تمر اليوم ثلاث سنوات على الانتخابات الرئاسية التي حملت الرئيس عبد المجيد تبون إلى قصر المرادية، انتخابات جرت في ظروف عصيبة، امتحنت فيها الدولة الوطنية التي كانت مهدّدة بشكل جدي للمرة الثانية، بعد محنة الإرهاب.
لكن المخاوف سرعان ما تحوّلت إلى حوافز، وفي فترة قصيرة نجحت الجزائر في اجتياز الاختبار الصّعب ودخول عهدٍ جديدٍ، يطمح الجزائريون أن يكون فاتحة للتقدم والتطور في مختلف المجالات، انطلاقا من القطيعة مع الممارسات المشؤومة التي وضعت مقدرات بلد بين أيدي عصابة أتت على الأخضر واليابس، ووصولا إلى ضمان الحياة الكريمة التي يستحقها شعبٌ قدم تضحيات جسيمة من أجل حريته وسيادته، و احتلال المكانة التي تستحقها الجزائر في محفل الأمم.

خبراء يبرزون تعافيه وتحقيقه مؤشرات إيجابية
الاقتصاد الجزائري تحول إلى قوة صاعدة في ثلاث سنوات
أبرز خبراء اقتصاديون ، أمس، أن الجزائر حققت العديد من الإنجازات في المجال الاقتصادي، على مدار 3 سنوات الأخيرة، منذ انتخاب رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، و نوهوا في هذا الإطار، بالمؤشرات الاقتصادية الإيجابية و اعتبروا أن الاقتصاد الوطني، تعافى بسرعة ويتوجه ليصبح اقتصادا فاعلا على المستوى الدولي، حيث تعرف معدلات النمو تحسنا، فضلا عن بعث المشاريع وخلق مناصب الشغل ورفع الأجور والمنح والحفاظ على الطابع الاجتماعي للدولة.  
وأوضح الخبير الاقتصادي، البروفيسور مراد كواشي في تصريح للنصر، أمس، أن الجزائر حققت خلال الثلاث سنوات الأخيرة، إنجازات معتبرة في المجال الاقتصادي، ومنها المتعلقة بقطاع الطاقة ، لافتا في هذا الصدد إلى الأهمية الطاقوية للجزائر على المستوى الدولي، خلال هذه الفترة، حيث أصبحت محل الأنظار وقبلة مختلف الدول الأوروبية التي تريد ضمان مصادرها من  الطاقة، نظرا لكون الجزائر موردا موثوقا به في المنطقة.
وفي قطاع المناجم ، تم خلال هذه السنة بداية استغلال منجم غار جبيلات والذي يعول عليه كثيرا لزيادة الصادرات من الحديد وبالتالي تنويع مصادر الدخل بالعملة الصعبة وكسر الارتباط بالمحروقات ، بالإضافة إلى توظيف عدد كبير من العمال وتوفير مادة الحديد التي تعتبر مادة أساسية تدخل في العديد من الصناعات.
ومن جانب آخر، أشار الخبير الاقتصادي، إلى وضع قانون الاستثمار الجديد وما رافقه من نصوص تنظيمية أخرى، حيث تضمن هذا القانون العديد من المزايا والنقاط الإيجابية التي من شأنها أن تشجع المستثمرين، سواء المحليين أو الأجانب، من أجل زيادة الاستثمارات في الجزائر، كما تم العمل على التقليل من  الحواجز البيروقراطية.
وبالنسبة للقطاع الفلاحي، أبرز البروفيسور مراد كواشي الاهتمام الكبير للدولة بهذا القطاع باعتباره العامل الرئيسي لتحقيق الأمن الغذائي، لافتا في هذا السياق إلى إنشاء بنك البذور والذي يعتبر خطوة هامة جدا من أجل تشجيع الإنتاج النباتي والحيواني، كما تم التأكيد على تطوير الوسائل المستخدمة في الفلاحة، المكننة وضرورة استخدام التقنيات الحديثة في المجال الفلاحي.    
ومن جهة أخرى، تطرق الخبير الاقتصادي، إلى النقل البري والبحري والجوي، لافتا في هذا السياق، إلى الاهتمام الكبير الذي توليه الدولة لتطوير النقل بمختلف أشكاله ، حيث تم تخصيص ميزانية لاقتناء طائرات جديدة وبواخر جديدة ، بالإضافة إلى فتح طرقات برية.
كما أشار إلى الاهتمام الكبير بالمؤسسات الناشئة والمؤسسات  الصغيرة والمتوسطة ، وتشجيع الطلبة على إنشاء مؤسسات خاصة ورفع العراقيل.
وأضاف أن الجزائر رصدت في قانون المالية 2023 أكبر ميزانية وقد تم تكريس البعد الاجتماعي للدولة ويتجلى ذلك من خلال رفع الأجور والمنح وعدم فرض ضرائب ورسوم جديدة.
وعلى صعيد آخر، أشار الخبير الاقتصادي، إلى زيادة اهتمام الجزائر بالبعد الإفريقي وزيادة تواجدها في الدول الإفريقية وهذا  من خلال ربط علاقات متميزة مع العديد من الدول الإفريقية، وفتح خطوط بحرية وجوية و معبر بري مع موريتانيا أيضا، أضف إلى ذلك تزايد الشراكات خلال الفترة الأخيرة مع بعض الدول وفقا لمبدأ رابح رابح، على غرار الصين وتركيا وقطر و إيطاليا و غيرها.
