يحتفل الجزائريون اليوم بالذكرى السابعة والستين لاندلاع الثورة التحريرية المجيدة و روح نوفمبر لا تزال تسري وتملأ قلوب الأجيال الجديدة التي أكّدت في مواقف عدة أنها على خطى الآباء والأجداد وأن الجزائر خط أحمر إلى الأبد.

تعود ذكرى اندلاع الثورة المجيدة المصادفة للفاتح نوفمبر من كل سنة هذا العام؛ والجزائر تواجه تحديات كبيرة وخطيرة ومتنوعة، بسبب تكالب قوى خارجية حاقدة عليها وعلى وحدة شعبها و أمنها واستقرارها.
لكن الشعب بمختلف أطيافه  وقناعاته، الذي صقلته التجارب المريرة عبر تاريخه الطويل يعرف كيف يستلهم من دروس ماضيه الكثيرة ليصنع لنفسه أدرعا ومتاريس يوقف بها حملات المستعمرين الجدد وحاملي مشاريع الفتنة و التفرقة و الطامعين في النيل من هذه البلاد التي ضحى من أجلها ملايين الشهداء لتكون اليوم كما هي عليه.
و الواقع أن الجزائريين يغارون كثيرا على استقلالهم لأسباب تاريخية واجتماعية عديدة إلى درجة كبيرة ربما لا تضاهيهم في ذلك شعوب أخرى، والسبب أن هذا الاستقلال لم يمنح هدية من أحد كما وقع في دول أخرى، وكذلك لأن الاستعمار الفرنسي للجزائر كان فريدا من نوع ولم تشهد دول أخرى مثيلا له في التاريخ من حيث الوحشية وأساليب الاستيطان الخبيثة ومحاولته اقتلاع شعب بالكامل واستخلافه بأفراد  من دول عديدة.
ومهما اختلفت أراء وأفكار الجزائريين نخبا وأفرادا وأحزابا حول الواقع الذي تعيشه البلاد اليوم وهو أمر عادي ومنطقي فإنهم لا يختلفون بأن ثورة الفاتح من نوفمبر لها مكانة خاصة في قلوبهم جميعا، و في وجدانهم العاطفي وفي حياتهم بصورة عامة.
نوفمبـر .. المرجـعية والدرع الواقـي
ليس الفاتح من نوفمبر 1954 مجرد تاريخ أو رقم أو يوم من باقي أيام الأشهر والسنوات التي مرت على الجزائر، بل هو أكبر من ذلك بكثير، نوفمبر مرجعية هذا الشعب في التحرر  و الانعتاق من نير الاستعمار الذي دام لعقود من الزمن، نوفمبر فكرة لا تموت،  ومنهج شعب عانى كثيرا من الظلم والطغيان والتشريد والاعتقال والتقتيل دون رحمة أو شفقة.
لقد كان أول نوفمبر 1954 نقطة  تحول كبرى في معادلة الاحتلال الفرنسي للجزائر و بفضل الروح التي بثها نوفمبر في ذلك الوقت في فئات الشعب ونخبه وأحزابه السياسية و شخصياته  وعلمائه قلبت هذه المعادلة من الاحتلال إلى التحرير والمقاومة والصمود والتضحية  بتقديم مئات الآلاف من الشهداء الأبرار، وكان نوفمبر الموجه و الدرب المنير لطريق الحرية واسترجاع السيادة الوطنية والكرامة.
 ولم يكن نوفمبر بكل مقوماته مجرد نداء لمقارعة الاستعمار الفرنسي بالسلاح بل كان في نفس الوقت منطلقا ومرجعية وفكرة لبناء جزائر ما بعد استعادة السيادة الوطنية، وظل كذلك إلى اليوم يلهم أجيالا بعد أجيال بروحه و منطلقاته وطموحاته وأهدافه.
 ومع كل أزمة أو ضيق تمر بها البلاد إلا ويعود الجزائريون إلى هذا التاريخ لاستلهام روح المقاومة وتجاوز الأزمة والصمود ولكن أيضا لاستلهام الدروس والعبر و العودة إلى التاريخ لأنه أصل الأشياء، والتشبع بالأفكار وإعادة شريط الآباء والأجداد.
 لقد شكل هذا التاريخ في الكثير من المرات خاصة في أوقات الأزمات واقيا حقيقيا ضد الصدمات ودرعا ضد الأعداء والخصوم الذين يتربصون بالجزائر في كل مرة عبر تاريخها منذ أن نالت استقلالها في الخامس جويلية 1962.
 وما يقع اليوم وما وقع في الصائفة الماضية ليس ببعيد عنا، فقد ركبت مؤامرات خبيثة وتحالفات خطيرة ضد الجزائر  من طرف جهات خارجية حاقدة تاريخيا على هذه البلاد ليس فقط بسبب مواقفها التحررية المبدئية ولكن أيضا بسبب غيرتها على استقلالها وعدم التنازل ولو عن جزء بسيط من هذا الاستقلال.
 وقد مرت هذه الأطراف بالتنسيق مع أذيال مرتزقة في الداخل من  التخطيط إلى  تنفيذ مخططات إجرامية خطيرة وضعت البلاد على شفير الهاوية ووضعت وحدة الشعب على المحك واستقرار الوطن على  خط النار.
ومرة أخرى وبعد نداءات صادقة من  الخيرين في هذه البلاد يعود أبناء الجزائر إلى روح نوفمبر التي وحدتهم ذات يوم من سنة 1954 ضد قوة المستعمر الغاشم، ليواجهوا موحدي الصف هذه المرة مخططات الأعداء  في الداخل والخارج، ويستلهموا تلك الروح وذلك الوجدان المميز لتجاوز أزمة الصائفة بكل ما  حملتها من مخاطر .
 وقد تمكنوا في الأخير من إفشال مخططات الاستعمار الجديد القائمة أساسا على زرع بذور الفتنة والتفرقة بين الشعوب ثم استغلال الفرصة للانقضاض عليها من خلال طرق وأساليب متعددة.
 فالشعب الجزائري بكل أطيافه وأجياله الذي عانى كثيرا من ظلم الاستعمار اثبت مرة أخرى بشكل فريد للعالم انه يرفض كل أشكال الاستعمار والتدخل في شؤونه الداخلية، وأنه عند اللحظة الحاسمة سيكون رجلا واحدا كما كأن أبناء نوفمبر قبل سبعة وستين عاما من الآن.
نوفـمبر يسري في الأجـيال الجديـدة
زعم مسؤول فرنسي قبل سنوات أن المشاكل و التوترات التي تعرفها العلاقات الجزائرية الفرنسية سببها بالدرجة الأولى المجاهدين الذين لا يزالون على قيد الحياة أو أبناء  جيل نوفمبر، وفي اعتقاده أن مثل هذه التوترات ستزول مع الجيل الجديد من الجزائريين، لكن اعتقادات هذا المسؤول جانبت وتجانب الصواب تماما لأن الجيل الجديد ظهر أنه أكثر تشبعا بروح وقيم نوفمبر العظيم.
 لقد أثبتت أجيال الاستقلال المتعاقبة في أكثر من مناسبة أنها متأصلة ومتمسكة بتاريخها وبالقيم التي زرعتها ثورة أول نوفمبر المجيدة عكس ما كانت تروج له جهات مغرضة، وأكبر دليل على ذلك ما رفع من  شعارات خلال الحراك الشعبي السلمي في بداياته قبل أن تحاول بعض الفئات الانحراف به.
 لقد رفعت صور الشهداء وأبطال ثورة التحرير المجيدة ورفع  اسم نوفمبر عاليا في جميع المسيرات التي عرفتها أرجاء القطر الوطني، بل وفي خضم الأحداث والظروف التي كانت تمر بها البلاد في ذلك الوقت والتي لم تكن بسيطة كان نوفمبر مرجعا للجميع، فقد دعا الشعب في مسيراته تلك إلى الاستنارة بضوء نوفمبر لتجاوز الأزمة التي كانت تمر البلاد.
 و أكثر من ذلك أظهرت الأجيال الجديدة من الشباب في تلكم اللحظة التاريخية الحاسمة درجة عالية من الوعي وهي ترفع من جديد وتذكر بأهداف  الشهداء و  تطالب بتحقيق أمانيهم من أجل جزائر حرة مستقلة، وكانوا يلحون على ضرورة الحفاظ على أمانة الشهداء برفض كل أشكال التدخل في الشؤون الداخلية للجزائر، ورفض كل أنواع و أشكال الاستعمار الجديد الذي رأينا ما فعله في دول شقيقة وجارة لنا من دمار وتقتيل بين أبناء الشعب الواحد لن تمحى آثارها لسنوات ولعقود قادمة.
وفي المحصلة فإن كل هذه الشعارات والهتافات التي جاءت على لسان أجيال جديدة من أبناء الجزائر كانت  في الحقيقة تدعو إلى إعادة إحياء روح نوفمبر  والتمسك بمرجعياته في بناء الدولة والحفاظ على الاستقلال الوطني المخصب بدماء الملايين من الشهداء.
لقد بث نوفمبر في فئات الشعب الجزائري اليقين الذي لن يتزحزح، والقناعات التي لا تباع ولا تشترى في ما يتعلق على وجه الخصوص بالحفاظ على وحدة الوطن ووحدة الشعب  والاستقلال الوطني والسيادة و صون كرامة الفرد الجزائري.
 أن الظرف الحالي الذي تمر به البلاد والمخاطر والتحديات التي تحذق بها لن تجد ذراعا واقية لها أحسن من التمسك بقيم الثورة التحريرية و العودة إليها، فقد رسم الآباء المؤسسون مرجعيات تستند إليها البلاد لتجاوز كل محنها، وعلى كل جيل أن يحسن اللجوء إليها.
إلياس -ب

الكولونياليون الجدد يرفضون الاعتراف بوجه فرنسا الاستعماري
 الجزائر لن تتنازل عن الحقوق التاريخية المستحقة على فرنسا
 تأخذ الاحتفالات المخلدة لذكرى اندلاع الثورة التحريرية المجيدة هذه السنة طابعا خاصا كونها تزامنت مع حملة عدائية نيو كولونيالية يشنها أنصار «الجزائر-فرنسية» على الثورة التحريرية وكذا على الأمة الجزائرية، وتكتسي الذكرى الـ67 لاندلاع الثورة التحريرية طابعا تاريخيا وحضاريا تحمل معها ردا صريحا و واضحا من الشعب الجزائري على فرنسا الرسمية و وجهها الاستعماري بألا  تنازل عن الذاكرة ولا نسيان لمجازر المستعمر.  

الاحتفالات المخلدة لذكرى اندلاع الثورة التحريرية المجيدة، تزامنت هذه السنة مع الأزمة التي تعيشها العلاقات بين الجزائر وفرنسا بعد سلسلة من التصريحات اللامسؤولة والقرارات التي لا نجد لها أي مبرر من الجانب الفرنسي، ومن الواضح أن التصريحات الأخيرة للرئيس ماكرون، لا تنفصل عن سياق من الخلافات السياسية الأخيرة التي برزت بين الجزائر وباريس، على خلفية عدد من الملفات ، ليس أقلها ملف الذاكرة والحركى وإقحام تاريخ الجزائر في الحملة الانتخابية التي يقودها ماكرون لإعادة انتخابه لعهدة ثانية.
وكرد على التجاوزات الفرنسية، أكد الرئيس عبد المجيد تبون، التزام الدولة الجزائرية بعدم السماح والتنازل عن الحقوق التاريخية للجزائريين والمستحقة على فرنسا، لأنه وفي لحظة سياسية ما، اعتقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه حقق الإنجاز الذي عجز عنه قادة الإليزيه سابقاً، عندما أُعلن قبل عام ونصف العام عن التوصل إلى تشكيل لجنة مشتركة مكونة من مؤرخين اثنين، لكتابة تقرير حول خطوات معالجة ملف الذاكرة.
وقال الرئيس تبون، في مقابلة تلفزيونية «يجب أن ينسى (يقصد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون) أن الجزائر كانت مستعمرة في يوم من الأيام. الجزائر قوية بجيشها وشعبها الأبي الذي لا يرضخ إلا لله».  وأشار إلى أن «العلاقات مع فرنسا هي مسؤولية شعب وتاريخ، والتاريخ لا يمكن تزييفه»، في رد على التصريحات التي أدلى بها الرئيس الفرنسي ماكرون، عندما قال إن «الجزائر لم تكن أمة قبل الاستعمار الفرنسي».
فالرئيس الفرنسي ماكرون، أراد في البداية أن يمثل الاستثناء مقارنة بمن سبقوه في الحكم في فرنسا بتحقيق إنجازات غير مسبوقة في ملف الذاكرة مع الجزائر، وبقدر اندفاعه في هذا المسار خلال حملته الانتخابية الرئاسية وخلال سنوات حكمه الأربع، بقدر ما نسفت خرجاته وتصريحاته غير المسبوقة حول هذا الملف كل ما أنجز على قلته، وأكثر من ذلك أدخل العلاقات بين البلدين في أزمة يصعب تصور مآلاتها بسبب حجم الغضب والضرر الذي خلفته تصريحاته شعبيا ورسميا في الجزائر التي طعن في تاريخ شعبها.
وبعد سلسلة من خطوات التقارب بين باريس والجزائر في اتجاه تفكيك ألغام أكثر الملفات تعقيدا بين البلدين ويتعلق الأمر بملف الذاكرة، والتي شكلت محور اتصالات مكثفة بين رئيسي البلدين عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون، وفي وقت كان ينتظر أن تسفر هذه التحركات عن تقارب أكبر، جاءت تصريحات الرئيس الفرنسي لتدخل العلاقات بين البلدين في نفق أزمة لن تحلحل غدا وتداعياتها كبيرة، خاصة وان ماكرون أدلى بتصريحات اعتبرت في الجزائر، شعبيا ورسميا، تدخلا في شؤون البلاد الداخلية وطعنا في تاريخ الجزائر، عبر خطاب ومصطلحات مشتقة من خطاب اليمين المتطرف الفرنسي الذي ناصب العداء لكل ما هو جزائري بسبب عقدة الجزائرية الفرنسية.
 وهم التاريخ المشترك
في الواقع، كانت خطوات ماكرون مجاملة انتخابية لم تصمد لسبب وجيه، لأن الواقع التاريخي أكبر بكثير من أن يتم تناوله بهذه البساطة. فليست للجزائر وفرنسا نفس الدوافع التاريخية بين مستعمر احرق ونكل ودمر وخرب، وبين دولة قاومت الاحتلال ودفعت فاتورة باهظة كثمن لنيل الحرية والاستقلال، ومن هنا تصبح كتابة التاريخ المشترك كذبة سياسية باهتة يُراد لها أن تنطلي لتضليل الأجيال المقبلة وتهرّب فرنسا من استحقاقات ماضيها الاستعماري والتزاماتها التي ستبقى تطاردها في كل الأوقات. و
عندما يقف الجزائريون أمام ثورتهم المجيدة وهم يخلدون ذكراها ويستذكرون بطولات صناعها ويصفونها بأنها أعظم ثورة تحريرية ضد الاستعمار في القرن الماضي، يخرج أنصار المدرسة الكولونيالية في فرنسا لتسميها «أحداث حرب الجزائر»، و لا يتعلق الأمر بمجرد تسمية، لا الفرنسيون يريدون جعل الثورة الجزائرية في الصورة والمنطوق حرباً دارت في زمان ومكان ما، لأن مفهوم الثورة يقود بالضرورة إلى وجود ثنائية الثائر والمحتل، ولذلك لا يمكن أن يجتمع الاستعمار ومفرداته بالمقاومة ومفرداتها.
فالاستعمار له سطره المكتوب بالظلم والطغيان والعبودية والجوع والقهر والتقتيل والإبادة واستغلال الإنسان والاستحواذ على الأرض، بينما المقاومة سطرها مكتوب بالدم والنضال والكفاح والعطاء للحرية للوطن والذود عن الأرض وتحرير الإنسان وكسر نصل الظلم، فكيف يجتمع النقيضان في سطر.
 اليمين المتطرف والكولونياليون الجدد
مثلما جرت العادة، لم يفوّت اليمين المتطرف هذه المرة فرصة تصاعد الأزمة بين باريس والجزائر ليزيد شحن الأجواء ويحرّض السلطات على مزيد من التضييق على الجزائريين القادمين والمقيمين في فرنسا. وعلى خلفية التصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، التي اعتبرتها الجزائر مسيئة لها بشكل استفزازي تاريخاً وشعباً، ومساساً غير مقبول بذاكرة الشهداء.
 
