حافظت الدولة الجزائرية على الطابع الاجتماعي، منذ الاستقلال، من خلال العديد من القرارات والإجراءات المنتهجة في مختلف القطاعات، على غرار الصحة والتعليم والسكن وغيرها، وهذا  بالرغم من التحولات و التطورات التي شهدتها البلاد عبر مختلف المراحل، مع تعاقب الحكومات و تغير السياسات والتوجهات، وفي ظل الصعوبات أحيانا، لكن الدولة، كرست الطابع الاجتماعي وجعلته خطا أحمر.

اهتمت الدولة الجزائرية، بالجوانب الاجتماعية و العمل على توفير مختلف الخدمات العمومية الأساسية للمواطنين، على مدى ستين سنة من الاستقلال، تكريسا للمواثيق والركائز والمقومات التي قامت عليها، بهدف التخلص من مظاهر الفقر والتخلف ومحو الأمية، حيث عملت في السنوات الأولى من الاستقلال، على إطلاق سياسة اجتماعية، من أجل النهوض بالواقع المعيشي للسكان والقضاء على مختلف الفوارق، من خلال اعتماد برامج مختلفة لتوزيع الموارد بشكل عادل للإسراع في الخروج من تلك الأوضاع والظروف المزرية التي كان يعيشها السكان والتي خلفها الاستعمار الغاشم البغيض.
وقد تم تكريس مجانية التعليم وتوفير مختلف الضروريات لتمدرس التلاميذ، مما ساهم في تراجع نسبة الأمية، الأمر الذي أدى إلى نقلة نوعية في مسار التنمية، و قد نص دستور 1976 ، في المادة 66  على أن لكل مواطن الحق في التعلم، «التعليم مجاني وهو إجباري بالنسبة لمدة المدرسة الأساسية في إطار الشروط المحددة بالقانون  و» تضمن الدولة التطبيق المتساوي لحق التعليم ، و» تنظم الدولة التعليم « و» تسهر الدولة على أن تكون أبواب التعليم والتكوين المهني والثقافة مفتوحة بالتساوي أمام الجميع، كما نصت أيضا  المادة 50 من دستور 1989، على أن الحق في التعليم مضمون، وأن التعليم مجاني حسب الشروط التي يحددها القانون وأن التعليم الأساسي إجباري وتنظم الدولة المنظومة التعليمية كما تسهر الدولة على التساوي في الالتحاق بالتعليم والتكوين المهني.
إعطاء أهمية قصوى للتعليم والاستمرار في الإصلاحات
وعلى مدى سنوات، أولت الدولة، أهمية قصوى للتعليم، حيث عرفت مؤشرات التمدرس، تطورا إيجابيا وتتواصل الجهود، حاليا من أجل تحسين نوعية التعليم والارتقاء بالمدرسة الجزائرية نحو الجودة، بإدراج مجموعة من الإصلاحات، لاسيما في مرحلة التعليم الابتدائي، كتخفيف وزن المحفظة وتجسيد مشروع اللوحات الرقمية وغيرها والتوجه نحو تعزيز التخصصات العلمية والتكنولوجية وتعليم الرياضيات والمعلوماتية وتدعيمها وكذا استحداث شعبة الفنون في مرحلة التعليم الثانوي، ابتداء من العام الدراسي القادم 2022-2023.
وقد نصت المادة 65 من دستور 2020، على أن الحق في التربية والتعليم مضمونان، وتسهر الدولة باستمرار على تحسين جودتهما  والتعليم العمومي مجاني وفق الشروط التي يحددها القانون و التعليم الابتدائي والمتوسط إجباري وتنظم الدولة المنظومة التعليمية الوطنية وتعد المدرسة القاعدة الأساسية للتربية على المواطنة، كما تسهر الدولة على ضمان التساوي في الالتحاق بالتعليم والتكوين المهني.
