الأحد 28 سبتمبر 2025 الموافق لـ 5 ربيع الثاني 1447
Accueil Top Pub

صيادون يتحدثون عن عشقهم للشباك وأمواج البحر: قصة حب لا تحتكمُ إلى منطق الربح والخسـارة


«البحر عشقي وهو عشق لا ينتهي لن أتخلى عن حبي له وللصيد مهما تقدمت في السن، فارتباطي بالبحر والسمك أكبر من ارتباطي بالعائلة»، هكذا قال أحد الصيادين ، مؤكدا تعلّق هذه الفئة بالبحر ومهنة الصيد رغم التحديات والعقبات التي تواجه هذه المهنة اليوم، بعدما توارثوها عن آبائهم وأجدادهم، ليجدوا أنفسهم اليوم أمام صعوبة إقناع جيل شاب باستلام المشعل ومواصلة الرحلة بين الأمواج و الشباك على قوارب المغامرة التي لم تعد توفر دخلا كافيا.

روبورتاج: حاتم بن كحول

نشاط متوارث بين العائلات لعقود من الزمن
تروى في الموانئ بالجزائر قصص عشق أبطالها صيادون أهدوا البحر شبابهم وأعمارهم بعدما وقعوا تحت تأثير سحره، وأدمنوا القوارب والشباك وتحدي الصعاب، ويؤكد صيادون قابلناهم بالطارف وتحديدا بالقالة، وفي القل، وسكيكدة كذلك، على غرار عبد الكريم وعز الدين، أن الوفاء هو أبلغ عنوان لكل حكاية ولدت في عرض البحر، أو خطت أولى حروفها على رصيف المرفأ واستمرت لسنوات طويلة دفع خلالها البعض الثمن كبيرا، فهناك كما علمنا من تخلى عن عائلته بسبب صعوبة المهنة وهناك من كرس كل حياته لها ولم يغتن منها يوما.
والصيد حسبما علمنا من محدثينا، مهنة متوارثة أبا عن جد في عدة ولايات ساحلية، وهو نشاط يصفه ممارسوه بأنه عريق وشريف، لكنه اليوم مهدد بالزوال بسبب الظروف الصعبة التي يعيشها الصيادون يوميا.
بداية جولتنا كانت في مدينة القل، وتحديدا بمينائها الصغير، أين قابلنا الصيّاد موسى لوشاحي عائدا إلى الميناء بعد يوم طويل في عرض البحر، ورغم الإرهاق الذي بدا واضحا على ملامحه إلا أنه استقبلنا بحفاوة في سفينته الجديدة التي تعتبر مصدر رزقه الوحيد، وهناك شرع الصياد المدعو «حنّوش»، في سرد قصة عشقه للبحر والصيد، والتي بدأت سنة 1985.
أكد حنّوش، والابتسامة تغمر محيّاه أنه يعشق هذه المهنة منذ أن كان صغيرا، وقال بأنه تعلّق بها بفضل جدّه الذي كان «رايس سفينة»، قد اشتغل عليها لسنوات رفقة ابنيه، موضحا أن والده قضى 50 سنة في مهنة الصيد، فيما واصل عمه الأصغر هذا النشاط لأزيد من 40 سنة، وهو ما جعل عائلته تشتهر في هذا المجال و تكتسب سمعة حسنة في مدينة القل كاملة.
مع ذلك يقول محدثنا، إن المهنة أصبحت مهددة بالزوال وقد يكون هو آخر وريث لها، لأن الجيل الجديد من أبناء العائلة بما في ذلك أبناؤه يرفضون ممارسة الصيد، ويفضلون نشاطات أخرى تكون أقل جهدا وأكثر مردودية، وذلك بعدما تحولت مهنة الصيد إلى هواية بسيطة لا يمكن أن تضمن للإنسان عيشا كريما.