وعلى الرغم من أن ماكرون اختار بعد ذلك  اللجوء إلى التهدئة في خطابه مع الجزائر، مؤكداً في الوقت ذاته العلاقات الودية والدبلوماسية التي تربط بين البلدين، وداعياً إلى إنهاء التوتر الدبلوماسي بينهما في أقرب وقت ممكن. إلا أن معسكر اليمين المتطرف الفرنسي سارع في الاستثمار في الأجواء المشحونة بين باريس والجزائر، للتحريض على إقرار مجموعة من الإجراءات التي تساهم في مزيد التضييق على الجزائريين، سواء القادمون إلى فرنسا والمقيمون فيها، ردّاً على القرارات والتصريحات الجزائرية الأخيرة.
وكشفت التصريحات الأخيرة في فرنسا تنامي التيار اليميني المتطرف الممجد للاستعمار والمدافع عن الكولونيالية، على خلفية الانتخابات الرئاسية المقبلة ، حيث اعتبر المترشح المحتمل للانتخابات، ايريك زيمور، بان الاحتلال الفرنسي للجزائر كان نعمة من السماء على الجزائريين قبل أي شيء، وذلك عَقِبَ أن جنّدت فرنسا كل ترسانتها الثقافية والتنويرية والحضارية والعسكرية لإخراجهم من حياة الفقر والتخلُّف والمرض.
و وفق هذا الاحتفاء بالاحتلال الفرنسي للجزائر، فإن زيمور يرفض جميع التهم التي تُوجَّه إلى فرنسا، مثل ارتكابها جرائم إنسانية في حق الشعب الجزائري، خاصةً خلال فترة احتلال الجزائر، بل يَعتَبِر أن «فرنسا اتخذت قرارا إنسانيا خالصا بعد رفضها إبادة الشعب الجزائري عن بكرة أبيه كما فعل مستكشفو أميركا الذين أبادوا شعبا وحضارة بأكملها حتى يتسنى لهم إقامة حضارتهم».
هذه التصريحات تكشف حقدا دفينا يكنه أعداء الأمس، والتي تظهر عند كل أزمة في العلاقات بين البلدين والتي تبرز فصولها مع الحملة العدائية التي تقودها وسائل الإعلام الفرنسية وبالأخص وكالة «فرانس برس» من خلال نشر حزمة «أخبار كاذبة» تستهدف الإساءة والمساس بصورة البلاد، في خضم أزمة سياسية عاصفة ومتزايدة بين الجزائر وباريس.
و رغم كل حقيقة تاريخية، يدافع الممثلون الفرنسيون عن أسطورة الكولونيالية بوصفها رسالة حضارية و تمدينية متطابقة مع المثل والقيم التي اشتهرت فرنسا بالدفاع عنها. بينما يحتاج طي صفحة الماضي الكولونيالي، إلى شجاعة سياسية وأدبية  وأخلاقية عالية، من الجانب الفرنسي للاعتراف بالذنب والإقرار بالجرائم المرتبة في حق الشعب الجزائري، فالتاريخ لا يطوي صفحاته من تلقاء نفسه.                     ع سمير

مؤرخون يبرزون أهمية كتابة ودراسة التاريخ الوطني ويؤكدون
الجزائر تمتلك أدوات الرد على الأطروحات الاستعمارية
أكد مؤرخون وباحثون في التاريخ، على أهمية تعزيز وتوحيد الجبهة الداخلية في الوقت الحالي وامتلاك القوة في المجال الاقتصادي و الاجتماعي والثقافي والعسكري للمواجهة والرد على الاستعمار ، كما أبرزوا في الوقت ذاته، أن إعادة جمع المادة  التاريخية  وكتابة التاريخ الوطني بموضوعية ، يساعد في بناء الشخصية الجزائرية بكل معالمها والرد على كل الافتراءات وأكاذيب المستعمرين، سواء القدامى أو الجدد .

 ويرى الباحث في التاريخ، ناصر لمجد في تصريح للنصر، أمس، أن الطريقة العلمية المثلى للرد على الاستعمار القديم تكمن في التنصل والابتعاد عن المربع الفرنكفوني و ثانيا يجب أن نكون أقوياء  على المستوى الداخلي اقتصاديا وعسكريا واجتماعيا وثقافيا، مضيفا أن امتلاك القوة للمواجهة أحسن رد على الاستعمار ، مشيرا في الوقت ذاته، إلى ضرورة أن تكون الجبهة الداخلية موحدة .
وبالنسبة للمحاولات الاستفزازية على جوارنا -كما أضاف-، فيجب توحيد الجبهة الداخلية بالدرجة الأولى  وذلك من خلال توحد القوى السياسية وراء مشروع معين ومحاربة الحركات المتطرفة الموالية للخارج و من جانب آخر، تعزيز القوة العسكرية وتحسين الوضع الاقتصادي.
 واعتبر أن التحرشات تجاه الدولة الجزائرية،  تدخل في سياق تحطيم القدرات  والقوة العسكرية العربية، مضيفا  أن  الجزائر تبقى قوة  إقليمية عسكرية، لذلك هم يفتعلون هذه المشاكل  في جوارها ويحاولون إدخالها في حرب من أجل تحطيم قدراتها العسكرية و الاقتصادية .
ومن جانبه، أوضح الباحث في التاريخ الدكتور لزهر بديدة في تصريح للنصر، أمس، أن الرد بطريقة علمية على الاستعمار،  بعيدا عن الحماس ولغة الغوغاء، يكون من خلال إعادة جمع المادة  التاريخية بكل ما فيها من إيجابيات وسلبيات و كتابتها وفق مبادئنا وقناعاتنا وما يتوافق ويخدم المصلحة الوطنية بكل موضوعية بدون الدخول في السب والشتم، بعيدا عن العصبية، والوقوف على الأخطاء والإيجابيات وتثمينها والانطلاق منها، مضيفا أن الصلح مع الذات هو رد على الآخر.
كما أبرز الباحث، أهمية تعزيز الجبهة الداخلية، مشيرا إلى أن ثورة أول نوفمبر هي ثورة موحدة للجزائريين، فالثورة لم تكن لتنجح لو لم يلتف حولها الشعب الجزائري، ولذلك فلمواجهة كل التحديات في الداخل والخارج، يجب تعزيز الجبهة الداخلية وأن تكون موحدة .
وأضاف في السياق ذاته، أن الجزائر تملك القدرة للرد على المحاولات العدائية الجديدة، مذكرا في الوقت ذاته، أنه من خلال تاريخنا بإمكاننا الرد على هؤلاء ومن بينهم فرنسا، لافتا إلى أن  الجزائر كانت دولة قبل الاستعمار وكانت تقدم المساعدات  لفرنسا، كما أن أوروبا كانت تبعث أبناءها لتعلم  اللغة والفيزياء والحساب والفلك وغيرها في بجاية وغيرها قبل النهضة الأوروبية.  
واعتبر الدكتور لزهر بديدة، أن كتابة التاريخ بموضوعية وبعيدا عن العاطفة والتشنج، يساعد في بناء الشخصية الجزائرية بكل معالمها والرد على كل الافتراءات وأكاذيب المستعمرين، سواء القدامى أو الجدد .
ويرى الباحث، أن هناك تقدما في مجال كتابة التاريخ، لكنه أشار إلى أهمية  أن تخرج الدراسات الموجودة في الجامعات وتنشر وننطلق منها، وأيضا فتح الأرشيف أمام الباحثين،  لافتا إلى وجود أرشيف جزائري في أغلب دول العالم، تقريبا على غرار فرنسا ،  تركيا ، إسبانيا ، ألمانيا ، الولايات المتحدة، بريطانيا، تونس، المغرب ، سويسرا ، مصر، سوريا  وغيرها، سواء أرشيف الحركة الوطنية أو أرشيف الثورة التحريرية أو حتى ما قبل ذلك .
من جانب آخر، أشار الباحث ، إلى أهمية تعزيز دراسة التاريخ ، سواء في قطاع التربية الوطنية أو التعليم العالي، لتعريفه للأجيال الجديدة، ومن جهة أخرى إنجاز أفلام كارتونية للأولاد وأفلام سينمائية تتعلق بالتاريخ الوطني، إضافة إلى  الأفلام الوثائقية على مستوى الشاشات وذلك يساهم في تحبيب التاريخ للناشئة والأجيال وتصحيح الصورة وتقديم تاريخنا  للعالم في الكتابات أو في مجال السمعي البصري أو الندوات بالصورة الإيجابية لتاريخ الجزائر بكل موضوعية ، مذكرا أن  الجزائر كانت دولة وشعبا تحترم كل الحريات ، الفردية وحرية التعبد  وحماية حقوق الإنسان وحماية  البواخر المارة عبر البحر الأبيض المتوسط من القرصنة وتأمين البواخر الأمريكية والبريطانية الدانماركية والفرنسية وغيرها وأضاف أن الجزائر تحترم الدول وعلى هذه الدول أن تحترمنا وقد كانت بصمتنا واضحة في التاريخ وهذا يمكن أن ننطلق منه لاسترجاع دورنا السياسي والدبلوماسي  إقليميا ودوليا .   
وأضاف قائلا: إننا كجزائريين لم نكن متخلفين ولسنا مجتمعا متخلفا، بل كان لنا تاريخ وكنا قطبا من  الأقطاب التي ساهمت في تسيير العالم وكانت لدينا حضارة ودولة وفي لحظة من اللحظات تخلفنا، وهذا موجود في مختلف الحضارات  وأصاب مختلف دول العالم ، فكل العالم يشهد لحظات ازدهار  وأيضا توجد لحظات التخلف والانحطاط والتراجع  .
مراد - ح

باحثون وأساتذة يؤكدون على ضرورة الاهتمام بالرموز التاريخية
يجب التجرد من الذاتية والضغوط حتى لا تتحول كتابة التاريخ إلى ردود أفعال
أكد أساتذة وباحثون في التاريخ على ضرورة التجرد من الذاتية والضغوط والشعور بالغضب عند كتابة التاريخ، حتى لا تتحول المؤلفات إلى مجرد ردود أفعال، ومع ضرورة الاهتمام بكل الحقب التاريخية للتأكيد على عمق الحضارة الجزائرية، مقترحين إدراج مادة تاريخ الأمة الجزائرية ضمن البرامج التعليمية.  

أكد الأستاذ في التاريخ المعاصر بجامعة الوادي علي غنازية بأن الأصل في كتابة التاريخ هو الاعتزاز به، وليس مجرد ردود أفعال، حتى لا تطغى العاطفة والتشنج والغضب على المؤلفات التاريخية، لأن ذلك قد يخرجها عن الموضوعية التاريخية والعلمية، وهو ما يتطلبه كتابة تاريخ الثورة الجزائرية التي تقتضي بدورها التجرد من الضغوط والعاطفة.
ويضيف الأستاذ غنازية بأنه في الأوقات التي تتعرض فيها الجزائر إلى هجمات، لا بد من توضيح القضايا من زاوية محايدة، لأن الاستعمار مهما بيض صفحته، لن يستطيع تغيير الحقائق المعروفة، فالطرح الذي يريد أن يروج له على أن الاستعمار إعمار وحضارة وإنجازات، هي كلها مغالطات لا غير.
ويؤكد المتدخل بأن الثورة الجزائرية صنعت التاريخ، من خلال الدماء التي سالت والأرواح التي سقطت، لكن الإشكالية تكمن حسبه، في أن الكثير مما يكتب لا ينشر ولا يروج له، في حين أن الجامعات لديها طاقات خلاقة وجبارة، لكن للأسف ما تزال دراسات في الدكتوراه وعديد من الأبحاث في الرفوف دون أن تخرج إلى العلن، بعضها انطلقت من أرشيف الاستعمار.
ويرى الأستاذ في التاريخ بأن ثمة حلقة مفقودة في تاريخ الثورة الجزائرية، وهي أن جل ما يكتب مبني على شهادات أشخاص أو على الأرشيف المتواجد أغلبه في فرنسا الذي ترفض تسليمه، وأن الكتابات على مستوى الجامعات هي عبارة عن جمع للمعلومات بطريقة متوازنة ومتأنية، وهي تحتاج إلى مواصلة كي تظهر للعلن في مثل هذه الظروف.
ويضيف المتحدث بأن حماية الذاكرة تحتاج إلى ميزانية خاصة لإقامة ملتقيات ومهرجانات لتوفير الجو المناسب للباحثين والكتاب.
ويعتقد من جهته الأستاذ نجيب بن لمبارك باحث وكاتب في التاريخ، بأن كتابة التاريخ تقتضي تجسيد حوار بين الأجيال على مستوى العائلة ذاتها، وهو ما نفتقده للأسف حاليا، فالإرث الذي يحمله مجاهدون وناشطون في الثورة التحريرية ينبغي توزيعه على الأبناء حتى يعيشوا أجواء الثورة بتفاصيلها، ليشرعوا بدورهم في البحث عن حيثياتها، وصولا إلى النخبة المكلفة بكتابة التاريخ، التي ستجد الأرضية مهيأة لعرض خلاصة جهدها، وعرضها على جيل يقبل على كتب التاريخ.
ويضيف المتحدث بأن تواصل الأجيال هو أساس التاريخ، وهذا يبدأ من العائلة، معتقدا بأن العيب فينا لأننا لم نبحث عن مشاركين في الثورة لتدوين مذكراتهم، والاستعانة بها كدعامة في كتابة تاريخ الثورة الجزائرية، ومتحف المجاهد والتلفزيون الجزائري يحوزان على عدة ساعات من شهادات مجاهدين، وجب وضعها بين أيدي الباحثين.
ويؤيد من جهته الأستاذ في التاريخ بجامعة وهران رابح لونيسي فكرة تبسيط كتابة التاريخ وتفادي الكلام الأكاديمي الثقيل، لأن التاريخ هو ذاكرة الأمة، قائلا إنه خلال حقبة التسعينيات قام بإصدار كتيبات للتعريف بالرموز الدينية والوطنية للجزائر، تضمنت شخصيات تاريخية عدة من بينها مصالي الحاج وعميروش وعبان رمضان وكريم بلقاسم، مع التركيز عن الجانب القوي في كل شخصية، لإيصالها إلى الشباب لجعلها قدوة لهم، كان هدفها المساهمة في بناء الأمة، والتصدي للهجمات التي كانت تعرض لها.
ويؤكد الأستاذ لونيسي بأن الخطر والمؤامرة اليوم تعترض الدولة الوطنية، لذلك لا بد من أن يدرك الشباب قيمة الثمن الباهظ الذي دفع من أجل إقامة الدولة الجزائرية، مستندا إلى ما قاله عالم الاجماع ابن خلدون، حين أكد بأن الأمة تنهار عندما يأتي جيل لا يعرف الثمن الذي دفع من أجل انقاذها فيضيعها.
ويشدد المصدر على أهمية التركيز على التضحيات الجسام لبناء الأمة، وعلى الرموز التاريخية، وعدم الاقتصار على حقبة تاريخية معينة، قائلا إننا واجهنا الاستعمار الفرنسي الذي كان ينفي وجود الأمة الجزائرية، بالتركيز على التاريخ القديم الضارب في الأعماق.
ويقترح الأستاذ لونيسي إدراج مادة تاريخ الأمة الجزائرية ضمن البرامج التعليمية لمختلف الأطوار، إلى جانب التاريخ العام، لتكوين جيل مشبع بالقيم الوطنية وفخور بكل الرموز، مؤكدا بأن  إلياذة الجزائر للشاعر مفدي زكريا هي كتاب الأمة الجزائرية والوطنية، ولو قرأها الجزائريون بتأن لأدركوا أهمية وعمق تاريخ الأمة الجزائرية.    
  لطيفة بلحاج

