دخلت وصفات المطبخ الآسيوي على غرار « السوشي»، و» الماكي»، معجنات «النوي» و حساء « التوفو»، و حلوى « الموشي»، قوائم المطاعم بقسنطينة، وصار لهذه الأطباق عشاقها رغم الاختلاف الكبير في النكهات غير المألوفة و الأسعار التي لا تزال مرتفعة نسبيا. مع ذلك تحقق مطاعم الأكل الآسيوي استقطابا لافتا نظرا لما تقترحه على زبائنها من تجارب تذوق جديدة ومختلفة، وديكورات تسافر بهم إلى عالم المانغا اليابانية والدراما الكورية الحالمة.
أطباق روجت لها الدراما الكورية و المانغا اليابانية
وتنتشر موضة هذه المطاعم بسرعة بين الشباب و عشاق التذوق عموما وذلك بالنظر إلى تأثير «أفلام الأنمي» و «الكاي دراما»، التي تصور طرق ومراحل تحضير الأطباق كما في الواقع تماما، وتقدمها بأسمائها الأصلية وبطريقة تسويقية مغرية جدا. وهو فعليا ما صنع لها شهرة عالمية وصلت مؤخرا إلى الجزائر وامتدت إلى قسنطينة، أين افتتح مطعمان متخصصان في الأكل الآسيوي المتنوع.
يتواجد في المدينة الجديدة علي منجلي، مطعم صغير يحمل تسمية «سوشيرو» يأخذ زواره في رحلة نحو أقصى شرق آسيا. صاحبه حمزة بوكوس، شاب جزائري عمره 22سنة، اختار أن يغامر في مجال لم يألفه سكان المدينة من قبل، ليحول شغفه القديم بالمطبخ الآسيوي إلى مشروع استثنائي.
أكد الشاب للنصر، أنه ترجم عشق الطفولة في مسار مهني مختلف تماما معلقا على ذلك بالقول «:كنت مولعاً منذ الصغر بالمطبخ الآسيوي لطالما شدّتني ألوانه وروائحه وطريقة تقديمه، لذلك اخترت أن أتخصص فيه وأن أحقق حلمي و أشبع رغبة العديد من محبي الثقافة الآسيوية في تذوق أطباق كثيرا ما شاهدناها على التلفاز، فأثارت فضولنا وغازلت شهية كل واحد منا».
إقبال كبير من الشباب و العائلات
يضيف محدثنا:» مع مرور الوقت، قررت أن أطوّر هذا الشغف فالتحقت بعدة دورات في الطبخ الصيني والآسيوي، ثم عملت في مدينة وهران وهناك تعلمت من مختصين كبار أسرار هذا الفن. بعدها اتخذت القرار الحاسم بأن أفتتح مطعمي الخاص».
في وهران، لم يكتفِ حمزة بالتجربة العملية فحسب، بل أخبرنا أنه التحق أيضاً بمدرسة «جاردن سيكرت» المتخصصة في فنون الطبخ ليجمع بين التكوين الأكاديمي والتجربة الميدانية.
سرد علينا الطاهي الشاب، تفاصيل الفكرة وكيف تبلورت واختمرت حتى النضج موضحا: «لاحظت أن قسنطينة تفتقر إلى مطاعم متخصصة في الأكل الآسيوي، فكانت بالنسبة لي فرصة ذهبية. والحمد لله وُفقت في اختياري لهذا التخصص تحديدا، اليوم أسجل إقبال كبيرا من مختلف الفئات، خصوصا الشباب الذين يعرفون المطبخ الآسيوي مسبقاً ويحبونه، إلى جانب عائلات تريد فقط اكتشاف مطبخ جديد». وقد صار المطعم حسب محدثنا، عنواناً لعشاق الأطباق الغريبة في المدينة.
ويلفت حمزة، إلى أن الانتشار المتزايد للأكل الآسيوي في الجزائر لم يحدث صدفة قائلا :» الأنمي الياباني والمسلسلات الكورية لعبا دوراً كبيراً في الترويج غير المباشر للمطبخ الآسيوي. الكثير من الزبائن يخبرونني أنهم جاءوا لتجربة السوشي لأنهم شاهدوه في فيلم أو مسلسل، فأرادوا تذوقه بأنفسهم».
السوشي الملك على المائدة
ويرى الشاب، بأن المطبخ يصبح جزءاً من ثقافة شبابية أوسع بفعل تأثير التلفزيون وحتى المحتوى الرقمي، حيث يلتقي الفن بالطعام في تجربة عابرة للحدود.