مجانية العلاج و ضمان الرعاية الاجتماعية
ومن جانب آخر، اعتمدت الدولة الجزائرية منذ الاستقلال سياسة صحية، تضمن للمواطن الحق في العلاج، حيث أكدت مختلف التدابير والقوانين ، على مجانية العلاج، مع ضمان الرعاية الاجتماعية و تقديم الخدمات الطبية والمساعدات الاجتماعية وتم وضع برامج واستراتيجية تهدف للقضاء على بعض الأمراض والأوبئة ، مع القيام بحملات وقائية وتحسيسية لتجنب الإصابات بالأمراض من خلال القيام بالتلقيح لفائدة الأطفال.
و في نفس الوقت، عملت الدولة على بناء مستشفيات عديدة وقاعات العلاج وهياكل صحية في القرى والمدن لتقريبها من السكان مع مرور السنوات، ومن جانب آخر العمل على تطوير طب العمل ، وقد أكد دستور 1976 في المادة 67 ، أن لكل المواطنين الحق في الرعاية الصحية وهذا الحق مضمون عن طريق توفير خدمات صحية عامة ومجانية وبتوسيع مجال الطب الوقائي والتحسين الدائم لظروف العيش والعمل، ورغم حداثة الاستقلال وفي ظل الظروف التي كانت سائدة في تلك الفترة، فقد تمكنت الجزائر من تحقيق تقدم لافت في المجال الصحي، خصوصا مع زيادة فرص التكوين في المجال الطبي وشبه الطبي و تطوير الموارد البشرية، وجاء دستور1989 ليؤكد في مادته 51 أن الرعاية الصحية، حق للمواطنين وتتكفل الدولة بالوقاية من الأمراض الوبائية والمعدية ومكافحتها، وخلال فترة التسعينات عرف القطاع تطورا مع إنشاء العديد من المؤسسات التي دعمته.
و تواصلت الإصلاحات، على مدى عدة سنوات ، من أجل تحسين الخدمات المقدمة، من خلال التوجه لإصلاح المستشفيات و تعزيز العلاج الجواري لتقريب الصحة من المواطنين ، مع تخصيص اعتمادات هامة للقطاع لبناء مؤسسات استشفائية وجوارية ، و من جانب آخر ساهم تعميم التغطية باللقاحات في القضاء على عدة أمراض، كانت منتشرة  خلال السنوات الأولى من الاستقلال ، كما تدعم القطاع بتجهيزات متطورة للكشف و التشخيص الدقيق للأمراض. وقد ساهمت هذه السياسة الاجتماعية في ارتفاع معدل الحياة للمواطنين، مع انخفاض نسبة وفيات الأمومة والأطفال بشكل واضح والقضاء على العديد من الأمراض المتنقلة .
وقد نصت المادة 63 من دستور 2020، على أن الدولة تسهر  على تمكين المواطن من الحصول على الرعاية الصحية لاسيما للأشخاص المعوزين والوقاية من الأمراض المعدية والوبائية ومكافحتها والحصول على سكن لاسيما الفئات المحرومة.
الدعم الاجتماعي بند ثابت
ورغم الوضعية الصعبة وشح الموارد في بعض الفترات، فقد كرست الدولة الطابع الاجتماعي في المواثيق والقوانين المتعاقبة، وأصبح الدعم الاجتماعي، مع مرور السنوات، بندا ثابتا في قوانين المالية المختلفة وهو النهج الذي حافظت عليه الدولة، حتى في أصعب المراحل التي مرت بها، إثر تراجع المداخيل النفطية، وما ترتب عن ذلك من تبعات على الوضع الاجتماعي والاقتصادي، لكن الدعم الاجتماعي، بقي خطا أحمر، و لا يمكن المساس به  في مختلف الظروف و عبر كل المراحل، كون أن الطابع الاجتماعي للدولة، رسمه بيان أول نوفمبر.