ضمن اتفاقية بين مديرية المجاهدين و جامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة
مجاهدون يوثقون نضالاتهم صوتا وصورة
يقوم مركز السمعي البصري بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، منذ سنة 2010 ، بتصوير و تسجيل شهادات حية ، حول فترة الاستعمار الفرنسي، و ذلك في إطار اتفاقية تم إبرامها بين مديرية المجاهدين للولاية، و إدارة الجامعة، تهدف إلى جمع أكبر عدد من الشهادات الحية لمجاهدين، كان لهم دور خلال الثورة التحريرية لتحقيق الاستقلال، فتم توثيق نضالات و تضحيات رجال و نساء من الشرق الجزائري، قدموا الغالي و النفيس، لأجل إعلاء راية الجزائر المستقلة.

النصر تنقلت إلى المركز المتواجد بحرم جامعة الأمير عبد القادر، الذي تم تجهيزه بكل تجهيزات و معدات السمعي البصري، و طاقم عمل، لمسنا في حديثه إلينا، شغفه بتصوير و تسجيل التصريحات التاريخية و حفظها، لتكون شاهدة على جرائم الاستعمار الفرنسي.
 و أوضح أستاذ التاريخ إسماعيل سامعي ، المشرف الأول على العملية، للنصر، أن الاتفاقية المبرمة بين الجامعة و مديرية المجاهدين، تنص على تسجيل بطرق علمية ما يدلي به مجاهدون و مسبلون، و عائلات الشهداء، حول الثورة التحريرية، كما يتنقل أعضاء من طاقم المركز، إلى مناطق ثورية، لتسجيل تصريحات و شهادات من عايشوا الاستعمار و شاركوا في الحرب التحريرية.
المركز الذي توقف عن التسجيل منذ سنة 2019 ، بسبب جائحة كورونا، سيواصل تسجيل المزيد من الشهادات الحية قريبا، ضمن عمل اللجنة المشتركة بين إدارة الجامعة و مديرية المجاهدين، التي قامت بجرد قائمة اسمية للمعنيين، و في كل مرة يتم انتقاء عدد منهم، من أجل التسجيل، و الاحتفاظ بتصريحاتهم في حوامل مضغوطة  في أرشيف رقمي.
194 ساعة من الشهادات الحية لمجاهدين و مسبلين
أوضح رئيس المهندسين في مجال الطبع و السمعي البصري بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، السيد مراد خراب للنصر، أن  الحجم  الساعي للشهادات الحية التي تم تسجيلها لمجاهدين و مسبلين، و حتى مواطنين، بلغ  194 ساعة منذ سنة 2010 ، حيث تم تسجيل 67 شهادة حية لمجاهدين، و 8 شهادات لأفراد من عائلات المجاهدين ، بمجموع 75 تسجيلا في شكل رقمي، كل شهادة مسجلة على حدة.
و قال من جهته السيد عمار بوكراع، مسؤول التصوير بجامعة الأمير عبد القادر، للنصر، أن هذه الشهادات الحية مقسمة إلى عدة أصناف، بداية بالشهادات الحية للمجاهدين الذين يسردون خلالها تفاصيل حول أحداث تاريخية عايشوها إبان ثورة التحرير، و شاركوا  فيها و يتم تصويرها في أغلب الأحيان بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، بالقاعة الشرفية أو قاعة المحاضرات أو بقاعة التعليم المتلفز، حيث يقوم الفريق التقني المشرف على التصوير و التسجيل، بتحضير البلاطو مسبقا، بينما يقوم المشرف على الحوار، و هو أحد أساتذة الجامعة، بتحضير المجاهد في الكواليس، و عرض عليه مقتطفات من تسجيلات سابقة لمجاهدين مروا بالمكان، ليكون الضيف على دراية بكيفية سرد ما بجعبته من وقائع تاريخية هامة .
و أضاف المتحدث أن أغلب المجاهدين، نظرا لتقدمهم في السن و حالتهم الصحية، يستغرقون وقتا طويلا في التسجيل، و تكرار أكثر من مرة، ما يدلون به من شهادات، كما أن بعضهم يجدون صعوبة في تذكر بعض التفاصيل، فيضطر الفريق إلى التوقف عن التصوير، أو التصوير على  مراحل، ليكون المجاهد في أريحية، لأن التسجيلات تستغرق في الغالب وقتا طويلا، فيشعر بالإجهاد، و أشار المتحدث إلى أن بعض التسجيلات تمت في منازل المجاهدين، الذين لا يستطيعون مغادرة البيت و التنقل بسبب المرض.
كما يتم  تصوير و تسجيل شهادات أفراد من عائلات الشهداء، كأراملهم و إخوتهم، إلى جانب تنظيم لقاءات تجمع المجاهدين بالطلبة في الجامعة بشكل دوري، و هي لقاءات بين من صنعوا أمجاد الماضي إبان الاستعمار الغاشم، و طلبة قسم التاريخ اليوم.
و أكد أستاذ التاريخ الدكتور إسماعيل سامعي،  أن هذه التسجيلات التي تتم في إطار الاتفاقية بين الجامعة و مديرية المجاهدين ، تشمل خرجات  إلى معاقل الثورة و مناطق تاريخية بشرق الجزائر، على غرار ميلة و قالمة،  رفقة المجاهدين،  و ذلك لسرد وقائع ثورية في مكان الحدث، و آخر تلك الخرجات تم  تصويرها  في مدينة جيجل،   التي كانت تمثل ثاني  إدارة للولاية الثانية خلال الاستعمار.
تسجيلات حية للمجاهدين بوطمين و بوغابة قبل وفاتهما
ذكر الدكتور إسماعيل سامعي، المشرف المباشر على التسجيلات مع المجاهدين، أن بعض من سجلت شهاداتهم النضالية، لم يعودوا اليوم بيننا، مثل المجاهد و الكاتب  الجودي لخضر بوطمين، الذي سجل أكثر من سبع ساعات، و كان أول من سجل شهاداته الحية سنة 2010  و تم حفظ هذا التسجيل في قرص مضغوط بمصلحة الأرشيف بالمركز السمعي البصري بجامعة الأمير عبد القادر، و وافته المنية قبل سنتين.
وهو الحال نفسه بالنسبة للمجاهد المتوفى مصطفى بوغابة، الذي كان من أوائل الذين رحبوا بالفكرة، حفاظا على تاريخ الجزائر الثوري ، لتبقى اليوم تصريحاته المسجلة صوتا و صورة، بعد وفاته، شاهدة على جرائم الاستعمار، و أضاف المتحدث أن الأمثلة كثيرة لمجاهدين  سجلوا مرورهم عبر مركز السمعي البصري لجامعة الأمير عبد القادر، و دونوا ما قدموه من نضالات و تضحيات، منهم من لا يزال على قيد الحياة، و منهم من توفى على غرار دخلي مختار، المدعو " البركة" ، أحمد لعور ، يوسف خلاصي و غيرهم.
مصورون  و تقنيون يذرفون الدموع من هول الوقائع
تحدث مصورون و تقنيون عن تجاربهم الإنسانية مع المجاهدين، خلال  سرد الكثير من الوقائع التاريخية التي عاشوها لسنوات طويلة، مع رفقائهم في الكفاح، إبان الاستعمار الفرنسي،  حيث قال المصور عمار بوكراع ، أن الأمر لا يقتصر على عملية تسجيل و تصوير أشخاص يوثقون لمعاناتهم، بقدر ما هي معايشة حقيقية لهذه الأحداث، فتمتزج الأحاسيس بالفخر بتاريخنا العظيم، بدموع يذرفها كل الحاضرين، لتأثرهم بما يرويه المجاهدون الذين ينقلون شهاداتهم بكثير من الاعتزاز و الألم. و أضاف المتحدث، أن هذه اللقاءات تكون مليئة بالمشاعر، فكثيرا ما تنهمر دموعه أثناء التصوير، و هو يسمع عن همجية المستعمر الذي تفنن في تعذيب و قمع و تقتيل الجزائريين، الذين ضحوا بالغالي و النفيس، لأجل تحرير الوطن، مؤكدا أن مشاهدة دموع المجاهدين  من أصعب المواقف و المشاهد،  و كثيرا ما يضطرون لتوقيف التصوير.
و أعربت من جهتها السيدة نسيمة بن زايد ، تقني سامي في الإعلام الآلي و الأرشيف و المونتاج بالمركز، عن تأثرها الكبير بأغلب التسجيلات، التي  تقوم بمعالجتها و تركيبها لتحفظ بعدها في أقراص مضغوطة كشواهد حية، مشيرة إلى أنها في أحيان كثيرة تغلبها دموعها عندما تسمع الشهادات و عندما تشاهد  دموع المجاهدين، التي لا تخلو من مشاعر الصدق و الألم.
علما أن السيدة نسيمة تشرف على عملية التركيب، و مشاهدة كل التسجيلات من جهاز "دي في دي"، و بعد معالجة الفيديو و مراقبة الصوت،  يخزن التسجيل في عدة  حوامل و نسخ من أقراص مضغوطة، و كذا  في ذاكرة مستقلة، كما يتم حفظ نسخة ثالثة في ذاكرة الكمبيوتر، من باب  حماية هذه التسجيلات التاريخية المهمة من التلف و الضياع، كما لا يمكن لأي شخص الحصول على التسجيل ، باستثناء المجاهد الذي تمنح له نسخة منه، مع وصل استلام يوقعه بنفسه، فيما تحتفظ الجامعة بالنسخة الأصلية، في المقابل يمكن للطلبة و الباحثين، مشاهدة التسجيلات داخل المركز، بعد الحصول على إذن و ترخيص من إدارة جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية.
أسر ثورية تساهم في تسجيل جزء من تاريخ الثورة
تشمل عملية تسجيل الشهادات الحية في مركز السمعي البصري بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، أفرادا من عائلات الشهداء، الذين يوجه لهم المركز دعوة لتسجيل شهاداتهم وهم عادة إخوة أو أرامل الشهداء ، و أوضح أستاذ التاريخ إسماعيل سامعي، أنه منذ 2010 ، تم التسجيل مع  ثمانية من عائلات شهداء، قدموا ما في جعبتهم من معلومات تاريخية هامة.
و أبرز هذه الأسماء الفنانة القديرة شافية بوذراع، أرملة الشهيد البطل صالح بوذراع ، التي روت أحداثا هامة في مسار زوجها النضالي، الذي كان من بين أهم الأسماء  الثورية في قسنطينة و ضواحيها آنذاك  و هناك أمثلة أخرى لعائلات ساهمت في إثراء و كتابة التاريخ الثوري للجزائر.
مجاهدون تحدوا السن والمرض للإدلاء بشهاداتهم
أكد الدكتور إسماعيل سامعي للنصر، أن عامل السن و المرض كثيرا ما يؤثران على مجريات التصوير، فقد يضطر الفريق التقني للتوقف لأكثر من مرة ، في حال تعب المجاهد و حتى نسيان بعض التفاصيل، و يوجد مجاهدون اضطروا للعودة أكثر من مرة لاستكمال التسجيل، بحكم وضعهم الصحي، لكن رغم هذه المتاعب فكل من وجهت لهم الدعوة للحضور لبوها و قدموا للمركز، رغم كل الصعوبات، و كلهم فخر و سعادة.
كما تنقل طاقم التصوير في أكثر من مناسبة  إلى منازل مجاهدين منعهم المرض من الخروج ، على غرار المجاهد أحمد  بن مزداد الذي كان آخر من سجلت شهادته الحية في منزله سنة 2019، تاريخ آخر تسجيل  بسبب الجائحة ، التي فرضت توقيف العملية، التي عرفت وتيرة متسارعة، حسب المتحدث بين سنة 2014 و 2015 ، على أن تستأنف، حسبه،  قريبا.
و ذكر المصور عمار بوكراع،  أن الكثير ممن سجلوا شهاداتهم، يعانون من مشكل النسيان، و عدم القدرة على الحديث مطولا، لكنهم رغم ذلك بذلوا جهدا كبيرا لمواصلة التسجيل و تذكر كل التفاصيل ، و فضل بعضهم التصوير على مراحل، بسبب المرض. و أشار المتحدث إلى أنهم يحترمون مواعيد التصوير، و يحرصون أكثر من القائمين على المركز، على نقل و حفظ  جزء هام من تاريخ الجزائر.
وهيبة عزيون

المجاهد بالولاية التاريخية الثانية محمد بوزردومة للنصر
جرائم فرنسا استمرت حتى بعد وقف إطلاق النار
* هزمنا المستعمر بالعمليات العسكرية والنشاط السياسي الجواري المكثف
يؤكد المجاهد محمد بوزردومة، في هذا الحوار مع النصر، بأن فرنسا ضيقت الخناق أكثر على الثورة منذ تولي ديغول للحكم وتطبيق مخطط شال، وهو ما تسبب في خسائر بشرية فادحة كما تحدث عن استمرار الجيش الفرنسي في ارتكاب الجرائم حتى بعد اتفاق وقف إطلاق النار، كما يشير المتحدث، إلى أن الخونة كانوا بمثابة عيون للاستعمار الأعمى، الذي لم يهزم بالعمليات العسكرية فحسب، بل بالعمل السياسي والجواري المكثف حماية للشعب من الدعاية الاستعمارية.

