الرئيس تبون يحرر الاقتصاد من البيروقراطية وسطوة الأوليغارشية

رافع رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، منذ وصوله إلى سدّة الحكم في ديسمبر2019 من أجل اقتصاد متنوِّع و متحرر من التبعية المفرطة للمحروقات وتقلبات أسعار الطاقة، بالرغم من ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية، ورفع العراقيل البيروقراطية و الممارسات السابقة التي جرَت طيلة عقدَين من الزمن، واخذ الرئيس تبون على عاتقه مهمة إعادة الاعتبار لرجال الأعمال الحقيقيين ومحو صورة قاتمة رُسمت لسنوات حول إجراءات الاستثمار في الجزائر.
تمكنت الجزائر خلال العامين الماضيين، من الحفاظ على توازناتها الاقتصادية رغم حدة الأزمتين الاقتصادية والصحية اللتين ميزتا الوضع العالمي، وسمحت الترتيبات التي اقرها الرئيس تبون بتجنيب البلاد متاهة الاستدانة من الخارج، مع الشروع في تطهير القطاع الاقتصادي ووضع إطار تشريعي وتنظيمي جديد مع محاربة كل أشكال الفساد والبيروقراطية.
وقد سمحت تلك الإجراءات التي بدأت مع أولى تداعيات جائحة كورونا، بمنح تسهيلات للمتعاملين، ورفع مستويات القروض والضمانات المصرفية والضريبية و وقف المتابعات القضائية وجدولة الديون، وصولا إلى الترتيبات الأخيرة في مجال الاستثمار واستعادة المؤسسات التي كانت على وشك الإفلاس بسبب تورط أصحابها في قضايا فساد، وهي كلها تدابير سمحت للاقتصاد الجزائري من استعادة عافيته بعد فترة ركود
وبالفعل بعد سنوات من المتاعب المالية والاقتصادية، بدأت معظم المؤشرات بالانتقال إلى اللون الأخضر، ويبرز ذلك من خلال إعادة تشكل احتياطي الصرف الذي سجل ارتفاع في العامين الأخيرين بعد سنوات من التراجع، وكذا الأمر بالنسبة لصندوق ضبط الواردات الذي سيمنح الحكومة هامش مناورة لتغطية العجز المسجل في موازنة العام المقبل.
و بشهادة المتتبعين، فان المؤشرات الاقتصادية للجزائر هي اليوم في مستويات جد ايجابية بفضل الإجراءات المتخذة على أكثر من صعيد, و لاسيما فيما يتعلق برفع العراقيل خاصة الإدارية, عن الاستثمار و توفير العقار و دعم المقاولاتية لدى الشباب, مع التحكم في التضخم و تحسين القدرة الشرائية للمواطنين و دعم القطاع الفلاحي, و خاصة إنتاج الحبوب, و أيضا تقليص الواردات. كما جاء الاعتراف بتعافي الاقتصاد الجزائر من قبل هيئات مالية واقتصادية دولية، على غرار صندوق النقد الدولي، وهيئات اقتصادية أخرى «لا تعرف المجاملة», والتي نوهب بالتقدم الذي أحرزته الجزائر في هذا المجال, و خاصة ما يخص رفع قيمة العملة الوطنية, و جعل مشروع التحاق الجزائر بمجموعة «بريكس» هدفا قابلا للتطبيق.
وبهذا الخصوص، قال صندوق النقد الدولي، إنّ آفاق الاقتصاد الجزائري تحسنت على المدى القريب بشكل ملحوظ، مدفوعة بارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي، وأكد الصندوق، في تقرير، في أعقاب اختتامه مشاورات المادة الرابعة مع السلطات الجزائرية، أنّ «ارتفاع أسعار المحروقات يساعد على تعزيز تعافي الاقتصاد الجزائري بعد صدمة جائحة كورونا، وقد أدت الإيرادات الاستثنائية للمحروقات إلى تخفيف الضغوط على الحساب الجاري لميزان المدفوعات والمالية العامة».
ترشيد النفقات لوقف النزيف المالي
وقد اعتمد الرئيس تبون، على نهج «ترشيد النفقات» لوقف النزيف المالي و وقف التحويل المستمر للأموال إلى الخارج تحت غطاء الاستيراد، وجاء القرار بعد تسجيل مؤشرات اقتصادية سلبية وجد مقلقة بدأت قبل 2018 واشتدت حدتها وصولا إلى 2020 مع  تآكل احتياطي الصرف تآكل احتياطي الصرف من العملة الصعبة الذي انهار من 200 مليار دولار سنة 2014 إلى نحو 40 مليارا سنة 2021، ونضوب صندوق ضبط الإيرادات وعجز ميزان المدفوعات وعجز الميزان التجاري المرهق بفاتورة استيراد ضخمة .
