هكذا كانت فرحة العودة بعد أشهر من غلق المجال الجوي

عاش مطار محمد بوضياف الدولي بقسنطينة أول أمس، أجواء استثنائية بعد عودة ثاني طائرة من خارج الوطن و على متنها 250 راكبا قدموا من بلدان أوروبية وآسيوية عبر تونس، حيث عمّت مظاهر الفرح وسط المسافرين الذين علقوا لأشهر خارج الجزائر، وعبّروا عن سعادتهم بعد إعادة فتح المجال الجوي، لينقلوا قصصا بدأت بمعاناة الفراق وانتهت بافتكاك تذكرة «العودة للحياة» مثلما قال بعضهم.
روبورتاج: حاتم بن كحول
النصر رصدت الأجواء بدءا من حظيرة السيارات بالمطار، حيث كان عدد السيارات المركونة كبيرا، بعد قدوم العائلات لرؤية أقربائها العائدين إلى أرض الوطن عقب أشهر من غلق المجال الجوي بالجزائر، كما وجدنا حافلات النقل العمومي التي كانت جاهزة للشروع في نقل المسافرين باتجاه الفنادق المخصصة للحجر.
وعند دخول المطار، خصصت مصالح تسيير مطار قسنطينة، كاميرا حرارية للتأكد من الحالة الصحية للمتوافدين، أما الفضاءات الداخلية فقد كانت شبه شاغرة، فيما كانت جل المحلات التجارية مغلقة، والحركية الوحيدة المسجلة كانت لعمال النظافة الذين لم يتوقفوا عن المرور ذهابا وإيابا أثناء القيام بعمليات التنظيف والتعقيم.
اشتراط حيازة استمارات صحية
بالقاعة المخصصة لدخول المسافرين القادمين على متن رحلة الخطوط الجوية التونسية، كان بعض المسؤولين في انتظار وصول الطائرة على غرار الأمين العام للولاية، ومديري الصحة و النقل، فيما كانت التعليمات توجه إلى طاقم طبي شكّل حاجزا بعد أمتار من مدخل مدرج الطائرات.
وعند الساعة الثانية و30 دقيقة زوالا، وصلت أول حافلة تقل المسافرين الذين ومباشرة بعد ولوجهم المطار، توجهوا إلى مصلحة المراقبة الصحية الحدودية المستحدثة منذ تفشي الوباء، ليشرع طاقم طبي وشبه طبي في تنظيم وقوفهم عبر ملصقات أرضية تسمح باحترام التباعد الجسدي لمسافة تتعدى المتر، فيما كان الركاب يضعون كمامات واقية.
كما تمت عمليات المراقبة للاستمارات الصحية عبر منصة رقمية تابعة للخطوط الجوية الجزائرية، يتم ملؤها عن طريق جهاز الإعلام الآلي، ويتم طبع نسختين يجلبهما كل مسافر معه، وهي إجراءات تشترط أن يقوم بها المسافر في البلد الذي كان متواجدا به، قبل ركوب الطائرة.
واضطر بعض المسافرين لملء الاستمارة على حافتي الرواق، فيما كان الطاقم الطبي يراقب بحضور مدير الصحة بقسنطينة، شهادات نتائج تحاليل الكشف عن فيروس كوفيد 19 «بي سي ار» والتي يجب ألا تتجاوز مدتها 36 ساعة، حيث قدم 10 ركاب لا يحوزون على النتائج قبل هذه المدة، ليتم تحويلهم إلى قاعة مغلقة، من أجل التنسيق مع أحد المراكز لإجراء التحاليل بها، والتأكد من الحالات الصحية للمعنيين قبل نقلهم إلى فنادق الحجر، وذلك بعد أن مر الجميع على جهاز قياس الحرارة ثم الكاميرا الحرارية.
وواصل الركاب الإجراءات المعمول بها في مختلف المطارات، وسط مراقبة صارمة للبروتوكول الصحي، وبتواجد مدير مطار قسنطينة، بن منغودة علي ياسين، والذي أكد جاهزية مصالحه لاستقبال المسافرين، رغم أن الرحلة برمجت فجأة عقب تحويلها من العاصمة بسبب امتلاء فنادق الحجر هناك.