بفرحة كبيرة و ببدلة أنيقة استقبلنا عمي محمد ، رفقة ابنه مصطفى بمنزله بحي سيدي مسيد بقسنطينة، فرغم كبر سنه وثقل تكاليف الحياة، إلا أنه  ما يزال يمتلك ذاكرة قوية تحتفظ بذكريات وقصص لم ترو عن ثورة التحرير، ويقول متأسفا «إنه كان لابد أن تروى في وقت مضى وأن توثق بالصور والأماكن التي يحكي كل واحد منها قصصا وروايات عن رجال بذلوا الغالي والنفيس، من أجل جزائر حرة مستقلة».
أبي مناضل في الحركة الوطنية ومنزلنا كان مركزا للمجاهدين
المجاهد محمد بوزردومة من مواليد عام 1937 ببلدية الخروب بقسنطينة، قال إن منزلهم إبان الحقبة الاستعمارية كان يقع بشعبة التارزي، بأعالي حي القماص بمحاذاة قرية المريج، إذ كان مركزا للمجاهدين منذ انطلاق الثورة، و كان والده فلاحا مقتدرا بعض الشيء يعمل في الرعي والزراعة، كما أنه  كان مناضلا نشطا في الحركة الوطنية ثم انضم إلى جيش التحرير الوطني منذ بداية الثورة.
 ويقول عمي محمد، إن بيتهم كان مركزا لإطعام المجاهدين وتزويدهم بالمئونة، حيث كان يجلب بشكل دوري الألبسة والأدوية والأحذية وغيرها من المستلزمات من وسط مدينة قسنطينة، ثم يضعها بالمنزل العائلي ليمر بعض مجاهدي المنطقة من أمثال الطاهر جواد، وفيلالي رابح، لأخذها كلما أتيحت لهم الفرصة.
وشاية تكشف نشاط عمي محمد في مساعدة الثورة
واستمر محدثنا، على هذا الحال إلى غاية سنة 1958 ، حيث ذكر بأنه اقتنى مجموعة من الأحذية وبعض الأدوية ثم أخفاها في بيت ابن خاله المسمى إبراهيم بوقندورة على مستوى حي الشالي، ولسوء الحظ فقد رآه أحد الأشخاص وهو جزائري معروف بسلوكه المنحرف، ليتم توقيف ذات الشخص من طرف الشرطة الفرنسية متلبسا بأحد جرائمه وعند استنطاقه وشى بما رآه ، ليرافق الشرطة بعدها نحو بيت ابن خاله.
ويضيف الحاج محمد، أنه وفي ذلك اليوم ظل في بيت ابن خاله ولم يعد إلى منزله بالقماص كما أنه رأى عددا معتبرا من الشرطة مرفوقين بالكلاب المدربة وهي قادمة من حي جنان الزيتون إلى الشالي، لكنه لم يظن بأن تلك القوة جاءت باحثة عنه، مضيفا أن ابن خاله طلب منه الدخول إلى المنزل قبل أن يتفاجأ بأن الشرطة قدمت للبحث عنه، إذ بدأ الضباط يسألون عنه بالاسم فقط « أين محمد؟ أين محمد» ثم ضربوا ابن خاله، لكنه أكد لهم أنهم غير موجود داخل المنزل.
وقد اختبأ عمي محمد داخل المنزل ولحسن حظه ،كما قال، فإن الكلاب المدربة لم تدخل إلى  البيت إذ انشغلت بالاحتكاك مع كلاب أخرى من نفس الفصيلة كان ابن خاله يربيها بمنزله، ليقفز بعدها نحو بيت أحد الجيران وينزل إلى أسفل البئر الموجود داخل منزلهم.
 وعند خروج الشرطة من المنزل، اتجهوا نحو منزل مجاور وهو ملك لابن خالته، أين وجدوا ،مثلما روى لنا، دراجته الهوائية إذ كان قديما يكتب عليها اسم مالكها ليتعرف الضباط على اسمه ولقبه كاملا «وهو بوزردومة محمد» ليعتذروا بعدها من ابن خاله وقالوا له إنهم أخطأوا وأن الشخص المبحوث عنه لقبه بوزردومة وليس بوقندورة.
«الوقاف» مهنة ساعدت الاستعمار في معرفة الجزائريين
وقصدت الشرطة وفق محدثنا « الوقاف» وهو شخص من الجزائريين يعرف كل شيء عنهم، ألقابهم ونسبهم ومقرات سكناهم ومهنهم وكل المعلومات الأخرى،  حيث سرعان ما تعرفوا على مكان إقامته وتوجهوا إلى المنزل العائلي، أين اعتقلوا أباه ووالدته وأخاه الأكبر وعندما عاد إلى المنزل أخبره الجيران بأن الشرطة تبحث عنه ، ليعود أدراجه ويقضي ليلته في مغارة تقع بحي الشالي يطلق عليه اسم « ماشا سابقا» ثم قرر بعدها الالتحاق بصفوف الثورة مباشرة.
وتوجه عمي محمد إلى إحدى «الكازمات» بمحاذاة المنزل العائلي، وأخذ منها لباسا عسكريا ثم اتجه إلى مركز تموين المجاهدين عند عائلة بوطغان بقرية المريج، حيث كانت هذه العائلة المجاهدة تمدهم بالمساعدات «ودفعت الثمن غاليا بعدها إذ استشهد اثنان من العائلة إثر اكتشاف أمرهم من طرف المستعمر».
و بعد يومين التحق محدثنا، بالمجاهدين حيث رافق المجاهدين الذين كانوا يعرفونه من قبل ، إلى قرية ماسين ببلدية ابن باديس» وفي الطريق قاموا بعملية تتمثل في حرق ممتلكات أحد المعمرين المعادي للجزائريين، الذي يسمى «بيسو» ثم أخذوا ،كما ذكر، عددا من الماشية وعادوا إلى مخبئهم  بجبال جبل الوحش.
وانتقل بعدها المجاهد بوزردومة، إلى مركز المنطقة المحرمة فنطاية بوهمدان بالقرب من برج صباط بقالمة، علما أنه كان تابعا للقسم الثالث بمنطقة جبل الوحش بالناحية الثالثة من الولاية التاريخية الثانية، حيث كان نشاط المجموعة قائما بين مقر المركز ببرج صباط، الذي يتخذونه كمأوى لهم و منطقة جبل الوحش وما جاورها إلى غاية منطقة قطار العيش.
شح السلاح وبنادق لم تستعمل بسبب انعدام الذخيرة

وأكد المجاهد، أنه ولدى وصوله إلى المركز كان يحمل مسدسا صغيرا، كما وقف على نقص كبير في العتاد والسلاح رغم مضي 4 سنوات على الثورة، حيث طلب من قادة القسمة أن يمنحوه سلاحا، ليؤكدوا له وجود «بندقية المسمار» فقط، وهي عبارة عن صنف قديم جدا من البندقيات، كما أخبروه أنها غير صالحة وتسببت في مقتل مجاهد، لكنه ألح على منحها له. وتحدث، عن توفر بعض الأنواع من الأسلحة التي جلبت من تونس كالطومسون الأمريكية لكنهم لم يستعملوها لعدم توفر الذخيرة، في حين قال إن  جل المجاهدين كانوا يعتمدون على السلاح والذخيرة ذات الصنع الفرنسي، و التي كان يمكن الحصول عليها سواء من أعوان الثورة أو من خلال انتزاعها من الجنود والمعمرين.
وأكد محدثنا، أن السلاح ظل غير متوفر إلى غاية نهاية الثورة، إذ أنه وفي حال حيازته بشكل معتبر، فإن الثورة ،بحسبه، ما كانت لتستمر طيلة 7 سنوات إذ كانت الإمكانيات شحيحة جدا والمؤونة أيضا، كما أن عدد المجاهدين كان قليلا، وازداد الأمر حدة بعد استشهاد عديد المجاهدين .
وقد كانت قوات الاستعمار تهاجم منطقة بوهمدان في كل مرة، حيث تأتي كل يوم قوات كبيرة تحت تغطية الطيران الحربي، الذي كان يقصف على مدار النهار دون كلل أو ملل المنطقة التي كانت معبرا للمجاهدين باتجاه تونس، إذ كان المجاهدون يختبئون نهاراً داخل المغارات ثم يغادرونها ليلا بعد مغادرة الجيش للقيام بالعمليات، إذ كان الجنود الفرنسيون لا يتجرأون على القيام بالهجمات ليلا، مخافة تعرضهم لخسائر فادحة.
ويروي لنا الحاج محمد، بنبرة فيها الكثير من الحسرة عن إحدى المعارك التي استشهد فيها أصدقاء له خرجوا من المغارة وقصفتهم الطائرة، حيث قال بأنه نجا بأعجوبة بعد أن حوصرت المغارة من طرف الجنود والخونة من «أبناء جلدتنا»، الذين كانوا ينادوننا ويطلبون منا الخروج من المغارة، لكنه واجههم رفقة رفاقه بطلقات من الرصاص وقنابل يدوية.
«شال» استعان بأسلوب حرب العصابات لمواجهتنا
ويؤكد المتحدث  أن كل من يقول بأن فرنسا تخلت عن الجزائر بسهولة فهو كاذب أو جاهل بالتاريخ، حيث أنه ومنذ مجيء ديقول وتطبيق خطة شال، فإن الخناق زاد أكبر على الثورة، حيث أصبح الجنود الفرنسيون يستخدمون نفس أسلوب حرب العصابات ولا يبرحون الجبال، «ينامون بها ولا يبرحونها على الإطلاق، كما يتحركون ليلا في حين أن الطائرات تلقي لهم بالمؤونة طوال اليوم».
تكثيف نشاط « لاصاص» منذ تنصيب ديغول
وتابع محدثنا، أن الخناق كان يزيد يوما بعد يوم ما صعب من حركة المجاهدين، إذ تزايد عدد الشهداء بشكل كبير «وكل من يقول بأن ديغول هو من منح الاستقلال في الجزائر فهو خائن لدماء الشهداء»، حيث قامت خطته وفق عمي محمد، على تكثيف دور ونشاط الفرق الإدارية المختصة «لاصاص» وذلك من أجل استغباء الشعب وحثه على الوقوف ضد الثورة لاسيما فئة الشباب، كما استعان بعدد كبير من القوات الخاصة التي كانت مدربة على العمل بالجبال والمسالك الوعرة واستعان أيضا بالحلف الأطلسي.
وغير جيش التحرير خطته إثر تضييق الخناق وتطبيق سياسة الأرض المحروقة، التي اعتمدتها فرنسا، إذ تم حرق الأشجار والغابات، ما جعل المجاهدين يغادرون مراكزهم بتلك المنطقة وغيرها من المناطق، إذ وصل الأمر بالمجاهدين إلى عدم إيجاد ما يسدون به رمقهم، ليضطروا إلى النزول من الجبل نحو أماكن أخرى والانقسام إلى فرق صغيرة والتوزع على مختلف المناطق.
من العمل المسلح إلى النشاط السياسي والاستخباراتي
وأصبح محمد بوزردومة، إثر الخطة الجديدة تابعا للقسم الرابع الذي كان يضم الخروب وأولاد رحمون إلى غاية منطقة أولاد ناصر، مشيرا إلى أن هذا التقسيم قام به المجاهد مصطفى فيلالي، الذي التحق بالفدائيين بوسط مدينة قسنطينة، ثم التحق هو في البداية بمخبأ في  سهل بدوار أولاد مبارك  بأولاد رحمون، ثم توجه رفقة رفاقه بعد أيام إلى جبل بوغارب ببلدية ابن باديس.
ويروى لنا الحاج محمد، أن الحاسة السادسة للمجاهدين كانت قوية جدا، إذ أنهم سرعان ما يتأقلمون مع الوضع ويجدون الحلول، حيث أنه ورفقة زملائه في جبل بوغارب انتبهوا لوجود حيوان الضربان ليتتبعوا مساره، والذي أوصلهم إلى مغارة كبيرة لكن مدخلها ضيق وصغير، ليتخذوا منها مخبئا كما غطوا مدخلها بنبات السكوم.
وتمثل النشاط الجديد للمجموعة التي ينتمي إليها، في التنقل  إلى مختلف الأماكن و القرى والمداشر لجمع المعلومات والاستخبار عن تحركات العدو ونقلها إلى مسؤولي القسمات على غرار بلبوهالي شعبان وزويكري محمد وغيرهم من المسؤولين، الذين تداولوا على هذا المنصب، حيث قال إنه كان يتحصل على المعلومات من طرف أحد الجزائريين لقبه لمويسي، والذي كان يعمل رقيبا في الجيش الفرنسي إذ كان يمنحهم المعلومات عن تحركات العدو، فضلا عن الذخيرة.
«قياد» وعساكر بالجيش الفرنسي انضموا للثورة دون علم المستعمر
أما بخصوص العمليات العسكرية، فقد أسندت ،وفق محدثنا، إلى فرق أخرى لكن مجموعته نفذت عدة هجومات ضد خونة، مشيرا إلى أن تضاريس المنطقة منعتهم من إجراء الكثير منها إذ كانت منطقة مكشوفة واكتفوا بعمليات للدعم والإسناد والتبليغ عن الخونة، قبل أن يشير إلى انضمام العديد من «القياد» للثورة دون علم السلطات الاستعمارية إذ كانوا يتظاهرون بخدمة فرنسا في حين أنهم كانوا يعملون لصالح الثورة.
وذكر المتحدث، أن نشاط جبهة التحرير في السنوات الأخيرة، كان مزيجا بين العمل السياسي المكثف ضد الدعاية الفرنسية و العمل العسكري المسلح، إذ كان لابد من توعية الشعب وحمايته من أساليب الخداع التي كان يبتكرها الاستعمار في كل مناسبة، مشيرا إلى أنهم كانوا على اتصال وتواصل مستمر بالشعب لمحاربة الدعاية الاستعمارية والإشاعات الكاذبة التي كان يطلقها من حين لآخر.
وذكر عمي محمد، أن الجيش الفرنسي اتخذ من الجزائريين دروعا بشرية إذ كان يختفي ورائهم ويضعهم في الواجهة لاسيما بمراكز المؤونة ، إذ كانوا «يدفعوننا إلى مواجهتهم» ، «لكننا كنا نتحاشى قتالهم» في تلك النقاط حفاظا على أرواح الشعب، الذي عانى كثيرا منذ تطبيق مخطط شال، فقد ارتكبت مجازر كثيرة في حق الأبرياء العزل. ويؤكد محدثنا، أن الجيش الفرنسي ظل يحارب الجزائريين ويحاول قتل الثورة إلى غاية خروج آخر جندي، حيث أنه ورغم وقف إطلاق النار في 19 مارس من عام 1962 إلا أن الجيش الفرنسي «وليس المنظمة الخاصة» ظل يقتل ويعتدي على الجزائريين العزل.
«القومية» كانوا عيون الاستعمار الذي كان أعمى
ويذكر المجاهد استشهاد المجاهد مسعود القسنطيني قبل 15 يوما من الاستقلال، كما وقعت حادثة في جامع طرشة في مخرج مدينة قسنطينة، حيث قال إن مجموعة من المجاهدين تراخوا بعد وقف إطلاق النار، ليتم الهجوم عليهم واستشهد على إثرها شهيد وكثيرا ما سجلت حوادث أخرى «وهو ما يؤكد رغبة فرنسا القوية في المكوث في الجزائر وحقدها الكبير على الثورة والثوار».
وأشار إلى دور «القومية» و»القياد» فضلا عن الوقافين في إطالة عمر الثورة والتكلفة الباهظة التي دفعها الجزائريون، حيث كانوا بمثابة «عيون المستعمر الأعمى» الذي لم يكن ليرى شيئا دونهم، ليتأسف محدثنا في ختام الحوار لما حدث بين الإخوة الأشقاء بعد الاستقلال، حينما دخل جيش الحدود إلى الجزائر ولقي معارضة من طرف قادة ومجاهدي الولاية الثانية، إذ سجل قتال بين الطرفين وسقط على إثره بعض المجاهدين الوطنيين، قبل أن يضيف بأنه تدرب عسكريا ومكث في الجيش الوطني الشعبي 3 سنوات بعد الاستقلال ثم قرر مغادرته في عام 1966 ليلتحق بالعمل في قطاعات أخرى.
حاوره لقمان قوادري  