الاقتصاد الوطني تعافى بسرعة
ومن جانبه، اعتبر الخبير الاقتصادي، البروفيسور عبد اللطيف بلغرسة في تصريح للنصر ، أمس، أن الاقتصاد الجزائري استطاع أن يتعافى بسرعة وسهولة وبأقل الأضرار من الآثار الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا ، كما استطاع  أيضا أن يحافظ على الطابع الاجتماعي، من خلال دعم المواد ذات الاستهلاك الواسع ورفع المنح المخصصة لتمويل هذه المواد وردع من سولت له نفسه في الماضي أن يضارب ويحتكر هذه المواد.
كما أشار الخبير الاقتصادي، إلى أن الاقتصاد الجزائري، صمد أمام المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها الاقتصاد العالمي وعلى رأسها التضخم والركود، موضحا في هذا الشأن، أن ارتدادات هذين الظاهرتين السلبيتين على الاقتصاد الوطني، كانت خفيفة بفضل المداخيل التي يمتلكها الاقتصاد وكذلك التنويع التي يسعى إلى تحقيقه.
ونوه البروفيسور عبد اللطيف بلغرسة، بمؤشرات الاقتصاد الكلي  و السياسة الاقتصادية المنتهجة، والأريحية المالية، لافتا إلى أن  الاقتصاد الوطني، سوف يصبح اقتصادا فاعلا على المستوى الدولي بحلول 2025 ، مبرزا الارتفاع المسجل في معدلات النمو من سنة إلى أخرى، نظرا لارتفاع أسعار البترول وزيادة المداخيل من النفط والتعافي المسجل في الأشهر القليلة الماضية للدينار الجزائري، مقارنة بالأورو والدولار، إضافة إلى تحسن الصادرات خارج المحروقات وانخفاض الواردات خاصة الواردات التي لا يحتاجها المواطن والاقتصاد.
وقال في هذا الصدد :إن قطار الاقتصاد وضع في السكة الصحيحة، منوها بإعادة بعث المشاريع الاستثمارية المجمدة  بسبب عراقيل بيروقراطية ما أدى إلى خلق العديد من مناصب الشغل والثروة.
كما أشار الخبير الاقتصادي، إلى الميزانية المخصصة لسنة 2023 التي تعد الأكبر من نوعها وهو ما يبين توجه الاقتصاد الجزائري نحو ضخ أموال في الاقتصاد لبناء البنية التحتية الهيكلية التي  تنبني عليها نشاطات الاقتصاد الوطني والمتمثلة في الصناعة والزراعة والسياحة والمواصلات والتكنولوجيا وكل ما هو منتج لسلعة أو مقدم لخدمة، معتبرا أن هذه الميزانية الضخمة تبين قوة الدولة الجزائرية من  الناحية المادية وكذلك إرادة الحكومة من أجل بعث الاقتصاد الوطني من جديد.
ويرى الخبير الاقتصادي، أن الجزائر أصبحت قوة اقتصادية،  تساعد الاقتصادات الضعيفة التي تحيط بها ، كما أنها أعادت ريادتها لإفريقيا وهي تتجه لتكون ضمن نادي الاقتصادات الكبرى،  سيما في ظل توفر الاستقرار السياسي والإرادة السياسية الموجودة وتوفر المداخيل، مع ارتفاع أسعار البترول والغاز وكذلك المحيط الدولي الذي ينظر للجزائر على أساس أنها ملاذ طاقوي آمن.
وأضاف في هذه السياق، أن هذه الاعتبارات الاقتصادية تجعل من الاقتصاد الجزائري قوة صاعدة، سوف تنافس وتضاهي  الاقتصادات الكبرى، خاصة ما تسمى الاقتصادات الناشئة.
المؤشرات الإيجابية أعطت الجزائر دورا رائدا و مكانة مرموقة
ومن جانبه، نوه الخبير الاقتصادي، الدكتور أحمد طرطار في تصريح للنصر، أمس، بالإجراءات المتخذة والإنجازات المتعددة المحققة، خلال  الثلاث سنوات الأخيرة، حيث ذهبت الدولة مباشرة  إلى الجانب التشريعي لتحسين الأمور التشريعية المرتبطة بالأداء الاقتصادي - كما قال-، حيث تم تعديل قانون المحروقات  وقانون الاستثمار وإعطاء دفع جديد للاستثمار، كما تحققت العديد من الأمور الإيجابية بالنسبة لجوانب أخرى ومنها ما يتعلق بإحداث عدة أقطاب نمو على غرار غار جبيلات، كما تم استحداث الكثير من المشاريع الواعدة، وأيضا الالتفات إلى قطاع النقل البحري والجوي، حيث يتم الآن إعادة بعث هذين القطاعين، باعتبارهما مهمين لعملية التنمية.
وأوضح الدكتور أحمد طرطار، أن المؤشرات الاقتصادية إيجابية،  فالميزان التجاري إيجابي وأيضا ميزان المدفوعات، إضافة إلى تحقيق موارد بالعملة الصعبة خارج قطاع المحروقات، معتبرا أن هذه المؤشرات الإيجابية، أعطت الجزائر مكانة مرموقة بين  الدول، كما أن لها دورا رائدا في الأبعاد الجيوسياسية.
مراد -ح

أكد أن الجزائر لن تبقى تحت رحمة أسعار المحروقات
 الرئيس تبون يحرر الاقتصاد من البيروقراطية وسطوة الأوليغارشية
رافع رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، منذ وصوله إلى سدّة الحكم في ديسمبر2019 من أجل اقتصاد متنوِّع و متحرر من التبعية المفرطة للمحروقات وتقلبات أسعار الطاقة، بالرغم من ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية، ورفع العراقيل البيروقراطية و الممارسات السابقة التي جرَت طيلة عقدَين من الزمن، واخذ الرئيس تبون على عاتقه مهمة إعادة الاعتبار لرجال الأعمال الحقيقيين ومحو صورة قاتمة رُسمت لسنوات حول إجراءات الاستثمار في الجزائر.
