الإعـلام الوطنـّي مصفـاة في مـواجهـة التّضليـل ومحاولات الاختراق
باتت وسائلُ التواصل الاجتماعيّ، تُؤثّر بشكلٍ واضحٍ على صناعة الرأي العام، بل وحتى في مجرى الأمور في الواقع، بسبب آنيّة البثّ التي تتمتّع بها  و انتشارها الواسع بين الجماهير. ولعلّ خير مثال على ذلك ما شهدناه خلال ظهور وتصاعد منحى جائحة كورونا، وخلال حرائق الغابات في فصل الصيف المنقضي، حيث أسهمت وسائل التواصل في تجنّد المواطنين وبعث الروح التضامنيّة، غير أنّ وسائل التواصل الاجتماعي قد تقع في المقابل في فخّ التضليل والتأثير السلبيّ ، حينما يتمُّ توظيفها بهدف تغيير قناعات أفراد المجتمع، وهنا يبرز دور وسائل الإعلام التي تتحلى بالمسؤولية، في نقل الحقائق بعيداً عن التضليل والأخبار الكاذبة، وهو الدور الذي يؤكد المختصّون في الإعلام والعلوم السيّاسيّة على تعاظمه بتطوّر تكنولوجيّات الاتصال والإعلام.

*  تقرير: يـاسين عبوبو

وسائل الإعلام في مواجهة أخبار التهويل خلال جائحة كورونا
شكلت جائحة كورونا تحديا كبيراً أمام وسائل الإعلام، من أجل كسب ثقة الجمهور والحفاظ عليه بعد أن أصبحت خلال الجائحة، تُوظَّف بشكل مكثّف لإدارة هذه الأزمة الصحيّة، خاصّة في مواجهة أخبار التهويل وتأكيد صحّة أنباءٍ أو نفيها، وقد بات دور وسائل الإعلام الالكتروني محوريًّا، بعد أن أصبحت، أكثر انتشارًا وفاعليّة مقارنة بوسائل الإعلام التقليدي التي تراجع دورها.
ووجدت وسائل الإعلام الوطنيّةِ، نفسَها، أمام دور إبراز واقع صحيّ جديدٍ بمعطيات علمية محدودة ومتضاربة في الكثير من الأحيان، فضلاً عن التعاطي مع جهود مكافحة الوباء الذي أحدث انتشاره حالة تعبئة في مختلف القطاعات، مع ما يُصاحب ذلك من ارتباكٍ ومخاوف وهلع وسوء تصرّف. وسنقف عند مراجعة دور وسائل الإعلام في تلك المرحلة على «التزامٍ مهنيٍّ» برهن على سقوط مقولات متحمّسة ومتهافتة عن نهاية الإعلام بقواعده المتعارف عليها في عهد وسائل التواصل المفتوحة لكلّ الناس، فلعبت الوسائل «التقليدية» دور في إعلام الناس سواء بمخاطر الوباء أو بالجهود المبذولة التي صاحبت ظهوره، العلميّة منها واللوجيستيكية، بل يمكن القول إن الإعلام لعب دوراً صحيا بنقل المعلومات الطبيّة الصحيحة للجمهور الواسع الذي وقع تحت سطوة الشائعات.  
وبينت الجائحة حاجة الدولة، إلى المجتمع المدني، الأمر الذي أكده رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في عديد المناسبات، وأظهرت وسائل الإعلام مفهوم المجتمع المدني الذي أصبح أحد التعابير الأكثر انتشاراً، وأرجع مختصّون في الاتصال والسياسة وعلم الاجتماع انتشاره إلى التحوّلات العميقة، التي يشهدها العالم بما في ذلك ما أفرزته تداعيات جائحة فيروس كورونا، والأكيد أن لوسائل الإعلام الدور الكبير في إبراز دور المجتمع المدني من خلال تغطية مختلف الحملات التي قامت بها جمعيات ومنظمات، من كشافة إسلامية وهلال أحمر، وجمعيات أحياء، أبرزت صور التكافل والتضامن بين الجزائريين خلال الأزمات.
وتواصل دور الإعلام الوطنيّ في الحثّ والدعوة إلى تلقي اللّقاح المضادّ لفيروس كورونا من أجل عودة الحياة إلى طبيعتها، وقصد التصدي للشائعات وأخبار التهويل، كانت سلطة ضبط السمعي - البصري قد حثَت وسائل الإعلام على «عدم التركيز المفرط على الأخبار السلبية» في تغطيتها للأزمة الصحية، في الوقت الذي شهدت فيه البلاد ارتفاعاً حاداً في عدد الإصابات بكوفيد- 19 ونقصا في الأوكسجين.