كان شاهدا على أحداث ساقية سيدي يوسف
المجاهد مصطفى بن زغدة يقيم في بيته متحفا للذاكرة
حول المجاهد مصطفى بن زغدة، 81 عاما، إحدى الغرف ببيته، الكائن بحي بن شرقي في قسنطينة، إلى متحف صغير للذاكرة، يضم عديد الوثائق الثورية، و صور تذكارية لمجاهدين و شهداء، إلى جانب مؤلفاته حول تاريخ الثورة الجزائرية و جيش التحرير الوطني، على غرار «مرآة مجاهد» و «هذا هو أنا» و «شهادات حية لمن هم تحت التراب»و غيرها.

النصر التقت المجاهد بن زغدة داخل متحفه الصغير، فعاد بنا إلى سنوات نضاله في صفوف جيش التحرير الوطني، و كيف نجح في تقلد الكثير من المناصب الثورية، و هو في سن مبكرة، إلى أن أصبح قائد فصيلة، ثم كتيبة، فمدرب لإطارات الجيش الوطني، في مختلف الفنون القتالية، بمركز ملاق في الحدود التونسية.
صور و وثائق يزيد عمرها عن نصف قرن
يضم المتحف مجموعة من الوثائق التاريخية، التي لا يزال المجاهد بن زغدة محتفظا بها، و تعود للأيام الأولى من التحاقه بصفوف جيش التحرير الوطني وهو في سن 16، و قام بتعليقها على جدران غرفته، منها دفتر مذكراته الذي كان رفيقه الدائم خلال تنقلاته في الجبال، إلى جانب مجموعة من الدروس كانت جبهة التحرير الوطني، ترسلها لكل المناضلين، في إطار تكوينهم من الناحية السياسية ، كما علق السيد مصطفى على الحائط، مجموعة من الأوراق نشر فيها النظام الداخلي للجبهة و لجيش التحرير الوطني.
و علق أيضا ورقة قديمة، تضم قائمة بأسماء الجنود المنتمين للكتيبة التي كان يشرف على تدريبها، سنوات 1958و 1959 ، في الجهة الحدودية الشرقية.
أما الجهة المقابلة لمدخل الغرفة، فقد علق المجاهد على جدارها، الكثير من الصور، التي تعود لأيام الكفاح المسلح  في الجبال،  و تجسد عددا من الشهداء و المجاهدين، من مختلف ولايات الوطن، و بإحدى الزوايا وضع المجاهد مجموعة من الإصدارات فوق طاولة ، في شكل  مجلات صغيرة الحجم، ألفها المجاهد بن زغدة منذ سنوات، و قام بطبعها، و تحدث فيها عن مساره النضالي و أحداث مهمة في تاريخ الثورة الجزائرية عايشها، خاصة  على الحدود الشمالية الشرقية للوطن، داخل مراكز التدريب.
و خلال جولتنا في هذا المتحف الصغير،  الذي يلقى عناية كبيرة من طرف صاحبه المجاهد بن زغدة، شد انتباهنا قدم الكثير من الصور و الوثائق، التي لا يزال يحتفظ بها ، فعلق أن حقيبة ظهره كانت المخبأ الآمن لهذه الصور و الأوراق، و قد رافقته أينما حل و ارتحل طيلة مساره الثوري.
و بعد سنوات من الاستقلال، كان يعرضها في مختلف المعارض التي تنظم خلال المناسبات الوطنية، ثم قرر السيد مصطفى جمعها في فضاء واحد ، في شكل متحف صغير، ليكون شاهدا على عظمة الثورة الجزائرية و نضالات رجالها.
التحق مبكرا بالثورة و شهد أحداث ساقية سيدي يوسف
التحق المجاهد  مصطفى  بن زغدة بصفوف جيش التحرير الوطني، بعد إصرار لازمه لسنوات، فقد حرمه صغر سنه من ذلك، كما أخبرنا،و كانت قصص الكبار عن الثورة و أحداثها، على غرار مجازر 8 ماي 1945، تغذي رغبته في الصعود إلى الجبل و الكفاح المسلح و طرد المستعمر، أو الاستشهاد.
و عندما بلغ ربيعه 16 ، تقدم كمتطوع  في صفوف جيش التحير الوطني، و بعد سنتين من النضال في أعالي الجبال، طلب من رؤسائه السماح له بالانضمام إلى الفريق المتوجه إلى تونس، لجلب الأسلحة، فكان له ذلك، و قطع و رفاقه الرحلة مشيا على الأقدام، وهو ابن 18.
هذه الرحلة التي كانت محفوفة بالمخاطر، جعلته يكون أحد الشهود على وقائع ساقية سيدي يوسف، التي شهدت اشتباكات بالقرب من القاعدة الشرقية مع الجيش الفرنسي من السابعة صباحا إلى غاية الرابعة مساء ، و تكبدت خلالها قوات المستعمر، خسائر معتبرة و حجز أربعة أسرى، فكان ردها عنيفا في اليوم الموالي، بهجمات جوية  على المركز الشرقي للتدريب، بهدف إبادة من فيه من جنود جزائريين كان عددهم 1200 فردا، لكن الجانب الجزائري تفطن لهذا المخطط،  و تم إخلاء المركز قبل بداية الهجوم، ما أثار جنون قوات فرنسا و قامت بخرجات قتالية جوية، باستخدام طائرات حربية من صنف ب26/ب 29 و القيام بقصف عشوائي، راح ضحيته الكثير من الأبرياء، منهم 85 معلما و طفلا، كانوا بالمركز الحدودي للاجئين بين تونس و الجزائر.
من أوائل مدربي المجندِين الجدد في جيش التحرير الوطني
يعتبر المجاهد مصطفى بن زغدة نفسه من المحظوظين في مسيرته النضالية الطويلة، في صفوف جيش التحرير الوطني، حيث أن التحاقه بالحدود الشرقية سمح له بالتدرج في عدة مناصب ، من جندي بسيط، إلى قائد فصيلة، ثم كتيبة، و بفضل انتمائه إلى مدرسة الإطارات العسكرية، الأولى في تاريخ الجزائر .
و أدى انضمام مجموعة من الضباط الفرنسيين إلى صفوف الثورة الجزائرية، إلى اكتساب خبرتهم و تدريبهم لفتح هذه المدرسة، حيث أنهم ، حسب المتحدث، وفروا تأطيرا مقننا للمجندين في صفوف جيش التحرير الوطني.
وبعد تكوين دام ستة أشهر  في مختلف الفنون القتالية و حمل السلاح الخفيف و الثقيل و رمي المتفجرات، أسندت إليه قيادة إحدى الفصائل بالقاعدة الشرقية ولاية الطارف، وهو لا يزال في سن 18 ، بعد سنة  تمت ترقيته إلى قائد كتيبة ، و مع صدور قرار التجنيد سنة 1960 ، و فتح خمسة مراكز لتدريب المجندين ، أصبح واحد من بين أول ستة مدربين للمجندين، و هم محمد بوكلاب ، مصطفى عوادي، عبد العزيز  بروكي ،رابح بن سالم و إبراهيم شنة، و تولت هذه المراكز مهمة تدريب أول فيلق بقيادة العربي بلخير بالمركز الخلفي « ملاق»، على الحدود الشرقية  داخل التراب التونسي، و كان يضم أكثر من 12 ألف جندي، تم تكوينهم وفق طرق عصرية، بعدها تم تشكيل العديد من الفيالق.
و أضاف المتحدث أن جيش التحرير أصبح أكثر تنظيما، و يعمل وفق طرق عصرية، خاصة من الجانب القتالي، بعد إنشاء مركز الإطارات الذي كان من بين الأوائل الذين تدربوا فيه، و تم استبدال طريقة تقديم السلاح لمختلف عناصر الجيش، من الطريقة الفرنسية التي لقنها الضباط الفرنسيون المنتمون إلى جيش التحرير، إلى الطريقة الجزائرية وهي الطريقة المنتهجة إلى غاية اليوم، و ذلك في اجتماع عقد سنة 1959 ، ضم المدربين الستة بقيادة العربي بلخير.
محدثنا الذي يقضي أغلب وقته داخل متحفه الصغير، ليتذكر تضحيات رجالات و نساء قدموا أرواحهم في سبيل تحرير الوطن، لا يتوقف عن الكتابة و تدوين كل التفاصيل التي عاشها في صفوف جيش التحرير الوطني، مع المرابطين على الحدود الشرقية للوطن، و داخل مراكز التدريب، و يتمعن في صور رفقائه في النضال المسلح ، من مختلف ولايات الوطن، و الكثير منهم استشهدوا في ساحة الوغى، و القليلون مثله لا يزالون على قيد الحياة.
و أكد المجاهد أن هذا الفضاء التاريخي الصغير، مفتوح لكل الراغبين في معرفة تاريخنا النضالي المجيد، خاصة الباحثين و الإعلاميين، و هو مستعد لاطلاعهم على الكثير من الحقائق التاريخية، التي لا يزال يحتفظ بها و بأدق تفاصيلها.
وهيبة عزيون

الثورة الجزائرية..حضور بارز في وسائل الإعلام
الثورة والإعلام الجزائري
أدركت الثورة الجزائرية منذ انطلاقها أن الإعلام فضاء هام جدا لتحقيق أهدافها، فاستخدمت كل الوسائل الإعلامية المتاحة للتعريف بها وانطلاقها خارج حدودها، فأسست لهذا الغرض صحفا وهو الشكل الإعلامي المتاح آنذاك، كما استخدمت الإذاعة، والتلفزيون والسينما ووكالات الأنباء وكلها كانت تعمل بنسق متناغم متجاور له توجه واحد وهو الدعم اللوجيستي للثورة والدعاية لها لتحصين موقعها وأهميتها المحلية والدولية.