أما عن قصته مع المهنة فقال إنها بدأت سنة 1986، حينها كان يقوم بالغطس في مياه الميناء ويصطاد بعض الأسماء، وبمرور الوقت تحول إلى غطاس محترف يمتلك ما يلزم من أدوات صيد مثل البندقية والبذلة الخاصة. موضحا أنه يتذكر جيدا كيف كان يقصد الميناء في الساعة الخامسة فجرا ويصطاد لمدة ساعتين إلى ثلاث، وغالبا ما يغنم بأسماك تزن من 15 إلى 20 كلغ.
أخبرنا أن سنه لم يتجاوز 16 في ذلك الوقت، وقد استمر في حبه للبحر وخيراته لسنوات طويلة صار خلالها صيادا ينشط على سفينة لطالما اتخذها منزلا له يبيت فيه لليال عديدة متواصلة خشية التأخر عن الاستيقاظ فجرا وحتى يكون جاهزا قبل شروق الشمس لبدأ رحلة جديدة.
بمرور السنوات خفف الصياد عدد رحلاته في البحر و اختار مجالا متصلا بالمهنة يتمثل في أشغال صيانة السفن والقوارب، وصار مشرفا على إصلاح كل الأعطاب التي تمس الوسائل في ميناء القل، ليتمكن بعدها من امتلاك سفينة خاصة به متطورة نسبيا مقارنة بباقي السفن التي صادفناها في الميناء.
قال لنا بكل حسرة :»بعد أن أصبحت مهنة الصيد مجرد هواية لا تذر أموالا، لجأت للعمل كعون أمن في إحدى المؤسسات، لكني لم أستطع التوقف عن النشاط كليا لذلك أقوم بالحراسة ليلا، أصطاد في النهار».
كاميرا مثبتة أسفل السفن تمكن من معرفة موقع الأسماك
وعن طريقة صيد مختلف أنواع الأسماك، رد المتحدث بأنها تختلف حسب إمكانيات كل صياد، موضحا أن البعض يستعمل جهاز «صوندور» وهي كاميرا صغيرة تثبّت في أسفل السفينة وتتصل بشاشة صغيرة للاستطلاع تمكن من تحديد موقع الأسماك وكذا طبيعة القاع إن كان صخريا أو رمليا، إضافة إلى قياس عمق البحر، كما تظهر كل ما هو في الأعماق وتستعمل غالبا في صيد سمك السردين، حيث يكتفي الصياد برمي الشبكة فقط لاصطياد كميات من هذا النوع بعد تحديد موقعه مسبقا. مذكرا أنه يشرف عادة على صيانة وتنظيف هذا النوع من الكاميرات.
كما يتبع بعض الصيادين طريقة أخرى حسبما أوضح لنا، وذلك لاصطياد الأسماك الكبيرة تحديدا على غرار «الميرو» أو «الميرلون»، ويتم الأمر ببندقية مجهزة بسهم توجه مباشرة إلى السمكة على أن يتمتع الصياد باحترافية في السباحة تمكنه من تحقيق الاستقرار والثبات في قاع البحر حتى يتسنى له التصويب الصحيح نحو الهدف.
وأضاف، أن مدينة القل معروفة بثروتها سمكية الهائلة على غرار سمكة البورة أو كما تعرف «لاباديش»، وسمكة الليمون، وسمكة سيريولا وغيرها من الأنواع، أما ما ينقص فهي احترافية الصيادين بسبب نقص الخبرة من جهة، ونقص الإمكانيات من الجهة الثانية.
وأضاف الصياد، أن عامل الخبرة يمكن أن يحدث فارقا بين صياد وآخر، إلى جانب توفر الإمكانيات الضرورية على غرار أدوات الصيد والمركب وغيرها، متحدثا على صياد قدم إلى القل مؤخرا وقام بصيد كميات معتبرة مكنته من كسب الكثير في ظرف 3 أشهر، وعاد إلى مسقط رأسه في إحدى مدن الوسط الجزائري بعدما حقق مراده بفضل سفينته الكبيرة والمتطورة.
وعن التوقيت المفضل للصيد، رد بأنه يبدأ ليلا و ينتهي عند الفجر، وأوضح أن هناك عوامل مهمة في العملية مثل موقع الصيد، فإن كان بعيدا وجب على الصياد الانطلاق نحوه باكرا في حدود الساعة السادسة مساء، أما إن كان قريبا فمكن بلوغه بعد الثامنة أو العاشرة ليلا، مضيفا أن حجم السفن يحدد عدد الصيادين والكميات المتحصل عليها.

