رشيدة قضت نصف قرن في تربية و رعي بقراتها الثلاث
تقطن رشيدة بو النح، 58 عاما، بأعالي منطقة واد الدفلة، ببلدية ابن زياد في ولاية قسنطينة، بمعية شقيقتها الكبرى التي أقعدها المرض منذ سنوات، بعد أن توفي والداهما و تركا لهما ثلاث بقرات تتحمل رشيدة  مسؤولية تربيتها و رعايتها و رعيها، و تعتبر مصدر رزق الأختين الوحيد .
التقت النصر برشيدة خلال جولتها الصباحية اليومية بأعالي جبال بلدية ابن زياد، لقطف مختلف الأعشاب و النباتات المناسبة لتغذية بقراتها و ضمان إدرارها الحليب، لتبيع كمية منه و تستغل الكمية الباقية لتحضير اللبن أو الجبن لتتناوله هي و أختها المريضة مع كسرة القمح، في غياب  معيل أو مصدر رزق آخر بعد وفاة الأب.
تقطع يوميا 24 كيلومترا لترعى
تملأ التجاعيد وجه رشيدة الأسمر الداكن، فتعكس قسوة الطبيعة و الحياة في الريف، كانت ترتدي معطفا قديما و نعلا بلاستيكيا، و هي تقطع عشرات الكيلومترات، لترعى بقراتها و تضع فوق كتفها كيسا كبيرا مليئا بالأعشاب و تحمل باليد الأخرى فأسا، تستعين به لاقتلاع العشب و تهش به على أنعامها .  قالت رشيدة للنصر، أنها تمشي يوميا بين 20 إلى 30 كيلو مترا ، بحثا عن مكان مناسب لرعي بقراتها، و بين فترة و أخرى تأخذ قسطا من الراحة تحت ظلال الأشجار، لتقيها من حر الشمس صيفا ، و زخات المطر في الشتاء.
و أضافت رشيدة أنها لم تلتحق يوما بالمدرسة، و كانت تساعد والدها في الرعي منذ كانت في الثامنة من عمرها، فقد امتهن تربية الأغنام و البقر طوال حياته، و هي اليوم خليفته، فقد تعلمت منه كل أبجديات رعاية المواشي، كما أنها تعرف خبايا الأرض جيدا ،و تفرق بين  مختلف الأعشاب و النباتات، و تتجنب الضارة و تختار الأنواع  التي تساعد على إدرار الحليب بكميات كبيرة، على غرار « القرنينة»،  و هي اليوم على مشارف الستين ، تصارع صعوبة الطبيعة من أجل البقاء.
تحلم  ببيت لائق و راتب يقيها الحاجة
حلم رشيدة يختلف عن أحلام الكثير من النساء، هي التي  لم تقتن فستانا و لا حذاء منذ سنوات طويلة، بعد أن أثقلت المسؤولية كاهلها و أنهكتها الظروف القاسية، فهي  تحلم بالحصول على منزل صغير أو الاستفادة من عملية تهيئة لمنزلها المهتريء، إلى جانب راتب صغير، تستعين به للعيش بكرامة، رفقة شقيقتها الكبرى المريضة منذ سنوات، فتضطر لقبول مساعدات المحسنين للذهاب إلى الطبيب أو شراء أدوية.قالت المتحدثة أنها  نسيت  أنوثتها، و أصبح همها الوحيد البحث عن لقمة العيش ،  فهي تغادر يوميا منزلها على الساعة السادسة صباحا  للبحث عن الكلأ، و جلب الحطب للتدفئة و الطهي، لتعود في المساء لحلب بقراتها و  الاهتمام بشقيقتها و القيام بأعمال المنزل.
 و أوضحت أنها أودعت عدة طلبات للاستفادة من البناء الريفي ، دون أن تتلقى ردا إلى غاية اليوم ، و تربي رشيدة إلى جانب البقرات ، عددا من الدجاج ، و تغرس من حين لآخر بعض الخضر بفناء منزلها ، لسد احتياجاتها.
  و في ختام حديثها أكدت لنا أنها مجبرة على العيش في هذه الظروف الصعبة ، و تحاول كل ليلة استجماع قواها بعد يوم شاق ، لتعيد الكرة في اليوم الموالي من أجل البقاء على قيد الحياة هي و أختها.
هيبة عزيون

الرجوع إلى الأعلى