كانت ولاية الأوراس سباقة في إصدار نشرة صحفية في سنة 1955 أسمتها الوطن(تصدر باللغة الفرنسية)، تتضمن أخبار الولاية وردود بعض دعايات الصحف الغربية، وبعض الأخبار العالمية، ثم  أصدرت الولاية الثالثة نشرة أسمتها «الجيل» وأصدرت الولاية الرابعة نشرة أطلقت عليها اسم  «حرب العصابات»، وبلغ عدد النشريات حوالي خمس عشر نشرة صحفية نصف شهرية(سلامي، 2016).  
«وظهرت صحيفة المقاومة إلى جانب عدة نشريات وأخيرا توجت بصحيفة المجاهد بصفتها اللسان المركزي لجبهة التحرير الوطني، وأصبحت صحيفة المجاهد مدرسة في الصحافة الوطنية فقد تابعت تطور كفاح الجزائر عبر السنوات الصعبة وتعاملت مع الإعلام الصديق والعدو وأوضحت مواقف الثورة في مدها وجزرها وفي تعرجاتها داخليا وخارجيا، وقاومت الدعاية الفرنسية المضادة بنجاح سيما أثناء سوء التفاهم أو حتى الأزمات مع الجيران والأشقاء، أو حرب الإيديولوجيات، أو سير المفاوضات السرية والعلنية(سعد الله، 2007).
وبقيت صحيفة البصائر تصدر إلى أفريل 1956 حيث كانت تمد الرأي العام بأخبار الثورة عبر افتتاحيتاها وتخصيص باب جديد تحت اسم «يوميات الأزمة الجزائرية»، ولكنها توقفت بعد السنة التاسعة وتحديدا بعد صدور العدد 361، حيث أكدت على خوض المعركة الحاسمة جنبا مع الشعب الجزائري(عباس، 1954)، ولم تكتف الثورة بالصحافة كوسيلة للتعبير على منطلقاتها وتجسداتها، بل لجأت إلى استخدام نوع آخر من الوسائل وهي الإذاعة،»فأسست إذاعة الجزائر السرية داخل الوطن، ثم صوت الجزائر الذي كان يذاع يوميا من إذاعة تونس الشقيقة، ودعم هذا الشكل الإعلامي بالأفلام الوثائقية المصورة في قلب المعركة»(سعد الله).
ولعبت الإذاعة السرية التي ظهرت في 16 ديسمبر 1956دورا رئيسيا في توعية الشعب وبث الثقة في النفس وتجنيد الجماهير وراء الثورة ومنحها الأمل في النصر، وأكملت هذه الإذاعة مسيرتها تحت اسم صوت الجزائر التي كانت تقدم المعلومات العسكرية والسياسية، وكان لها برامج تتناول التاريخ والأدب والثقافة العامة التي تخدم أهداف الثورة، كما كانت تذيع الأخبار النقابية والمؤتمرات الدولية التي تهتم بمسيرة الثورة وتحركات وفودها في الخارج(المركز الوطني للدراسات والبحث).
ومن الإذاعة إلى الإعلام المرئي والمسموع المتمثل في السينما، حيث قامت وزارة الأخبار بإنشاء قسم لها عام 1959 كان يقوم بإعداد الأفلام التسجيلية عن المعارك وعن حرق القرى والمدن ويصور نضال أطفال ونساء ورجال الجزائر في معاركهم اليومية مع الاستدمار الفرنسي، ومن أهم الأفلام، فلم «اللاجئون» 1956، فلم»جزائرنا» 1961، وفلم «ياسمينة» 1961،كما تم تأسيس  وكالة الأنباء الجزائرية عام 1961، وكان مقرها في تونس وتمثل دورها في الإشراف على كل ما يتعلق بالثورة من أنباء وتعليقات ومراجعتها بدقة تجنبا لاحتمال تحريفها، كما كانت تقوم بإعداد نشرة إخبارية يومية باللغتين العربية والفرنسية توزع على مكاتب وكالات الأنباء الأجنبية، وكانت جبهة التحرير الوطني تنظم اتصالاتها الإعلامية بالدول العربية عن طريق وكالة أنباء الشرق الأوسط وبالدول الاشتراكية عن طريق وكالة شيتا التشيكية(وزارة المجاهدين، 1996).
لقد تمثلت أهداف إعلام الثورة  والذي رسم لها صورا مشرقة في الآتي:
– تحطيم الفكرة التي ظلت فرنسا ترددها أن الجزائر جزء منها منذ سنة 1830م، وإقناع الرأي العام الدولي أن هناك شعبا جزائريا له أصالته وتراثه ولا يمكن أن يصبح فرنسيا، وله الحق في أن يحيا حياة حرة كريمة كباقي شعوب العالم.
– إبراز الوجه الآخر من حقيقة فرنسا التي اشتهرت في العالم بأنها موطن العدالة والحرية والمساواة وذلك بإظهار سياستها اللإنسانية التي كانت تتبعها مع الشعب الجزائري.
– إقناع الرأي العام العالمي بأن الحركة الثورية الناشئة من العدم قادرة على استلام زمام السلطة في بلد له أهميته العالمية.
– اتصال الثورة بالشعب وإبلاغ المواطنين حقيقة ما يجري من صراع مسلح مع العدو.
تعبئة الجماهير الشعبية لتلتف حول الثورة بغية التحرر والاستقلال.
– تحصين المواطنين الجزائريين من الإعلام الاستعماري وحربه النفسية والإيديولوجية.
الثورة والإعلام العربي
حمل الإعلام العربي على عاتقه التسويق لمبادئ الثورة وأهدافها، وبطولات صناعها كما عمل على فضح السياسة الفرنسية الاستدمارية، وتنوعت وسائله ومضامينه، فنجد «صحيفة العمل» التونسية قد نشرت سلسلة من المقالات والتحقيقات، تشيد بالتنظيم المحكم للثورة وتنقل صورا لبطولات الجزائريين، كما فضحت جرائم فرنسا وما تبعته من حرب إبادة واستخدام كل فنون وأساليب التعذيب.
وكشفت «صحيفة الجمهورية المصرية» عن السياسة المزدوجة التي تتبعها حكومة «غي موليه»، بينما أوردت «مجلة المصور المصرية» مقالات عديدة عن الكفاح الذي يخوضه الشعب الجزائري من أجل استرجاع سيادته، وصور الثوار بأنهم جيش عصري منظم، تفنيدا لادعاءات فرنسا بأنهم عصابات أو قطاع طرق.
وعمدت صحيفة «البعث السورية» إلى إبراز أن الثورة الجزائرية هي عنوان للنضال القومي الإنساني، وأنها معركة الحضارة والقيم الإنسانية والمستقبل، فضحت فرنسا وكل الدول الاستعمارية وهي ثورة لتحرير كل الشعوب.
وقامت الإذاعات العربية، من تونس الشقيقة والقاهرة والكويت ودمشق وبغداد وطرابلس، بتوجيه الرأي العام والدعاية للثورة، فجاء في «صوت القاهرة»:»منذ الساعة الأولى من صبيحة هذا اليوم المبارك فتحت الجزائر يوما جديدا لحياة شرف وعزة وكرامة»، وأصبحت صوت العرب دعما متواصلا لا مثيل له للقضية الدولية في المحافل الدولة وشن معركة إعلامية ضد فرنسا(سيدي موسى).
تعددت البرامج الإذاعية التي تبث من إذاعات الدول الشقيقة والتي عملت على نقل صوت الثورة والثوار، ومنها «صوت جبهة التحرير الوطني يخاطبكم من القاهرة»، و»هنا صوت الجزائر المجاهدة الشقيقة» من تونس، وبرنامج «صوت الجزائر الثائرة» من سوريا، وبرنامج إذاعي خاص بالثورة الجزائرية من بغداد، و»صوت الثورة الجزائرية» من ليبيا عبر محطتين، «محطة طرابلس»، و»محطة بن غازي».
ودعمت «صحيفة أم القرى السعودية» الثورة من خلال إظهار موقف المملكة منها، حيث أبدت اهتماما ملحوظا بالقضية الجزائرية منذ اندلاع الثورة عام 1954، إذ دعا الملك سعود بن عبد العزيز عام 1955 إلى إدراج القضية الجزائرية في جدول أعمال هيئة الأمم المتحدة، مما سيوجه النظر لها دوليا لكي ينالوا حقهم بالاستقلال ، كما التقى الوفد السعودي مع أعضاء الوفود العربية، والدول الأفريقية والآسيوية الأعضاء في الجمعية العامة لدعم الموقف السعودي ولمواجهة هذا الموقف هددت فرنسا بالانسحاب من الجمعية العامة، مما أدى إلى إذعان الجمعية للضغط الفرنسي، وأجلت عرض القضية الجزائرية في جلساتها(الجغافرة،2012).
وأكدت الصحافة العراقية دقة قراءتها لما  يحدث في الجزائر من سلوك وحشي كانت تقوم به القوات الاستعمارية الفرنسية، حينما أعطت الثورة الجزائرية بعداً قوميا موازيا للقضية الفلسطينية، واعتبرتها قضية لا تقل أهمية عنها، مركزة على خطورة ذلك على الأمن القومي العربي. واعتبرت ما يحدث في الجزائر ما هو إلا جريمة قل مثيلها في التاريخ الإنساني، وشبهت ما تقوم به القوات الفرنسية من أعمال إجرامية توازي ما تقوم به القوات الصهيونية في فلسطين من قتل وتشريد للفلسطينيين(العبيدي، 2007).
كان للإعلام الليبي دور بارز في تعبئة الرأي العام سياسيا ودفعه إلى مناصرة حركة الثورة الجزائرية ودعمها ومساندتها، عن طريق المقالات السياسية والنداءات الصحفية وقصائد الشعر السياسي التي كانت تنشرها الصحافة الليبية لتؤكد فيها على صورة عدالة الثورة و دحض مدنية فرنسا التي أبانت عن وحشيتها وحقيقة أعمالها ومنها «جريدة الرائد»، و»جريدة الفزان»، و»جريدة طرابلس الغرب»، ومن خلالها تم توجيه النداءات تدعو الشعب الليبي الوقوف إلى جانب الثوار الجزائريين حيث ركزت على تقديم المساعدات عن طريق التبرع بالأموال والألبسة، والمساهمة في إحياء ذكرى الثورة الجزائرية كل سنة من خلال الاحتفالات الشعبية وإحياء يوم الجزائر للتبرع، والمشاركة العملية على أرض المعركة عن طريق الجهاد بالنفس.
أرسلت بعض الصحف المحلية مندوبين عنها إلى الجزائر بقصد نقل أخبار المعارك ووقائعها لزيادة تقديم الدعم المادي والمعنوي، ومن ذلك ما قامت به جريدة «طرابلس الغرب» حيث أوفدت أربعة بعثات صحفية من 15/1/1958 إلى 13/2/ 1958، والذي ساهم مندوبها في نقل الأخبار مباشرة ودراسة مسألة المهاجرين على الحدود، ونقل أخبار المجاهدين في معركة جبل كوشة، كما نقل حقائق الإرهاب الفرنسي والمعاملة القاسية التي تعرض لها المجاهدون في الجزائر كالتعذيب بالكهرباء وتشويه جثث الشهداء والتمثيل بها.
أجرى مراسل الجريدة حوارا صحفيا مع أحمد بن بلة ومجاهدين آخرين من جيش التحرير الجزائري، ودار الحديث حول الحركة الجزائرية وتطوراتها وأدوارها وما صادفها من عقبات وعن السياسة الاستعمارية ضد الشعب الجزائري وأشادوا فيها بالمساعدات الليبية للثورة الجزائرية(أبو لسين، 1954).
الثورة والإعلام الدولي
لم يقتصر الدعم على وسائل الإعلام العربية بل حاولت بعض وسائل الإعلام الدولية التعريف بالثورة الجزائرية ودعمها، ومن ذلك صحيفة «بوربا» اليوغوسلافية التي أسهمت إلى حد كبير في توضيح رؤية ومنهاج الثورة وفضح السياسة الفرنسية، كما قامت بتغطية كل تطورات القضية الجزائرية في المحافل الدولية(أبو لسين).
ومن أبرز المقالات في هذه الصحيفة سلسلة من 20 مقال، بعنوان « 20 يوما مع جيش التحرير»، نقلت منها المجاهد 6 مقالات تحدث فيها الصحفي اليوغوسلافي عن الاشتباكات التي كانت تدور بين الفرنسيين المزودين بأحدث الأسلحة يدعمهم الطيران، وكانوا يحاولون إبادة الوحدة التي يهاجمونها، بينما كان يناور جنود جيش التحرير ولا يقبلون المعركة إلا إذا كانت في صالحهم.كما كنب عن خط موريس والمحاولة الفاشلة التي كانت فرنسا تروجها عن كون الثورة تتغذى أساسا من التأييد الخارجي وليس لها جذور في داخل الجزائر.
في مقالات «نيويورك تايمز الأمريكية» التي صدر بها مقالات تصف تدريبات الجنود الجزائريين ودقتهم في استخدام الأسلحة، وعمليات تخريب أجزاء من خط موريس، والذي بدد الأوهام التي كانت تروج لها الصحافة الغربية المناوئة للثورة(العبيدي).
أوردت صحيفة «صوت الشعب» التابعة للحزب العمالي الألباني مقالات دورية تشرح فيها مبادئ وأهداف الثورة، وأشادت كفاح الشعب الجزائري على أنه كفاح كل الشعوب المقهورة.وأقدمت إذاعة تيرانا بالعاصمة الالبانية بتخصيص حصص حول الثورة باللغات، الفرنسية، الانجليزية والعربية، وفيها أظهرت انتصارات الجزائريين وكذبت آلة الدعاية الفرنسية، وتابعت صحيفة «Natoina» المجرية أحداث الثورة وسير المعارك والعمليات الفدائية التي يقوم بها جيش التحرير(المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية).
وقد حاول الإعلام على المستوى المحلي والعربي والدولي التسويق لصور نمطية حول الثورة الجزائرية اتسمت بالايجابية من خلال  إثبات عدالة الثورة الجزائرية وغطرسة الدولة الفرنسية التي آمنت أن الجزائر قطعة منها، فجاء هذا الدعم ونقل الحقيقة وتعرية المستدمر، وصار من أولويات هذه الوسائل، ومع اختلاف طرق الدعم وحجمه، إلا انه يمكن القول ان الثورة كان لها بريقها وإشعاعها لأنها انطلقت من فقه الدور الحضاري الذي يجب أن تستوعبه شعوب العالم وهو الدور الذي سوقته وسائل الإعلام المختلفة ويجب أن تواصل تسويقه خاصة ونحن نشهد أجندة من نوع آخر تريد للعالم العربي والإسلامي أن يعيش خارج التاريخ وخارج الحضارة.
ولا تزال بعض وسائل الإعلام في الوقت الراهن تستحضر صور الثورة المشرقة عبر بعض البرامج الإعلامية الدينية التي تبث عبر القنوات الفضائية والتي تحاول أن تبث روح الحماس والنضال عند بقية الشعوب التي مازالت ترنح تحت الاحتلال أو التي تتعرض أراضيها لانتهاكات صارخة من طرف الاجنبي الذي يصر على نظرية الصراع والتدخل في الشؤون الداخلية لدول لها حدودها الجغرافية التاريخية والتي لا يمكن التنازل والتفريط بها.

باحثون و أساتذة يبرزون دور منطقة الوادي في التموين
من هنا مرت قوافل السلاح نحو معاقل الثورة
تعد ولاية الوادي من بين المناطق التي كانت معبرا لقوافل السلاح القادمة من تونس وليبيا و مصر و غيرها من البلدان الشقيقة و الصديقة لتموين الثورة. ولاية الوادي بواديها سوف و ريغ، من الولايات التي يؤكد المؤرخون أن موقعها الجغرافي المتميّز الذي تربطه آنذاك الحدود مع الدولتين الشقيقتين ليبيا و تونس، قبل أن تحول منطقة البرمة في التقسيم الإداري بولاية ورقلة، جعل من قادة الثورة الذين يخططون للقيام بثورة تحرير ضد العدو، يربطون اتصالاتهم ابتداء من سنة 1948 بعدد من أبناء المنطقة من أجل التنسيق لجلب السلاح.

* الدكتور و الباحث في التاريخ المحلي عمار عوادي
وادي سوف.. حلقة الكفاح التي زوّدت الثورة بالمال و الســــــــــــــــلاح
و أكد الدكتور و الباحث في التاريخ المحلي "عمار عوادي" بجامعة الشهيد حمة لخضر" "للنصر"، أنه و بظهور المنظمة الخاصة سنة 1947 و بروز الفكر الثوري الذي تجسد في عمليات التسليح، التي اتسمت بالتنظيم، الدقة و السرية التامة.
و كانت المنظمة الخاصة وفق الدكتور "عمار عوادي" التي تضم في صفوفها عددا من أبناء الوادي على غرار "المولودي ونيسي" أحمد ميلودي و عبد القادر العمودي و" ميهي محمد بلحاج"، قد أوكلت إلى هؤلاء مهمة تدريب المناضلين على العمل العسكري، حرب العصابات و تدريبهم على استعمال السلاح.
و يضيف الباحث عوادي، أن "الشهيد ميهي البشير" المدعو "محمد بلحاج"، يعد أول من زرع نواة العمل الوطني بعد تكليفه من سنة 1947 بمهمة جمع السلاح و ربط الاتصالات مع منطقة بسكرة التي كان مسؤولا عنها الشهيد البطل "العربي بن مهيدي".
و استطاع الشهيد "محمد بلحاج" جلب أول دفعة سلاح من العاصمة الليبية طرابلس و إيصالها إلى جبال الأوراس سنة 1948 عبر شاحنات نقل التمر المتجهة نحو بسكرة و يتم التنسيق في هذه العمليات مع "عبد القادر العمودي"، أحد القادة 22 المفجرين للثورة و البشير غندير، مشيرا إلى ترصد المستعمر في كل مرة يغير فيها المجاهدون طريقة نقل السلاح.
و يشير الباحث إلى أن رحلات شراء السلاح القادمة من تونس انطلاقا من قرية  "دوز" بأقصى الجنوب التونسي المحاذية للحدود الجزائرية، مرورا بالمسالك الرملية الوعرة عبر "الجمال"، أما القادمة عبر التراب الليبي، فتسلك طريق طرابلس نالوت المحاذية للحدود التونسية الجزائرية و من ثم حسب آمان الطريق إما الدخول لتونس أو الجزائر.
و يذكر "الدكتور عمار عوادي"، أن لسفينة الصحراء "الجمل" دورا كبيرا في نقل السلاح و إدخاله للجزائر عبر المسالك الرملية الصعبة جدا التي لا يتحملها غيره في الصيف و الشتاء، بمساعدة العارفين بالصحراء جيدا لتجنب التيهان فيها، ليستنجد المجاهدون حتى بالقطار الذي وصل قبلا مدينة الوادي، مرورا بالمغير عن طريق صناديق التمر و مختلف البضائع.
و يختمها "عمار عوادي" بقوله، إن منطقة وادي سوف بما امتلكته من رجال ضحوا بالغالي و النفيس من أجل استقلال الجزائر، مستغلين جغرافيا أرضهم لتكون مهدا لقوافل السلاح القادمة من مصر، ليبيا و تونس و هو ما ساهم بشكل وافر في تزويد الثورة بالمال و السلاح و كانت حلقة مهمة في حلقات الكفاح الجزائري ضد المحتل الفرنسي.