ودعت ذات السلطة، المسؤولين عن محطات التلفزة إلى «الاضطلاع بمسؤولياتهم الاجتماعية تجاه المشاهد وعدم التركيز المفرط على الأخبار السلبية، والقصص الإخبارية المأساوية التي يتسبب فيها» وباء كوفيد- 19. واعتبرت الهيئة أنّ هذا النوع من الأخبار يؤدي إلى «بث الذعر والخوف واليأس في أوساط المجتمع، الأمر الذي يُصعّب من معالجة الوضع». وشدّدت على ضرورة «الامتثال للقواعد المهنيّة، والتحلي بالتوازن والموضوعيّة في التغطيّة، والدقّة في تحري الأخبار والصوّر قبل نشرها»، خصوصاً عندما تشكّل وسائل التواصل الاجتماعي «مصدراً رئيسياً للمعلومة».
بث روح التضامن الوطني خلال حرائق الغابات والتصدي للفتنة

كان لاندلاع حرائق الغابات، خلال الصائفة الماضية وما خلّفته من خسائر في الأرواح والغطاء الغابيّ، رهان آخر لوسائل الإعلام لتلعب دورها في ظلّ سرعة انتشار الأخبار والمعلومات، صحيحة كانت أو مغلوطة عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ، وقد  كان لمتابعة وسائل الإعلام تغطية حادثة المقتل الشنيع للشاب جمال بن إسماعيل، الدور في التهدئة وعدم الانسيّاق وراء دعوات الفتنة والعنف خاصة بعد نقل تصريحات والد الضحيّة، وكانت المتابعة الآنيّة للحرائق باعثة لروح التضامن بين الجزائريين من خلال صور التكافل والتنديد بالأعمال الإجرامية التي تقف وراء الحرق العمدي للغابات بعد الجدل الذي ثار بشأن خلفيات الحرائق، وبشأن مقتل الشاب جمال بن إسماعيل، قبل أن تتوصل السلطات المخولة إلى كشف الحقيقة والمتورطين في الجرائم.
وكانت تصريحات والد الضحية جمال بن إسماعيل، لوسائل إعلام بمثابة الغيث الذي أطفأ نار الفتنة وأغلق جميع أبوابها، وقد وصفت بالتصريحات «الحكيمة والوطنية»، بعدما دعا  إلى تجنب إثارة فتنة في البلاد وضبط النّفس مع رفضه خطاب الانتقام وتحميل المنطقة التي وقعت فيها الجريمة المسؤولية، مطالبا بتحقيق العدالة وكشف الحقيقة، وهو الموقف الذي أثلج صدور الجزائريين، ووضع حدا لتوظيف جريمة قتل ابنه من أجل نشر الكراهية وإثارة نعراتها.
وقد  أثنت سلطة ضبط السمعي البصري على المجهودات المبذولة من طرف وسائل الإعلام السمعيّة البصريّة من خلال مرافقتها للهبة التضامنيّة الشعبية، وكذا تناولها للمواضيع ذات الصلة بالحرائق، فضلا عن التغطيّة الإعلاميّة المستمرة للأحداث، حسب ما أفاد به بيان للسلطة.
وقد جاء حينها في البيان بأنه «على إثر الحرائق الإجرامية التي شهدتها الكثير من جهات الوطن، فإن سلطة ضبط السمعي البصري تثني على المجهودات التي تبذلها وسائل الإعلام السمعيّة البصريّة، من خلال مرافقتها للهبة التضامنية الشعبية إلى جانب أفراد الجيش الوطني الشعبي، وباقي الأسلاك الأمنية وأعوان الحماية المدنية، وكذا تناولها للمواضيع ذات الصلة بالحرائق، والتغطية الإعلامية المستمرة في نقل ما خلفته هذه الحرائق من أضرار وخسائر بشرية ومادية، مست عددا من مناطق بلدنا الغالي لاسيما ولاية تيزي وزو».
وتابعت السلطة قائلة: «إن نقلكم لآلام عائلات الشهداء من المدنيين والعسكريين، والتي ننحني أمام أرواحهم بإجلال وخشوع، ستساعد في إبراز روح المواطنة والتضامن والإحساس بالانتماء، وتخفف من عظمة المصاب والابتلاء».
