تواكب دور شباب في مختلف بلديات قسنطينة، مجالات جديدة مطلوبة في التكوين الذاتي يبحث عنها منخرطون لتطوير مهاراتهم، إما لدعم سيرهم الذاتية في حالة طلب عمل، أو لشغل أنفسهم والانتفاع من أوقات الفراغ. ورغم الإقبال المحتشم عليها، إلا أن هذه المؤسسات تلتزم بمرافقة الشباب وتوجيههم، فضلا عن مهمتها التوعوية والتحسيسية خصوصا في جانب ضبط السلوك وإنقاذ هذه الفئة من تهديد الانحرافات والآفات الاجتماعية.
إيناس كبير
تُعد دور الشباب مراكز ثقافية وتعليمية، يلجأ إليها مراهقون وشباب للحصول على تكوينات تطور قدراتهم، خصوصا من لا يملكون إمكانيات مادية تسمح لهم بالتسجيل في مراكز متخصصة، وقد سايرت هذه المؤسسات التحولات الحاصلة في المجتمع والحاجيات التعليمية لمضاعفة الاستقطاب صيفا، فبينما اهتمت سابقا بالمجال الثقافي والفني، أصبحت اليوم تواكب مجالات أخرى جديدة مرتبطة بالتطور العلمي والتكنولوجي.
ولا تغفل هذه المؤسسات عن اهتمامات الجيل الجديد، بل ترافق مدارس ومتوسطات في أنشطتها العلمية، الثقافية، والبيئية متقربة من الأطفال لتقوم بدورها التربوي والتوعوي، وفقا لما أخبرنا به مدراء دور شباب قابلتهم النصر خلال استطلاعها.
أخبرنا شباب قابلناهم خلال زيارتنا لبعض دور الشباب بقسنطينة، أن هذه المؤسسات تعتبر عناوين مفيدة جدا خلال فصل الصيف، وقد اتضح لنا من خلال الحديث إليهم، بأن أغلبيتهم من الطلبة الجامعيين، و تلاميذ المتوسطات و الثانويات، كما تستقطب هذه الدور الأطفال أيضا.
علمنا من أنيسة طالبة جامعية، أنها تتردد على دار الشباب أحمد سعدي بحي فيلالي منذ سنتين، وأنها فرد في ناد فلكي ينظم العديد من الأنشطة على مدار السنة ويضم عددا من المنخرطين بينهم مراهقون وشباب، وقالت إن دار الشباب تسمح لها باستثمار وقتها بشكل جيد خلال الصيف.
أما وسيم خريج تخصص إعلام واتصال، فقال إنه يتردد على دار الشباب للاستفادة من التكوينات المتاحة على مستواها، والتي تفتح في كل مرة مقابل رسوم تسجيل رمزية أو قد تكون مجانية، مشيرا إلى أنه استفاد مؤخرا من تكوين في مجال التصوير الفوتوغرافي.
وحسبه، فإن المؤسسة تحتويه هو وعدد من شباب الأحياء المجاورة، مشيرا إلى أنها توفر بدائل مهمة جدا عن الشارع، وأنها تضمن التكوين كما توفر الترفيه كذلك، على اعتبار أن النشاطات دائمة على مستواها ومتنوعة تشمل المسرح و الفن و الأنشطة العلمية و الثقافية وغيرها.
أما ميسم، التلميذة في ثانوية ابن تيمية، فأوضحت بأنها من المترددين الدائمين على الدار، وذلك لأجل المشاركة في ورشات المسرح التي تحتضنها، ناهيك عن أنها تجد في المكان فضاء هادئا ومناسبا للمراجعة.
مجالات جديدة تستقطب باحثين عن العمل وطلبة جامعيين
وفي حديثنا مع مدير دار الشباب أحمد سعدي، محمد شريف نية، قال إن تعاملهم مع الشباب جعلهم يتوجهون نحو أنشطة زاد الاهتمام بها وهي من مخرجات العالم الافتراضي ومرتبطة بالذكاء الاصطناعي، إلى جانب برمجة دورات في مجالات مطلوبة مثل "الأنفوجرافيك"، والتصوير "الفوتوغرافي". مضيفا أنها تساعدهم إما في العمل الحر على المنصات الإلكترونية، أو لدعم جانب المهارات في سيرهم الذاتية.
ووفقا لنية، فقد سجلوا عددا لا بأس به من الطلبة الجامعيين خلال هذه السنة، استطاعوا استقطابهم بتوفير دورات تكوينية في مجالات جديدة مضيفا أن المشاركة مع جامعات في فعاليات وتظاهرات جعلت الطلبة يتعرفون على دار الشباب "أحمد سعدي" وما تقدمه من فرص، وكان آخر نشاط من هذا النوع المشاركة في فعالية للخط العربي مع طلبة الجامعة الإسلامية الأمير عبد القادر.
وتحافظ المؤسسة، حسب المتحدث، على مكانتها الثقافية والفنية بتقديم ورشات في التكوين المسرحي، الفنون التشكيلة، الموسيقى العصرية وهي أنشطة ما تزال تحظى باهتمام هواة الفنون، حيث ذكر المدير أنهم قدموا مؤخرا ورشة للدمى المتحركة شارك فيها إطارات من المؤسسة ذاتها، ثم طبقوا ما تعلموه في تنشيط أيام تطوعية بقسم الأطفال في المستشفى الجامعي.
أنشطة علمية تطبيقية لتلاميذ مؤسسات تربوية
وتطرق المتحدث، إلى العلاقات التي تربط الدار بمؤسسات تربوية منها متوسطات ومدارس ابتدائية، وقال إنهم نشطوا بالتنسيق معها تظاهرات وطنية، دينية، خرجات سياحية، وأنشطة بيئية.