تمكنت الجزائر خلال العامين الماضيين، من الحفاظ على توازناتها الاقتصادية رغم حدة الأزمتين الاقتصادية والصحية اللتين ميزتا الوضع العالمي، وسمحت الترتيبات التي اقرها الرئيس تبون بتجنيب البلاد متاهة الاستدانة من الخارج، مع الشروع في تطهير القطاع الاقتصادي ووضع إطار تشريعي وتنظيمي جديد مع محاربة كل أشكال الفساد والبيروقراطية.
وقد سمحت تلك الإجراءات التي بدأت مع أولى تداعيات جائحة كورونا، بمنح تسهيلات للمتعاملين، ورفع مستويات القروض والضمانات المصرفية والضريبية و وقف المتابعات القضائية وجدولة الديون، وصولا إلى الترتيبات الأخيرة في مجال الاستثمار واستعادة المؤسسات التي كانت على وشك الإفلاس بسبب تورط أصحابها في قضايا فساد، وهي كلها تدابير سمحت للاقتصاد الجزائري من استعادة عافيته بعد فترة ركود
وبالفعل بعد سنوات من المتاعب المالية والاقتصادية، بدأت معظم المؤشرات بالانتقال إلى اللون الأخضر، ويبرز ذلك من خلال إعادة تشكل احتياطي الصرف الذي سجل ارتفاع في العامين الأخيرين بعد سنوات من التراجع، وكذا الأمر بالنسبة لصندوق ضبط الواردات الذي سيمنح الحكومة هامش مناورة لتغطية العجز المسجل في موازنة العام المقبل.
و بشهادة المتتبعين، فان المؤشرات الاقتصادية للجزائر هي اليوم في مستويات جد ايجابية بفضل الإجراءات المتخذة على أكثر من صعيد, و لاسيما فيما يتعلق برفع العراقيل خاصة الإدارية, عن الاستثمار و توفير العقار و دعم المقاولاتية لدى الشباب, مع التحكم في التضخم و تحسين القدرة الشرائية للمواطنين و دعم القطاع الفلاحي, و خاصة إنتاج الحبوب, و أيضا تقليص الواردات. كما جاء الاعتراف بتعافي الاقتصاد الجزائر من قبل هيئات مالية واقتصادية دولية، على غرار صندوق النقد الدولي، وهيئات اقتصادية أخرى «لا تعرف المجاملة», والتي نوهب بالتقدم الذي أحرزته الجزائر في هذا المجال, و خاصة ما يخص رفع قيمة العملة الوطنية, و جعل مشروع التحاق الجزائر بمجموعة «بريكس» هدفا قابلا للتطبيق.
وبهذا الخصوص، قال صندوق النقد الدولي، إنّ آفاق الاقتصاد الجزائري تحسنت على المدى القريب بشكل ملحوظ، مدفوعة بارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي، وأكد الصندوق، في تقرير، في أعقاب اختتامه مشاورات المادة الرابعة مع السلطات الجزائرية، أنّ «ارتفاع أسعار المحروقات يساعد على تعزيز تعافي الاقتصاد الجزائري بعد صدمة جائحة كورونا، وقد أدت الإيرادات الاستثنائية للمحروقات إلى تخفيف الضغوط على الحساب الجاري لميزان المدفوعات والمالية العامة».
ترشيد النفقات لوقف النزيف المالي
وقد اعتمد الرئيس تبون، على نهج «ترشيد النفقات» لوقف النزيف المالي و وقف التحويل المستمر للأموال إلى الخارج تحت غطاء الاستيراد، وجاء القرار بعد تسجيل مؤشرات اقتصادية سلبية وجد مقلقة بدأت قبل 2018 واشتدت حدتها وصولا إلى 2020 مع  تآكل احتياطي الصرف تآكل احتياطي الصرف من العملة الصعبة الذي انهار من 200 مليار دولار سنة 2014 إلى نحو 40 مليارا سنة 2021، ونضوب صندوق ضبط الإيرادات وعجز ميزان المدفوعات وعجز الميزان التجاري المرهق بفاتورة استيراد ضخمة .
وحرص الرئيس منذ البداية على رسم معالم إصلاحات هيكلية والتركيز على الإنعاش الاقتصادي ورفع العراقيل التي تعيق الاستثمارات العمومية والخاصة ومحو الفاتورة التي خلفتها سنوات من التسيير العشوائي والقرارات التي كانت تتخذ لصالح فئات وجماعات ضغط بعيدا عن المصلحة الوطنية وهو ما مكن أصحاب النفوذ من تحويل الملايير من الدولارات إلى الخارج واستثمارها في العقارات أو في شكل ودائع لدى بنوك أجنبية.
  القطيعة مع الأنماط الماضية    
وبالنسبة لرئيس الجمهورية، فان»الانتقال من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد متنوع ومنتج للثروة، يتطلب قطيعة مع الأنماط الماضية بتغيير نموذج التنمية الاقتصادية»، وشدد رئيس الجمهورية على أن «تغيير نموذج التنمية لن يكون إلا برؤية استشرافية وبإجراءات وآليات ملموسة وواقعية على المديين القصير والمتوسط، مع اغتنام فرصة وجود إرادة قوية للدولة واستعداد جميع الفاعلين للانخراط في هذه الديناميكية من أجل تحقيق تحول مجتمعي شامل».
