يعتبر أول يوم في المدرسة، حدثا مهما جدا بالنسبة للطفل و عائلته، فهو التاريخ الذي ينتقل فيه التلميذ الصغير إلى مرحلة الاعتماد على النفس والانفصال الأول عن الأبوين، حيث يجد نفسه لأول مرة في مواجهة العالم الخارجي، فيبدأ في التكيف مع فكرة الانفصال، والتعامل مع الآخر، وتشكيل شخصيته التي يتفاعل من خلالها مع المحيطين به سواء كانوا زملاء أم أساتذة، ناهيك عن أن هذا اليوم تحديدا قد يحدد علاقة التلميذ بالمدرسة، وذلك انطلاقا من أول انطباع قد يترك تأثيرا عميقا لديه يمتد إلى المستقبل.
ويشدد مختصون للنصر، على دور المرافقة النفسية للأطفال التي تسبق مرحلة دخول التلميذ إلى المدرسة لأول مرة، معتبرين أنها ضرورية لتسهيل اندماجه في محيطه الجديد. كما أشاروا إلى أن التحضير النفسي يبدأ أولا من البيت عبر خطاب الوالدين المشجع، كما يقع جانب من المسؤولية على عاتق المعلم المسؤول عن كسر الحاجز النفسي لدى التلميذ، وهو ما يجعل التجربة المدرسية الأولى للطفل أكثر سلاسة وإيجابية.
* الأخصائي النفساني العيادي شكاي بدر الدين
الانتقال من الحياة الأسرية إلى المدرسية خطوة مهمة في حياة الطفل
أكد الأخصائي النفساني العيادي شكاي بدر الدين، أن الحديث عن التحضير النفسي للطفل المقبل على الدخول المدرسي لأول مرة، سواء في قسم التحضيري أو الروضة، لا يخضع إلى قواعد دقيقة أو نمط واحد، بل يختلف باختلاف شخصية الطفل وخصوصيته النفسية، فهناك بحسبه، أطفال يتمتعون باستعداد طبيعي للتأقلم مع المحيط الجديد ولا يحتاجون إلى مرافقة خاصة، في حين أن آخرين قد يبدون حساسية زائدة أو تخوفا من الانفصال عن الجو الأسري مما يستدعي تدخلا أكبر.
وأوضح المتحدث، أن طريقة تهيئة الأولياء لأبنائهم قبل الدخول المدرسي تختلف من عائلة إلى أخرى، وذلك وفقا للمستوى الثقافي والفكري والتعليمي للأولياء، إضافة إلى خلفياتهم الاجتماعية وتجاربهم السابقة. فكل ولي أمر له أسلوبه في تقديم الدعم النفسي والمعنوي للطفل، غير أن الأساس المشترك يتمثل في توفير بيئة آمنة وطمأنة الطفل تدريجيا بخصوص المرحلة الجديدة التي تنتظره.
وأضاف الأخصائي، أن الانتقال من الحياة الأسرية الضيقة إلى المحيط المدرسي المنظم يشكل قفزة كبيرة في حياة الطفل، وهو تغيير لا بد أن يسبقه إعداد نفسي ممنهج، يمكن أن يشرف عليه مختصون في علم النفس العيادي أو التربوي.
فالتعامل مع الأطفال حسبه، يعد من أصعب التخصصات لكونه يختلف جذريا عن التعامل مع الراشدين، إذ يتطلب مراعاة مستوى الاستيعاب والعمر الزمني، والقدرة على التكيف.
وبين شكاي، أن دور المختص يتمثل في تعريف الطفل بالمحيط الجديد الذي سيدخله، وذلك بطريقة مبسطة وملائمة لمدى استيعابه، عبر شرح طبيعة المدرسة، محتوياتها، قوانينها، وحتى المدة الزمنية التي سيقضيها فيها يوميا. هذه المقاربة بحسبه، تساهم في تقليل التوتر والخوف وتمنح الطفل صورة أولية عما ينتظره، مما يسهل عليه عملية الاندماج.
وشدد المتحدث في ذات السياق، على أن المرافقة النفسية ليست مسؤولية المختصين فقط، بل هي أيضا مهمة أساسية للأولياء. فحضورهم واحتواؤهم لأبنائهم، واعتمادهم خطابا بسيطا ومباشرا يساعد على طمأنة الطفل ويمنحه شعورا بالثقة. كما قال بأن هذه الخطوات تشكل قاعدة أساسية لتنشئة نفسية سليمة، وتنعكس إيجابا على المسار الدراسي لاحقا.
الخجل والخوف من أبرز الصعوبات
وعن أبرز الصعوبات التي تواجه الأطفال في بداية مشوارهم الدراسي ذكر الأخصائي، أن الخوف والخجل يأتيان في المقدمة، فالطفل يجد نفسه فجأة في مؤسسة تربوية لها قوانين وضوابط، وجانب بيداغوجي ونفسي واجتماعي متكامل، مما قد يفتح المجال إذا غابت المرافقة لظهور اضطرابات نفسية مثل الخواف المدرسي، أو صعوبات في التكيف، قد تؤثر على نتائجه الدراسية وعلاقاته بزملائه.