ومع تحسن إيرادات البلاد من المحروقات، خلال فترة تعافي أسعار النفط، تصاعدت قيمة التحويلات الاجتماعية وزيادة الأموال المخصصة للدعم وضمان توفير الحاجيات الأساسية للمواطنين، من خلال العديد من التدابير، مع إطلاق برامج مختلفة وتجسيد مشاريع كبرى في قطاعات متعددة، على غرار قطاع السكن وهو ما مكن العائلات من الحصول على سكنات لائقة، مع تحسين مستوى المعيشة والرفع من القدرة الشرائية للمواطنين.والواقع أن الدولة الجزائرية، تبقى من الدول الرائدة، فيما يخص المحافظة على الطابع الاجتماعي و ضمان الرعاية الاجتماعية والخدمات الأساسية للمواطنين.
الجزائر من الدول الرائدة التي حافظت على الطابع الاجتماعي
و أوضح المحلل السياسي، الدكتور أحمد ميزاب في تصريح للنصر، أن الجزائر مبنية على مجموعة من القيم الاجتماعية التي رسخها المجتمع الجزائري، في إطار التكافل والتضامن ، ومن بين العادات نجد منظومة التويزة و التكافل والتآزر، مضيفا في هذا السياق، أن الدولة حافظت على هذا الطابع، من خلال سياسة الدعم الاجتماعي و تكريس الطابع الاجتماعي وهو ما نلاحظه في العديد من القطاعات، على غرار مجانية التعليم ومجانية الصحة والدعم الموجه للمواطن في العديد من المواد وغيرها.
وقال في هذا الصدد: أن هذا يعطينا صورة أن الدولة الجزائرية الحديثة، تنهل من تراثها وتاريخها وتحاول أن تجسده من خلال مجموعة من السياسات والقوانين.
وذكر أن رئيس الجمهورية ، يؤكد في كل مرة على الطابع الاجتماعي للدولة الجزائرية وهو مكرس من خلال قانون المالية  والعديد من الممارسات.
وأضاف أن الطابع الاجتماعي للدولة هو مرتكز أساسي من المرتكزات التي نكرس من خلالها مقومات الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي وتقوية الجبهة الداخلية، باعتبار أننا نتحدث عن الإرث التاريخي للجزائر الذي دفع من خلاله الشعب الجزائري فاتورة باهظة، من خلال قوافل الشهداء ومجابهة النظام الاستدماري الذي حاول القضاء على الشخصية الوطنية وعلى الهوية الوطنية،  وإدراكا من الدولة أن تعزيز مقومات الدعم الاجتماعي، هو أحد المرتكزات الأساسية في بناء الدولة الحديثة وتعزيز قدرات المجتمع على كافة المستويات وفي مختلف  المجالات وانطلاقا من ذلك، فإننا نتكلم عن مكتسب أساسي من المكتسبات التي يعمل الجميع على الحفاظ عليه في هذا السياق، باعتبار أنه مكتسب له بعده التاريخي والوطني والاجتماعي وله البعد الذي يتصل بالأجيال في المستقبل ولذلك هناك حرص من خلال القيادة العليا في البلاد، على التأكيد على أهمية اجتماعية الدولة الجزائرية.
واعتبر المحلل السياسي، أن الجزائر من الدول الرائدة في هذا المجال، وهي من بين الدول على الأقل في محيطنا الإقليمي والعربي والتي حافظت على الطابع الاجتماعي للدولة، بعد تراجع العديد من الدول، نتيجة للعديد من الأزمات الاقتصادية والتحولات السياسية، إلا أن الجزائر ظلت وفية لهذا المبدأ. وقال في السياق ذاته، أن كل سياسات الدولة تسير في إطار دعم مفهوم الدولة الاجتماعية.
الطابع الاجتماعي للدولة خط أحمر
ومن جانبه، أوضح الخبير الاقتصادي، البروفيسور مراد كواشي في تصريح للنصر، أنه منذ استقلال الجزائر، فإن الطابع الاجتماعي للدولة الجزائرية، كان أمرا مقدسا وخطا أحمر، بتعاقب الرؤساء والحكومات، و قد استطاعت الدولة الجزائرية المحافظة على طابعها الاجتماعي، خدمة للمجتمع والشعب الجزائري الذي عانى الويلات إبان الفترة الاستعمارية، لذلك عملت الجزائر على المحافظة على الطابع الاجتماعي للدولة.
