احتضن المسرح الجهوي محمد الطاهر الفرقاني بقسنطينة، ليلة السبت سهرة فنية ماتعة، أحياها بلبل المالوف الفنان عدلان فرقاني الذي أطرب الجمهور احتفالا بميلاد خير الأنام، فقدم مزيجا راقيا بين روحانية المديح الديني وروح المالوف الأصيل.
وبصوته القوي وأدائه المتمكن، استحق الفنان تصفيق الحضور الذي غص به المسرح، ليضيف إلى سجله الفني واحدة من أجمل السهرات على الإطلاق بشهادة الجمهور.
وقد أبدع الفنان الشاب في وصـلات إنشادية ومدائح نبوية أطربت القلوب، وكان الحفل الذي نظمته مديرية الثقافة والفنون لولاية قسنطينة، مميزا جدا بفضل التناغم بين وريث فن الحاج محمد الطاهر الفرقاني وجمهور شكلت العائلات أغلبيته، إلى جانب حضور نخبة من الأسماء الفنية والثقافية المحلية على غرار الفنان إلياس القسنطيني.
برمج الحفل في إطار الرزنامة الثقافية التي أعدّتها المديرية لإحياء هذه المناسبة الدينية، وقد عكس مدى تعلق الجمهور بالمالوف ونجومه والتزامه أيضا بالمشاركة في إنجاح مثل هذه الفعاليات التي تشكل مناسبة اجتماعية وروحية بامتياز، كما ذهب إليه القائمون على النشاط.
وقد اكتظت قاعة المسرح بحضور من مختلف الأعمار، جاءوا حاملين في قلوبهم حبّ النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام، ورغبة صادقة في استحضار سيرته العطرة من خلال كلمات وأناشيد تنبع من الوجدان.
من جهته، قدّم الفنان عدلان فرقاني، أداء راقياً جعل من الحفل تجربة فنية فريدة جمعت بين الإبداع والتراث، حيث تنقل خلال السهرة بين مجموعة من الوصلات الإنشادية، مستلهمًا من التراث الصوفي الجزائري، ومن المدارس العريقة في المدائح النبوية.
ومن بين الأناشيد التي حظيت بتفاعل كبير، أنشودة «زاد النبي» التي ردّدها الجمهور مع الفنان بكل محبة، في لحظة جمعت القلوب على المحبة والسكينة، ولم يقتصر الحفل على الجانب الفني فحسب، بل شكل أيضا فرصة للتلاقي الإنساني بين أبناء المدينة، حيث سجلت العائلات حضورا لافتا إلى جانب الأطفال، في مشهد يؤكد استمرار هذا التقليد الجميل جيلاً بعد جيل.
وقد عبّر العديد من الحاضرين عن سعادتهم بالمشاركة في الحفل، واعتبروه متنفسا ثقافيا وروحيا يعيد إليهم الأمل في استمرار الفعل الثقافي الجاد والهادف.
وفي تصريح خصّ به النصر، عبر مدير الثقافة والفنون لولاية قسنطينة، السيد فريد زعيتر، عن فخره واعتزازه بنجاح الحفل، مؤكدًا أن مصالحه حريصة على مثل هذه الفعاليات، خاصة المرتبطة بالمناسبات الدينية، لما لها من أثر بالغ في نفوس المواطنين، وخصوصًا العائلات التي تبحث عن فضاءات ثقافية محترمة وآمنة تتشارك فيها القيم والموروث.
وأضاف زعيتر: «نحن نولي اهتمامًا خاصًا للمولد النبوي الشريف، ليس فقط كمناسبة دينية، وإنما كفرصة لإعادة إحياء التراث الإنشادي والتقليدي الذي تزخر به الجزائر، وقسنطينة على وجه الخصوص. وسنواصل العمل على برمجة المزيد من الأنشطة التي تمزج بين الأصالة والمعاصرة، وتخدم تطلعات جمهورنا العريض.»
من جهته، لم يخفِ الفنان عدلان فرقاني تأثره الكبير بحفاوة الاستقبال وتفاعل الجمهور، حيث قال في حديثه للنصر: «أنا جد سعيد بهذه الأجواء المميزة، وسعيد أكثر بهذا الجمهور الذي تفاعل معي بشكل رائع. هذه اللحظات تبقى راسخة في الذاكرة، لأنها تعكس حب الناس للفن الروحي الأصيل، وارتباطهم العميق بسيرة خير الأنام صلى الله عليه وسلم. أشكر كل من ساهم في إنجاح هذا الحفل، وأتمنى لكل العائلات القسنطينية والجزائرية الصحة والسلام، ومولدًا نبويًا شريفًا مباركًا للأمة الإسلامية جمعاء.»
كما وجّه فرقاني رسالة مؤثرة خلال الحفل، دعا فيها إلى نشر قيم المحبة والتسامح والرحمة، التي جسّدها الرسول الكريم في سيرته، مؤكدًا أن الفن النقي له دور كبير في ترسيخ هذه القيم، لا سيما في ظل التحديات التي تواجه المجتمعات اليوم.
ولم تمر هذه الأمسية الدينية دون أن تسجل لحظات مؤثرة عبر ترديد الجماهير لبعض الأناشيد المعروفة بشكل جماعي، في مشهد أعاد إلى الأذهان «سهرات زمان» كما عبر البعض، حين كانت الأحياء العتيقة تحتفل بالمولد بطرقها الخاصة.
وفي نهاية الحفل، عبّر العديد من الحاضرين عن رغبتهم في استمرار مثل هذه التظاهرات بشكل منتظم، وعدم انحصارها في المناسبات فقط، لما لها من دور في تنمية الذوق الفني وتهذيب الروح، خصوصا في أوساط الشباب. كما أشادوا بالجهود التنظيمية التي بُذلت، وحُسن الاستقبال والبرمجة المتقنة التي ساهمت في إنجاح الموعد الروحي والفني. عبدالغاني بوالودنين