وقد اعتمدت الدولة إستراتيجية جديدة لبلوغ اقتصاد المعرفة تم إعدادها انطلاقا من «دراسة معمقة و تشخيص دقيق للواقع» واعتمادا على «نظرة استشرافية و تشاور واسع مع كافة الفاعلين». و من بين ما تم التركيز عليه في هذا البرنامج، إعداد مخطط «يضمن جودة التعليم و فعاليته في قلب النظام التربوي» و «تشجيع تعليم المواد العلمية و التقنية و التكنولوجية وتحديثها و تكييفها مع البيئة الاقتصادية و الاجتماعية للبلاد.
 ويقوم هذا البرنامج أيضا على «تطوير أقطاب امتياز بالشراكة مع المؤسسة الاقتصادية» و ذلك «بما يتماشى مع تطور العلوم و التكنولوجيات الحديثة و بما يلبي حاجيات الاقتصاد الوطني و تطوره»، كما يعد المحور المتعلق بـ «تعزيز البحث العلمي و التكنولوجي و دعم التعاون بين الجامعات و مراكز البحوث و المؤسسات الاقتصادية»، هو الآخر، أحد الأسس التي يتم اعتمادها في تجسيد البرنامج الخاص باقتصاد المعرفة.
2022 سنة الإصلاحات الاقتصادية
ويجمع المتتبعون، على أن 2022 تعتبر سنة الإصلاحات الاقتصادية وسنة التشريع بامتياز، بفضل قانون الاستثمار الجديد الذي ينتظر منه الكثير، وما صاحبته من تدابير جد مهمة منها إعادة فتح ملف تصنيع السيارات وإبرام أول صفقة لتصنيع سيارات بالجزائر، كما أن المنظومة الاقتصادية بدأت تشهد حركية من خلال العديد من المشاريع المنجزة، خاصة في قطاع الطاقة والمناجم، الصناعة وأيضا قطاع الفلاحة، بفضل المناخ الاستثماري الذي أصبح مناسبا.
وشدّدَ رئيس الجمهورية، على ضرورة «التخلي عن مظاهر التسلُّط والسيطرة في معالجة ملفات المستثمرين، وتقليص آجال دراستها إلى أقل من شهر، مع اعتماد المعايير الدولية في استقطاب الاستثمارات، وبالتركيز على السرعة والنجاعة والديمومة».
وأعطى القانون الجديد للاستثمار جانبًا مهمًّا لتسهيل عمليات الاستثمار، بالعمل على «محاربة البيروقراطية عبر رقمنة الإجراءات المتصلة بعملية الاستثمار عن طريق استحداث المنصة الرقمية للمستثمر، التسليم الفوري لشهادة تسجيل المشروع الاستثماري، وتوسيع نطاق ضمان تحويل المبالغ المستثمرة والعائدات الناجمة عنها إلى المستثمرين غير المقيمين، واستحداث أنظمة تحفيزية للاستثمار في القطاعات ذات الأولوية، والمناطق التي توليها الدولة اهتمامًا خاصًّا، من أجل ضمان توجيه أفضل للمزايا الممنوحة للاستثمار».
ووضع تقرير ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2020 الجزائر في المرتبة 157 من بين 190 بلدًا شملها التقرير، وهي المرتبة التي تسعى الحكومة الجزائرية إلى تغييرها بالقانون الجديد، والتي تتطلب أيضًا معالجة الانتقادات الموجَّهة إليها من قبل المؤسسات المالية الدولية التي تنتقد في الغالب تأخُّر وثقل الإجراءات البنكية، وصعوبات في تحويل الأرباح إلى الخارج للشركات الأجنبية، وتأخُّر منح العقار لإقامة المشاريع، وطول فترة الحصول على وثائق إنشاء الشركات وغيرها، وهي المشاكل التي تطرّق إليها مشروع قانون الاستثمار الجديد، وتشريعات أخرى أصدرتها الحكومة مؤخرًا أو بصدد إصدارها.
  توفير 52 ألف منصب شغل بعد تحرير 915 مشروعاً
وسمحت القرارات التي اتخذها الرئيس تبون، بتوفير أكثر من 52 ألف منصب شغل دائم لصالح الشباب، بعدما رفع العراقيل عن أكثر من 900 مشروع إنتاجي لصالح مستثمرين كانت مؤسساتهم الإنتاجية معطلة بسبب بطء الإجراءات الإدارية.
وقد كلف الرئيس تبون وسيط الجمهورية، برئاسة لجنة تضم أيضا وزارات الداخلية والصناعة، مهمتها معالجة ملفات المستثمرين الذين أنشأوا مصانع ومؤسسات إنتاج، وتعطل بدء الإنتاج بسبب عراقيل إدارية أو غيرها، على أن تقوم هذه اللجنة بالمعالجة الفورية لهذه المشكلات والعراقيل لرفعها، والسماح لهذه المصانع والمؤسسات بالدخول في دورة  الإنتاج.
وكان الرئيس تبون قد اتهم الإدارة والموظفين في المؤسسات الحكومية في الولايات بنقص الوازع الوطني، والتسبب في تعطيل الاقتصاد الوطني، بسبب رفضهم منح تراخيص لمستثمرين، ورفع بعض العراقيل، أو إيجاد تسويات لبعض المشاكل الإدارية، وهدد تبون بملاحقتهم وإحالتهم إلى التحقيقات في حال ثبتت ضدهم هذه الوقائع.