و من جانب آخر، أشار الخبير الاقتصادي، أيضا إلى توجيهات رئيس الجمهورية عبد  المجيد تبون، بعدم فرض ضرائب جديدة في إطار قانون المالية التكميلي لسنة 2022، مضيفا أن رئيس الجمهورية، أكد على الحفاظ على الطابع الاجتماعي للدولة وكذا حماية القدرة الشرائية وخاصة تلك المتعلقة بالطبقات الهشة والطبقات ضعيفة الدخل.
ولعل من أبرز مظاهر الدور الاجتماعي للدولة -كما أضاف -هو  الاستمرار في مجانية التعليم، في جميع الأطوار بالإضافة إلى تقديم مساعدات للتلاميذ في بداية كل سنة دراسية و تقديم منح دراسية للطلبة الجامعيين، مع ضمان الإيواء والنقل الجامعي، بالإضافة إلى ضمان الحصول على وجبات والنقل المدرسي لتلاميذ الطور الابتدائي والمتوسط والثانوي وكل هذا يكلف الدولة الجزائرية  مبالغ ضخمة، لكن الدولة استمرت في هذا الأمر رغم العسر المالي  الذي مرت به في وقت سابق، ضف إلى ذلك الاستمرار في مجانية العلاج وضمانه لكل الجزائريين بدون استثناء، حيث تخصص الدولة مبالغ ضخمة في إطار وزارة الصحة أو الضمان الاجتماعي، من أجل التكفل بكل الجزائريين وخاصة الطبقات الهشة.
و قد عكفت الدولة الجزائرية منذ الاستقلال على ضمان الرعاية الاجتماعية والخدمات الأساسية لفائدة المواطنين دون تمييز من خلال حرصها على تقديم الخدمات الطبية والمساعدات الاجتماعية -كما أضاف-
من جهة أخرى ، ثمن الخبير الاقتصادي، التوجه لاعتماد الدعم المباشر وتقديم الدعم مباشرة لمن يستحقه و قال أننا ندرجه في  إطار تكريس وإرساء الدور الاجتماعي للدولة، حيث بإمكان تقديم المساعدات إلى مستحقيها مباشرة وبالتالي سيتم اقتصاد مبالغ مالية كبيرة كانت توجه للدعم الشامل ولكن لا تستفيد منها  الطبقة الضعيفة فقط، بل يستفيد منها حتى الأغنياء وجزء من السلع المدعمة يتم تهريبها إلى الخارج.
إعادة النظر في سياسة الدعم وتوجيهه لمستحقيه
ومن جانبه، أوضح الخبير الاقتصادي، عبد القادر سليماني في تصريح للنصر، أن الجزائر لم تتخل عن طابعها الاجتماعي وحماية الفئات الهشة وهذا إرث وموروث تاريخي ثوري ورثته الجزائر عن مبادئ أول نوفمبر وعن رسالة الشهداء البررة الذين أرادوها دولة اجتماعية.
وأضاف أن الجزائر لم تبخل أبدا بإيراداتها وبثرواتها لتدعيم الفئات الهشة والمحرومة، لافتا إلى أن الدولة تنفق سنويا حوالي 17 مليار دولار كتحويلات اجتماعية ودائما الجزائر تمارس سياسة الدعم في الأسعار، سواء في أسعار الطاقة أو المواد الغذائية  أو السكنات، كما توزع السكنات مجانا، وتكرس مجانية العلاج  والتعليم.
من جانب أخر، أشار الخبير الاقتصادي، إلى أهمية إعادة النظر في سياسة الدعم والذهاب لإعطاء الدعم للفئات المستحقة. وأضاف أن الجزائر في المقاربة الجديدة تسعى إلى إعادة النظر في آليات الدعم والذهاب إلى سياسة دعم رشيدة وذكية. كما أبرز الخبير الاقتصادي، أن الدولة ترافق الشباب وتقدم منحة البطالة، إضافة إلى دعم الشركات الناشئة.
 مراد -ح

الرجوع إلى الأعلى