عطل الجزائريين.. أماكن جديدة  و عادات قديمة
تشبه عطل العديد من العائلات الجزائرية ذلك النموذج الذي قدمه لنا المخرج عزيز شولاح  في الكوميديا الاجتماعية الشهيرة « ريح تور» قبل سنوات ، فبالرغم من أن بعض الجزائريين انفتحوا على السياحة الخارجية، و أصبحوا يقصدون تركيا و دول أوروبا  للاصطياف، إلا أن السواد الأعظم لا يزالون يفضلون الشواطئ المحلية لأسباب مختلفة، أبرزها العامل المادي، أما طبيعة هذه العطل، فلا تختلف كثيرا عن نمط الحياة اليومية، فالعادات نفسها، رغم تغير المكان.
روبورتاج : هدى /ط
كراء الشقق بدل الفنادق لتقليص النفقات
 طبخ و شجارات و رحلات طويلة من أجل جلب الماء و غياب شبه تام للخصوصية هو عنوان عطل البعض، فالاصطياف يكون عادة جماعيا ولا يقتصر على أفراد الأسرة الصغيرة، بل يشمل أيضا أفراد العائلة الكبيرة الممتدة و قد يكون مبرمجا مسبقا مع عائلة أخرى، كأن يسافر الإخوان المتزوجون أو الأخوات المتزوجات مع عائلاتهم، أو قد تتوسع المجموعة لتضم أقارب و أصهارا آخرين، هكذا هي عطل الكثيرين ممن لا يجدون المتعة، إلا في نقل نمط حياتهم من البيت إلى مدينة ساحلية أخرى دون تغييرات تذكر.
 مؤخرا انتشرت صور كثيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر عائلات و مصطافين في الشواطئ الجزائرية و هم ينقلون قارورات غاز البوتان و أفرشة و بعض الأواني إلى أماكن اصطيافهم، و قد جاءت التعليقات حول هذه الصور ساخرة و سلبية، أجمع أصحابها على أن الجزائري لا يدرك مفهوم العطلة و لا يملك تصورا صحيحا، و حتى أولئك الذين يسافرون برا إلى الجارة تونس، يفضلون المنازل على الفنادق و يتنقلون محملين بالأواني و الأطعمة المصبرة التي توحي بأنهم لن يتخلوا عن نمط حياتهم اليومي بشكل كلي.
 أما في ما يتعلق بالخصوصية، فمفهومها مختلف عند الجزائريين، إذ أنها لا تعني عدد الأفراد المتواجدين في المنزل الواحد، و الذين يستخدمون نفس الحمام و غرف النوم، بقدر ما تعني البعد قدر الإمكان، عن الفنادق و التواجد في مساحات خاصة، أين يمكن لهم الطبخ بحرية، حتى وإن كان ذلك داخل خيمة.
في مدينة جيجل قابلنا عائلات قادمة من الجنوب، اتضح لنا بعد الحديث إلى عدد من أفرادها، بأن الجميع يحملون نفس اللقب و هم أقارب و أصهار، و الملاحظ هو أن هؤلاء قاموا بنصب شبه خيام عند أسفل الجرف الذي  يحد شاطئ المغارات العجيبة و استقروا هناك، و لاحظنا بأنهم يطهون طعامهم باستخدام قارورات غاز البوتان و يستخدمون الحمام العمومي الموجود عند مدخل الشاطئ للاستحمام و قضاء الحاجة، وعندما استفسرنا منهم عن ظروف اصطيافهم، قالوا بأنها عادية و لا تكلفهم شيئا، مقارنة بكراء شقة أو غرف في فنادق المدينة، كما أنهم يقتصدون جيدا من خلال الطبخ هناك، عوضا عن الأكل في المطاعم.
ناريمان من قسنطينة قالت للنصر، بأن مفهوم العطلة بالنسبة لعائلتها لا يختلف كثيرا عن الروتين اليومي العادي، فمعدل أيامها لا يزيد عن 10 إلى 15 يوما، أما تكلفتها فلا تتعدى 4 ملايين سنتيم كل سنة ، لأنها لا تتضمن أي حجوزات فندقية و قليلا ما تضم فاتورة عشاء أو غذاء في مطعم، و بالنسبة لأماكن قضائها فهي نفسها، في جيجل أو سكيكدة، و السبب، حسبها، هو أن والدها يختار المدن التي يعلم بأن سكانها محافظون، كما أن جيجل مسقط رأسه.
وأضافت محدثتنا « الشيء الوحيد الجديد في عطلتنا هو زرقة مياه البحر، أما خلاف ذلك، فالمعاناة اليومية نفسها شجارات مستمرة بين أبي و أمي لسبب أو لآخر، و معاناة للحصول على الماء، كثيرا ما نضطر للتنقل على الأقدام لإحضاره، أمي و أنا و شقيقتي نتكفل بالطبخ و تنظيف المنزل المؤجر و باقي  اليوم نقضيه في السباحة.
