرات الطرق لتحضير الكسكس عبر مختلف المناطق الجزائرية، مشيرة إلى أن كل وصفة تحمل طابعا ثقافيًا فريدا، يعكس البيئة التي نشأت فيها.
الكسكسي... ذاكرة شعب
الكتاب جاء ممهورا بتوطئة علمية كتبها الباحث في التاريخ والآثار عبد الرحمان خليفة، الذي اعتبر أن إعداد كتاب عن الكسكس هو «مغامرة فكرية وثقافية شاقة»، نظرا لتشعب تاريخه وغموض أصوله، وذكّر بتعدد أسماء وأشكال الكسكس عبر العالم، من نغومو في موريتانيا، إلى أتييكي في ساحل العاج، وصولا إلى كوزكوز في البرازيل.
وأوضح السيد خليفة، وهو مؤلف للعديد من الإصدارات حول التراث الثقافي الجزائري، أن المؤلفة تنتمي إلى تقليد شعبي أصيل، حيث امتهنت بنفسها تحضير الكسكس يدويا، وتعلمته من بيئتها الأصلية في منطقة ميلة بشرق البلاد، وأكد أن الكتاب يتجاوز التوثيق التقني، إلى استعادة الذاكرة الجماعية، وتكريس روح العيش الجماعي، التي يمثلها هذا الطبق.في مقدمة الكتاب، عبرت الكاتبة عن وعيها المبكر بـ «الكسكسي كحامل للهوية»، وكتبت: «هو أكثر من طعام، هو لغة اجتماعية وروحية»، مشيرة إلى أن كل تفصيلة في تحضيره تمثل رمزا عميقا : من اختيار الحبوب، إلى تقنيات الدحدحة والتبخير، وحتى طقوس تقديمه ومشاركته.
وأكدت أن الكسكسي الجزائري هو الأكثر أصالة، لأنه حافظ على تقنية الدحدحة اليدوية أو ما يعرف باللسان الدارج ‘’ الفتيل ‘’ (التفتيل)، ونُقل من جيل إلى جيل عبر نساء جزائريات حرصن على حفظ هذا الفن بكل دقائقه.
وأضافت أن الكسكسي يمثل «التوازن الغذائي والروحي»، وأنه يجمع بين البساطة والعمق، بين الجماعة والفرد، وبين الحاضر والماضي.واستنادا إلى الوثائق التي جمعتها، تتبعت ياسمينة سلام ظهور الكسكس في كتب الرحالة، وكتب الطبخ الأوروبية، والوثائق الاستعمارية، كما اعتمدت على أدوات أثرية تعود إلى القرون الوسطى.
ومن بين الروايات اللافتة التي تضمنها الكتاب، قصة ابن خلدون الذي أجاب تيمورلنك عندما سأله عن موطنه قائلا: «أتيت من بلد في شمال إفريقيا، حيث نحفّ الرؤوس، ونلبس البرنوس، ونأكل الكسكسي».ولم تُغفل المؤلفة البعد الرمزي للكسكسي كأداة مقاومة ثقافية في وجه محاولات طمس الهوية خلال الاستعمار الفرنسي، فالحفاظ على هذا الطبق كان في ذاته – كما ذكرت - شكلا من المقاومة الصامتة، وإعلانا للانتماء، مشيرة إلى أن الطهاة الجزائريين حازوا على جوائز عالمية بفضل وصفات الكسكس، وهو ما يؤكد حضوره على الساحة الدولية كرمز أصيل. من خلال هذا الكتاب، تؤكد الكاتبة أن التراث ليس مجرد ماضٍ نتغنى به، بل هو أداة فعالة لبناء الحاضر وصياغة المستقبل، فحين يُوثق الكسكس بهذا العمق، يصبح وسيلة للتعليم، والدبلوماسية الثقافية، وحوار الحضارات. وهو ما يجعل من كتاب «الكسكسي، جذور وألوان الجزائر» مرجعا ثقافيا، يُمكن للمدارس، والجامعات، والمطاعم، ومراكز البحوث، وحتى البعثات الدبلوماسية، أن تعتمد عليه في التعريف بثقافة الجزائر.
إن تتويج ياسمينة سلام بجائزة «غورماند» العالمية، ليس انتصارا شخصيا فحسب، بل شهادة دولية على ثراء الهوية الجزائرية، وعلى قدرة الثقافة المحلية، حين تُروى بصدق وعلم، أن تعبر القارات وتصل إلى قلوب الناس في كل العالم، والكسكسي، كما قدمته سلام، ليس مجرد طبق، بل ذاكرة شعب، وجسر بين الأجيال. عبد الحكيم أسابع

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com