يبرز اسم شهاب قوادري، كأحد الوجوه الفنية الشابة التي اختارت أن تحمل فن المالوف وتحييه بروح جديدة، هو فنان يرى في المالوف أكثر من موسيقى، بل هو ذاكرة وهوية وقصص لا تنتهي.
كان لفن المالوف حضور قوي في حياة شهاب، حيث نشأ في بيئة تحترم الموسيقى التقليدية وتقدس الكلمة والنغمة، أين نما حبه للمالوف وتعلقت روحه به، لم تكن البدايات سهلة أو مخططة، لكنها كانت صادقة وعفوية، حيث بدأ يخطو خطواته الأولى في عالم الفن مع جمعية "لخوان"، أين تعلم أصول المالوف ونهل من شيوخه ليتابع مساره على خطاهم بشغف كبير.
بعد تعلم أبجديات الموسيقى القسنطينية وتحكمه في مداعبة أوتار آلات موسيقية، أصبح شهاب من الأسماء الشابة الحاضرة في حفلات وأعراس المدينة، أين لفت صوته الانتباه، ولاقى الثناء من الكثيرين على نبرة صوته، الذين شجعوه على المواصلة في عالم المالوف واقتحامه بجدية، يقول بأنه كلام بسيط في نظر البعض إلا أنه كان بمثابة الشرارة التي أيقظت رغبته في احتراف هذا الفن.
دخلت الأستوديو بفضل الفنانين رضا بودباغ وبن خلاف
جاءت فرصته شهاب الذهبية للبروز في الساحة الفنية، عند الاحتكاك بفنانين كبار في قسنطينة مثل رضا بودباغ وبن خلاف، حيث تلقى منها الدعم وعززوا من ثقته، ليدخل الأستوديو وسجل أعمالًا وأحيى حفلات بقاعة الزينيت والمسرح الجهوي، أين تعلم أصول الوقوف على الركح، وإتقان الأداء وحظي باحترام الجمهور، يقول شهاب إن هذه المرحلة كانت محطة مهمة في مسيرته، صقلت موهبته ومنحته الثقة.
هدية من صديق وطدت علاقتي بالآلة
يقول الفنان الشاب، أنه سنة 2020، وجد نفسه أمام تحدٍ جديد، إتقان العزف على آلة العود، ما دفعه للإتحاق بجمعية "نسائم الأنس"، وهناك التقى بأستاذه الأول الطاهر بسطانجي الذي علمه أساسيات العزف لمدة ثلاثة أشهر، كانت البداية مع الغيتار، كما نصحه أصدقاؤه، لكن العود كان حلمه الدائم، ومع جائحة كورونا والحجر الصحي، وجد الفرصة ليتفرغ للتعلم في منزله، يجرب، يخطئ، ويتحسن يومًا بعد يوم، ليتنقل بسرعة في الجمعية من قسم المبتدئين إلى القسم أ، حيث كان تحت إشراف الشيخ حسان برمكي الذي ساعده على صقل موهبته أكثر، وشارك معه في إحياء حفلات ونشاطات عديدة.
يعتبر الفنان القسنطيني شهاب الآلة الموسيقية صديقا له، مرجعا سر علاقتهما لموقف جمعه بصديق من الجمعية، بإهدائه آلة عود شكلت نقطة فاصلة في مساره وشددت ارتباطه بالآلة، قائلا : "العود ليس مجرد آلة، هو صديقي ورفيقي، نغماته تمشي في عروقي، وتساعدني على التخلص من ضغوط الحياة."
جائزتان في ميلانو تتويجا لاجتهاد متواصل
هذا الشغف لم يكن عابرًا، فخلال ستة أشهر فقط من بداية تعلمه العزف الاحترافي، شارك شهاب في مهرجان دولي في ميلانو، حيث فاز بجائزة "أحسن عازف" إلى جانب جائزة "أحسن صوت" في التظاهرة نفسها، إنجاز وصفه بأنه تتويج لحب صادق واجتهاد متواصل.
بعد أربع سنوات من العمل الجاد، أصبح شهاب قوادري اسما معروفًا في الوسط الفني القسنطيني، أحيا حفلات عدة، وأتيحت له فرص المشاركة في مهرجانات خارج الوطن، لكن ظروفه الخاصة آنذاك حالت دون مشاركته، ورغم ذلك، لم يفقد الأمل وأصر على تحقيق هذا الحلم فيما بعد. شهاب لن ينس فضل جمعية "نسائم الأنس" التي يعتبرها بيته الثاني، ويشيد بالدور الذي لعبته في فتح الأبواب أمامه ومنحه فرص التعلم والظهور، كما يفتخر بتكريمه في اليوم الوطني للفنان، حين تم الاحتفاء به كوجه من الجيل الجديد إلى جانب الفنان كمال بودة من الجيل القديم، في رمز جميل لاستمرارية هذا الفن.
قدوته في آلة العود هو سليم الفرقاني، أما في حياته الفنية فيضع الحاج محمد الطاهر فرقاني في مرتبة القدوة والمثل الأعلى، مستلهمًا منه حب الفن والالتزام به، يصر شهاب على أن المالوف ليس مجرد غناء بل "حكايات، حب، وغرام"، ويرى أن النجاح في هذا المجال لا يأتي إلا بالحب والإخلاص.
رغم التحديات، يواصل شهاب قوادري دربه بثقة وتواضع، مؤمنًا بأن العود سيظل صوته وقصته، وأن مهمته كفنان هي نقل هذا التراث الأصيل للأجيال القادمة بأمانة وصدق، ليبقى المالوف حيًا نابضًا في قسنطينة وكل الجزائر.
عبد الغاني بوالودنين