 الصادرات خارج المحروقات.. رقم تاريخي غير مسبوق
ويبدو لافتا التطور الكبير في مستوى الصادرات خارج المحروقات، حيث وضعت الحكومة هدف تحقيق صادرات من خارج النفط والغاز بـ7 مليارات دولار للسنة الجارية، بعدما كانت الجزائر قد صدرت سنة 2021 نحو 5 مليارات دولار كسلع غير نفطية. ويراهن الرئيس في تحقيق هذا الهدف، على ما قال إنها “الحركية الجديدة في الاقتصاد الوطني، بفضل عدد من الفروع الصناعية التي كانت الجزائر تستورد منتجاتها وصارت اليوم من المصدرين لها، مثل الحديد والصلب، والإسمنت، والمنتجات الفلاحية والغذائية، والمطاط الذي تصنع به إطارات السيارات”.
وبلغت صادرات الجزائر من خارج قطاع المحروقات، بنهاية سبتمبر الماضي، 5 مليارات دولار وتتوقع السلطات بلوغها 7 مليارات بنهاية العام، في رقم تاريخي غير مسبوق منذ استقلال البلاد  ومن المتوقع أن يؤدي تسجيل فائض في الميزان التجاري وميزان المدفوعات، إلى إعادة تشكيل احتياطي الصرف الذي سجل حسب الوزير الأول “ارتفاعا محسوسا في الفترة الأخيرة، متجاوزا النسبة التي كانت مرسومة له”. ويصب ذلك، في رفع قيمة الدينار الجزائري الذي بدأ وفق ابن عبد الرحمن يسجل تحسنا ملحوظا استنادا للتقارير الدولية الصادرة عن مختلف الهيئات المتخصصة.
تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوبالرهان القادم
ومن المشاريع التي كشف عنها تبون، في إطار تخفيض قيمة الواردات ورفع الصادرات غير النفطية، إنتاج الزيت محليا في كل مراحله من الفلاح الذي ينتج “السلجم الزيتي” إلى طحن الحبوب الزيتية ثم التعليب، وذلك في غضون 6 إلى 7 أشهر. كما تحدث عن مشاريع أخرى قيد الدراسة تخص مصانع لإنتاج السكر المستخرج من الشمندر السكري علاوة على مشاريع مستقبلية لإنتاج مسحوق الحليب الذي تعتبر الجزائر من أكبر مستورديه في العالم.
ويمثل الرهان الأكبر للجزائر حاليا، تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب التي تلتهم سنويا نحو 1.6 مليار دولار من العملة الصعبة. وذكر تبون في هذا السياق، أن الجزائر تتوفر على كافة الإمكانيات والوسائل لتصل إلى إنتاج 9 ملايين طن من الحبوب سنويا، وهو ما يعادل الكميات التي تستهلكها. ومن أكبر المصاعب التي تواجه الجزائر للوصول إلى هذا الهدف، ضعف مردودية إنتاج الحبوب التي تصل إلى حدود 20 قنطارا في الهكتار، بينما المأمول رفعها إلى 60 قنطارا. وأوضح الرئيس أنه سيتم دراسة ملف رفع إنتاج الحبوب  “على مستوى مجلس الوزراء، كما ستنظم لقاءات جهوية مع الولايات المعروفة بإنتاج الحبوب، مثل سطيف وقالمة وقسنطينة وتيارت وأم البواقي وسيدي بلعباس”.
ع سمير

زيادات في الأجور ومنح البطالة والتقاعد مطلع العام المقبل
تدابيـــــر اجتماعيــــــة لتحســــين القــــــدرة الشرائيــــــة للجــــزائريــــــــين
وضع رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، تحسين القدرة الشرائية للجزائريين على رأس أولوياته، ضمن هدف تجسيد العدالة الاجتماعية والحفاظ على الطابع الاجتماعي للدولة، عبر تخصيص اظرفة مالية هامة تحسبا للزيادات المرتقبة في الأجور ومنحة البطالة ومعاشات التقاعد، والحفاظ على أسعار المواد الاستهلاكية، من خلال التحويلات الاجتماعية التي رغم ثقلها إلا أنها تبقى من ضمن الآليات المعتمدة إلى حين مراجعة نظام الدعم الاجتماعي ليتوجه نحو الفئات الأكثر حرمانا.
التزم الرئيس عبد المجيد تبون ،بالحفاظ على الطابع الاجتماعي للسياسة العمومية، حيث قدمت حكومته، موازنة سنوية جديدة  مرتفعة السقف على صعيد الدعم الاجتماعي والاقتصادي. حيث حمل قانون المالية للسنة القادمة، عدة مؤشرات إيجابية تبشر بتحسن القدرة الشرائية للمواطن بداية برفع الأجور والمعاشات وصولا إلى ضمان استمرارية الدعم إلى جانب أريحية مادية يترجمها استرجاع احتياطي الصرف عافيته وعودة المنحى التصاعدي لاحتياطات البلاد من العملات الأجنبية.
وكان الرئيس تبون، قد أعلن أنه سيتم بداية من السنة القادمة 2023 رفع الأجور و منحة البطالة و معاشات التقاعد. وفي نفس الإطار, طالب رئيس الجمهورية من الحكومة أن «تنكب بداية من اليوم على  مراجعة مرتبات المعلمين وعمال شبه الطبي والتفاعل مع ممثليهم لمراجعة قوانينهم الأساسية».