وأضاف المتحدث، أن السفن الكبيرة تمكن من استيعاب 10 إلى 14 صيادا، كلهم يعملون على رفع الشبكة للأعلى نظرا لكبرها وثقل الكميات المصطادة إن وجدت، فيما يقوم قائد السفينة «الرايس» بالتوجيه، وغالبا ما يرافق السفينة الكبيرة قارب صغير أو اثنين، لنقل مولد كهربائي يمنح إضاءة شديدة في مياه البحر لاستقطاب الأسماك التي يشدها النور.
اصطاد سمكة تونة تزن 255 كلغ
بحلول الساعة الخامسة فجرا، يشرع بعض الصيادين في العودة إلى الميناء خاصة من تمكنوا من صيد كميات مقبولة، فيما يتمر آخرون إلى غاية الساعة الثامنة صباحا، بعدها تمنح الأسماك إلى وكيل يتكفل ببيعها إلى أصحاب المحلات التجارية للمحافظة على استقرار الأسعار. فأصحاب السفن الكبيرة يعتمدون الصندوق كوحدة للبيع، بحيث يكون سعر الصندوق ثابتا، أما أصحاب النشاطات الصغيرة فيبيعون الأسماك حسب الوزن.
وواصل المتحدث سرد بعض تجاربه وقصصه مع الصيد بكل سعادة، وكأنه يستمتع حينما يختار تلك الكلمات المعبرة عن حب المهنة، موضحا أن لصيد الأسماك الكبيرة تجمع مائة صنارة في سلة، و تكون كل واحدة مزودة بقطعة من السردين أو «البوقا»، وترمى الصنارات في الماء ليلا لمدة 3 إلى 4 ساعات، وبعدها يتم رفعها بكل قوة بعدما تكون أنواع مثل «ميرو»، و»دانتي»، والقرش الصغير، أو كلب البحر قد علقت بها.وتحدث حنّوش، عن تجربته مع اصطياد الأسماك الكبيرة، متحدثا عن تمكنه من اصطياد سمكة ليمون وزنها 42 كلغ، وكان ذلك في الميناء بعد أن قام بتنقية الشباك من السردين الصغير الملتصق بها وجاءت هي لتتغذى عليه، ما سهل من مهمته في صيدها. مضيفا، أن أكبر سمكة اصطادها كانت تونة وزنها يفوق 255 كلغ، وذلك على مستوى شاطئ عين القصب، معلقا:» أتذكر يومها أني خرجت بقاربي رفقة صديق لي فيما غادر ابني الميناء مع شخصين، بعد مدة اتصل وقال إن الطعم تعرض لتلف شمل جزءا من الصنارة، وهو ما يؤكد وجود سمكة كبيرة قريبة. يواصل:» توجهت بسرعة رفقة صديقي إلى المكان الذي كان يبعد عن موقعي بحوالي 600 متر، أعدت تلقيم الصنارة واصطدت التونة الضخمة بعد مرور نصف ساعة، وكانت قد ابتلعت الخطاف وجزءا من صنارة المكسورة»، أخبرنا أنه تمكن أيضا من اصطياد قرش وزنه يفوق 24 كلغ.
لهذا السبب أدمنت الصيد

