تبنى شباب من قسنطينة فكرا سياحيا ترويجيا، حيث ينشطون على تيك توك بشكل مكثف ويقدمون محتوى يخدم المدينة وغيرها من مناطق الوطن، ويقدم خرائط مصورة لوجهة مغرية من خلال فيديوهات تبسط فكرة السفر إلى الوجهة المقترحة، وتقدم تفاصيل دقيقة عن طبيعة الرحلة وتكلفتها، والمسار، و وسائل النقل، والخدمات المتاحة على الطريق وغيرها، إلى جانب اقتراح بعض الحيل التي تجعل التجربة أقل عناء وأكثر متعة.
بين الهواية و الاحتراف هكذا بدأت القصة
وبين العديد من صناع هذا النوع من المحتوى، يبرز كل من عبد الرحمن صويلح، ومحمد بن طيب، اللذين يحظيان بمتابعة كبيرة على المنصة والشابان يقدمان محتوى نوعيا من حيث الأفكار و طريقة التقديم وجودة التصوير و التركيب، حيث يعتبران بأن ما يقومان به يتجاوز الهواية إلى الاحتراف، و يصفانه بأنه مشروع رقمي سياحي لخدمة المدينة والوطن. أمد الشابان للنصر، أن التصوير شغف يعود للصغر وقد استطاعا تنميته بفضل ما أتاحته منصات التواصل من إمكانية للنشر و الوصول إلى الجمهور الواسع، وهو تحديدا ما دفعهما نحو احترافه و من ثم التفكير في التخصص في محتوى معين يعنى بالسياحة.
قالا إنهما انطلقا في تجميع المحتوى المصور من خلال المشاركة في رحلات سياحية ميدانية تنظمها جمعيات شبابية محلية، وكانا دائمي الفضول لاكتشاف أماكن جديدة داخل الجزائر، خاصة تلك التي لا يعرف عنها الكثير.
ومع تطور منصات التواصل الاجتماعي، وبروز «تيكتوك» كأداة فعالة للوصول السريع للجمهور، رأى الشابان في المنصة فرصة مثالية لإطلاق محتوى سياحي يُعرّف الجزائريين وغيرهم بجمال الجزائر الطبيعي والتراثي.
يقولان :» منذ الصغر ونحن نحب اكتشاف الأماكن غير المعروفة، ودائمًا ما كنا نشارك في زيارات منظمة مع جمعيات سياحية. حبّنا للسفر والتصوير اجتمعا في فكرة واحدة: صناعة محتوى سياحي يعرّف بجمال الجزائر.»
تيك توك من منصة ترفيهية إلى دليل للسياحة
ويرى الثنائي أن منصة تيك توك تجاوزت وظيفتها الترفيهية، وأصبحت أداة حقيقية في دعم قطاع السياحة، فالمنصة أصبحت اليوم مصدرًا رئيسيًا للباحثين عن أماكن جديدة للزيارة، لم يعد الناس يكتفون بالبحث عبر المواقع أو وكالات السفر، بل يفتحون التطبيق ويكتبون اسم المدينة أو المنطقة، ويشاهدون محتوى حيًّا وواقعيًا يصوره شباب.
وهذا ما يجعل المنصة حسبهما، «تؤدي دورًا أقرب إلى دليل سياحي رقمي»، يوفّر تجارب حقيقية وآراء صادقة. «
ويقول المتحدثان، إن التطبيق غيّر قواعد اللعبة فهذه المنصة صارت قاطبة جدا للشباب في الجزائر، و لديها مستوى تفاعلية كبير جدا خصوصا مع الفيديوهات، وتستخدمها كل فئات المجتمع تقريب.
أخبرانا أن البداية كانت من قسنطينة، المدينة التي تُعرف بجسورها المعلّقة وتاريخها العريق. وبحسب الشابين، فإن سيرتا تضم عددًا كبيرًا من المواقع السياحية المبهرة التي لا تزال غير معروفة بالشكل المطلوب.
وبهذا الخصوص يوضح صويلح قائلا :» في قسنطينة وحدها، توجد العديد من المواقع التي تستحق الزيارة. هذا ما شجعنا على تصويرها ونشرها بشكل يُظهر جمالها بطريقة جذابة.» وأضاف أن اختيار قسنطينة لم يكن عشوائيًا بل مدروسًا، فهي مدينة تُمثّل نموذجًا مصغّرًا للتنوع الجغرافي والتاريخي الذي تزخر به الجزائر.
من هنا، بدأ الثنائي بالتخطيط لجولات أخرى تشمل ولايات مختلفة، هدفها إظهار الوجه الجميل للسياحة الداخلية في الجزائر .
التصوير الاحترافي بهدف الإقناع والتأثير
لم يكن هدف الشابين مجرد التوثيق بل أرادا التأثير، و كان التصوير الاحترافي بالنسبة لهما وسيلة لإقناع المشاهدين بزيارة الأماكن المعروضة في الفيديوهات، لذلك اعتمدا على أساليب إخراج بسيطة ولكن مدروسة، تجمع بين اللقطات الجمالية والمعلومات المفيدة مع لمسة شخصية تعكس تجربتهما الخاصة في كل مكان يزورانه.