وأوردت السلطة أيضا بأنها تهيب بـ «كل منتسبي الإعلام السمعيّ البصريّ المواصلة في مرافقة الجهود التضامنيّة، خاصة بعد قرار رئيس الجمهورية إعلان حداد وطني لمدة ثلاثة أيام مع تجميد كافة الأنشطة ما عدا التضامنية منها»، وأبرزت ضرورة «تضافر الجهود ورص الصفوف» في هذه الحال العصيبة.

* الدكتور سمير رحماني أستاذ بقسم الإعلام والاتصال بجامعة باتنة 01
صحافـــة المواطنـــة أدت إلى تسطيح الوعــي لغيــاب المسؤوليــة في النشــر
*  حاوره: يـاسين عبوبو
اعتبر الدكتور سمير رحماني بقسم الإعلام والاتصال بجامعة الحاج لخضر باتنة 01، بأن انتشار ما بات يُعرف بصحافة المواطنة التي تتيح لمستخدمي الأجهزة الذكية، صنع ونشر محتوى، أدت إلى تسطيح الوعي لغياب المسؤولية في النشر، وعلى العكس من ذلك، أكد بأن رجل الإعلام هو الذي يتحلى بالمسؤولية الاجتماعية وأخلاقيات المهنة، وأكد الأستاذ بأن ورشات إصلاح الإعلام، يجب أن ترتكز على التكوين، وتكييف قانون الإعلام مع التكنولوجيا الحاصلة في مجال الاتصال والإعلام.
النصر: هل المسؤولية حاجز أمام الحرية الإعلامية؟
بالنسبة لثنائية الحرية والمسؤولية، لطالما كانت الشغل الشاغل بقطاع الإعلام منذ بدايات الصحافة، على اعتبار ان المسؤولية، عادة ما تأخذ ذريعة من طرف الحكام للتضييق على الحرية الإعلامية، في حين أن مؤسسات إعلامية تتحجج بضيق حرية التعبير أحيانا لتحقيق مآرب وأهداف قد تتنافى وأخلاقيات المهنة، وأظن أن تحديد المسؤولية في مجال الإعلام يكون عن طريق تكوين رجال الاعلام بالدرجة الأولى، في بيئة يجب أن توفر حرية التعبير في إطار المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية، التي تنادي بها مؤسسات الاعلام تحت عنوان أخلاقيات المهنة.
النصر: هل تحلت وسائل الإعلام الوطنية بالمسؤولية في معالجتها لأزمات كورونا والحرائق؟
من المفروض أن وسائل الاعلام، مطالبة بتحقيق المنفعة و الخدمة العمومية، بما يتوافق مع أهداف المجتمع ومصالحه العامة، وفي حالة الجزائر يفترض أن تكون الوسائل الإعلامية عاملا أساسيا في نشر الوعي الصحي لدى الجمهور، عموما بما يتوافق مع أخذ الاحتياطات الوقائية اللازمة من أجل الخروج من الجائحة الصحية لكورونا، بالالتزام بقواعد الحيطة بداية بارتداء الأقنعة الواقية والتباعد وغيرها من شروط الوقاية، و ما لوحظ في بيئتنا  خلال جائحة كورونا، وهي في أوجها هو عدم التزام الكثير من الجمهور بهذه الاجراءات نتيجة قلة الوعي، وهو ما يضاعف المسؤولية على وسائل الاعلام من أجل مواكبة أسباب عدم تقيد الجمهور بها،  لنشر الوعي حتى من خلال التكنولوجيا الحديثة.
ونفس الأمر يقال عن حرائق الغابات، فمهما كانت طبيعة الاطراف المسؤولة عن هذه الحرائق الا أن المواطنين، يمكن أن يشكلوا سدا منيعا أمام وقوع أحداث مأساوية، وهو ما يدفعنا مرة أخرى الى الحديث عن نشر الوعي من طرف الإعلام بهذا الخصوص.