قابلنا خلال جولتنا، صيادا آخر اسمه عز الدين سلام، تقربنا منه حينما كان منشغلا بتثبيت سفينته كي لا تجنح، وقد بدا منفتحا على الحديث عن رحلته في البحر وهو يدعونا ممازحا لمشاركته مهمة تنظيف المركب من الأسماك.
قال، إنه من مواليد 1966، بدأ ممارسة هذه المهنة سنة 1991، موضحا أنه أحب كثيرا الصيد بحكم قرب مسكنه من الميناء، ما مكّنه منذ صغره من الاحتكاك بالبحّارة المخضرمين ليقرر اختيار الصيد كمهنة له.
أكد لنا عزالدين، الذي ظهر بشخصية هادئة، أن الصيد تغير كثيرا مقارنة بما كان عليه في السابق، موضحا أن متعته بدأت تتراجع بسبب عدة عوامل أبرزها تواضع النشاط التجاري ونقص كميات الأسماك، وهي ملاحظة رصدها بحكم خبرته في المجال الذي يخوضه منذ سنوات.
قال، بأن شغفه قلّ مقارنة بفترة شبابه إلا أنه لم يتوقف، خاصة وأنه عاش وترعرع وسط البحر، لذلك فإن ضعف العائد المادي لم يثنه عن مواصلة العمل ولا دفعه لتغيير المهنة موضحا، أنه يرضى بما يصطاده يوميا، لأن الصيد بالنسبة إليه ليس تجارة فقط، بل هواية وأضاف أن الخبرة لن تحدث فارقا في الوضعية الحالية بين الصيادين، ولن تمكن أصحابها من التفوق على غيره أو التميز في الصيد، لأن الفارق الوحيد تحدثه الإمكانيات، وبين الجيل السابق و الحالي من الصيادين هناك اختلاف في طريقة تقييم المهنة، فهناك من يعتبر الصيد شغفا وهناك من يبحث فقط عن الكسب.
طريقة مبتكرة لصيد مختلف أنواع السمك

تنقلت النصر، إلى مدينة القالة بولاية الطارف، وهناك قابلنا صيادين آخرين تحدثوا هم أيضا عن عشقهم للمهنة والبحر. وفي الميناء القديم و تحديدا عند غرفة التبريد قابلنا الصياد نصر الدين مشرقي، الذي كان منشغلا بحفظ غنيمة اليوم.قال الصياد، بأنه ينشط في هذا المجال منذ سنوات عديدة، ما جعله يقرر فتح مطعم يوفر أطباق سمك طازج من الميناء إلى الزبون مباشرة، أكد لنا أنه عشق مهنة الصيد منذ صغره، قد قضى أكثر سنوات عمره على قاربه الذي يوفر غلة لمطعمه ولمطاعم أخرى في ولايات قريبة، مشيرا إلى أنه يتخصص في صيد عديد الأنواع منها «كلب البحر» و»الروجي» و»الميرلون» و»ساواريل» و»كالامار» و»لامتساغون».
وأضاف، أن السفن الكبيرة تمكن من صيد «البراي»، و»الباغر»، و»الميرو» و»لانغوست» أما القارب الصغير فيستعمل لصيد «الروجي»، و»الميرلون»، و»الكالامار»، و»كلب البحر»، موضحا أنه يمتلك كلا الصنفين من القوارب ما يمكّنه من اصطياد كل أنواع السمك.
وعن الطريقة التي يعتمدها، أكد أنه لا يضع طعما على غرار الكثير من الصيادين الآخرين بل يستعمل قضيبا حديديا على شكل معقوق، لإثارة السمك ودفعه نحو شبكة يثبتها في موقع قريب. وتحدث كذلك عن طريق أخرى، قال إنها تعتمد في السفن العصرية، أين يستخدم أصحابها أقمارا صناعية لكشف موقع السمك.
وحسبه، فإن التوقيت المثالي للصيد صيفا يبدأ عند الثالثة فجرا، على أن تكون والعودة في منتصف النهار، أما في فصل الشتاء فيبدأ العمل عند السادسة صباحا، موضحا أن السفن تتنقل غالبا لمسافة 6 آلاف ميل للظفر بغنيمة جيدة. وبخصوص عدد أفراد الطاقم في كل رحلة صيد، أوضح أن السفينة تتكون من قائد وميكانيكي، ومساعدين في الخلف، ومثلهما في الأمام، إلى جانب رجل يتكفل بضبط الاتجاه، مضيفا أن كل قائد له طريقته الخاصة في العمل، وهنا تكمن حسبه متعة الصيد التي لا تخضع لقيود ولا شروط، وإنما للحدس والإمكانيات المادية.
الصدفة قادته للصيد وهو في سن 13
قابلنا كذلك خلال جولتنا، عبد الكريم خلدون، وعلمنا من زملائه أنه يعتبر عميد الصيادين في مدينة القالة، أكد أنه التحق بهذا النشاط سنة 1972، وأصبح صيادا مسجلا سنة 1977، بعدما قادته الصدف إلى الميناء أول مرة وهو ابن 13، وجعلته يعشق المهنة رغم تفوقه الدراسي.
قال، بأن تعلقه بالصيد لا يزال قائما، موضحا أنه توقف عن الدراسة وتنقل إلى الميناء لرؤية الصيادين، وفي أحد الأيام غاب صياد واستنجدوا به فتحول إلى صياد احتياطي يعوض كل من يغيب، وبقي على تلك الحال طيلة 5 سنوات، وبحلول سنة 1977 تحول إلى صياد محترف، ليرتقي أكثر بفضل خبرته ومهنيته إلى منصب قائد سنة 1982.
أخبرنا، عميد الصيادين في القالة، بأنه عشق مهنة الصيد رغم أنها كانت صعبة في البداية بالنظر لعدم توفر أدوات الصيد والقوارب والسفن الحديثة، لكن البساطة كانت سبب حبه وعشقه لمهنة صيد السمك في زمن الذكاء والخبرة. معلقا :» اليوم اختلفت الأمور فالصيد بات مرتبطا بالإمكانيات المادية والوسائل التكنولوجيا المتطورة».
وأوضح، أن الصيد كان في السابق مجرد هواية وموهبة وتحول اليوم إلى علم، فقد اعتمد الصيادون في الماضي على التنبؤ، في حسن يعتبر جهاز تحديد المواقع والاتجاهات أساس النشاط في يومنا هذا كما عبر.
عزوف الشباب عن هذا النشاط بسبب قلة العوائد المادية

