يصعب التفريق على «السوشل ميديا» بين صور المستخدمين الحقيقية والمعدلة أو الملتقطة بواسطة «فلاتر» يختارونها حسب ما يريدون تغييره في ملامحهم، فيما يعتمدون أحيانا على برامج خاصة أكثر تطورا خصوصا مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، فلا تكاد تفرق بين ملامح الشخصية الحقيقة ونسختها المنقحة من شدة تطابقهما.
إينــاس كبيـر
تغيرت معايير الجمال في الألفية الجديدة المتأثرة بمخرجات التكنولوجيا الحديثة، فسابقا كان الفرد يُعجب بملامح أشخاص حقيقيين يظهرون في المسلسلات والبرامج المعروضة على التلفاز خصوصا الغربية منها، وحتى تعامل المشاهير مع مظهرهم أخذ أبعادا أخرى، فقد أصبحت برامج تعديل الصور المتطورة و»فلاتر» الصور تنافس المكياج وعمليات التجميل، لتظهر الشخصية بجسد مثالي خال من العيوب وملامح وجه مثالية، ما دفع متابعين لتصيد ظهور هؤلاء أمام الكاميرا بملامحهم الحقيقية، مطلقين تعليقات حول أجسادهم وتفاجئهم من حالة بشرتهم التي تكون عادية وأحيانا منهكة من كثرة استخدام مستحضرات الجمال، أو بروز علامات التقدم في السن عليها.
ملامح الشخصيات الكرتون مقابل الصورة الحقيقية
وتعدى الأمر من تصفية الصورة وتعديلها لتصبح أكثر وضوحا، إلى تغيير ملامح الشخص في حد ذاته، فيكفي أن يختار المستخدم أي «فلتر» سواء في «سنابشات»، «إنستغرام»، و»تيك توك» حتى تنعكس ملامح افتراضية على الحقيقية سواء كانت «سيلفي» أو «فيديو» فتتوسع العين ويتغير لونها، مع تكبير حجم الشفاه، وكذا شكل الأنف الذي يصبح منحوتا وأقل حجما من الحقيقي.
ولاحظنا أيضا أن «الفلاتر» التي يوفرها «سناب شات»، تقترح شخصيات وهمية، أو تشبه المستخدم، أو مشاهير من العالم، ناهيك عن إعدادات تساعد الشخص على تطبيق تعديلات تجميلية سواء على أنفه شعره، أو الشفاه، فيختار النسبة التي يراها متوافقة مع طبيعته، ناهيك عن تغييرات أخرى تجعل الشخص بملامح شرق آسيوية خصوصا الكورية. ولا يضطر مستخدم مواقع التواصل الاجتماعي إلى وضع صورته الحقيقية على حساباته، فالموقع المُختار يقترح إنشاء شخصية «آفاتار» تُمنح له الحرية في جعلها قريبة من الشخصية الحقيقية ملمحا ومظهرا، وقد وجده من لا يرغبون في وضع صورهم الحقيقية حلا لهم يخفون به هوياتهم.
فيما انتشر مؤخرا «ترند» تحويل الصورة إلى نسخ كرتونية مقتبسة من «أستوديوهات» «غيبلي» و»ديزني»، وتتم العملية بعد تحميل الصورة الحقيقية على تطبيق «تشات جي بي تي» ثم إعطائه أوامر بتحويلها إلى رسم كرتوني، وقد لاقت تفاعلا واسعا معها ونشر مستخدمون صورهم على حساباتهم الشخصية، واعتمدها آخرون كصور «بروفايل» ليظهروا بصورة افتراضية بعيدة عن الواقعية.
ومما يثير الاستغراب حول هذه الظاهرة، أن شركات أصبحت تشترط في إعلانات البحث عن موظفين أن تكون الصورة المرفقة في السيرة الذاتية حقيقية غير معدلة بـ»فلتر».
* الأخصائية النفسانية العيادية ريمة هزيل
استخدام «الفلتر» مرتبط باضطراب الصورة الذاتية
أوضحت الأخصائية النفسانية العيادية، ريمة هزيل، أن عدم تقبل الشخص لنفسه تعد مشكلة عميقة مع صورته الذاتية، لذلك لا يتجرأ على مواجهة الناس دون التعديل عليها.
وأرجعت أسباب ذلك، إلى اهتزاز ثقته بنفسه منذ الصغر، تعرضه للتنمر على شكله، أو جسمه، أو لونه، ما يشكل لديه ثغرات في شخصيته وعندما يصل لمرحلة الخروج إلى الناس يكون مضطرا للتعديل على صورته الحقيقية حتى يرضى عنها، لأن الأصلية تكون مشوهة لديه.
وتضيف، أن الشخص عندما يرى صورته المعدلة بـ»فلتر» يصبح غير قادر على تقبل نفسه بدونها، وهنا يحصل شرخ كبير لأن الأسباب التي ذُكرت سابقا لم تُعالج. وتؤثر المقارنات مع مشاهير ونجوم أجروا عمليات تجميل على حالته أيضا، إذ يحب التشبه بهم أو الاقتراب من صورتهم التي تكون نموذجا مثاليا لمعايير الجمال بالنسبة له.