* الدكتور بجامعة الوادي و الباحث في التاريخ المحلي “محمد ماني”
عملية جمع و نقل السلاح تمت على 3 مراحل
كما قسّم الدكتور بجامعة الوادي و الباحث في التاريخ المحلي  "محمد ماني" في تصريحه "للنصر"، عمليات جمع و نقل السلاح إلى 3 مراحل، أولها كان بين تأسيس المنظمة الخاصة سنة 1947 و اكتشافها سنة 1950، حيث استغل أبناء المنطقة فرصة انتهاء الحرب العالمية الثانية و استقلال دولة ليبيا لشراء عدد معتبر من قطع السلاح و تخزينه بالوادي، فيما كان محمد بولوزداد يزور الولاية للاطلاع عن مدى ما وصله من معلومات حول كميات السلاح.
أما المرحلة الثانية، وفق ذات الباحث، فكانت ما بين 1950 و 1954، حيث وصلت أوامر بعد اكتشاف المنظمة الخاصة إلى أعضائها في ولاية الوادي، بالتوقف عن إرسال أي قطعة سلاح إلى المراكز المعتادة و على رأسها مركز "اريس" بباتنة، بعد حادثة انفجار مخزن للذخيرة و السلاح خوفا من اكتشاف أمره من طرف العدو، إلى أن تصلهم الأوامر من القيادة، مشيرا إلى زيارة مصطفى بن بولعيد نفسه إلى المنطقة قبيل اندلاع الثورة بأشهر سنة 54 و الذي أمر ببدء نقل السلاح إلى منطقة الأوراس.
و عقب اندلاع الثورة في الفاتح نوفمبر، يضيف "الدكتور ماني محمد"، أصبح الثوار يجمعون السلاح سرا و يحولونه للمجاهدين عن طريق الولاية الأولى، ثم السادسة عبر التنظيمات المدنية و كان آنذاك قد أوكلت مهمة التسليح للقائد الشهيد "الطالب العربي قمودي" رفقة الشهيد هالي عبد الكريم، بتكليف من بن بولعيد لتأمين حماية شرايين إمداد الثورة بالسلاح عبر الحدود الشرقية، إلى أن استشهد سنة 57 .

* البروفيسور أستاذ التاريخ المعاصر "رضوان شافو"
أهل وادي ريغ لهم فضل كبير في تسليح الثورة
كما اعتبر البروفسور "رضوان شافو"، أستاذ التاريخ المعاصر في حديثه "للنصر" بمناسبة الاحتفال بالذكرى 67 لاندلاع ثورة التحرير الكبرى، أن أهل وادي ريغ ممثلين حاليا بالولايتين المستحدثتين تقرت و المغير و رغم ما كانوا عليه من عوز لاعتمادهم على الزراعة المعاشية المحلية، إلا أن حبهم للوطن و تعلقهم بالروح الوطنية، جعلهم يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة، بما ساهموا به من أموال عينية و نقدية لدعم الثورة ضد العدو الفرنسي المشترك.
كما عرج "الدكتور رضوان شافو"، ابن مدينة تقرت، على الدور الذي لعبته الزاوية التيجانية بمنطقة تماسين في تقرت، بما جاد به شيخها في ذلك الوقت "أحمد التجاني"، الذي كان يمول الثوار بالمنطقة و يأمر وكيل الزاوية التجانية بالتراب التونسي في ولاية توزر، بتسليم جزء هام كل سنة من محصول جني التمور لممثلي جيش التحرير المتواجدين على الشريط الحدودي، على غرار القائد "العربي قمودي".
و ذكر ذات الباحث، أن السلاح الذي يصل وادي ريغ، كان يتم نقله من تقرت عبر القطار الرابط بين تقرت و بسكرة إلى منطقتي "مشونش" و الأوراس بواسطة لخضر بن موسى و عقبة العقبي، اللذين كانا يعملان في القطار، بعد أن يتم جمع الأسلحة من تبرعات المواطنين و تخبئه في (أكياس التمر)، ثم يتم تجميعها و تخبئتها في أعالي وادي ريغ، لتنتقل بعد ذلك عن طريق الجمال نحو بسكرة، أو كما يذكر نحو القائد زيان عاشور في جبل بوكحيل، حيث كانوا تابعين له في تلك الفترة.
كما بادر الكثير من سكان المنطقة بالتبرع بما يملكونه من أسلحة فردية، حيث أنه و وفق شهادة المجاهد "رابح أرميلي"، فإن السلاح كان متوفرا لدى أغلب السكان و يتراوح بين البندقية الحربية الإيطالية "ستاتي"، إلى بندقية الصيد، لاسيما لدى البدو الرحل بمعدل سلاح لكل عائلة و أحيانا لكل فرد بالغ، مشيرا إلى أن الرجل البدوي في ذلك العصر، كان مولعا بامتلاك السلاح، فهو بالنسبة له تعبير عن الشهامة و الرجولة و وسيلة للدفاع.
كما سجل شاعر الثورة "مفدي زكريا" جهاد المنطقة عموما و دورها في تسليح الثورة في إلياذته بقوله:
"يا وادي سوف العرين الأمين    و معقـــل أبطالنـــــــا الثائريـن
و مأوى المـناجيـد من أرضنــا       و أرض عشيرتنـــــــا الأقربيـن
و ربض المحاميد أحرار غومــا    و من حطموا الظلم و الظالمين
و درب الســلاح لأوراســـــــنا    و قد ضاقت سبــل بالسالكين".
م .ب

الكثيرات لم ينصفهن التاريخ و طواهن النسيان
شهادات و مؤلفات تبرز نضال المرأة بجيــجل خلال الثورة
سجلت سيدات ولاية جيجل، حضورهن في الثورة التحريرية التي اندلعت في الفاتح من نوفمبر 1954، ، بنضالهن المستميت لتحرير الوطن، منهن من سقطن شهيدات في ميدان الشرف، إلى جانب إخوانهن الرجال، وأخريات تعرضن لأبشع أنواع التعذيب، وتحملن أصعب المسؤوليات، فقد كن يقمن بنفس المهام الموكلة للمجاهدين، لكن الكثيرات لم ينصفهن التاريخ، و لا يعرفهن جيل اليوم، فحاول العديد من الكتاب و المجاهدين تسليط الضوء على مسارهن النضالي.

و قد أبرز الباحث في التاريخ، الأستاذ عبد القادر بورمضان، في كتابه “الثورة التحريرية بمنطقة جيجل”، الصادر مؤخرا عن متحف المجاهد بسكيكدة، ضمن أحد فصوله، مساهمة المرأة في المجال الصحي العسكري و السياسي بجيجل.
وذكر أول أمس، الأستاذ بورمضان في حديثه للنصر، بأن دور المرأة في الثورة التحريرية بمنطقة جيجل، لا يقل عن دورها في باقي المناطق، إلى جانب أخيها الرجل، مؤكدا أن السيدات كن المعينات و حاملات السلاح في بعض المحطات، و يظهر دورهن بشكل كبير في المجال الاجتماعي، على وجه الخصوص، فقد كن يتكفلن بتوفير احتياجات المجاهدين من الطعام و أيضا خياطة الملابس، بالإضافة إلى دورهن الإرشادي، فقد ظهرت نساء يعرفن بالمرشدات المنخرطات، منهن ليلى موساوي التي عملت بالمنطقة الأولى بأقسامها المختلفة، و المجاهدة رشيدة شطاب، و كن يتنقلن إلى البيوت و يستفسرن عن طرق تربية الأولاد و تحضير مختلف الوجبات و عدة نقاط أخرى، و في نفس الوقت كن يشرحن للنساء أهداف الثورة و أهمية الكفاح ضد المستعمر الفرنسي.
و أضاف الكاتب، بأن المجاهد الطبيب محمد تومي، الذي عمل بمنطقة جيجل و الشمال القسنطيني، أكد “ كانت معنا في الولاية الثانية، حوالي 500 امرأة، أغلبهن من الفتيات المجاهدات، بعضهن تحملن مسؤوليات كبيرة في ميدان الصحة، و قطاع العتاد و التموين، و أظهرت هؤلاء النساء، قدرة كبيرة على  التحمل، تفوق أحيانا مثيلتها عند الرجال”.
و أوضح المتحدث بأن شهادة محمد تومي، تعكس  دور النساء و حضورهن الكبير في الثورة، مضيفا بأن العشرات منهن، كن يقمن بنشر أخبار الثورة و الانتصارات خلال حفلات الزواج، و الخطوبة و الختان.
و ذكر الأستاذ بورمضان عبد القادر في كتابه بعض أسماء السيدات المناضلات، من بينها المرشدات، على غرار، مساعدة عفان ، خيرة زروقي، رقية غميوز، رشيدة شطاب، مليكة زيزة،مباركة لوصيف،فاطمة الزهراء بولطيف، السيدة بشاغة، ليلى موساوي و نسيمة دراعة، كما أشار إلى  أن عدد الممرضات كبير، و ذكر  منهن زبيدة زروقي، يامينة قنيفذ، حرية معيزة، لويزة بوريب ،فطيمة ذيوبي، غنية بومعزة، سعاد عميور، ليلى موساوي، خيرة بلامي، حورية مصطفى ، حورية بلهولة، تونس كعولة، عائشة قنيفى، سامية قعيعة، مربوحة بولقرينات، يامينة شراد، مليكة خرشي، فاطمة الزهراء وكرودي و سامية قرافل.
خنساوات الثورة
و شدد الباحث بأن دور النساء خلال الثورة كان هاما، و تضحياتهن كبيرة ، فبعضهن فقدن أبناءهن و أزواجهن المجاهدين في الجبال، و أطلقت عليهن تسمية “ خنساوات الثورة التحريرية”، ما جعله يركز في الفصل الرابع بكتابه على النساء و دورهن في تلك الحقبة من تاريخ الجزائر، خاصة و أن جل الكتابات ركزت على دور الرجال فقط، في حين كن الجنديات الخفيات و الدرع المتين في الثورة التحريرية، فقد حملت العشرات منهن، حسب شهادات مجاهدين، السلاح و  خضن معارك.
و قد حاولت مجاهدات عند إتاحة الفرصة لهن،  إبراز دور النساء خلال الثورة بمنطقة جيجل، على غرار المجاهدة يامينة شراد بن ناصر، التي تحدثت في كتابها  “ ست سنوات في الجبل”، عن مشاركتها في الثورة، و سبق لها خلال جلسة تاريخية احتضنتها المكتبة البلدية عبد الباقي صالح بجيجل، أن  سلطت الضوء على الكتاب الذي خلدت من خلاله محطات في حياتها بجبال جيجل، خلال الثورة و إلى غاية الاستقلال، مبرزة دور المرأة الريفية، التي قدمت الدعم الكامل للمجاهدين، و لقائها بعديد المجاهدات بالمنطقة.
و أوضحت المجاهدة بأنها تابعت تكوينا في التمريض بمدرسة كان يديرها الدكتور سماتي، و في سنة 1953 حصلت على شهادة ممرضة، و التحقت بعد ذلك  بالثوار، نظرا لتأثرها ببشاعة الجرائم التي كان يقترفها المستعمر الفرنسي في حقّ الجزائريين.
كما تحدثت أيضا عن استضافتها من قبل عائلة خلاف بمدينة جيجل، أثناء فترة وضع مولودها سعيد، رغم علمها بأنها مبحوث عنها من قبل الجيش الفرنسي، وعند انتهاء فترة الأمومة، عادت إلى الجبل حاملة مولودها معها،  لتعلم بأن زوجها استشهد في مدينة قسنطينة سنة 1961 .
المجاهدة بن قمبور أكدت أن الولاية الثانية كانت تضم 550 جندية
هناك أسماء عديدة لمجاهدات أخريات  حاولن إبراز دور النساء في الثورة المجيدة، على غرار المجاهدة خديجة بن قمبور “المدعوة فريدة”، و هي  من مواليد سنة 1944، بالعنصر في الميلية،  التي تحدثت في عدة لقاءات صحفية و ندوات، عن الوجه المشرف للجيجليات المجاهدات في الثورة المجيدة، وذكرت أن أول سيدة تجنّدت من عائلتها بضواحي أولاد عسكر و العنصر، هي خالتها يامنة بوحبيلة، و بعدها عمتها زهرة بن قمبور، و كانتا تتكفلان بالجانب اللوجيستيكي. كما تم انضمام الكثير من الفتيات للثورة، و كن يتلقين التعليمات و الدروس والأناشيد الوطنية الحماسية، من المجاهدة بولطيف و كذا ليلى موساوي رحمها الله، لأن الاستعمار الفرنسي أنشأ ثكنات، ووضع السكان داخلها لمراقبتهم.
كما تحدثت المجاهدة بن قمبور، عن التحاقها بالكفاح، عندما كان عمرها حوالي 15 سنة، و تعرفت على العديد من الجنديات، على غرار     فطيمة و    دايخة، و خلال تنقلها من المنطقة المحرمة إلى المنطقة الحرة بأولاد رابح،  التقت بمجاهدات أخريات على غرار  جميلة العبدية و خديجة بولقبول، مؤكدة أن الولاية التاريخية الثانية، كانت تضم 550 جندية، أغلبهن من الريف.
كريم طويل

أستاذ التاريخ بجامعة سكيكدة توفيق صالحي
فرنسا وضعت آلاف المواطنين في محتشدات وسمتها إقامة الأمان
«أوساريس» كان يجند ضباطه في عمليات استنطاق وتعذيب
يرى الدكتور وأستاذ التاريخ بجامعة سكيكدة توفيق صالحي أن من بين الجوانب التي لم تأخذ حيزا وافيا من الدراسات والأبحاث مسألتا القمع والتعذيب وما ارتبط بهما من إقامة للمعتقلات والمحتشدات التي فتحت بعد اندلاع الثورة التحريرية، فالقمع بمختلف أشكاله، والتعذيب بكل أنواعه، كانا يمارسان على الشعب الجزائري بعلم مسؤولي الجمهورية الفرنسية صاحبة مبادئ الثورة الفرنسية، والتي مافتئت تنادي بحرية الشعوب والعدالة بين الأنظمة، وصاحبة الاهتمام الكبير بنصوص وأحكام اتفاقيات جنيف الأربعة الصادرة بتاريخ 12 أوت 1949 والأكثر من ذلك جلبت خبراء في فنون التنكيل والاستنطاق، وعقب اندلاع الثورة، استمرت في سياستها بتنويع أساليب القمع والزج بالسكان في السجون والمحتشدات ومراكز التعذيب والمعتقلات بهدف القضاء على الثورة بفصلها عن الدعم الشعبي ومنع أية مساعدة أو اتصال أو أخبار من السكان ولإنجاح مخططاتها العسكرية، توسعت في إنشاء مراكز التعذيب وإقامة المحتشدات والمعتقلات ومنها المحتشدات.

