خالتي يامينة اقتحمت عالم الفلاحة و صنعت من التحدي عنوانا

تحظى خالتي يامينة أو "السطايفية"، كما يحلو لسكان سيدي عبد العزيز شرق ولاية جيجل، مناداتها بمكانة خاصة في الأوساط الفلاحية بالمنطقة، لأنها خاضت مغامرة كانت حكرا على الرجال، عندما قررت أن تقتحم عالم الفلاحة في مجتمع معروف بحبه للفلاحة و تعلقه الشديد بالأرض.

خالتي يامينة، 65 عاما ، من مواليد ولاية سطيف، في شارع الفوارة تحديدا، كانت تلميذة متفوقة في دراستها ، سمح لها تفوقها الدراسي بالتدرج في المستويات التعليمية، وفق النظام الدراسي آنذاك، إلى أن بلغت مستوى البكالوريا في 1968، و لم تتمكن من متابعة تعليمها لأنها زفت إلى ولاية جيجل، و هي لم تبلغ ربيعها 17.
كان آنذاك زوجها يشتغل في مجال الصيد و الفلاحة، أما هي فاختارت ممارسة الخياطة و صناعة الفخار، و دخلت بعد ذلك مجال الفلاحة، لأن زوجها كان يتعب كثيرا، و يحتاج إلى من يقدم له يد العون. وبعد أخذ و رد، اتفقا أن تمارس النشاط الفلاحي في الحقول التي تملكها عائلة زوجها، و سرعان ما أصبحت هذه المرأة الحديدية، مدمنة على الزراعة.
خالتي يامينة سردت للنصر، جزءا من يومياتها، قائلة” كنت أنهض باكرا، و أقوم بتحضير وجبة الفطور قبل صلاة الفجر، ثم أعد وجبة الغداء و أقوم بمختلف الأشغال المنزلية قبل التوجه إلى الحقل، و عندما أصبحت أما لأربعة أبناء، لم أقصر قط في تعليمهم، و توفير كافة متطلبات الحياة لهم”.
السيدة الحديدية تقرر تنويع نشاطاتها الفلاحية
و أضافت المتحدثة « كنت أتنقل مع زوجي على متن دراجة نارية إلى الحقل، و أساعده في نشاط صيد السمك، و أسحب معه الشباك، ثم أرتب له الأسماك ، لأقوم بعد ذلك  بممارسة النشاط الفلاحي».
بمرور الوقت، تعلمت خالتي يمينة، الأنشطة الفلاحية، حيث تحصلت على بطاقة فلاح سنة 2000، و تلقت جزءا من الدعم الفلاحي، و بدأت نشاطها الخاص، بحوالي 10 بيوت بلاستيكية عبر مساحة تقدر بـ1,5 هكتار، لتقوم بعد ذلك بتطوير نشاطها، و أضحت مالكة للأرض تسير مساحة تقدر بـ 3,5 هكتارات.
و لاحظنا من خلال حديثنا مع الفلاحة يامينة، بأنها كانت تتحدث اللغة العربية ممزوجة بالفرنسية ، ما دفعنا إلى التساؤل مرارا عن سر اختيارها المجال الفلاحي و التقليدي، بالرغم من أنه كان من الممكن أن تقتحم مجال التدريس أو الإدارة في سبعينيات الفرن الماضي، و أجابت بأن انتماءها العائلي ، جعلها تتمسك بما يطمح إليه زوجها، و أوضحت « علاقتي بزوجي منذ أول يوم في حياتنا الزوجية ، مبنية على التفاهم و الثقة، ما جعلنا نخطط للمستقبل بثبات، و لا أزال أتذكر تلك الليلة التي كنا نخطط فيها لممارسة النشاط الفلاحي معا، و بمرور الوقت أصبحت ذراعه الأيمن في هذا المجال».
و أضافت المتحدثة و قد ارتسمت ابتسامة على شفتيها» الآن أصبحت «معلمة» و صاحبة مشروع فلاحي عائلي»، مشيرة إلى أن العاملين في الحقول، كلهم من أفراد عائلتها، و قد قررت أن توسع من نشاطها الفلاحي، فشرعت في إقامة مداجن ، لتنوع مصادر دخل العائلة، مشيرة إلى أنها كلفت أحد أحفادها بتسيير المشروع.


فلاحة وفية لحرفة الخياطة
وبالرغم من أن خالتي يامينة ، سيدة كتبت اسمها بحروف من ذهب في مجال الفلاحة، إلا أنها لم تترك حرفة الخياطة، و تفصيل ملابس العرائس، مشيرة إلى أنها تقضي يومها بين الحقول، ترتدي قبعة تقيها حر الصيف و أحيانا تستعمل حذاء بلاستيكيا يمنع وصول الطين إلى ملابسها، لتتنقل من جهة إلى أخرى ، وهي تهتم بمزروعاتها، و تنوع نشاطاتها من حرث وبذر و حصد، لتواصل عملها في الخياطة إلى غاية ساعة متأخرة من الليل.
بعد سنوات من الاستثمار، قررت ابنة عين الفوارة دخول عالم المعارض، فعرضت العديد من منتجاتها الفلاحية، وكذا الألبسة التي كانت تصممها عبر مختلف الفضاءات، فتمكنت من التعريف بمنتوجات  جيجل في جل ولايات الوطن.
درست اللغة العربية في أقسام محو الأمية
بعد قيامها بأداء مناسك العمرة، تعرفت على نسوة يتقنن اللغة العربية ، الأمر الذي جعلها تفكر في العودة إلى الدراسة، و بالرغم من أنها تتقن اللغة الفرنسية و تتحدث بها بطلاقة، إلا أنها قررت الدخول إلى أقسام محو الأمية، و هي في الستين من عمرها ، لتتعلم في أقل من سنة مفردات لغة الضاد، و أضحت تقرأ القرآن الكريم، و تكتب باللغة العربية.
خالتي يامينة  أكدت بأنها نجحت في نقل شغفها بالعمل و التعلم إلى ابنتها الوحيدة، و إلى مجموعة من النسوة اللائي تعرفن عليها، و دخلت العديد منهن عالم الفلاحة بعد أن تعرفن على الخالة «السطايفية»، التي أصبحت المرأة الوحيدة بالمنطقة و بشهادة الجميع، التي جسدت المشاريع الفلاحية بامتياز.
م.م

الرجوع إلى الأعلى