تثير الصور ومقاطع الفيديو التي ينشرها المهندس المعماري أحمد ونجلي على صفحته في موقع فيسبوك، فضول وإعجاب عدد كبير من المهتمين بالهندسة المعمارية وجمالية المحيط العمراني في الجزائر، فهو يقدم محتوى بصريا، يتمثل في تصاميم متميزة لواجهات العمارات، مداخل المدن، والمحلات التجارية، وحتى الفضاءات العمومية، ويحرص على المزج بين الحداثة والرقي من جهة، والطابع الطبيعي والبيئي من جهة أخرى، ما يمنح أعماله ميزة فنية خاصة تعكس ذوقا رفيعا ورؤية معمارية متكاملة.
يلهم 33 ألف متابع لحسابه على فيسبوك
يعد أحمد، البالغ من العمر 33 سنة، واحدا من بين الشباب الجزائريين الرائدين في مجال التصميم المعماري الرقمي والاهتمام بالمحيط العمراني المحلي، حيث استطاع أن يجمع حوله أكثر من 33 ألف متابع على صفحته، غالبيتهم من المهتمين والمحبين للهندسة المعمارية والفنون البصرية.
ويجد هؤلاء في ما ينشره المهندس الشاب من أفكار تصميمية مبتكرة ومقترحات تطويرية للمحيط، مصدر إلهام وتحفيز، خاصة وأنه لا يكتفي بعرض الصور فقط، بل يرفقها بتفاصيل تقنية دقيقة و شروحات تبين جمال التصميم ودقة التنفيذ. ما يميز صفحة أحمد على مواقع التواصل الاجتماعي، هو أسلوبه الخاص في عرض التصاميم، حيث يعتمد على المقارنة بين وضعية المكان قبل وبعد إعادة تصميمه.
ويستخدم في ذلك برامج احترافية في التصميم الثلاثي الأبعاد، مثل SketchUp وLumion، مما يمنح المتابع تصورا واقعيا وواضحا للتحول الحاصل على الفضاءات المعمارية التي يعمل عليها. ومن خلال هذه المقارنات، يظهر أحمد كيف يمكن لتغييرات بسيطة ومدروسة أن تحدث فرقا كبيرا في جمالية المكان ووظيفته، وقد لاحظنا، من خلال تصفحنا لمحتوى صفحته، أن غالبية منشوراته تحظى بتفاعل واسع وإعجاب كبير من متابعيه، سواء من العامة أو من المتخصصين في المجال، إذ يثنون على احترافيته ورقي طرحه وحبه الكبير لوطنه الذي يتجلى في كل تصميم يعكس الهوية الجزائرية، سواء من خلال إدراج عناصر تراثية محلية، أو من التركيز على البساطة المتناغمة مع لمسات الطبيعة. ومما رصدناه كذلك، فإن فضاء أحمد الرقمي لا يقتصر فقط على كونه نافذة لعرض إبداعاته المعمارية، بل أصبح منصة تحفيزية أيضا، يقدم من خلالها نصائح قيمة ومحفزة للشباب المقبلين على خوض غمار العمل الحر أو أولئك المهتمين بالهندسة المعمارية والتصميم البيئي. كما يسعى من خلال منشوراته إلى زيادة ثقافة التذوق الجمالي والوعي العمراني، والدعوة إلى المحافظة على المحيط وإعادة الاعتبار للفضاءات العامة.
الهندسة للجميع
أكد أحمد ونجلي، بأنه تخرج من قسم الهندسة المعمارية بجامعة عبد الحميد بن باديس بمستغانم، ويقيم حاليا بنفس المدينة، حيث يزاول عمله كمهندس معماري في مكتب دراسات خاص، إلى جانب إشرافه مع شقيقه على شركة متخصصة في إنجاز المشاريع المعمارية وأشغال البناء.
وعن بداياته في عالم المحتوى الرقمي، أوضح أحمد أن انطلاقته الفعلية لم تكن على موقع فيسبوك كما يظن البعض، بل على منصة تيك توك التي وجد فيها فضاء مناسبا لتقديم محتوى هندسي مبسط يفهمه الجميع بعيدا عن المصطلحات التقنية المعقدة.