وقالت الأخصائية، إن الشخص الذي يذهب إلى جراح تجميل حاملا صورة معدلة ويطلب منه أن يغير شكله حتى يتشبه بها، يعاني من الهوس وحالته متأزمة، وأردفت أنه من الصعب إقناعه بالعذول عن رأيه إذا لم يعالج الجذر النفسي.
وكشفت هزيل، أن من 10 إلى 15 بالمائة هي نسبة الأشخاص الذين لا يعانون من مشاكل مع صورهم الذاتية، بينما ترفض بقية الحالات التي تزورها في العيادة تقبل الواقع، وفي هذه الحالة من الصعب حسبها، أن يتقبل هؤلاء سلوكياتهم واضطراباتهم النفسية.
وتضيف، أن هناك حالات لا تستطيع أصلا التعبير عن مشاعرها بسبب الانعزال عن الذات وعدم القدرة على التواصل الداخلي، فيشبع المعنيون فراغهم العاطفي وإصلاح اختلال صورتهم الذاتية بفرط الاهتمام بالمظهر الخارجي خصوصا الجسم و اللباس.
ولفتت الأخصائية النفسانية العيادية، ريمة هزيل، إلى أن الشخص عند خضوعه للعلاج النفسي يجب أن يعترف أمام نفسه أنه يعاني من خلل الصورة الذاتية ويجد صعوبة في تقبل نفسه، ثم يتوجه إلى مختص ليعطيه الجذور النفسية العميقة لهذه النقاط لمعالجتها من أعماقها، والوصول إلى الشفاء الداخلي.كما تطرقت المتحدثة أيضا، إلى الظهور بصور معدلة في العلاقات الاجتماعية خصوصا عند عقد رابطة الزواج. وأكدت أن ذلك يؤثر على الشريك الذي يرتفع سقف توقعاته اتجاه شريكه سواء في المظهر أو السلوك، أو التوافق الفكري ما يسبب خيبة تزعزع العلاقة، ونصحت أن يكون الشخص على طبيعته في مرحلة التعارف تفاديا لأي تأثيرات سلبية.
* المختص في الجراحة وطب التجميل، الدكتور الهادي زيتوني:
هناك مبالغة وهوس بعمليات التجميل
من جهته، كشف الدكتور الهادي زيتوني، مختص في الجراحة وطب التجميل، عن حالات كثيرة لزبونات يأتين له بصورهن ملتقطة بواسطة «فلتر»، وأخرى لممثلات أو مغنيات ويطلبن منه تطبيق نفس الملامح على مظهرهن، الأمر الذي وصفه أنه يقترب من الاضطراب النفسي.
وأردف، أن بعضهن مصابات بهوس التجميل ويصل بهن الحد إلى المبالغة في تغيير أشكالهن خصوصا المتأثرات بالمشاهير، ومن يعتبرن هؤلاء معيارا للجمال بغض النظر عما إذا كانت صورهم حقيقية أو معدلة. وأوضح الدكتور، أن طبيب التجميل لا يستطيع تحويل شخص إلى نسخة عن آخر ومهمته هي التعديل فقط.
وعن الفئة العمرية المهووسة بهذه العمليات، قال :» ف السابق كنا نسجل إقبالا من البالغات بين 18 إلى 30 سنة، لكن السلوك انتشر في السنوات الأخيرة بين سيدات تعدين الأربعين من العمر». ويزيد الطلب وفقا له على عمليات شفط الدهون، وتعديل القوام إما لتكبير أو لتصغير عضو معين. أما بالنسبة للوجه فترغب زبونانه في حقن الفيلر، والبوتكس، وعلاج التجاعيد، وتغيير شكل الشفاه.
وتتحول عمليات التجميل إلى هوس عند التعود المبالغ والإكثار منها حسب زيتوني، موضحا أن هناك سيدات يخترن إجراء تعديلات بسيطة مع الحفاظ على ملامحهن الحقيقية، وذكر في هذا السياق أنه يرفض إجراء عمليات للفئة الأولى أي من يعانين من الهوس، خصوصا وأن حالتهن تكون غريبة وتقترب من الاضطراب النفسي، فلا تقتنع المعنية بالنتيجة المحققة مهما برع الطبيب الجراح فيها، ناهيك عن اللواتي يأتين له بصور ويطلبن أن يتشبهن بصاحباتها، الأمر الذي صعب من عملهن كأطباء جراحين.
ونصح المتحدث، هذه الفئة أن يكون طلبها معقولا دون مبالغة وقابلا للتنفيذ، وأفاد أنه كلما ارتفع سقف تطلعات الزبونة كلما زادت نسبة الخطورة الصحية.
كما نبه إلى تفادي الذهاب إلى مراكز التجميل التي تديرها حلاقات، وتكون غير خاضعة لمعايير صحية، ولا يشتغل بها أطباء جراحون متخصصون. وذكر موقفا حصل معه مع إحداهن قائلا إنه اكتشف أنها تقدم خلطات وحقن لزيادة الوزن تمزجها بأدوية «كورتيكوئيد» وعندما واجهها تحججت بأن الجرعات صغيرة.
إ.ك