قطعت الجامعة الجزائرية منذ الاستقلال إلى اليوم أشواطا هامة ضمن مسيرة البناء والإصلاح امتدت لستة عقود، بذلت الدولة خلالها جهودا هامة لإنشاء جيل قادر على حمل المشعل وتحقيق النهوض الاقتصادي، عبر تكوين أزيد من 5 ملايين طالب في شتى التخصصات.

وكان لزاما في البداية تدعيم هياكل القطاع بتشييد مؤسسات جامعية عبر مختلف ربوع الوطن، بعد أن كانت جامعة الجزائر بملحقتيها بقسنطينة و وهران المرفق الجامعي الوحيد غداة الاستقلال، يقصده 2400 طالب، بمعدل طالب لكل 100 ألف نسمة، وهو رقم بعيد جدا عن مؤشر التنمية البشرية آنذاك، في حين أن الدولة كانت بحاجة ماسة إلى رأس مال بشري للخروج من دائرة التخلف وبراثن الاستعمار.
إرساء نظام وطني للتربية والتعليم   
وأول ما قام به القطاع، إرساء نظام وطني للتربية والتعليم يقوم على مبدأ مجانية التعليم، لتكوين جيل مشبع بالمعارف والكفاءات للتكفل بقيادة المشاريع التنموية الكبرى، وبحسب ما أفاد به مدير التكوين العالي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي جمال بوكزاطة «للنصر»، فإن السلطات الجزائرية إبان الاستقلال اجتهدت من أجل إنشاء مرفق اجتماعي عادل وشفاف، يحق لكل مواطن حاصل على شهادة البكالوريا الولوج إليه.
وبدأت بعدها الشبكة الجامعية في التوسع تدريجيا بفضل الاستثمارات التي أطلقتها الدولة لإنجاز هياكل جامعية جديدة، ليدخل قطاع التعليم العالي عهدا جديدا، ويخطو أول مرحلة نحو إرساء معالم الجامعة الجزائرية، واستمرت هذه المرحلة من سنة 1971 إلى غاية سنة 76.
وشهد بعدها قطاع الجامعات أول إصلاحات سنة 1982 رسمت معالم الخارطة الجامعية، ليتم تحيينها في العام 1984، علما أن تأسيس وزارة التعليم العالي والبحث العلمي رسميا كان سنة 1970، بعد أن كان القطاع يخضع من حيث التسيير إلى وزارة التربية عقب افتكاك السيادة الوطنية.
ليتم تدعيم القطاع بقانون خاص، وهو القانون التوجيهي للتعليم العالي 05/99، تم تعديله سنة 2000، وتلى هذه المرحلة إقرار نظام أل/ أم/ دي، ليسانس ماستر دكتوراه، الذي مر بدوره بثلاثة مراحل منذ اعتماده، وامتدت المرحلة الأولى ما بين 2000/2004 تم خلالها إطلاق الإصلاح الجامعي، واعتماد هذا النظام الجديد في التدريس.
وتم في المرحلة الثانية الممتدة من سنة 2008 إلى سنة 2013 تدعيم وتكريس الإصلاحات، لتطلق الوصاية في المرحلة الثالثة المستمرة إلى غاية الوقت الراهن، برنامجا لتعميم وتقييم نظام أل/ أم / دي، وكذا الشروع في تكييف وضبط المنظومة التنظيمية للتعليم العالي مع تطور القطاع، بإصدار المرسوم رقم 22/208 المتضمن نظام الدراسات والتكوين لنيل الشهادات الجامعية، وكان ذلك بتاريخ 5 جوان المنصرم.
تنويع أنماط التكوين واعتماد الدراسة عن بعد
ولبلوغ مصاف الجامعات المتقدمة، توجه قطاع التعليم العالي إلى تنويع أنماط التكوين مع تطور وسائل الاتصال، باعتماد التعليم الحضوري والتعليم عن بعد، وكذا التكوين الموطن والتناوبي، إلى جانب الاستعداد لإعادة بعث تكوين المهندس تحسبا للدخول الاجتماعي المقبل.