وذكر نية، إنشاء نادي للبيئة ينشط بمتوسطة محمد عبده، بحي فيلالي وتضمن برنامج فعالياته التي امتدت على مدار أسبوع، حملة تطوعية بالتنسيق مع الجمعية الثقافية الترفيهية لدار الشباب أحمد سعدي، وكذا عملية غرس للأشجار، تزيين جدران الأقسام ومحيط المتوسط برسومات تتحدث عن التربية البيئية.
كما نظموا حسبه، خرجة إلى مركز الردم بعين السمارة، وأخرى إلى مزرعة في بلدية بني حميدان، تعرف خلالها تلاميذ على مجال تربية الأبقار واستخراج الحليب، فيما تعلموا داخل ورشات متواجدة بدار الشباب صناعة السماد العضوي باستخدام بقايا نفايات منزلية.
واقع جديد فرضته التكنولوجيا
من جهتها، أفادت فيروز عاشوري، المستشار الرئيسي للشباب و مديرة دار الشباب بوسالم محمد الطاهر ببلدية عين السمارة، أنهم سجلوا في السنوات الأخيرة عزوفا عن دور الشباب، وأرجعت ذلك إلى مكانة وسائل التكنولوجيا الحديثة في حياة الجيل الصاعد، مثل الأجهزة الذكية التي أصبحت وسيلة تعليمية وترفيهية في الوقت نفسه، كما يستطيع الشاب من خلالها الوصول إلى معارف ومهارات متنوعة، وأعقبت أن الحالة الوحيدة التي يقصدون فيها دور الشباب هي عند الحاجة إلى شهادة مزاولة نشاط تدعم سيرهم الذاتية عند البحث عن عمل.
ورغم ذلك يحاولون في المؤسسة التي تديرها كما أوضحت، توفير ما يتماشى مع العصر الجديد وميولات الشباب، ومن الأنشطة الجديدة الموجودة في برامجهم ذكرت عاشوري، الرسم والتصميم الجرافيكي وذلك راجع إلى الحاجة إليها في مجال التسويق بالنسبة لأصحاب المشاريع، و كذا المهارات المرتبطة بالتكنولوجيات الحديثة، وتعليم اللغات بالتركيز على جانب المحادثات والتواصل.
وعن واقع دور الشباب، ترى المتحدثة أنها تحتاج إلى أن تُجهز بوسائل حديثة وإمكانيات متطورة مثل ربطها بشبكة "إنترنت" عالية التدفق، توفير أجهزة حاسوب قوية ومتطورة لتحميل النسخ الجديدة من برامج التصميم "الغرافيكي" و"المونتاج"، فضلا عن إطارات كفء ومكونين يتمتعون بخبرة كافية وبمعلومات محينة، حتى يتحصل الشباب على قيمة مضافة في التكوين أو لإدماجهم في سوق العمل. وعرجت مديرة دار الشباب بوسالم محمد الطاهر، ببلدية عين السمارة والمستشار الرئيسي للشباب، إلى النشاط الثقافي لهذه المؤسسات والإقبال عليها في السابق، قائلة إنها كانت تستقطب هواة الفنون المسرحية الدرامية، والتشكيلية، الذين طوروا مواهبهم فوق خشباتها وتعلموا داخل ورشاتها القواعد الأساسية التي سهلت انطلاقهم في مشوارهم الفني، خصوصا وأن دوراتها التكوينية كانت تركز على التقنيات التي تساعدهم في التصوير والإخراج. كما أشارت إلى مجالات أخرى كانت تشكل مصدر استقطاب مثل استخدام آلة تصوير ثمانية ميليمتر، تصوير "الفيديو"، التصوير الشمسي وإبراز جمالية الصورة أو اللقطة ثم يتم تعديلها في ّاستوديوهات" خاصة، وهي أنشطة كانت تستهوي الشباب ويجدون فيها متنفسا لهم بسبب قلة فضاءات الترفيه آنذاك.
وتضيف المتحدثة، أن دور الشباب كانت بمثابة حلقة وصل بين متربصين ومؤسسات ثقافية صقلت مواهبهم وقدمتهم إلى عالم الفن على غرار المسرح الجهوي، ومدارس الفنون الجميلة.
ومن خلال الأنشطة التي تقوم بها دور شباب تبعث رسائل تحسيسية وتوعوية تُقوم السلوك، وتغرس القيم والوطنية فهذه الدور تقوم بدور تربوي أيضا كما عبرت، مشيرة إلى مسؤوليتها اتجاه كل شاب يلجأ إليها للتعلم أو لممارسة نشاط وعلقت قائلة :"لا يمكنني أن أحرم أي شخص من التطوير الذاتي وحتى الترفيه، فقط يجب أن يتم الأمر بطريقة حضارية تراعي خصوصية المكان وتحترم كل فرد فيه".
كما أشارت كذلك، إلى الخرجات السياحية التي تُبرمج في إطار المخطط الأزرق وأوضحت أنها تهدف إلى جمع أفراد العائلة وخلق وقت للتواصل فيما بينهم خصوصا بعد أن أضعفت مواقع التواصل الاجتماعي هذه الخلية. وتضيف عاشوري، أن دور الشباب لطالما كانت ملجأ لشاب يعاني من الفراغ، ليشغل نفسه بالأنشطة التي تقدمها ويبتعد على الآفات الاجتماعية، وفي هذا السياق علقت:"دار الشباب تمتص الخطر الذي يهدد الأجيال"، كما تحدثت عن مساعدتهم في الحصول على قروض من خلال ربطهم بمؤسسات متخصصة تقدم لهم خدماتها مثل الوكالة الوطنية لدعم وتشغيل الشباب، والوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر، فضلا عن مراكز تكوين. إ.ك
