تظهر منصات المحادثة الفورية والدردشة، كخيار للمرافقة يلجأ إليه راسبون في شهادة البكالوريا، يحتاجون إلى الاستماع و الاهتمام لاستيعاب وتجاوز الصدمة النفسية والإحباط الناجمين عن الفشل، في وقت تسقط عائلات هذا الدور من أجندة مهامها، ويحتمل أن تكون سببا في زيادة معاناة التلميذ بسبب عقدة الذنب، وهو ما يحذر منه مختصون يدعون إلى الانتباه جيدا لأهمية المتابعة النفسية المتواصلة للراسبين ومؤكدين أنها لابد أن تستمر إلى غاية السنة الدراسية الجديدة و تتواصل خلالها.
النفسانيون في المدارس مطالبون بالتدخل
وفي هذا الصدد، قال الأخصائي النفساني مليك دريد، إن التحضير النفسي والمعرفي لامتحان البكالوريا ينبغي أن يكون منذ بداية السنة لتجنب مثل هذه السلوكيات وأخرى، داعيا إلى إشراك الأخصائيين النفسانيين الموجودين في مختلف المؤسسات العمومية التابعة لقطاع الصحة عبر التراب الوطني، في عملية مرافقة هؤلاء التلاميذ.
وأوضح، أنه بإمكانهم تقديم طرق وأساليب علمية مفيدة خاصة بكيفية التعامل مع فكرة الفشل وخيبة الأمل، علما أن دورهم كما قال يبدأ قبل الامتحان ويشمل التحضير له اقتراح التقنيات الاسترخائية لتخفيف الضغط و التوتر النفسي، لأنها عوامل حاسمة في النجاح.
وأضاف النفساني العيادي، أن التعثر قد يكون درسا للاستفادة من الأخطاء مستقبلا، مشيرا أن هناك علماء وإطارات ونخب في مختلف التخصصات والمجالات تعثروا في البداية ليصبح هذا التعثر فيما بعد نقطة انطلاقة حقيقية لهم نحو التألق، الذي يتحقق بدعم وتشجيع من الأولياء والمحيط.
احذروا المقارنة السلبية واللوم المستمر
مشيرا، إلى أنه من الضروري احتواء فئة الراسبين في شهادة البكالوريا من الناحية النفسية خاصة من طرف الأولياء والمحيط، مع تجنب اللوم المستمر والعتاب وخاصة المقارنة السلبية، لأن امتحان البكالوريا محطة في المسار الحياتي فقط.
مضيفا، أن أهم ما يجب على التلميذ المعني وأفراد أسرته فعله، هو طي الصفحة ومواصلة العيش بشكل طبيعي، مع تشجيع المعني على بذل مجهودات أكبر السنة المقبلة، وخاصة البحث عن أسباب التعثر لاستخلاص الدروس.
وأوضح محدثنا، أنه من خلال تجربته مع بعض الحالات، لاحظ خلال المرافقة النفسية أن هناك من أصيبوا أثناء إجراء امتحانات البكالوريا بنوبات هلع وانهيارات عصبية وفقدان التركيز، بسبب الطريقة الخاطئة للمراجعة والتحضير، فبعض التلاميذ يفضلون حسبه التركيز على بعض المواضيع "المقترحة والمتوقعة" مثلما يقولون، بحجة عدم التطرق لها منذ سنوات عديدة.
وذكر الأخصائي مثالا عن مادة الفلسفة، إذ يقوم المترشح بحفظ 5 أو 6 مقالات جاهزة، ليصطدم بمواضيع أخرى لم يكن يتوقعها، مع العلم أن مادة الفلسفة لا يتم حفظها أبدا بل تعتمد على التحليل النقدي والتفكير المنطقي والاستنتاج، مع القدرة على توظيف الأمثلة والثقافة العامة والإلمام بأقوال الفلاسفة بطريقة منهجية منظمة، حتى وإن صار المتعارف عليه بين التلاميذ هو حفظ المقالات.
متحدثا، عن حالات لراسبين في "الباك"، بسببها عدم القدرة على ضبط الوقت خاصة في المواد ذات المواضيع الطويلة والتي تحتاج إلى التركيز مثل الرياضيات، والفيزياء والعلوم الطبيعية، فهناك حسبه من تنتابه رغبة في تغيير الموضوع في آخر لحظة لعجزه عن الحل، فيضيع الوقت مما يجعله مضطربا ولا تكون إجابته مستوفية، ويكون الفشل في الامتحان هو المحصلة ما يتسبب له بشعور مزمن بالذنب.
من جانبها أوضحت الأخصائية النفسانية خديجة حاج هني، أنه لكل شخص ردة فعل يعبر عنها بطريقته الخاصة عند أي خبر غير سار، ولكن للراسبين في البكالوريا ردود أفعال مختلفة سواء التلميذ أو أسرته وحتى المقربين منه، فمن اجتهد و اعتقد بأنه سيتحصل على الشهادة، لا يكون قادرة على استيعاب الفشل كغيره.
مبرزة، أن ردة الفعل تختلف عند الإناث مقارنة بالذكور، فمجرد سماع التلميذ كلمة غير ناجح أو راسب إلى جانب اسمه في القائمة، قد يؤدي إلى صدمة قوية تسمى بـ "الجمود" وهو أخطر رد فعل قد يصدر عن الإنسان.
التكفل بالمعيدين يجب أن يتواصل إلى بداية السنة الجديدة وخلالها
هناك أيضا، من يدخلون في موجة هستيريا ونوبات ضحك ثم بكاء، ويكون هؤلاء التلاميذ عموما في وضعية عدم التقبل للأمر وقد تطول المرحلة، لأنه في غياب المرافقة النفسية الجادة قد يتعذر عليهم تقبل الوضع، إلى جانب الإصرار على نكران الفشل يمكن أن يصاب التلميذ بالكآبة، علما أن هذه الحالة قابلة للتشافي شريطة توفر الدعم النفسي والمرافقة الجادة.
مردفة، أنه حسب خبرتها في التعامل مع التلاميذ المعيدين للبكالوريا، فإن شعور عدم تقبل يلاحقهم طوال العام الدراسي الجديد، ويكون مرافقا لشعور بالذنب بعدم الاجتهاد بالشكل الكافي و حتى العجز أحيانا.
يبرز في هذه الحالة حسبها، دور الأسرة ودور مستشار التوجيه في عملية التكفل بهذه الفئة من بداية السنة، وعليه تقدم محدثتنا نصائح للتلاميذ الراسبين، بأن يتداركوا وضعهم ويكونوا أكثر وعيا ويتخلصوا من الأفكار السلبية، فالرسوب هو أكبر معلم وأكبر حافز في نجاحات قادمة، وعلى التلميذ الراسب كما قالت، أن يخطط للقادم ويبذل المزيد من الجهد، مشيرة أنه وبالنسبة لمن فشل مرتين في الباك، ولم يعد يسمح له بالإعادة في المؤسسة التربوية، أنه يمكنه التسجيل ضمن قوائم الأحرار و مواصلة السعي.
بن ودان خيرة