كما أن القسنطينيين الآخرين الذين سألناهم عن عطلهم، أوضحوا بأنهم يفضلون كراء الشقق على حجز الفنادق، أولا لأن عدد أفراد العائلة كبير عادة، و بالتالي فإن عطلة لخمسة أفراد لمدة أسبوع أو 10 أيام في جيجل أو عنابة أو سكيكدة أو حتى بجاية، تكلف على الأقل 4 ملايين إلى 5 ملايين سنتيم، بينما المكوث في فندق لمدة يومين، قد يكلف شخصين اثنين 3 ملايين سنتيم.
إضافة إلى ذلك، فإن المنازل التي يعرضها أصحابها للكراء عبر فايسبوك أصبحت مكيفة و مجهزة بسخان ماء و مفروشات وكذا مطابخ، و تتسع لعدد كبير من الأفراد مقابل 4 إلى 5 آلاف دج لليلة، أما الفنادق فتفرض إقامة شخصين كحد أدنى في الغرفة الواحدة.
 أما بالنسبة لمنط الحياة فالتغيير يعني البحر و السباحة و الاستجمام، و غير ذلك سيكون مكلفا جدا و يتطلب السفر إلى الخارج.
سيدات لا يستقلن من المطبخ حتى في العطل
ياسمين موظفة أخبرتنا بأنها اعتادت أن تقضي العطلة في مدينة القالة، رفقة جميع  أفراد عائلتها ، علما بأن شقيقاتها المتزوجات و أبنائهن عادة ما يرافقونهم إلى أي مكان يقصدونه،  و السبب هو تشارك المتعة و أيضا أعباء الطبخ و الغسيل و غيره، لكن الجديد هذا العام، هو أن العائلة اختارت قضاء العطلة في أحد الفنادق التونسية، و استحسنت ذلك هي و أشقائها كثيرا، لكنه لم يرق لوالدتها التي اعتادت، حسبها، على نمط حياتها القديم، و لم تتقبل فكرة الالتزام بمواقيت الإفطار و العشاء في الفندق، و حتى خدمة الغرف لم تقنعها، لأنها لا تعترف سوى بمستوى نظافة غسيلها.
سيدات أخريات، على غرار عذراء أم لثلاثة أبناء، قالت بأنها تختار قضاء العطلة في منزل مؤجر بدل الفندق لتقليص النفقات، خصوصا ما تعلق بالأكل في المطاعم أولا بسبب سوء الخدمات، و ثانيا غلاء الأسعار، مشيرة إلى أن التعب الإضافي الذي  تتكبده للطهو والغسيل  في عز الحر، يدفعها للشجار المتواصل مع وزوجها ، لدى فهي تنهي العطلة وهي بحاجة لعطلة أخرى لتستعيد نشاطها من جديد.

الباحث في علم الاجتماع نجيب بولماين
العطلة ثقافة جديدة في مجتمعنا لا يتعدى مفهومها الانتقال الجغرافي
يعتبر الباحث في علم الاجتماع بجامعة عنابة نجيب بولماين، بأن عطل الجزائريين لا ترقى للمفهوم الصحيح و الشامل للعطلة، و السبب هو أن هذا المفهوم جديد نوعا ما في مجتمعنا، فالجزائريون بدأوا ينفتحون على العطل العائلية بداية من سنة 1985 إلى 1990، ولذلك فإن التعامل مع هذه العادة لا يزال بعيدا عما نشاهده في الخارج.
 ويوضح الباحث بأن الجزائريين يحددون وجهاتهم ،حسب عقلية المجتمع المحلي الذي يقصدون مدينته و مدى تطابقها أو تقاربها مع عقليتهم، لذلك يفضل سكان الوسط و الشرق  جيجل و سكيكدة  لأن سكانها محافظون، بينما يفضل العاصميون بجاية و كذلك الأمر بالنسبة لسكان تيزي وز و و هران مثلا.
وتنقسم الأسر الجزائرية إلى قسمين أولا العائلات متوسطة الدخل البسيطة و هي التي تختار كراء منازل، بدل الفنادق و تفضل الطبخ المنزلي على الجاهز لتخفيف النفقات، أما الصنف الثاني فهم الميسورون و يختارون عادة السفر خارج الوطن.
أما شرط الخصوصية فلا يعد أساسيا بالنسبة للكثيرين لسبب وجيه هو أن طبيعة الأسرة الجزائرية الممتدة لا تزال تفرض نفسها على التفكير السائد، فالزوجة تفضل السفر رفقة والدتها و شقيقتها و الزوج كذلك، ولذلك فإن العطلة لا تعني التغيير النفسي و الانقطاع عن العالم الخارجي، بقدر ما هي فرصة لإعادة لم الشمل، وعليه فإن السلوكيات المعهودة لا تتغير، كالشجار بين الأبوين أو الأبناء، بسبب عدم توفر المساحات الشخصية.
من ناحية أخرى، فإن ضعف مستوى الخدمات في المطاعم و الفنادق الجزائرية أخر  تطور مفهوم العطلة لدى الفرد و جعلها محدودة جدا و تقتصر على تغيير الجغرافيا، مع الحفاظ على العادات القديمة، بما في ذلك استغلال المرأة و التعامل معها كخادمة لا يحررها الاصطياف من واجبات الطبخ و الغسيل و التنظيف و غير ذلك.
هدى. ط

الرجوع إلى الأعلى