تدعّمت قسنطينة بثانوية جهوية للرياضة يعوّل القائمون عليها لتكون مؤسسة نموذجية تسهم في تطوير الرياضة المدرسية وإبراز منتوج متفوق دراسيا ومتميّز رياضيا، خاصة وأنها تتوفر على مقوّمات رياضية تجعلها بيئة مناسبة لتحقيق طموحات روادها، فيما سيتم تكوين جمعية رياضية تمثل الثانوية في المنافسات.
وفتحت الثانوية الجهوية للرياضة أبوابها، الأسبوع الماضي، على مستوى المركب الرياضي عبد الحميد دعماش لتحتضن الدفعة الأولى من التلاميذ الرياضيين الذين يقدّر عددهم بـ 139 من بينهم 51 تلميذا ينحدرون من 12 ولاية شرقية في صورة سكيكدة، عنابة، جيجل، سوق أهراس، كذلك سطيف، قالمة، تبسة، ورغم الابتعاد عن الدفء العائلي في سن صغيرة إلا أنّ الرياضيين فضلوا خوض هذا التحدي وهذه التجربة أملا في أن تكون الثانوية محطة هامة ونوعية في مشوارهم التعليمي والرياضي على وجه الخصوص، وتأتي خطوة افتتاح هذه المؤسسة باعتبارها امتدادا للثانوية الرياضية بدرارية في الجزائر العاصمة حيث تعكس تعهدات رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، والتزامات وزير الرياضة، وليد صادي، مثلما قال مدير الشباب والرياضة، لحسن لعجاج، الذي أضاف أنّ نجاح الثانوية الرياضية يعتبر نجاحا بالمقابل للرياضة المدرسية باعتبارها خزانا للرياضيين وكل أبطال الجزائر تخرجوا من خلال هذه الرياضة.
مرافق بيداغوجية، رياضية وأخرى للإيواء
ويعتبر المركب الرياضي عبد الحميد دعماش الذي يتربّع على مساحة تقارب 18 هكتارا، منشأة متكاملة تضم مرافق بيداغوجية وطبية، رياضية وأخرى خاصة بالإقامة، حيث جابت النصر بعضها على اعتبار أننا وجدنا بعضها مغلقة، فبعد ولوجنا مدخل المؤسسة الطويل نسبيا بحيث لا تظهر في الأفق أي من مرافقه سوى رسومات لحركات رياضية، إلى أن يقابلك عند نهايته الجناح الإداري والبيداغوجي الذي يعدّ واجهة المؤسسة الداخلية حيث يتوفّر على مجموعة من الأقسام 4 منها خاصة بالجذع المشترك علوم وقسم للجذع المشترك آداب، ومن خلال نظرة على هذه الأقسام لاحظنا أنّ تجهيزاتها حديثة حيث تحتوي على طاولات فردية وكذا خزانتين، بالإضافة إلى ذلك وقفنا على وجود مخبرين، كما علمنا أنّ عدد الأقسام الإجمالي يقدّر بـ 15 بإمكان الواحد منها احتضان 30 تلميذا.
وتعمقنا أكثر داخل المركب لنقف أكثر على المزيد من مرافقه الموضوعة تحت تصرف التلاميذ الرياضيين، فعلى جانب منه تواليا يوجد المطعم الذي يقدم ما يزيد عن 160 وجبة دفعة واحدة، المركز الجهوي الطبي الذي يضم بحسب ما علمناه تجهيزات محترمة خاصة بالتأهيل الرياضي والتقوية في انتظار تجهيز وحدة الاسترجاع، كما يتوفر كذلك على 5 اختصاصيين في طب الرياضة، أطباء عامون، نفسانيون، أطباء الأسنان، أيضا الممرضون والمعالجون الفيزيائيون، كما تتوفر المنشأة على نزل للرياضيين الذي يسع 150 سريرا وينقسم إلى جناحين للذكور والإناث وكل غرفة تستوعب 3 تلاميذ، وكل هذه المرافق تبعد عن الجناح البيداغوجي بأمتار قليلة جدا. 
إلى جانب ذلك يتوفر المكان على مسبح نصف أولمبي، خلفه مباشرة القاعة متعددة الرياضات، أيضا قاعة للرياضات القتالية، كذلك يضم 4 ملاعب بأرضية صلبة لرياضة التنس، ملعب ألعاب القوى به مضمار بـ 8 أروقة، 3 ملاعب لكرة السلة، وملاعب جوارية معشوشبة اصطناعيا، كما سيتم تنظيف نشاطات ثقافية ورياضية لتسهيل التأقلم السريع للتلاميذ، وإلى جانب ذلك تضم المنشأة مجموعة من المخيمات حيث أكّد مدير الثانوية، طارق بوسطر، أنّه يمكن الاستعانة بها في حالة عدم كفاية النزل لمبيت الرياضيين مستقبلا، بالإضافة إلى ذلك توجد مساحات خضراء وأشجار بمحيط المرافق ما يضفي طابعا صحيا للمنشأة يتناسب مع دورها الوظيفي، فضلا عن كراسي منتشرة في فضاء المؤسسة.