النصر: ما هي تحديات وسائل الإعلام في ظل رواج استخدام وسائط التواصل الاجتماعي؟
التحدي الذي تواجهه وسائل الاعلام اليوم، هو الحفاظ على جمهورها أمام الانتشار المتزايد لوسائط الاعلام الجديد، من خلال التكيف مع هذا الواقع عبر استخدام التكنولوجيا الحديثة، لتحقيق الأهداف النبيلة للإعلام، خاصة إذا علمنا أن ما يسمى بصحافة المواطنة، أصبحت تعمل على تسطيح الوعي، نتيجة المستوى المتدني للمواطن الصحفي، مقارنة مع رجال الإعلام الذين ينبغي أن يمارسوا مهامهم في إطار المسؤولية الاجتماعية وأخلاقيات المهنة.
النصر: برأيك ما المطلوب تحقيقه من إصلاح في ورشات قطاع الإعلام؟  
أعتقد أن الورشات، يجب أن تتركز بالدرجة الأولى على تكريس حرية التعبير في إطار احترام أخلاقيات المهنة من جهة، وتطهير قطاع الإعلام من الدخلاء الذين لا يمتون له بصلة من جهة أخرى، كما يجب أن تكيف قوانين الإعلام مع التطورات الحاصلة في مجال التكنولوجيا الحديثة، وكذا ربط ممارسة الاعلام بالتكوين المحترف من خلال ايجاد آليات عمل بين الجامعة ووسائل الإعلام.

* البروفيسور حسين قادري مدير مخبر الأمن الإنساني بجامعة باتنة 01
مجـــال الحريّــــة الإعلاميّـــــة يتوقّــف عنـد المقوّمــــات الوطنيّــــــة
*  حاوره: يـاسين عبوبو
أكد مدير مخبر الأمن الإنساني بجامعة باتنة 01 لـ «النصر»، بأن الحرية والمسؤولية في الإعلام تشكلان ثنائية متلازمة، بحيث يجب أن يوفق بينهما الإعلاميّ لأداء رسالة إعلاميّة هادفة، وأوضح بأنّ المسؤولية لا تعني غضّ النظر عن الحقيقة، ولكن تعني الابتعاد عن التهويل وبث الذعر بما ينعكس سلبا على المواطن والمجتمع والوطن، وأضاف بأن وقوع الإعلامي في سوء التقدير للمسافة بين الحرية والمسؤولية، لا يعني الحد من حرية الصحافة، خاصة إذا ما تعلق الأمر بالمساس بالمقومات الوطنية.    
النصر: ما معايير التوفيق بين الحرية والمسؤولية في معادلة الإعلام؟
الإعلام كسلطة رابعة، له أهمية كبيرة ودور متعاظم، وهذا أمر متفق عليه لكن السؤال الذي يُطرح كيف يمكن بلوغ إعلام يؤدي وظيفته دون المساس بالحريات، والأكيد أنه عندما لا ترتبط الحرية بالمسؤولية فسيقع انحراف، وتحقيق التوافق في معادلة حرية الإعلام والمسؤولية يكون بالاستناد على الأعراف والمواثيق القانونية والإعلامي المحترف، مطالب بإيجاد المكان الوسط،  بحيث أن مجال الحرية لا  يضيق والمسؤولية لاتتسع، وأشير هنا إلى أن صحفيين راحوا ضحية سوء التقدير بين مسافة الحرية ومسافة المسؤولية، سواء كان ذلك عن حسن ظن أو عن سوء ظن بحيث لم يوفقوا في تحديد المجال بين الحرية والمسؤولية، وهنا لايصبح الأمر يتعلق بالكبح من حرية الصحافة، خاصة إذا تعلق الأمر بالمساس بالمقومات الوطنية.
هل تعني المسؤولية في الإعلام تغاضي النظر عن الحقيقة؟
الحرية والمسؤولية في الإعلام، يجب أن يشعر بهما الإعلامي في آن واحد، لأداء رسالة إعلامية هادفة من دون أن يقع تشويه للعلاقة بينهما، لهذا فالمسؤولية لا تعني غضّ النظر وإنما تعني التزام الصحفي تجاه نفسه، واتجاه مجتمعه، ووطنه، وعلى سبيل المثال، لا يمكن أن يكون الصحفي ضد وطنه، في القضايا الخارجية فما عرفته الجزائر من حرائق خلال الصيف الماضي، وثبت تورط منظمة الماك فيه لا يفسح أي مجال للشكّ في ضلوع المغرب الذي ساند الماك، وبالتالي لا يمكن أن يتغاضى الصحفي عن تلك الحقيقة، كما لا يجب على الصحفي أيضا أن يقع في التمييع، وفي توظيف نظرية المؤامرة لأن ذلك سيضر حتما ببلده وبالإعلام الهادف، وتحديد مجال الحرية والمسؤولية، يكون من خلال عدم انسياق الصحفي، وراء كل ما يقال أو غياب المعلومات المسبقة لديه.