في «سوشيرو» كما في « لآزياتيكو» وهو المطعم الآسيوي الثاني بقسنطينة و المتواجد بحي سيدي مبروك، يحتل السوشي مكانة خاصة حيث يقدم بأشكال مختلفة تناسب كل الأذواق منها « سوشي سومو» بحشوة السلمون وثمن الطبق 1200 دج، إلى جانب « السوشي كريسبي» المقرمش، و» الناها رول، والكيوتو رول، وأوساكا رول، و دراغون راول.ويقبل الزبائن على هذا الطبق بشهية حسب القائمين على المطعمين، حيث يقول حمزة، إن الوصفات متنوعة و تلبي كل الأذواق، إذ يوفر في مطعمه السوشي المقلي خصيصاً لمن يتحفظون على السوشي النيئ.ويقول: «السوشي سر نجاح المطعم، هو طبق بسيط في مكوناته لكنه معقد في تقنيته، يعتمد على أرز خاص، تضاف إليه صلصة مميزة، ثم يُحشى بمكونات مختلفة كالسمك أو اللحم، ويلف بورق النوري». وورق النوري، هو نوع من الطحالب البحرية يستعمل في المطبخ الآسيوي، حيث يلف الأرز و السمك و مختلف الخضر داخله ، وهو متوفر إلى جانب صلصلة الصوجا و منتجات آسيوية أخرى في بعض الفضاءات التجارية الكبرى بقسنطينة لكن بشكل محدود وبأسعار مرتفعة نوعا ما.
أطباق أخرى و نكهات آسيوية متعددة
يقدم المطعم أطباقاً أخرى صارت لا تقل شهرة عن السوشي، مثل لحم البقر بالجبن، وهو طبق ياباني يجمع بين لحم بقر عالي الجودة والجبن مع بهارات خاصة وسعره 1200 دج.
وهناك طبق الديناميت، وصفة صينية تعتمد على الدجاج والجبن مع خلطة سرية يقترح على الزبائن أيضا مقابل 1200 دج، وكذلك طبق الإيميل والنوي، أو المعكرونة اليابانية المحضرة بطريقة فريدة.
كما يوفر المطعم وجبات جماعية لثلاثة أو أربعة أشخاص تصل أسعارها إلى 13.000 دج، فضلاً عن سلطات آسيوية خفيفة.
ويكمن سر الجودة حسب الشاب، في مكونات أصلية من آسيا يحرص على توفيرها، فضلا عن جلب التوابل والأرز الخاصين بالسوشي مباشرة من آسيا، واعتماد أسماك مثل السلمون والتونة الحمراء ذات النوعية الممتازة.
ويستخدم الطاهي في وصافته فواكه مثل الأفوكادو، مع إدخال صلصات آسيوية تقليدية مثل صلصة الصوجا والصلصة الخضراء ويقول: «لا يمكن أن تقدم طبقاً آسيوياً حقيقياً دون مكونات أصلية. لهذا السبب نعتمد على استيراد كميات معتبر منها خصوصا وأنها مطلوبة بكثير في مطاعم العاصمة أين يزدهر هذا النشاط جدا».
ويضيف محدثنا، إنه رغم الإقبال على مطعمه لكن ثقافة الأكل الآسياوي لا تزال فتية في الشرق مقارنة بالعاصمة ووهران، ويبقى حضورها محدوداً في قسنطينة ويقتصر على مطعمين فقط.
ويوضح حمزة قائلا:» أردت أن أقدم شيئاً جديداً يختلف عن مطاعم الوجبات السريعة المعتادة، الناس هنا يستحقون أن يعيشوا تجربة مختلفة، مثلما هو متاح في العاصمة».
طبق الرامن خطوتنا الثانية
طموح حمزة لا يتوقف عند حدود السوشي يقول :» المطبخ الآسيوي واسع جداً، وأطمح لإدخال أطباق جديدة مثل الرامن، حتى نمنح زبائننا فرصة أكبر لاكتشاف ثقافات أخرى من خلال الطعام». والرامن هو طبق يباني عبارة عن شوربة تقدم مع «النودلز» غنية بالنكهات، فالمطبخ الآسيوي حسبه، ثقافة أكثر من مجرد طعام.
ولا ينظر حمزة إلى مشروعه كعمل تجاري فقط، بل كرسالة ثقافية أيضاً معلقا :»المطبخ الآسيوي غني بالنكهات، لكنه أيضاً غني بالرموز والتقاليد.هي طريقة حياة وعندما يكتشفها الناس هنا، فإنهم لا يتذوقون الطعام فقط، بل يتعرفون على ثقافة جديدة». .
ويقول محدثنا، إن قصته ليست مجرد نجاح فردي، بل انعكاس لتحولات أوسع يعيشها المجتمع الجزائري، حيث صار الشباب أكثر انفتاحاً على العالم وثقافاته، فمن حب الطفولة للأنمي، إلى التكوين الاحترافي في وهران، وصولاً إلى مطعم «سوشيرو» في قسنطينة، استطاع حمزة أن يبني جسراً صغيراً لكنه متين بين الشرق والغرب، بين النكهات الجزائرية الأصيلة وتلك القادمة من اليابان وكوريا والصين، ليكون «سوشيرو» جسراً آخر بسيرتا قوامه النكهات المتعددة.
عبد الغاني بوالودنين