يتفق من قابلناهم من صيادين، بأن مهنة الصيد تواجه شبح الزوال وقد تختفي يوما بعدما كانت الشريان النابض للمدن الساحلية، ومصدر رزق للعديد من العائلات على مستواها. والسبب حسبهم يتعلق بالنقص الحاد في كميات السمك ما أدى إلى تراجع كبير للنشاط التجاري، وجعل الشباب يعيدون حساباتهم ويبحثون عن بدائل أخرى لكسب قوتهم ولضمان مستقبل أفضل.
ورغم الأزمة التي يمر بها الصيادون، في مدينتي القل، والقالة، وحتى سكيكدة، لا زال هؤلاء يرفعون التحدي للاستمرار متشبثين بصنارة الأمل في جيل جديد يوظف التكنلوجيا بشكل أكبر في الصيد، رغم قلة التجارب بسبب التكلفة العالية للسفن الحديثة والتجهيزات المتطورة، ناهيك عن التبعات السلبية لهذه العملية التي تستنزف الثروة البحرية بشكل كبير.
عدم احترام قوانين الصيد سيؤدي إلى كارثة

وأكد الصياد موسى لوشاحي، أنه عايش الفترة الذهبية للصيد بمدينة القل، فخلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، كان الصيادون يستغلون الثروة السمكية بعقلانية، لكن الجشع والرغبة في الكسب السريع قلبا الأوضاع اليوم، وتسببا في تراجع الكميات المصطادة بنسبة تفوق 90 بالمئة.
وأضاف حنّوش كما يلقب في الميناء، أن السبب الحقيقي وراء أزمة الصيد ليس التلوث، بل هي الأساليب الخاطئة التي ينتهجها صيادون لا يحترمون فترة تكاثر الأسماك، ما يحول دون تكاثر هذه الكائنات وارتفاع عددها.
وقال الصياد، إنه واحد من هؤلاء الصيادين الذين يكسبون قوت يومهم من البحر، بل إنه كوّن أسرة وأنفق عليها لسنوات بفضل هذه المهنة، لكن الوضع اختلف والظروف صارت أصعب وبات من الصعب الاعتماد على الصيد وحده للعيش، خصوصا وأنه قد تمر أيام لا يحصل فيها الصياد على كيلوغرام واحد من السمك.
كما أرجع، سبب ارتفاع أسعار السمك بأنواعه إلى التراجع الكبير في الغلة اليومية، خاصة وأن السعر يخضع لمعادلة العرض والطلب، إذ تسجل كل الموانئ طلبا كبيرا على السمك مقابل توفر كميات محدودة.
وعن هذا الوضع قال :» قبل 15 سنة ماضية، كان أصغر صياد يظفر بقنطار إلى قنطارين من السردين، وقد اعتمد حينها سعر 45 دج للكيلوغرام الواحد، ليرتفع السعر حاليا إلى 1600 دج بسبب شح الغلة».
وقال المتحدث إن زوال هذه المهنة سيرمي بعائلات إلى بطالة إجبارية، خاصة وأن 90 بالمئة من سكان مدينة القل وحدها يشتغلون في الصيد، وكل سفينة تضم 16 فردا، كل واحد منهم يعيل عائلة، ما يؤكد أن دخل عشرات العائلات مهدد.
ويتمنى ابن القل، أن تشدد الجهات الوصية من عمليات الرقابة على الصيادين لتنظيم هذه المهنة أكثر، وحثهم على احترام فترة التزاوج والتكاثر والتبييض، من خلال فرض غرامات على المخالفين. مع تنظيم خرجات رقابية إلى المحلات التجارية المتخصصة في بيع السمك لمعرفة مصادر السمك الصغير، وهي إجراءات من شأنها أن تضبط الوضع.