اختبارات تقنية انتقائية
ومرّت إجراءات الالتحاق بالثانوية القيام بعمليات انتقائية للرياضيين المؤهلين لولوج هذه المؤسسة، حيث أكّد مدير الشباب والرياضة، لحسن لعجاج، اشتراط معدّل أدنى بلغ 12 للالتحاق بالثانوية، كما أنّ عملية الانتقاء تمت عبر مرحلتين الأولى كانت محليا على مستوى الولايات بالتنسيق مع الرابطات الولائية التي قامت بتوجيههم الاتحاديات المتخصصة بتاريخ 11 و12 أوت المنقضي وعرفت مشاركة 91 رياضيا من قسنطينة، ثم تم إرسال القوائم الاسمية للموجهين إلى الثانوية لتجرى بعدها المرحلة الجهوية من الانتقاء يومي 25 و26 من ذات الشهر حيث تم على إثرها ضبط قائمة التلاميذ المختارين للالتحاق بالثانوية.
وتتوفر المؤسسة على اختصاصات كرة القدم، الطائرة، اليد، السلة، التايكواندو، الكاراتي دو، الجودو، السباحة وكرة الماء، الملاكمة، كذلك ألعاب القوى، حيث تتوفر الثانوية الرياضية على المنشآت المتعلقة بهذه الاختصاصات ما يسهل عملية التدريب على التلاميذ ويغنيهم عن التنقل خارجها، كما أكد وجود إمكانية لتوسيع الاختصاصات بإضافة أخرى بعد دراستها من قبل اللجنة الوطنية التي تشرف عليها وزارة الرياضة، مشيرا إلى أنّه ينبغي التحلي بالأخلاق العالية والمستوى الدراسي المرتفع حيث سيتم دعم التلاميذ الرياضيين الذي يحافظون على ثبات في المستوى، لافتا إلى وجود تقييمات وبالتالي هناك من سيكمل مشواره بالثانوية الرياضية وهناك من سيعود للنظام الدراسي العادي.
وفي ذات الخصوص ذكر مدير الثانوية، طارق بوسطر، أنّ الاختيار تم بحسب الاختصاصات الرياضية المدرجة بالثانوية، حيث تم إخضاع التلاميذ المعنيين لاختبارات رياضية تخص الجانب التقني عن طريق اختصاصيين بحيث تمّ مراعاة عامل أن يكون الرياضي ذا مستوى عالي.
تكوين جمعية رياضية
ولفت المتحدّث إلى أنّ نظام التدريس من الناحية البيداغوجية تشرف عليه مديرية التربية وسيكون كمثله في مختلف المؤسسات التربوية، حيث سيلتزم التلاميذ بدوام عادي بداية من الساعة التاسعة صباحا إلى غاية منتصف النهار، ثم من الواحدة بعد الظهر إلى الرابعة مساء لتليها بعد ذلك مواقيت الحصص التدريبية التي تستمر إلى السابعة ليلا، معتبرا أن هذا النظام مدروس يساعد على ممارسة الرياضة، موضحا أنّ الحصص التدريبية ستكون بشكل يومي من الأحد إلى الأربعاء، وتم اختيار مدربين ذوي مستوى عالي من الفرق الوطنية لتأطير التلاميذ، حيث يتوفر كل اختصاص على مدربين اثنين، لافتا إلى أنه تم توفير حافلتين لنقل التلاميذ نصف الداخليين، كما سيخوض الرياضيون حصصا تدريبية رفقة الجمعيات الرياضية التي ينتمون إليها في حين التلاميذ من خارج ولاية قسنطينة فهم ملزمون بالمقابلات فقط مع فرقهم كما أنه بإمكانهم الانضمام مستقبلا إلى جمعيات محلية بقسنطينة، وستتم هذه الإجراءات بموجب اتفاقيات إذ ذكر المدير وجود مسؤول عن الرياضة بالثانوية يشرف على هذه الاتفاقيات والبرامج وعملية المتابعة في الشأن الرياضي.
وسيتم تكوين جمعية رياضية لتمثل الثانوية مثلما علمناه من المدير، سينضم إليها التلاميذ غير المنتمين لفرق رياضية على أن يتم الانخراط ضمن الرابطات الرياضية والمشاركة في المنافسات سواء المتعلقة بالرياضة المدرسية أو المنافسات الرياضية العادية، كما أفاد المتحدّث أنّ التلاميذ سيخضعون إلى اختبارات وتقييمات في الجانب الرياضي عند نهاية كل ثلاثي باعتبارها علامة تمنح لكل تلميذ ومدرجة ضمن برنامجه.