وجاءت تلك القرارات في سياق تجسيدا لالتزامات الرئيس أمر الحكومة شهر أوت الماضي بالشروع في مراجعة منحة البطالة ومستحقيها، وأجور العمال ومنح المتقاعدين، «بما يتناسب مع التوازنات المالية»، وإدراجها في قانون المالية 2023. وشدد على ضرورة اتخاذ الترتيبات اللازمة لتفادي إي تضخم نتيجة لتلك القرارات التي جاءت في سياق القرارات الرئاسية لتحسين مستوى الدخل ومواجهة الارتفاع المسجل في أسعار المنتجات الاستهلاكية والتي أخذت هذه المرة طابعا عالميا.
وقد اعطى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، تعليمات للحكومة، بتطبيق الزيادة في الأجور ومنح التقاعد والبطالة في بداية السنة الجديدة، حيث أمر الحكومة بـ»التحضير للنصوص التطبيقية، التي ستسمح برفع الأجور، ومنح التقاعد ومنحة البطالة للشروع في صب الزيادات المالية، مباشرة، بعد موافقة البرلمان، على مشروع قانون المالية 2023، بداية من جانفي المقبل».
واقترحت الحكومة في إطار قانون المالية 2023، تخصيص احتياطي بـ 1976 مليار دينار، لتغطية النفقات غير المتوقعة الناتجة عن قرار إعادة تقييم النقاط الاستدلالية للأجور ومنحة البطالة وتنفيذ إصلاح الدعم والإدماج المهني. وأكدت الحكومة، أن تعديل الشبكة الاستدلالية للرواتب والأجور خصص لها مبلغ 597 مليار دينار، كما تم زيادة الإيرادات لتأمين البطالة في مشروع قانون المالية 2023 بـ 376 مليار دينار.
وتوقعت الحكومة أن تصل كتلة الأجور إلى حدود 4629 مليار دج، بما يعادل 47,39 بالمائة من إجمالي ميزانية التسيير، علما أن مراجعة الشبكة الاستدلالية للأجور مع نهاية العام الجاري لتصل إلى 300,11 مليار دج بزيادة في منحة التأمين على البطالة لكل عام  بـ376،34 مليار دج. كما أقرت الحكومة تدابير لتعزيز القدرة الشرائية للمواطنين، حيث تم تخصيص ميزانية قدرها 38,5 مليار دج لدعم السكر الأبيض والزيت المكرر، في إطار مشروع قانون المالية لسنة 2023، كما تم تخصيص واحد (1) مليار دج لصندوق تعويض مصاريف نقل البضائع إلى الجنوب.
وفي هذا السياق، يؤكد محللون، بان تحسين القدرة الشرائية للجزائريين سيعود بالفائدة على الاقتصاد الجزائري بشكل عام، حيث سيسمح بتشجيع الاستهلاك وبالتالي الحركية التجارية ومن يرافقها من حركية اقتصادية وإنتاجية وهي من النقاط المهمة التي يركز عليها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون والحكومة، رفع القدرة الشرائية للمواطنين ورفع قيمة الدينار.
ع سمير

انتقلت من «الصمت» إلى المواجهة وصناعة المواقف
الدبلوماسيــــــة الجزائريـــــة تعــــود إلــى  الواجهـــــــــة
أحدث رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، نقلة في مستوى الحركية الدبلوماسية منذ انتخابه، بعد أن عرفت الجزائر انكماشًا و ركودا في هذا المستوى طيلة عدة سنوات تراجع خلالها دور الجزائر إقليميا ودوليا، قبل أن تعود إلى مكانها الحقيقي كلاعب رئيسي عربيًا وإقليميًا، في محيط مثقل بالأزمات والتوترات.
يجمع المتتبعون داخل الوطن وخارجه، على نجاح رئيس الجمهورية، في إعادة الجزائر إلى الساحة الدولية كلاعب فاعل في التوازنات الجيوسياسية وبلد لا يمكن تجاوزه لحلحلة أزمات المنطقة، كما نوه سياسيون وقادة أحزاب سياسية  بإنجازات الدبلوماسية الجزائرية تحت قيادة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، ومساهمتها بكل عزم في مسيرة بناء الجزائر الجديدة مستنيرة في ذلك بمبادئ ميثاقها التأسيسي وشهادة ميلادها بيان الفاتح نوفمبر-1954».
وخلال فترة قصيرة أظهرت الدبلوماسية الجزائرية عودة لافتة إلى مسرح الأحداث الإقليمية، بما يتماشى والرؤية الجديدة، التي أعلن عنها الرئيس عبد المجيد تبون، غداة انتخابه مباشرة، في ديسمبر 2019، وهي الرؤية التي تم إطلاقها بإنشاء وكالة التعاون الدولي، في فبراير 2020. وإعادة تعيين رمطان لعمامرة في منصب وزير الخارجية، الذي استكمل بتعيين 7 مبعوثين دبلوماسيين خاصين، يغطون أغلب المناطق الحيوية للجزائر.
وأنهى الرئيس تبون، سنوات من الانكفاء الدبلوماسي خلال الفترة الممتدة بين 2013 و2019، وانسحاب فاعل في الساحة الدولية، رغم الرصيد التاريخي، والدبلوماسي، والسياسي، والاقتصادي، لكن ومنذ الانتخابات الرئاسية في 2019 شرعت السلطات في العمل على استرجاع مكانتها من خلال الحضور في المحافل الدولية، وأبرزها مجموعة أوبك، بالإضافة إلى دورها في تهدئة الأوضاع في ليبيا والساحل والصحراء، وأيضًا جهدها في الاعتراض على عضوية إسرائيل كعضو مراقب في الاتحاد الأفريقي، بالإضافة إلى الوساطة بين السودان، ومصر، وإثيوبيا».