كانت الفكرة الأساسية حسبه، أن يرى الناس الأماكن بعيون المهندس المعماري، وأن تتغذى حاستهم الجمالية عبر أمثلة بصرية واقعية.
وأكد المتحدث، أنه لم يكن يتوقع هذا التفاعل الكبير في وقت قصير، إذ تمكن من بلوغ نصف مليون متابع على التيك توك، وتحصلت مقاطع الفيديو التي ينشرها على ملايين المشاهدات، وهو ما اعتبره دليلا واضحا على تعطش الجمهور الجزائري لمحتوى بصري جميل وهادف في آن واحد.دفعه هذا النجاح الواسع لاحقا إلى التوسع نحو منصات أخرى مثل فيسبوك وإنستغرام، من أجل زيادة حجم قاعدة التفاعل ومشاركة أفكاره مع جمهور أكثر تنوعا.
التصميم المعماري يؤثر على جودة الحياة التي نعيشها
ويرى المهندس، أن العمارة ليست مجرد رسومات ومخططات، بل هي فن وثقافة وهوية، لذلك يسعى من خلال محتواه إلى إيصال رسالة مفادها أن العمارة تمس كل جوانب الحياة اليومية.
مضيفا بالقول :»نريد أن ندفع المواطنين لرؤية المدن والأحياء من منظور مختلف، وتفهم كيف يؤثر التصميم المعماري على جودة الحياة التي نعيشها يوميا». وعن اختياره للمواضيع التي يطرحها، أوضح أنه يعتمد أساسا على ما يراه ويلاحظه ميدانيا، من إشكالات عمرانية حقيقية يعيشها المواطن، كما يستفيد أحيانا من اقتراحات وتعليقات المتابعين، خاصة تلك التي تحمل أفكارا تستحق التناول والنقاش. وأشار، إلى أنه يحرص على تبسيط المفاهيم الهندسية، من خلال الصور، والمقارنات، والفيديوهات التوضيحية، وحتى الأسلوب السردي البسيط الذي يجعل أي شخص سواء كان مختصا أو مواطنا عاديا قادرا على فهم الفكرة واستيعاب الرسالة.
ويضيف المهندس، أن ما لمسه من تفاعل إيجابي من قبل المتابعين كان بمثابة حافز معنوي كبير، حيث تلقى العديد من الرسائل من طلاب جامعيين وحتى أشخاص بعيدين عن مجال الهندسة، يؤكدون فيها أن المحتوى الذي يقدمه غير نظرتهم لهذا التخصص، بل ودفع البعض منهم إلى التفكير في الالتحاق بشعبة الهندسة المعمارية. وقال، إنه شعر أكثر من مرة بأن ما ينشره من محتوى استطاع بالفعل أن يغير نظرة المجتمع نحو مهنة المهندس، مضيفا أنه عندما يبدأ الناس في إدراك أن دور المهندس لا يقتصر على رسم المخططات، بل يشمل أيضا تحسين نوعية الحياة، فإن آفاقهم تتسع وتتغير رؤيتهم للفضاء العمراني.
وعن طموحاته المستقبلية، أكد أحمد أنه يتطلع إلى أن يكون للمحتوى الذي يصنعه دور فعال في نشر ثقافة عمرانية إيجابية، وخلق نوع من الضغط الإيجابي على الواقع العمراني في الجزائر، من خلال توعية المجتمع وتحفيزه على المطالبة بجودة أكبر في التصميم. متابعا بالقول، أطمح إلى بناء وعي جماعي يجعل من تحسين محيطنا السكني والمعماري مسؤولية مشتركة، تؤسس لمدن أجمل وأكثر إنسانيةوقال أحمد، بأنه تمكن من ترسيخ اسمه كأحد الأصوات الشابة الصاعدة في مجال الهندسة المعمارية الرقمية في الجزائر، مقدما نموذجا ملهما على كيفية تسخير أدوات العصر الرقمي في خدمة الجمال والعمران، وبأسلوب يجمع بين الاحترافية، الشغف، وحب الوطن.
لينة دلول