وحرص الرئيس منذ البداية على رسم معالم إصلاحات هيكلية والتركيز على الإنعاش الاقتصادي ورفع العراقيل التي تعيق الاستثمارات العمومية والخاصة ومحو الفاتورة التي خلفتها سنوات من التسيير العشوائي والقرارات التي كانت تتخذ لصالح فئات وجماعات ضغط بعيدا عن المصلحة الوطنية وهو ما مكن أصحاب النفوذ من تحويل الملايير من الدولارات إلى الخارج واستثمارها في العقارات أو في شكل ودائع لدى بنوك أجنبية.
  القطيعة مع الأنماط الماضية    
وبالنسبة لرئيس الجمهورية، فان»الانتقال من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد متنوع ومنتج للثروة، يتطلب قطيعة مع الأنماط الماضية بتغيير نموذج التنمية الاقتصادية»، وشدد رئيس الجمهورية على أن «تغيير نموذج التنمية لن يكون إلا برؤية استشرافية وبإجراءات وآليات ملموسة وواقعية على المديين القصير والمتوسط، مع اغتنام فرصة وجود إرادة قوية للدولة واستعداد جميع الفاعلين للانخراط في هذه الديناميكية من أجل تحقيق تحول مجتمعي شامل».
وقد اعتمدت الدولة إستراتيجية جديدة لبلوغ اقتصاد المعرفة تم إعدادها انطلاقا من «دراسة معمقة و تشخيص دقيق للواقع» واعتمادا على «نظرة استشرافية و تشاور واسع مع كافة الفاعلين». و من بين ما تم التركيز عليه في هذا البرنامج، إعداد مخطط «يضمن جودة التعليم و فعاليته في قلب النظام التربوي» و «تشجيع تعليم المواد العلمية و التقنية و التكنولوجية وتحديثها و تكييفها مع البيئة الاقتصادية و الاجتماعية للبلاد.
 ويقوم هذا البرنامج أيضا على «تطوير أقطاب امتياز بالشراكة مع المؤسسة الاقتصادية» و ذلك «بما يتماشى مع تطور العلوم و التكنولوجيات الحديثة و بما يلبي حاجيات الاقتصاد الوطني و تطوره»، كما يعد المحور المتعلق بـ «تعزيز البحث العلمي و التكنولوجي و دعم التعاون بين الجامعات و مراكز البحوث و المؤسسات الاقتصادية»، هو الآخر، أحد الأسس التي يتم اعتمادها في تجسيد البرنامج الخاص باقتصاد المعرفة.
2022 سنة الإصلاحات الاقتصادية
ويجمع المتتبعون، على أن 2022 تعتبر سنة الإصلاحات الاقتصادية وسنة التشريع بامتياز، بفضل قانون الاستثمار الجديد الذي ينتظر منه الكثير، وما صاحبته من تدابير جد مهمة منها إعادة فتح ملف تصنيع السيارات وإبرام أول صفقة لتصنيع سيارات بالجزائر، كما أن المنظومة الاقتصادية بدأت تشهد حركية من خلال العديد من المشاريع المنجزة، خاصة في قطاع الطاقة والمناجم، الصناعة وأيضا قطاع الفلاحة، بفضل المناخ الاستثماري الذي أصبح مناسبا.
وشدّدَ رئيس الجمهورية، على ضرورة «التخلي عن مظاهر التسلُّط والسيطرة في معالجة ملفات المستثمرين، وتقليص آجال دراستها إلى أقل من شهر، مع اعتماد المعايير الدولية في استقطاب الاستثمارات، وبالتركيز على السرعة والنجاعة والديمومة».
وأعطى القانون الجديد للاستثمار جانبًا مهمًّا لتسهيل عمليات الاستثمار، بالعمل على «محاربة البيروقراطية عبر رقمنة الإجراءات المتصلة بعملية الاستثمار عن طريق استحداث المنصة الرقمية للمستثمر، التسليم الفوري لشهادة تسجيل المشروع الاستثماري، وتوسيع نطاق ضمان تحويل المبالغ المستثمرة والعائدات الناجمة عنها إلى المستثمرين غير المقيمين، واستحداث أنظمة تحفيزية للاستثمار في القطاعات ذات الأولوية، والمناطق التي توليها الدولة اهتمامًا خاصًّا، من أجل ضمان توجيه أفضل للمزايا الممنوحة للاستثمار».
ووضع تقرير ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2020 الجزائر في المرتبة 157 من بين 190 بلدًا شملها التقرير، وهي المرتبة التي تسعى الحكومة الجزائرية إلى تغييرها بالقانون الجديد، والتي تتطلب أيضًا معالجة الانتقادات الموجَّهة إليها من قبل المؤسسات المالية الدولية التي تنتقد في الغالب تأخُّر وثقل الإجراءات البنكية، وصعوبات في تحويل الأرباح إلى الخارج للشركات الأجنبية، وتأخُّر منح العقار لإقامة المشاريع، وطول فترة الحصول على وثائق إنشاء الشركات وغيرها، وهي المشاكل التي تطرّق إليها مشروع قانون الاستثمار الجديد، وتشريعات أخرى أصدرتها الحكومة مؤخرًا أو بصدد إصدارها.