وكان الرئيس عبد المجيد تبون قد أعلن منذ الخطاب الأول بعد انتخابه سنة 2019 عن التزامه بتحقيق حلم الجزائريين في «بناء جمهورية جديدة قوية مهيبة الجانب مستقرة ومزدهرة»، ومن بين النقاط الأربع والخمسين التي التزم بها أن «يواصل الجيش الوطني الشعبي في إطار مهامه الدستورية الدفاع عن السيادة الوطنية، والسلامة الإقليمية»، ومن بين التعديلات التي أحدثت على الدستور إضافة مادة جاء فيها «يقرر إرسال وحدات من الجيش الوطني الشعبي إلى خارج الوطن بعد مصادقة البرلمان بأغلبية ثلثي أعضاء كل غرفة من غرفتي البرلمان».
وأكد رئيس الجمهورية, أن الدبلوماسية الجزائرية استرجعت مكانتها بعدما كانت في «الحضيض», مستدلا بتصريحات الأمين العام للأمم المتحدة و الاتحاد الأوروبي والدول العظمى حول دور الجزائر في إرساء الأمن والاستقرار على مستوى القارة الإفريقية و المحيط المجاور لها. كما استقبلت الجزائر طيلة الأشهر الأخيرة عدة وفود أجنبية عربية وغربية، وقادة دول فاعلة اجمعوا على الدور الهام الذي تلعبه الجزائر في الأمن والسلم الدوليين، إلى جانب دورها في ضمان الأمن الطاقوي لعديد الدول الأوروبية في ظل الأزمة المستمرة منذ اندلاع الصراع الروسي الأوكراني.
أدوار متقـدمة بعد سنوات من التــراجع
وتزامنت عودة الجزائر إلى الساحة الدولية مع تبنيها نهجا جديدا في إدارة العلاقات، حيث كانت الجزائر تُمثّل مدرسة بارزة في الدبلوماسية الهادئة والأداء الصامت الناجع، لكن بدأت تدريجيا تنتقل وتأخذ توجهاً جديداً وغير معهود في إدارة علاقاتها الخارجية. حيث انتقل الأداء من الدبلوماسية الصامتة إلى دبلوماسية المواجهة، مع استخدام أوراق الضغط وتوظيفها في إدارة العلاقات.
وعكس هذا التوجه تصريحات الرئيس تبون، الذي قال فيه إن «من يهاجمنا سنهاجمه، الند للند مهما كنت، من يمسنا نمس به، مرحلة من يضربنا على الخد الأيمن نعطيه الخد الأيسر قد انتهت»، يفسر ذلك ويمثل عنواناً محدداً جديداً للدبلوماسية الجزائرية.
وتسعى الجزائر بعد سنوات الانكماش إلى لعب أدوار متقدمة عربيًا وأفريقيًا، فقد استهل الرئيس تبون مشوار إعادة الجزائر إلى قلب المعادلة الدبلوماسية، بمبادرة لحل الأزمة في ليبيا من خلال عقد لقاءات في 2020، وسعت الجزائر أيضًا في وساطة لحل الأزمة الخليجية، من المبادرات الأخرى التي أطلقتها الدبلوماسية الجزائرية بعد انتخاب تبون، مبادرة الوساطة بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى في علاقة بأزمة سد النهضة.
وبرز حرص الجزائر على العودة كقوة مؤثرة إقليميا أيضًا من خلال المجهودات الدبلوماسية الكبيرة التي بذلتها من أجل إنجاح القمة العربية، وعملت على لم شمل البيت العربي ومن أجل وحدة الصف العربي وتعزيز العمل العربي المشترك، باعتباره ركيزة أساسية للحفاظ على الأمن القومي العربي والقيام بدور فاعل ومؤثر في كل القضايا العربية والإقليمية».
وقد أعادت مبادرة المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، التي قادها الرئيس تبون، لتعيد بالذاكرة إلى فترة تألق الدبلوماسية الجزائرية حينما احتضنت المجلس الوطني الفلسطيني لإنهاء الانقسام بين الفصائل الفلسطينية سنة 1987. ويؤكد المتتبعون أن الاجتماع الأخير للفصائل الفلسطينية وتوقيع وثيقة «إعلان الجزائر» يعتبر ورقة ستكون لها آثار إقليمية ودولية، كما كشفت الجزائر عن مواقفها لحلحلة أزمات المنطقة العربية، سواء تعلق الأمر بالشأن الليبي، وضرورة استبعاد التدخلات الأجنبية وفسح المجال أمام الشعب الليبي ليقول كلمته بكل حرية ويختار قيادته الشرعية، وأيضاً حول سوريا واليمن وغيرها من الملفات العربية التي لم تتجاهلها الجزائر وقدمت حلولاً ورؤية متوازنة وحيادية، متمسكة في ذلك بمبادئ سياستها الخارجية القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ورفض التدخل الأجنبي في النزاعات الداخلية، كلها دلائل كافية على أن الأمر يتعلق بطموح قيادي مشروع.
كما أثبتت الجزائر عودتها القوية إلى عمقها الإقليمي من خلال نجاحها في قيادة معركة تجميد عضوية إسرائيل في الاتحاد الأفريقي، وتعتبر المبادرة التي أطلقها تبون، في بداية شهر يناير الماضي، للوساطة بين السلطات في جمهورية مالي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا «إيكواس» تأكيدًا على حرص الجزائر على تحسين موقعها الإقليمي.