كيف تتعاطى وسائل الإعلام الوطنية مثلا إزاء القضايا الخارجية المتعلقة بالخلاف مع دول معاديّة؟
كما سبق، وأن ذكرت فإن دور الإعلام هو الالتزام تجاه قضايا وطنه، والأكيد أن الأزمات التي تظهر تطرح تساؤلات عن كيفية التغطية الإعلامية لها، وإذا أخذنا مثال الصراع الذي ظهر مع فرنسا، فإن معالجته من قبل، كانت دائما بالتطرق للملفات التاريخية لكن معالجته في الظرف الراهن تقتضي الحذر والفطنة وعدم الانسياق وراء اتجاهات كقطع العلاقات لأن الجزائر ليس هدفها قطع العلاقة بقدر جعل العلاقة متوازنة بين بلدين، وليست علاقة تبعية، وكذلك الأمر بالنسبة لدولة المغرب التي لا تريد الجزائر علاقة عداوة معها، وإنما علاقة تلتزم بالمواثيق الدولية، والجزائر تعاملت بالمواقف التي تسمح لها بفرض نفسها كقوة، وأظن أن وسائل الإعلام الوطنية، لعبت دورها ولاتزال اتجاه القضايا المطروحة، سواء مستوى السياسة الخارجية أو السياسة الداخلية، كونها مطالبة بلعب دور في التنمية والرقابة والتوعية.    
كيف تُقيّم تعاطي وسائل الإعلام الوطنية مع الأحداث البارزة على غرار كورونا وحرائق الغابات؟
الجزائر كدولة ناشئة وصاعدة بعد 60 سنة من الاستقلال، منوط بالإعلام فيها أداء دور التوعية والرقابة والتوجيه، والإعلام يقوم بدور إيجابي لأن الدولة بحاجة إلى كافة قطاعاتها، بما فيها الإعلام الذي يضطلع بدور مهم بالنسبة للسياسة الداخلية والخارجية، فعلى الصعيد الخارجي، كما سبق وأن أوضحت بأن على الصحفي الشعور بالمسؤولية تجاه قضايا بلده، وداخليا دور الإعلام مهم في التنمية والرقابة من خلال معالجة المواضيع بالأدلة، ولا شك أن هذا الدور جعل رئيس الجمهورية يدعو إلى الاعتماد على وسائل الإعلام لكشف الحقائق والتخلي عن الاعتماد على الرسائل المجهولة، وبالنسبة لأحداث حرائق الغابات فقد واكبت وسائل الإعلام، ما يحدث وتصدت للإشاعات والأخبار الكاذبة، ولقد كان لوسائط التواصل دور في كشف حقائق، وكذلك الأمر بالنسبة لجائحة كورونا في عدة مراحل منها أزمة الأوكسجين، حيث عملت وسائل الإعلام على التصدي لأخبار التهويل.     
النصر: بمقابل دور وسائل الإعلام في الدفاع عن قضايا الأمة ما هي مسؤوليات الدولة تجاهها؟
أكيد أن للدولة مسؤوليات تجاه وسائل الإعلام الوطنية، سواء العموميّة أو الخاصّة حتى تؤدي وظيفتها في ظل قانون الإعلام بحيث يجب أن تكون الفرص متساوية سواء من حيث التمويل حتى وإن كان على القطاع الخاص الاعتماد على استثماراته، أو مختلف الفرص، وأشير إلى أن مجال المسؤولية في الدول الناشئة التي تعتبر الجزائر واحدة منها يكون أوسع مقارنة بمجال الحرية مقارنة بدول الغرب، التي بها مؤسسات قوية ويكون مجال الحرية بها أوسع من مجال المسؤولية في الإعلام، دون القيام بما يعادي الوطن    
النصر: ما مسؤولية وسائل الإعلام في ظل سرعة ما تتناقله وسائط التواصل الاجتماعي؟
كما سبق وأن ذكرت، فإن دور وسائل الإعلام هو الرقابة والتوعية، وبالتالي فإن الإعلامي حتما سيتحلى بالمسؤولية في نقل الأخبار والمعلومات، عكس رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين يظنون أنهم ليسوا خاضعين لرقابة المسؤولية.