ومن المنتظر أن يستفيد قطاع الجامعات من مرسوم تنفيذي جديد يتضمن القانون الأساسي للمؤسسة الجامعية، الذي يعود إقراره أول مرة سنة 2003، ويهدف النص الجديد إلى تحسين حوكمة تسيير المؤسسة الجامعية، وانفتاحها على المحيطين الوطني و الدولي، في إطار تكريس مبدأ مجانية وديمقراطية التعليم.
تكوين أكثر من 5 ملايين طالب خلال 60 سنة  
بلغ عدد خريجي قطاع التعليم العالي منذ سنة 1962 أزيد من 5 ملايين طالب في شتى التخصصات، بمعدل 450 ألف خريج سنويا، وصاحب تطور هذه الأرقام على مدار العقود الماضية إدراج تحسينات وتعديلات جوهرية على نوعية التعليم، لضمان الأداء الأمثل للجامعة الجزائرية.
وزيادة على المهام البيداغوجية، تسهر الجامعة على مد جسور التعاون مع المحيط الاقتصادي و الاجتماعي، بهدف الاستجابة لمتطلباته من حيث الموارد البشرية ذات الكفاءة، إلى جانب إقامة توأمة مع المؤسسات الجامعية الأجنبية لتلبية احتياجات مختلف القطاعات.   
وبحسب الدكتور جمال بوكزاطة فإن الجامعة الجزائرية أضحت مطالبة اليوم أكثر من أي وقت بأن تضم ممثلين عن القطاعات الاقتصادية من أجل إشراكهم في العملية التربوية، وإعداد عروض تكوين مشتركة، حتى لا يقتصر دور القطاع على التكوين الأكاديمي بمعزل عن متطلبات سوق العمل.  
من جامعة واحدة فقط إلى 183 مؤسسة
وأفاد مدير التعليم العالي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي بأن فرنسا عند خروجها من الجزائر تركت وراءها بلدا يفتقد لأدنى الهياكل القاعدية، وأن الدولة من خلال السياسة الاستثمارية التي تبنتها، تمكنت من تعزيز القطاع بعدد هام من الهياكل، فقد ارتفعت الميزانية السنوية المخصصة لقطاع الجامعات من 2.64 بالمائة من الناتج الداخلي الخام إلى 6.74 بالمائة سنة 2021.
وسمحت هذه الميزانية المعتبرة من بناء جامعات و إقامات جامعية لاستقبال الطلبة الوافدين إلى القطاع من شتى الولايات، لينتقل عدد الطلبة الجامعيين إلى 1.6 مليون طالب، يؤطرهم 63 ألف أستاذ باحث، 39 بالمائة منهم من الصف العالي.
كما قفز عدد هياكل القطاع منذ الاستقلال إلى اليوم من جامعة واحدة فقط بملحقتين إلى 111 مؤسسة، من ضمنها 54 مؤسسة جامعية و36 مدرسة عليا، و11 مدرسة عليا للأساتذة، و9 مراكز جامعية، و55 مؤسسة للتكوين العالي تابعة لوزارات أخرى، مارس القطاع الوصاية البيداغوجية عليها، يضاف إليها 17 مؤسسة خاصة للتكوين العالي، ليصل العدد الإجمالي إلى 183 مؤسسة.
وينتظر أن يتم تدعيم قطاع التعلم العالي بمرافق إضافية بعد إعادة التوزيع الجغرافي للجامعات، والبداية كانت بإنشاء مدرستين للفلاحة الصحراوية بولايتي الوادي و وهران، وكذا تدعيم القطب الجامعي لسيدي عبد الله بمدارس أخرى.
ترشيد تسيير مرافق القطاع
وتعمل الوصاية بعد تشييد المرافق والهياكل على ترشيد التسيير وتكريس التعاون البيني بين المؤسسات الجامعية بهدف الاستغلال العقلاني للمرافق، وكذا التوجه نحو إنشاء أقطاب امتياز، أو اقطاب تكنولوجية على غرار القطب الجامعي لسيدي عبد الله.
كما تحرص وزارة التعليم العالي على إتاحة الولوج إلى الجامعة الجزائرية كمرفق عمومي، أمام كافة الحاصلين على شهادة البكالوريا مهما كان مقر إقامتهم، بالموازاة مع ضمان جودة التعليم والتكوين، والتفتح على المحيطين الاقتصادي والاجتماعي.
لطيفة بلحاج

الرجوع إلى الأعلى