  توفير 52 ألف منصب شغل بعد تحرير 915 مشروعاً
وسمحت القرارات التي اتخذها الرئيس تبون، بتوفير أكثر من 52 ألف منصب شغل دائم لصالح الشباب، بعدما رفع العراقيل عن أكثر من 900 مشروع إنتاجي لصالح مستثمرين كانت مؤسساتهم الإنتاجية معطلة بسبب بطء الإجراءات الإدارية.
وقد كلف الرئيس تبون وسيط الجمهورية، برئاسة لجنة تضم أيضا وزارات الداخلية والصناعة، مهمتها معالجة ملفات المستثمرين الذين أنشأوا مصانع ومؤسسات إنتاج، وتعطل بدء الإنتاج بسبب عراقيل إدارية أو غيرها، على أن تقوم هذه اللجنة بالمعالجة الفورية لهذه المشكلات والعراقيل لرفعها، والسماح لهذه المصانع والمؤسسات بالدخول في دورة  الإنتاج.
وكان الرئيس تبون قد اتهم الإدارة والموظفين في المؤسسات الحكومية في الولايات بنقص الوازع الوطني، والتسبب في تعطيل الاقتصاد الوطني، بسبب رفضهم منح تراخيص لمستثمرين، ورفع بعض العراقيل، أو إيجاد تسويات لبعض المشاكل الإدارية، وهدد تبون بملاحقتهم وإحالتهم إلى التحقيقات في حال ثبتت ضدهم هذه الوقائع.
 الصادرات خارج المحروقات.. رقم تاريخي غير مسبوق
ويبدو لافتا التطور الكبير في مستوى الصادرات خارج المحروقات، حيث وضعت الحكومة هدف تحقيق صادرات من خارج النفط والغاز بـ7 مليارات دولار للسنة الجارية، بعدما كانت الجزائر قد صدرت سنة 2021 نحو 5 مليارات دولار كسلع غير نفطية. ويراهن الرئيس في تحقيق هذا الهدف، على ما قال إنها “الحركية الجديدة في الاقتصاد الوطني، بفضل عدد من الفروع الصناعية التي كانت الجزائر تستورد منتجاتها وصارت اليوم من المصدرين لها، مثل الحديد والصلب، والإسمنت، والمنتجات الفلاحية والغذائية، والمطاط الذي تصنع به إطارات السيارات”.
وبلغت صادرات الجزائر من خارج قطاع المحروقات، بنهاية سبتمبر الماضي، 5 مليارات دولار وتتوقع السلطات بلوغها 7 مليارات بنهاية العام، في رقم تاريخي غير مسبوق منذ استقلال البلاد  ومن المتوقع أن يؤدي تسجيل فائض في الميزان التجاري وميزان المدفوعات، إلى إعادة تشكيل احتياطي الصرف الذي سجل حسب الوزير الأول “ارتفاعا محسوسا في الفترة الأخيرة، متجاوزا النسبة التي كانت مرسومة له”. ويصب ذلك، في رفع قيمة الدينار الجزائري الذي بدأ وفق ابن عبد الرحمن يسجل تحسنا ملحوظا استنادا للتقارير الدولية الصادرة عن مختلف الهيئات المتخصصة.
تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوبالرهان القادم
ومن المشاريع التي كشف عنها تبون، في إطار تخفيض قيمة الواردات ورفع الصادرات غير النفطية، إنتاج الزيت محليا في كل مراحله من الفلاح الذي ينتج “السلجم الزيتي” إلى طحن الحبوب الزيتية ثم التعليب، وذلك في غضون 6 إلى 7 أشهر. كما تحدث عن مشاريع أخرى قيد الدراسة تخص مصانع لإنتاج السكر المستخرج من الشمندر السكري علاوة على مشاريع مستقبلية لإنتاج مسحوق الحليب الذي تعتبر الجزائر من أكبر مستورديه في العالم.
ويمثل الرهان الأكبر للجزائر حاليا، تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب التي تلتهم سنويا نحو 1.6 مليار دولار من العملة الصعبة. وذكر تبون في هذا السياق، أن الجزائر تتوفر على كافة الإمكانيات والوسائل لتصل إلى إنتاج 9 ملايين طن من الحبوب سنويا، وهو ما يعادل الكميات التي تستهلكها. ومن أكبر المصاعب التي تواجه الجزائر للوصول إلى هذا الهدف، ضعف مردودية إنتاج الحبوب التي تصل إلى حدود 20 قنطارا في الهكتار، بينما المأمول رفعها إلى 60 قنطارا. وأوضح الرئيس أنه سيتم دراسة ملف رفع إنتاج الحبوب  “على مستوى مجلس الوزراء، كما ستنظم لقاءات جهوية مع الولايات المعروفة بإنتاج الحبوب، مثل سطيف وقالمة وقسنطينة وتيارت وأم البواقي وسيدي بلعباس”.
ع سمير

 

الرجوع إلى الأعلى