النصر: ما دواعي منع التمويل الأجنبي لوسائل الإعلام الوطنية؟
منع التمويل الأجنبي لوسائل الإعلام الوطنية، أمر طبيعي ونجده حتى في الدول المتقدمة ولا يتعلق الأمر بتاتا بتقييد حرية الصحافة، وإنما على العكس تماما تعزيز حريتها وحمايتها من تدخلات الخارج، لأنه في حال حدث قبول التمويل الأجنبي لأية وسيلة إعلام وطنية، فإن ذلك يعني أن حرية تلك الوسيلة مرتبطة بذلك التمويل، ولا تحتكم حينها الحرية إلى الضمير والأخلاقيات المهنية.

* الدكتور نور الصباح عكنوش باحث في العلوم السياسية بجامعة محمد خيضر ببسكرة
المسؤوليــــــة الإعلاميـــــة واجــب وطنــــي قبــــل أن تكـــون واجبا مهنـــــيا
* حاوره: يـاسين عبوبو
يرى الدكتور والباحث في العلوم السياسية، بجامعة محمد خيضر ببسكرة، نور الصباح عكنوش، أن المسؤولية الإعلامية، واجب وطني قبل أن تكون واجبا مهنيا، لحماية الجبهة الداخلية، من الاختراق في ظل التطور التكنولوجي لوسائل الاتصال، التي تحول كما قال الكيانات المجتمعية والمؤسساتية إلى فضاءات هشة، وأكد على أن الإعلام المسؤول يشكل دعامة أخلاقية ومهنية وموضوعية لحرية التعبير، محذرا من تأثير وسائط التواصل الاجتماعي على منظومة القيم المجتمعية.
بداية، كيف التوفيق بين الحرية والمسؤولية في معادلة الإعلام؟
يجب أن نتفق ان الاعلام المسؤول دعامة أخلاقية ومهنية، و موضوعية لحرية التعبير في اي مجتمع يرنو للتنمية و الديموقراطية، بشكل عقلاني، خاصة في السياق الراهن الذي نواجه فيه تحديات جديدة عابرة للحدود، تحمل مضامين مهددة للسيادة الوطنية و الانسجام المجتمعي، وحتى الأمن القومي، و تسعى لإعادة توزيع جديد للقيم و المعايير داخل بنية الدولة، و تنتج هويات قاتلة عن بعد باستعمال التكنولوجيات المرئية المعاصرة، التي تستهدف اعادة بناء وعي هدام للمجتمعات، و الأمم من الداخل، و هنا تتمظهر المسؤولية الاعلامية كواجب وطني، قبل ان تكون واجبا مهنيا لتأمين الجبهة الداخلية من الإشاعات والاخبار الكاذبة، و الصور المفبركة، و المعايير الالكترونية المزيفة، التي تحول الكيانات المجتمعية و المؤسساتية، الى فضاءات هشة قابلة للاختراق و التفكيك.
 ومنه عندما تنعدم روح المسؤولية في نقل الخبر، أو تقديم الخطاب، أو عرض الصورة لأن العملية مترابطة وشاملة، فإن أي استغلال لمبدأ الحرية على حساب الاستقرار والتنمية يجعل منها حقا يراد به باطل، والعلاقة بين الحرية والمسؤولية، تلخص في مفهوم السيادة الإعلامية، فكلما كنا سادة في صناعة استراتيجية إعلامية وطنية قوية ومحترفة، سنصبح منتجين ومصدرين للحقيقة التي نريد ونفرضها على الاخر، وهذا هو الرهان القادم في ظل الحروب الجديدة ...