وتؤكد كل المؤشرات بأن الجزائر قد تخطت مرحلة النشاط والحركة الدبلوماسية وتجاوزت فكر الوساطات والمشاركات إلى خط المواقف وصناعة الأوراق، لا سيما أنها تمكنت من قراءة الظروف الدولية أحسن قراءة واستغلالها لإعادة بعث دورها وإحياء طموحها القيادي.                            ع سمير

الرّئيس أعطى للملف أهمية غير مسبوقة
  لا تنـــــازل ولا تفريــــط في ملــــــــف الذاكــــــــــــــرة
وضع رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، منذ توليه سدة الحكم، معالجة ملف الذاكرة على رأس أولوياته وضمن التزاماته التي قدمها للشعب الجزائري، رافضا أي تفريط أو تنازل بهذا الخصوص، ومشددا على استكمال مسار معالجة هذا الملف «بدون هوادة»، وأكد في عديد المناسبات حرصه على حق الجزائر في تسوية الملف بكل تفاصيله باسترجاع الأرشيف، واستجلاء مصير المفقودين أثناء ثورة التحرير وتعويض ضحايا التفجيرات النووية وغيرها من القضايا المتعلقة بهذا الملف.
التزم رئيس الجمهورية، منذ انتخابه على رأس البلاد قبل 3 سنوات، على العمل «بلا هوادة» من أجل تسوية ملف الذاكرة، حيث أكد في عديد المناسبات حرصه على الدفاع عن التاريخ والذاكرة، معتبرا ذلك من أهم الأولويات كونه ينبع من تقديرِ الدولة لمسؤوليتها تجاه رصيدها التاريخي، باعتبارِه أحد المقومات التي صهرت الهوية الوطنية.
وجعل الرئيس تبون ملف الذاكرة رقم يستحيل تجاوزه في العلاقات الجزائرية-الفرنسية، حيث دعا إلى معالجة ملفات الذاكرة مع فرنسا بعيدا عن «الفكر الاستعماري»، مبرزا حرصه على إدراج الملف ضمن مسار تطوير العلاقات بين البلدين، وأكد بأن هذا الحرص ينأى عن كل مزايدة أو مساومة ويسعى إلى التعاطي مع ملف الذاكرة والتاريخ بنزاهة وموضوعية في مسار بناء الثقة وإرساء علاقات تعاون دائمٍ ومثمر يضمن مصالح البلدين (الجزائر وفرنسا) في إطار الاحترام المتبادل.
وأكد في هذا الإطار، بأنه لا مناص من المعالجة المسؤولة المنصفة والنزيهة لملف الذاكرة والتاريخ في أجواء المصارحة والثقة. وقال في لقاء إعلامي، إن الذاكرة الوطنية هي أمر لن يتنازل عنه ولن يتاجر به أبدا في إطار العلاقات التي تجمع بين الجزائر وفرنسا. وشدد في الكثير من المناسبات على أن مسألة فتح الأرشيف هي جزء لا يتجزأ من الذاكرة الوطنية، وقال: تأمين ذاكرتنا ونقلها للشباب أكبر ضمان لتحصين الأمة».
وتجسدت أولى ثمار هذه السياسة وهذا الحرص من قبل الرئيس، باسترجاع جماجم شهداء المقاومة الشعبية، وإقرار رئيس الجمهورية يوم 8 ماي من كل سنة، يوما للذاكرة الوطنية، وإنشاء قناة تلفزيونية للذاكرة، وكلها قرارات هامة جسدت فعليا. على أن تتواصل لاسترجاع رفات كل رموز المقاومة الشعبية، والانتقال إلى مرحلة جديدة في ملف الذاكرة بعد تشكيل اللجنة المشتركة بين البلدين المكلفة بدراسة الملفات العالقة.
واستقبل رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الأسبوع الماضي، خمسة مؤرخين جزائريين، لعضوية لجنة مشتركة جزائرية- فرنسية  يوكل إليها التعاطي مع ملف التاريخ والذاكرة ، حيث تم تكليفهم بالمهمة وإسداء التوجيه السياسي الضروري حول دواعي وأهداف تشكيل اللجنة المشتركة، والحقوق التاريخية الواجب تحصيلها من الجانب الفرنسي. وقال الرئيس تبون، إن اللجنة الجزائرية الفرنسية المشتركة، مهمتها “إجلاء الحقيقة حول الحقبة الاستعمارية الفرنسية للبلاد بتمحيص دقيق”.
وقال الرئيس تبون، في رسالة بمناسبة الذكرى الـ62 لمظاهرات الجزائريين في 11 ديسمبر، أن هذه اللجنة تدخل في إطار المسار الذي نمضي فيه بصدق وحزم، والذي استوجب استحداث آلية تم تأسيسها في إطار مشاورات على أعلى مستوى مع الجانب الفرنسي. وأوضح أن هذا المسار تمثّل “في إنشاء لجنة مشتركة من المؤرخين الجزائريين والفرنسيين، يوكل إليها التعاطي مع ملف التاريخ والذاكرة بما يتيحه لها التخصص في البحث التاريخي والتمرس في التمحيص والدقة في التحري لإجلاء الحقيقة”.
وتقرر تشكيل اللجنة الجزائرية الفرنسية خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر، في نهاية أوت الماضي، واتفق خلالها على أن تكون اللجنة المشكلة مسؤولة عن العمل على جميع أرشيفات الفترة الاستعمارية والحرب التحريرية، بهدف معالجة مختلف القضايا، بما فيها المتعلقة بفتح واستعادة الأرشيف والممتلكات، ورفات المقاومين الجزائريين، والتجارب النووية والمفقودين، مع احترام ذاكرتي الجانبين. وسيخضع عملها لتقييمات منتظمة على أساس نصف سنوي.
ع سمير

الرجوع إلى الأعلى