وأكد، أن القل معروفة منذ القدم بنشاط الصيد وهي مهنة تاريخية بالنسبة للسكان، وكان 99 بالمئة منهم ينشطون في الصيد، فمن كان يفشل في دراسته ينتقل فآليا في اليوم الموالي إلى الميناء، لكن حاليا قلّ الإقبال كثيرا على المهنة من طرف الشباب، وصارت الموانئ تسجل عزوفا بسبب ضعف العوائد المادية لهذا النشاط.
مهنة الصيد هُجرت بعد أن كانت تستقطب الموظفين

من جهته، أكد الصياد سلام عز الدين، الذي بدأ نشاطه سنة 1991، أن هذه المهنة تغيّرت كثيرا مقارنة بما كانت عليه سابقا، وخاصة على مستوى كميات السمك التي تكاد تكون منعدمة، وأرجع الأسباب إلى عدة عوامل، منها المناخية، موضحا أن درجة حرارة مياه البحر والتي في العادة لا تصل إلى 25 درجة مئوية في الصيف، ولكنها وصلت في شهر أوت إلى غاية 30 درجة، مما يؤدي إلى هروب الأسماك، مضيفا سببا آخر يتمثل في تغير المناخ والاحتباس الحراري مما أثر كثيرا على المنظومة البيئية، إضافة إلى التلوث والصيد العشوائي للأسماك وهي عوامل مؤثرة على فترة الراحة البيولوجية وتجديد مخزون الصيد البحري.
وأضاف المتحدث، أن مستقبل هذا النشاط مجهول، بل توقع أنه آيل للزوال بمرور الوقت، خاصة بعد تسجيل نقص حاد في توفر سمك السردين، ما يؤثر بشكل كبير على السلسلة الغذائية، خاصة وأنه نوع تتغذى عليه جميع الأسماك الأخرى، وعدم توفره قد يؤدي إلى اختلال في السلسلة الغذائية، إضافة إلى نقص معدّات الصيد التي أصبحت منعدمة، مع نقص الإمكانيات بالنسبة لجل الصيادين، ما يتطلب دعم لاقتناء عتاد وأدوات متطورة من الصين وأوروبا.أما عن إقبال شباب القل على مهنة الصيد، في ظل الأزمة التي يعيشها هذا النشاط، فقد أكد أنه قل كثيرا، مقارنا الفترة الحالية بالسنوات الماضية، ممثلا أنه في السابق كانت تذر أموالا معتبرة، حتى أن الموظفين كانوا يتخلون عن وظائفهم في مختلف المؤسسات والإدارات من أجل الصيد، وحينها كان الصياد يجني في أسبوع واحد ما يجنيه الموظف طيلة مشواره المهني، لكن بالنسبة له فإنه يفضل مواصلة المشوار رغم هذه المشاكل، قائلا «بالنسبة لي لا مفر من مواصلة هذه المهنة، وليس لي مهنة أخرى أسترزق منها ووجب أن أقنع بما لدي».
كما أكد سلام عز الدين، بأن سنه فاق 60 سنة، وبالتالي وقف على أن جل الصيادين من عمره، توقفوا عن ممارسة هذه المهنة حاليا، وذلك بسبب الظروف الصعبة التي عاشوها، جراء نقص الإمكانيات، واضطروا لتغيير نوع نشاطهم التجاري بعد عشرات السنوات من ممارسة هذه المهنة والهواية في نفس الوقت، موضحا أن الوضعية الحالية تستدعي تجديد الأسطول ودعمه بأجهزة متطورة ومعدات عصرية لمواكبة التطور الحاصل ما سيمكن من تحسين مردودية الصيد على مستوى مختلف الموانئ.
كميات السردين انخفضت بنسبة تفوق 50 بالمئة