تلاميذ وأولياء بطموحات كبيرة
التحق التلاميذ وكلهم أمل في أن تكون هذه الخطوة محطة هامة في مشوارهم التعليمي والرياضي يحملون طموحات وأهداف يسعى كل منهم إلى تحقيقها مرورا لهذه الثانوية، حيث قالت التلميذة، نرمين بوالعينين، من قسنطينة في حديثها مع النّصر الناشطة ضمن رياضة ألعاب القوى في اختصاص 800 متر، إنها التحقت بالثانوية بعد أن علمت بالدعوات التي أصدرتها المؤسسة والتي تحث الرياضيين المهتمين للولوج إلى المؤسسة، معتبرة إياها تجربة مثيرة كونها تحفّز التلاميذ للموازنة بين الشقين الرياضي والدراسي، خاصة وأنها كانت تجد صعوبات في التنقل للتدريب بحكم بعد المسافة، معربة عن طموحها في التألق دراسيا ورياضيا مضيفة أنّ انطباعها الأولي حول الثانوية إيجابي ما يمنحها شعورا بصحة اختيار الالتحاق بها.
وذكرت، أسيل فردناش، اختصاص 400 متر حواجز من ولاية قسنطينة، أنّ الامتيازات التي توفرها الثانوية خاصة من ناحية سهولة التدرّب والالتحاق بمرافق التدريب شكّلت أهم الدوافع لولوجها المؤسسة، خاصة وأنها مثل سابقتها كانت تجد صعوبات للوصل إلى الملعب، مضيفة أنّ اختيار الالتحاق بالثانوية كان جماعيا حيث اقترح فكرتها وشجعها مدربها الرياضي بالنظر للإيجابيات التي يمكن أن تعود عليها جراء ذلك لتتلاقى الفكرة مع رغبتها ثم لاقت قبولا كذلك من أوليائها، معترفة برغبتها الاستمرار في مشوارها الرياضي وأن تكون مدربة في اختصاص ألعاب القوى وهي ترى أنّ الالتحاق بالثانوية يشكل خطوة في سبيل بلوغ هذا الهدف. أما لاعب كرة القدم، قيصر مسعودي، القادم إلى الثانوية من ولاية سكيكدة فقال إنّ رغبته في اتباع حلمه في أن يكون لاعب كرة قدم دفعه لولوج المؤسسة خاصة وأنّها تتوفر على مرافق مهمة على غرار الملاعب داخل المنشأة في حد ذاتها بالإضافة إلى وجود مدربين مختصين، لافتا إلى أنّ مدربيه هم من اقترحوا عليه الولوج إلى الثانوية ورغم رفض أوليائه الفكرة في البداية إلا أنه نجح في إقناعهم بأهمية هذه الخطوة خاصة وأنهم زاروا المكان ووقفوا على جاهزيتها والبيئة التي وفرتها لاحتضان التلاميذ، ذاكرا أنّ أكبر التحديات التي يتوقعها تتمثل في بعده عن عائلته ولو أنّ ولاية سكيكدة قريبة حسبه من قسنطينة مقارنة بولايات أخرى حيث يعتبر هذا التفصيل مهما حسبه، لافتا إلى أنّ تجربة الثانوية ستساعده في تطوير نفسه على الصعيد الرياضي بالإضافة إلى التمسّك بمشواره الدراسي الذي يراه لا يقل أهمية كذلك. 
ولاحظنا وجود بعض الأولياء بالمنشأة اقتربنا من أحد الآباء لنعلم أنه من ولاية قسنطينة قدم لإتمام بعض الإجراءات الإدارية المتعلقة بالتحاق ابنه، حيث عبّر عن إعجابه بالمؤسسة والمقومات التي وفرتها لراحة التلاميذ، وهو ما تم التأكد منه خلال خرجة للأولياء للوقوف على المرافق، مضيفا أنه ينتظر من المؤسسة أن تساهم في تطوير مستوى ابنه دراسيا في المقام الأول، بالموازاة مع الاهتمام بالجانب الرياضي وهو الذي يمارس رياضة الجودو، لافتا إلى أنه أراد إلحاق ابنه بالثانوية الرياضية بدرارية خاصة بعد الأصداء التي وصلته عن جودة التعليم بها ومساهمتها في تخرج إطارات حسب قوله، ثم جاءت الفرصة أمام أقدامه مع افتتاح هذه الثانوية، كما عبر أنّ القائمين على المؤسسة يسعون إلى تبني نظام داخلي صارم يزيد من فرص النجاح وبالتالي فالكرة في مرمى التلاميذ لإثبات قدراتهم وبناء مستقبل مشرق.
إسلام قيدوم