ومن أبرز الأمثلة على نجاح هذا الأسلوب الفيديو الذي نشراه عن «غار الدببة»، وهو موقع طبيعي مميز حاولا تقديم صورة مقربة له مع سرد لتفاصيل تخص تاريخه، وبعد انتشار المقطع المصور بفترة، وصلتهما تعليقات ورسائل من متابعين زاروا المكان نزولا عن توجيهاتهما السياحية وانطلاقا من الفضول الذي حركه الفيديو في أنفسهم.
وحسبهما، فإن هذا التفاعل هو ما يؤكد لهما أن محتواهما بدأ يُحدث فرقًا حقيقيًا. أما عن سبب اختيار «تيك توك» كمنصة لنشر محتواهما، فكانت الإجابة كالآتي :» لم يكن الأمر عشوائيًا، بل كان اختيارًا مدروسًا يتميز تيكتوك بعدة خصائص جعلته الخيار الأفضل بداية بسهولة الاستخدام خاصة لمن لا يملكون خلفية تقنية قوية، إضافة إلى خوارزمياته القوية التي تساعد على وصول الفيديوهات لعدد كبير من الناس بسرعة، وأيضا ميل الجمهور حاليًا نحو الفيديوهات القصيرة والمرئية، ناهيك عن قلة القيود مقارنة بمنصات أخرى مثل فيسبوك أو يوتيوب.»
ويضيفان :» اليوم، عندما يريد شخص زيارة مكان ما، أول شيء يفعله هو البحث على تيكتوك، فالمنصة أصبحت بمثابة دليل سياحي سواء للزوار أو حتى لصناع المحتوى أنفسهم.»ولم يعد المحتوى الذي ينشرانه يقتصر على زيارة الأماكن الطبيعية أو الأثرية فقط، بل أصبح يشمل جوانب أخرى منها، كيفية الوصول إلى المكان المصور، و مدى قربه من محطات النقل و المطاعم، و أسهل طريق للوصول إليه. زيادة على تفاصيل تخص أماكن المبيت والأسعار وغير ذلك.
ومع تزايد الاهتمام بما يقومان به، توجها للتعاون مع بعض الوكالات السياحية، مما أتاح لهما فرصة للتخطيط لرحلات منظمة تُروج لمناطق معيّنة، وتُساهم في دعم السياحة المحلية. وعن هذه التجربة يقول الشابان :» نجحنا من خلال الفيديوهات في تغيير نظرة بعض الناس الذين لم تكن لديهم أي رغبة في السفر داخل الجزائر فاليوم وبفضل تيك توك، أصبح لديهم شغف لاكتشاف البلاد.»
الجودة والابتكار سر النجاح
يعتمد نجاح أي محتوى رقمي على أكثر من مجرد التصوير الجيد فصويلح وبن طيب، مقتنعان أن الفكرة وطريقة عرضها هما أساس التفاعل، لذلك يحرصان على أن يحمل كل فيديو رسالة، ويجيب عن أسئلة قد تكون في ذهن المتابع، ويقدّم المكان بطريقة واقعية لكن محفّزة.
ويريان، أن جودة الصوت والصورة مهمة، ولكن لا تقل أهمية عن الإبداع في الفكرة، فالمحتوى الأصيل القريب من الناس هو الذي يُحدث التأثير الحقيقي، وينتج علاقة تفاعل وتقدير من الجمهور.
وقد قدما أمثلة ناجحة من غار الدببة إلى شاطئ واد بو قراط، من خلال الفيديوهات التي نشراها، وساعد صويلح وبن طيب في الترويج لعدد من الأماكن وتبسيط فكرة الوصول إليها بعدما كان البعض يعتقد أن بلوغها صعب جدا.
وقالا، إن هناك تفاعلا كبير من الشباب مع المحتوى الذي يقدمانه، مؤكدان أن الخرائط البسيطة التي يقترحانها سمحت لمواطنين من قسنطينة بزيارة مواقع لم يطؤوها من قبل رغم أنهم قضوا حياتهم في المدينة، لكنهم ما كانوا على دراية بطريقة الوصول إليها.
مؤكدين، أن تيك توك ساعدهما كثيرا على الانتشار وهو ما يعكس الأثر المباشر لصناعة المحتوى السياحي المحلي. وينصح الشابان صناع المحتوى الجدد بالانطلاق من ذات المنصة لأنها أكثر فعالية، كما أن التواجد بها يسمح بالتفاعل بشكل أكثر مع الجمهور، وهي أقل قيودا وبالتالي فإنها تتيح حرية أكبر في التعامل مع المحتوى الصوتي و البصري وحتى الهاتشاغ كذلك، كما يشددان على أهمية الجودة في التصوير و كل ما يخص الجوانب التقنية للمحتوى.
عبد الغاني بوالوذنين