 وأوضح المتحدث للنصر أن الاستعمار الفرنسي لم يدخر جهدا ولا وسيلة تمكنه من القضاء على الثورة وإخماد لهيبها إلا وجربها في الجزائر، فقد أدرك مع مرور الزمن أن قوة الثورة الجزائرية مستمدة من الدعم بمختلف الأشكال الذي تتلقاه من الشعب الذي آمن بها، وبالتالي أمدها بكل ما يملك من غال ونفيس تجسيدا لمقولة الشهيد محمد العربي بن مهيدي «ألقوا بالثورة في الشارع فسيحتضنها الشعب ». ومن الإجراءات القمعية التي تجرع مرارتها الشعب الجزائري، تهجيره من قراه ومداشره، وتجميعه في معسكرات محروسة عرفت باسم المحتشدات تفتقر لأدنى شروط الحياة، بهدف خنق الثورة، إضافة إلى ممارسة التعذيب بطرق وحشية على كل مواطن سولت له نفسه معارضة المشروع الاستعماري في الجزائر
كما انتشرت المحتشدات بصورة واسعة عبر كامل التراب الوطني والتي راح ضحيتها الشعب الجزائري الذي عاش تحت ظروف لا يمكن وصفها من القهر والجوع والمرض والخوف وكان الاستعمار يقتل منهم من يريد بحجة الفرار.
فأمام فشل الإجراءات والأساليب القمعية، أيقنت  السلطات الاستعمارية أنه يجب التفكير في مناهج وطرق جديدة تحرم الثوار من منابعها الأصلية، ففكرت في تجهيز الشعب وحشده في محتشدات ومعسكرات أسمتها بأماكن الأمان فكانت هذه الأخيرة معسكرات جهنمية محروسة ومسيجة بالأسلاك الشائكة تسمى بالمناطق الآمنة فقد ظهرت بمنطقة سكيكدة العشرات من المحشدات.
«سيدي ناصر» أكبر مراكز الاستنطاق والتعذيب خلال الثورة بسكيكدة
فقد أقيمت هذه المحتشدات بالقرب من المعسكرات، وبعد ترحيل السكان إليها قامت بتهديم قراهم ومداشرهم، وبلغ عدد المحتشدين الذين زج بهم في هذه السجون الكبيرة 2571000 ولم تقتصر السلطات الفرنسية على ذلك فقط بل فرضت عليهم الحصار، أي منعهم من التجول في أوقات محددة وجعلتهم في أقفاص كالفئران وتسمى ذلك إقامة الأمان.
 كما شاركت منطقة سكيكدة شاركت في الدعم اللوجيستي للثورة في الشمال ما جعل المنطقة تحت طائلة المشاريع الفرنسية الهادفة إلى إجهاض العمل الثوري، حيث عمدت إلى إنشاء المناطق المحرمة والمحتشدات المعتقلات والتي كانت أهم أسلوب استعملته السلطات الفرنسية لمحاولة خنق الثورة في المنطقة حيث نشرت معتقلاتها في كافة جهات منطقة سكيكدة.
ويضيف الأستاذ صالحي أن إنشاء مراكز التعذيب بهذه الولاية كان نتيجة تعاون أهالي المنطقة مع الثورة التحريرية وتعاطفهم وتضامنهم معها مشيرا الى أن التعذيب وسياسته المؤسسة كانت ولا زالت من المسائل المعقدة في التاريخ الاستعماري الفرنسي، خاصة إبان الثورة التحريرية، كانت سياسة التعذيب تنفذ في إطار واسع من طرف الجيش ورجال الشرطة، وفق تقنيات مدروسة ومؤسسة بغية الحصول على المعلومات وفي أسرع وقت.
 ومع اتساع نطاق الثورة اتسعت معها رقعة السجون والمعتقلات، وما أن حلت سنة 1957، حتى أصبح أغلب القطر الجزائري معتقلات ومراكز تعذيب، وقد عمت هذه الظاهرة كل أرجاء الوطن، إذ لم تخل أي منطقة من معتقل أو سجن لا يزال شاهدا على وحشية الاستعمار وغـطرسته، ويسجل أدلة مادية ومعنوية على الجرائم ضد الإنسانية، والدوس على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية المعتقلين.ويصنف مركز سيدي ناصر بمنطقة سكيكدة الذي أنشئ خصيصا لعمليات الاستنطاق والتعذيب خلال الثورة المسلحة، أكبر مركز للتعذيب في منطقة سكيكدة، وقد مارست فيه الإدارة العسكرية ألوانا من التعذيب تفوق بشاعتها وفظاعتها الأساليب التي سلطتها النازية ضد أعدائها.
أكثر من 132 محتشدا أقامها المستعمر في إقليم سكيكدة
وأكد المتحدث أنه من بين الأساليب التي لجأ إليها الاستعمار الفرنسي من أجل إبعاد الثورة عن الشعب الجزائري هي حشد الجماهير الشعبية خاصة سكان الأريــــاف في محتشـــــدات حــــــول الـــــمدن والقرى والمراكز العسكرية ابتداء من 1956 إلى 1962 كان 7 محتشدات في مدينة سكيكدة (بوعباز، فتوي، لافيجي، بوالكروة، بن قانا، القبية، السبع اْبيار والأخرى تجمع أسماء المدن و القرى المقامة بها ). و قد وصل عدد المحتشدات في إقليم سكيكدة إلى أكثر من 132 محتشدا أقامتها السلطات الاستعمارية خصيصا لكبح عزيمة المجاهدين وسد الطريق أمامهم، فأقدمت على جمًع السكان المشاتي المجاورة.
وأحاطت تلك المحتشدات بالأسلاك الشائكة وجعلت الدخول كما الخروج منها يحتاج إلى تسريح موقع ومختوم من قل السلطات الفرنسية أو مكان يعرف بـ laisser passer ، ويكفيها ذاك بل وأقدمت على إقامة أبراج للمراقبة يصل عددها إلى ثلاثة أو أربعة بحسب مساحة المكان، قصد رصد كل التحركات والاتصالات، إلا أن هذه السياسة التي انتهجتها كانت فاشلة، لأن سكان المحتشدات واصلوا تضامنهم مع المجاهدين ودعمهم لهم لأن القضية كانت واحدة.
محتشد قاسطون فيل أقامته السلطات الاستعمارية عام 1957 ثم جمعت فيه سكان المشاتي المجاورة، ، محتشد قريمة (grima) وهو عبارة عن مزرعة المعمر قريمة حيث قامت السلطات الفرنسية عام 1957 بتجميع عمال المزرعة الذين استقروا به حتى بعد الاستقلال، محتشد فج الذخيرة ببلدية صالح بوالشعور قام العدو الفرنسي عام 1957 بجمع سكان المشاتي المجاورة لهذه المشتى وأقام بها محتشدا إلى غاية سنة 1958 حيث تقرر نقلهم إلى محتشد قاسطون فيل، محتشد الروجي هذا المحتشد عبارة عن مزرعة روجي حيث تقرر عام 1957 تجميع عمال هذه المزرعة، وأقام بها محتشدا به السكان.
ونتيجة للتهديدات التي كانت تخيم بها المدينة ربط أوساريس علاقاته مع مختلف المصالح الاستعمارية العاملة بالمدينة كالنقيب «ماتسوي» والمفوضان «بورج وون فيلبوي وسانت أرنو» يضاف إليهم الماريشال «بوزوني» ومعه جهاز الدرك، وكلهم يعتمدون على التعذيب والاستنطاق للمشبوهين الرافضين للاعتراف.
وعلى إثر تصاعد الثورة وعجز قوات المستعمر في إخماد لهيبها، لجأ العدو منذ بداية 1956 إلى إقامة المحتشدات التي وصل عددها حوالي 117 محتشدا إلخ.
    كمال واسطة

الأستاذ عبد الحميد عبادة
مربي الأجيال الذي يسعى لإنشاء متحف لبطولات الشهداء
لم يفوت الأستاذ عبد الحميد عبادة، الذي كرس 40 سنة من حياته للتعليم و تربية الأجيال على حب الوطن و مبادئ الشهداء، فرصة الاحتفال بذكرى اندلاع ثورة الفاتح من نوفمبر 1954، للمشاركة بتعليق الراية الوطنية في شرفة بيته بقسنطينة، لأنها تعد شاهدا ، كما قال للنصر، على بطولات شهداء الثورة المجيدة الذين ضحوا بأنفسهم، لترفرف الراية عاليا.  

فبالرغم من بلوغه الثمانين من عمره، إلا أن أستاذ الأدب و التاريخ و الجغرافيا عبد الحميد عبادة بن مصطفى، لم يتوان في الاحتفال بذكرى اندلاع الثورة المجيدة ككل عام، و لا يزال حريصا على إحياء المناسبة في بيته، من خلال رفع الراية الوطنية، الشاهدة على تاريخ بلادنا و نضال شهدائنا، و كذا الاستماع إلى النشيد الوطني بمقاطعه الخمسة،  ليبلغ  صداه كل أرجاء البيت، كما يحرص على جمع أفراد أسرته و أحفاده، للحديث عن تاريخ وطننا العزيز و المعارك الطاحنة التي قادها الثوار الذين دافعوا باستماتة عن كل شبر من أرضنا الشاسعة، لدحر العدو الغاشم.
قال الأستاذ عبد الحميد عبادة خلال زيارته للنصر، بأنه قضى 40 عاما في قطاع التعليم، نصفها في تعليم و تربية الأجيال بمتوسطة ابن عبد المالك رمضان، و 20 سنة المتبقية قضاها على رأس متوسطة عبد الرحمن بن خلدون بقسنطينة، إلى أن تقاعد في 22 فيفري 2001، و حرص خلال حياته المهنية الطويلة على القيام بدوره في التعليم و مهمته في ترسيخ مبادئ ثورة نوفمبر و إبراز تضحيات الشهداء و خصالهم، من أجل تعزيز و ترسيخ الروح الوطنية ، و ذلك من خلال القيام بأنشطة مختلفة تزرع حب الوطن و  قيم الثورة في عقول أبنائنا لضمان نقل رسالتنا، كما أكد في حديثه مع النصر، و تربيتهم على الالتزام بحماية الوطن كأمانة، تركها جيل نوفمبر بين أيدينا لننعم بخيرات بلادنا و نحافظ عليها من كل المؤامرات التي تحاك ضده.
رفع الراية الوطنية يرمز لحب الجزائريين لوطنهم
و يرى مربي الأجيال أن رفع الراية الوطنية في الشرفات في ذكرى اندلاع الثورة، يرمز لحب الجزائريين لوطنهم، و يعتبر رسالة للجيل الجديد من الشباب، لحثه على الحفاظ على الوطن، لتظل رايتنا ترفرف عاليا و تسود المحبة و التآزر في كل أرجاء أرضنا الزكية.
و تذكر المتحدث أنه كان خلال مساره  المهني، شديد الحرص على إشراك تلاميذه في رفع الراية الوطنية و الاستماع للنشيد الوطني بمقاطعه الخمسة، و تكليف رؤساء الأقسام بحمل الراية الوطنية بأيديهم عاليا، لترسخ الصورة في أذهان الجميع، و أعرب عن أسفه للاكتفاء اليوم بتقديم مقطع واحد من النشيد الوطني، عند تحية العلم بالمؤسسات التربوية.
كما تأسف محدثنا في الذكرى 67 للثورة ، عن تخلي المؤسسات التربوية عن دورها الحقيقي، خاصة في الشق المتعلق بتنظيم المسابقات داخل المدارس و بين المتوسطات و الثانويات، مثل مسابقة «بين الثانويات»، إلى جانب أنشطة مختلفة تهدف كلها لغرس الروح الوطنية و ترسيخ تاريخ الجزائر، و كذا برامج تلفزيونية تربوية و تثقيفية و ترفيهية، على غرار «الحديقة الساحرة».
كنت في 14 سنة عند اندلاع الثورة و أتذكر مشاهد صادمة
عاد المتحدث الذي زار النصر عشية الفاتح من نوفمبر، بذاكرته إلى الفاتح نوفمبر من سنة 1954، تاريخ اندلاع الثورة المجيدة، و كان حينها لا يتجاوز سن 14، لكنه عاش، كما قال،  عدة أحداث مؤلمة و مأساوية، ظلت راسخة في ذهنه و شاهدة على جرائم المستعمر، و لم يتمكن  التقدم في السن من جعله ينساها، نظرا لبشاعتها، لكنها عززت لديه أكثر قيم الثورة و حب الوطن.
و أضاف المتحدث أن الشعب الجزائري، بمختلف شرائحه العمرية، عانى كثيرا من أساليب وحشية و انتهاكات لا يمكن وصفها سلطها عليه المستعمر، مستذكرا صورا و مشاهد اقتحام الجنود الفرنسيين للمنازل، و إخراج الساكنة بطرق عنيفة، قائلا «لن أنسى استعمال الجنود لقبعاتهم الحديدية في ضرب الأطفال الذين كنت أنا واحدا منهم» .
أسعى لإنشاء متحف يوثق لبطولات الشهداء
يحوز ابن المدرسة الجزائرية و أحد أعمدتها، على أرشيف يوثق لتضحيات 5 ملايين و 630 ألف شهيد، سقوا بدمائهم أرض الوطن، و يعتزم تخصيص أحد أركان بيته، لتعليق الصور القديمة و الوثائق و المراجع التي تؤرخ للثورة و بطولات أبنائها، لتستفيد منها الأجيال القادمة.
أسماء بوقرن

الرجوع إلى الأعلى