ولا تختلف وضعية الصيد في مدينة القالة مقارنة بالقل، أين عبر صياد عن صعوبة ممارسة هذا النشاط عكس ما كان عليه في السابق. وقد أكد نصر الدين مشرقي رئيس غرفة الصيد البحري لولاية الطارف، وصاحب قارب صيد، أن كميات السمك تقلّصت بشكل رهيب بفعل تدهور حالة الأسطول ما يتطلب إعادة تجديده. وأضاف المتحدث، أن الصيادين يأملون في الحصول على مساعدة من الدولة لأجل مضاعفة الإنتاج، داعيا إلى مواكبة التطور الحاصل في هذا المجال عوضا عن الصيد بطريقة تقليدية.مضيفا، أنه يتطلع لصيغة من الصيغ المتاحة لتمكين الصيادين من تجديد سفنهم وبالتالي مواصلة هذا النشاط، خاصة وأن ضعف الإمكانيات يجبر البعض على العمل لمدة 120 يوما فقط من السنة، لعدم تحمل سفنهم القديمة ضغط الإبحار بشكل دائم.وأفاد رئيس غرفة الصيد البحري لولاية الطارف، أن نسبة الإنتاج بمدينة القالة تقلّصت بنسبة تفوق 50 بالمئة، موضحا أن القالة تشتهر بجودة الأسماك التي تتغذى على المرجان والذي بدوره لا ينمو إلى في المياه العذبة، وهو تحديدا ما يجعل منتوج القالة الأغلى في السوق الوطنية.
ولم يختلف رأي عميد الصيادين في مدنية القالة، عبد الكريم خلدون عن سابقه، حيث أكد أن الفرق في الإنتاج بين الماضي والحاضر كبير جدا، موضحا أن الكميات المتحصل عليها هذه السنة تكاد تكون منعدمة، مرجعا السبب لعدم احترام الصيادين لقوانين الصيد، إضافة إلى تجريد الأعماق من المرجان وبالتالي تحويل أعماق البحار إلى صحراء جرداء، ما قلل من مصادر التغذية التي تعتمد عليها الأسماك. ويرى المتحدث، أن مستقبل الصيد في القالة مجهول خاصة في حالة تواصل عمليات الصيد العشوائية غير الخاضعة للقوانين، على غرار الصيد في فترة التبييض، مضيفا أنه يتمنى دعم الأسطول البحري وتجديده، لاستعادة نشاط الصيد الذي هجره شباب و صيادون كذلك.

آخر الأخبار

Articles Side Pub-new
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com