كيف ترى الدور الذي لعبته وسائل الإعلام الوطنية خلال الأزمات وما المطلوب منها؟
أرى ان وسائل الاعلام الوطنية، أمام لحظة تاريخية مفصلية للقيام بواجباتها، ليس في الرد على الحملات المضللة ضد الوطن تاريخا  وحضارة  ووجودا، بل في بناء استراتيجية جديدة لمواجهة هذا النسق الشبكي من المخاطر الالكترونية اليومية، التي تحاربنا بسلاح الفضاء الازرق بكل مستوياته، لإعادة بناء الرأي العام، وعيا ويقظة ومشاركة في هذه الحرب القائمة ضدنا كل ساعة وكل دقيقة، لأن المواطن معني مباشرة بالموضوع و دور وسائل الاعلام، هو وضعه في صورة ما يحدث، و ما لا يحدث بالنظر الى حجم السيناريوهات و المخططات الآنية، و المستقبلية التي تضعنا في لعبة أمم مصيرية، ومنه فما ينتظر الاعلام الوطني ليس النقد والرد فقط على من تسول له نفسه المساس بالوطن، خاصة على محور الرباط .تل ابيب .باريس، و هو محور الشر تاريخيا وواقعيا من منطق رد الفعل بل العمل في اطار يشمل التنسيق مع العمل الدبلوماسي، والعمل الأمني، والمجتمع المدني، و الفعاليات النقابية والنخبة العضوية ضمن استراتيجية يقظة، و وعي على المدى البعيد، خاصة وأن الحرب الإعلامية و الالكترونية ضدنا في بداياتها، و تحتاج رؤية ذكية و مستبصرة لطبيعة المرحلة، و نوعية التهديدات من جهة، و مدركة لنقاط القوة التي نملكها، كإعلام قادر على ربح الحرب الجديدة و الدفاع عن الوطن، كما دافعت عنه صحف المقاومة و المجاهد، و صوت العرب ابان الثورة المجيدة.
ما الذي يمكن أن يلعبه الإعلام سياسيا في ظل التهجمات التي تتعرض لها الجزائر خارجيا؟
الظاهرة الاعلامية سياسية و الظاهرة السياسية إعلامية، فهناك تداخل كبير بين الاعلام والسياسة من منطلقات عديدة تفرض نفسها بقوة خاصة مع تأثير المتغيرات، ودور اللوبيات في استخدام الرأي العام، و توجيهه في اطار لعبة مصالح كبرى يتدخل فيها المال و التكنولوجيا في عالم مفتوح يدير الإعلام سياسيا، في اتجاه إنتاج أزمات و بيئات حاضنة للفوضى، و ما قامت به بعض الفضائيات، و المنصات سلبيا خلال ما يسمى بالربيع العربي، دليل على البعد السياسي الذي اصبح يميز الاعلام كسلاح خطير، يُسقط دولا و كيانات بشكل دراماتيكي، وهو تطور يثير الاهتمام و يجب الانتباه والتصدي له .
ما تحديات وسائل الإعلام أمام تزايد دور وسائط التواصل الاجتماعي؟
الفايس بوك و التويتر و الانستغرام و غيرها من وسائط التواصل الاجتماعي، تعبر عن انفجار تكنولوجي رهيب وخطير على منظومة القيم وعلى المعايير التي تأسست عليها مجتمعات و دول تجد نفسها مهددة عن بعد بقوى افتراضية «مرنة»، تؤثر على الرأي العام و تخترقه فكريا ومعنويا وسياسيا في حرب غير متكافئة بالنسبة للعديد من الدول النامية أمام ظاهرة تجييش وسائل التواصل الاجتماعي، بدعم من افراد ومنظمات ذات صلة بالجريمة والإرهاب، حيث ترى في كل دولة هشة فرصة للانقضاض عليها وتحطيمها بأقل التكاليف، و هنا يجد الاعلام نفسه أمام مسؤوليات جديدة حتى لا يبقى على سلم خشبي بينما الفضاء الازرق يركب المصعد إن صح التعبير، بتبني نموذج جديد على مستوى النخب و التنظيم و الرؤية في التاءات الثلاث :التواصل و التفاعل و التأثير ، لأنه باختصار أمام عدو لا ينتظر و لا يرحم بسرعته و طبيعته و نسقه، وهذا ما يجب استبصاره على عجل حتى نكون في مأمن من هذا الواقع، الذي اعلن الحرب علينا و نحن في حرب فعلا و الإعلام بكل أشكاله سلاح استراتيجي يجب تفعيل دوره وظيفيا وتقنيا، و فكريا والبناء عليه بشكل استراتيجي حتى نبقى موجودين على خارطة عالم سيبراني، يحسب الأمور بالثواني ولا يمهلك برهة للمقاومة والبقاء، وهي حقيقة تبدو قاتلة لكنها موجودة وعلى الإعلام مسؤولية كشفها، وتحييدها بذكاء كما قلت، وبسرعة و بعد نظر في إطار استراتيجية وطنية شاملة .

الرجوع إلى الأعلى