وأضاف الأخصائي، بأنه من الطبيعي أن يظهر بعض الأطفال مقاومة في الأيام الأولى، تتجلى عادة في البكاء أو رفض الانفصال عن الأولياء وهنا تقع المسؤولية على الوالدين في التعامل مع الموقف بهدوء وصبر من خلال خطاب مريح ومطمئن يوضح للطفل أن المدرسة مكان للتعلم والمتعة في الوقت نفسه، وأنه سيعود دائما إلى البيت بعد انتهاء اليوم الدراسي.
وأكد في سياق منفصل، أن نجاح هذه المرحلة الانتقالية يتوقف على تعاون ثلاثي بين الأولياء، المربين، والمختصين النفسانيين، بحيث يتعلم المعلم بدوره بعض الآليات البسيطة للتعامل مع الأطفال الجدد، ويقدم لهم صورة إيجابية عن المدرسة، مما يساعدهم على الاندماج بسلاسة ويمنع حدوث أي اضطرابات أو صدمات نفسية.
* المستشارة التربوية كريمة سعادنة
المعلم له دور أساسي في كسر الحاجز النفسي لدى الطفل
من جهتها، أكدت المستشارة التربوية كريمة سعادنة، أن التحضير النفسي للطفل المقبل على دخول المدرسي يعد خطوة أساسية وضرورية، إذ يجب أن يبدأ من داخل الأسرة. فالأهل كما أوضحت عليهم أن يهيئوا طفلهم عبر خطاب بسيط يفهمه، يقولون له فيه إنه كبر وصار في سن عليه أن يتعلم ويدرس، حتى يقتنع بأن المدرسة مرحلة طبيعية وضرورية في حياته.
وحذرت المتحدثة، من أن الانتقال المفاجئ إلى عالم جديد دون أي تمهيد أو تحضير قد يسبب للطفل صدمة نفسية تجعله غير قادر على التكيف في البداية.وأضافت سعادنة، أن خطاب الأولياء يجب أن يكون مشجعا، من خلال إعطاء أمثلة واقعية لأقارب أو جيران يزاولون الدراسة، ما يجعل الطفل يشعر أن المدرسة تجربة مشتركة وليست شيئا غريبا عنه. كما شددت، على أن المراحل التحضيرية والتمهيدية التي تسبق الدخول المدرسي تعد بمثابة جسر أساسي يبني علاقة أولية بين الطفل والعالم الخارجي، ويكسبه ألفة مع الجو الجماعي قبل أن يلتحق بالمدرسة الابتدائية.
وأشارت المتحدثة، إلى أن إضافة قسم التحضيري في الابتدائيات من طرف وزارة التربية كان خطوة مهمة لتقليل الصعوبات النفسية التي يواجهها التلاميذ مع بداية مشوارهم الدراسي، خاصة بالنسبة للأطفال الذين لم يسبق لهم الالتحاق بالحضانة أو الأقسام التمهيدية.
لان هؤلاء حسبما أضافت، غالبا ما يعانون من مشكلات مرتبطة بتعلقهم الكبير بالأم، أو بغياب تنظيم أوقات نومهم ويومهم، مما يجعل التكيف مع النظام المدرسي أكثر صعوبة.
وشددت سعادنة، على أن دور المعلم أساسي في كسر الحاجز النفسي لدى الطفل وولي أمره منذ اليوم الأول، إذ يتعين على الأستاذ أن يكون لينا ومتفهّما في تعامله مع التلاميذ خلال الأسبوع الأول على الأقل. فالأطفال حسبها، يتذكرون جيدا تعامل أستاذهم الأول، ويسجل ذلك في ذاكرتهم العاطفية بشكل قد يؤثر على علاقتهم بالدراسة ككل.واستدلت في هذا السياق، بحالة تلميذة أشرفت عليها قالت « إن معلمتها صرخت عليها في أول يوم من الدراسة، فامتنعت الطفلة عن الذهاب إلى المدرسة لمدة شهرين كاملين»، وهو ما يوضح بحسب سعادنة، الأثر البالغ الذي يتركه اللقاء الأول في شخصية الطفل، سواء كان إيجابيا أو سلبيا.
أما عن الطرق البيداغوجية التي تساعد على إدماج التلميذ بسرعة في المحيط المدرسي، فأوضحت المستشارة أنها تقوم أساسا على خلق جو مشجع ومحبب، من خلال تعزيز الأطفال وتشجيعهم باستمرار، وتقديم صورة جميلة عن المدرسة باعتبارها فضاء يجمع بين الأصدقاء والأنشطة واللعب والتعلم والروتين الحيوي.
هذا النموذج المحبب، تضيف الأخصائية، يرسخ في ذهن الطفل فكرة أن المدرسة ليست مكانا للضغط فقط، بل هو فضاء ممتع من الجيد التواجد فيه.
لينة دلول