وتم توفير ملصقات أرضية تنظم وقوف المسافرين، وكذلك السوائل المعقمة، كما ذكر بن منغودة أنه يتم تعقيم الحافلات التي تقل الركاب مباشرة بعد نزولهم، والقاعات والأروقة التي يمرون بها، وكذا حاملات الحقائب المتحركة، إضافة إلى تعقيم كل فضاءات المطار بشكل يومي، سواء كانت هناك رحلات مبرمجة أم لا، وهي إجراءات معمول بها حتى في الرحلات الداخلية.
أما عن برنامج الرحلات على مستوى مطار قسنطينة، فقد أكد المتحدث أنه تمت برمجة رحلة ذهابا إلى تونس العاصمة ومثلها إيابا، وذلك كل يوم جمعة خلال شهر جوان الجاري، مضيفا أن مصالحه لم تصادف أي مشاكل مع المسافرين، من أجل تطبيق البروتوكول الصحي، واصفا سلوكهم بالمثالي.
وبعد القيام بالإجراءات الروتينية المتعود عليها داخل المطار، نظم رجال الأمن عمليات نقل المسافرين عبر 13 حافلة، مستعملين قوائم للركاب تضمن صعود 20 مسافرا عبر مجموعات في كل حافلة لتفادي حدوث اكتظاظ داخل وسيلة النقل.
طواقم طبية بفنادق الحجر
و تجمعت عشرات العائلات، في مكان قريب من خروج المسافرين، من أجل إلقاء التحية على أقربائها، حيث كانوا ينادونهم بصوت عال والفرحة بادية على وجوههم، فيما طوق رجال الشرطة المكان، و وضعوا سياجا فاصلا يحول دون احتكاك المسافرين بالعائلات، كإجراء وقائي يحول دون تفشي الوباء، خاصة وأنهم لم يخضعوا بعد للحجر الصحي.
وأكد مدير الصحة أن المسافرين ينقلون نحو فنادق الحسين والخيام وبروتيا والباي، مع إمكانية تحويل البعض منهم إلى فندق «إيبيس»، مؤكدا تخصيص فرق طبية متواجدة في تلك الفنادق، تسهر على رعاية المواطنين في حالة حدوث وعكة أو مشكل صحي، ليتم التدخل في الحين، أو نقل المريض إلى المستشفى إن استدعي الأمر ذلك.
اشتياق وحنين ينسي المغتربين ظروفهم الصعبة
و رغم التعب والإرهاق الذي كان ظاهرا على المسافرين، إلا أن علامات الفرحة كانت بادية على وجوههم، و من بينهم محمد، وهو شاب مغترب بفرنسا أخبرنا أنه جد سعيد بعودته مجددا إلى بلده، أين سيلتقى بأفراد عائلته بعدما كان قد يئس من رؤيتهم بسبب إجراءات الغلق.
ويقول محمد إنه كان بالجزائر عند تطبيق إجراءات الغلق الأولى بفرنسا، وبعد تمكنه من العودة إليها وتحديدا إلى مدينة غرونوبل تفاجأ بأنه فقد وظيفته بسبب تأخره عن موعد العودة، حيث فشل في إيجاد عمل آخر، ليصادف إشكال غلق المجال الجوي مجددا عند رغبته في العودة إلى الوطن منذ حوالي 6 أشهر.
تحدثنا بعدها مع شاب ثلاثيني يقطن بالعاصمة، حيث بدا شاحب الوجه وعلامات الغضب تظهر عليه، حيث قال إنه وجد صعوبات خلال العودة إلى أرض الوطن، خاصة وأنه اضطر للبقاء لعامين بالسعودية التي يعيش فيها، مؤكدا أنه يرغب في رؤية والدته في أقرب فرصة ممكنة، خاصة وأنه لم يسبق وأن غاب عنها طيلة هذه المدة.
«سأتمكن من رؤية والدي بعد غياب 14 شهرا»
وذكر أربعيني من ولاية قالمة يعيش في مدينة برشلونة الاسبانية، أنه كان في الجزائر عند غلق المجال الجوي، ولكنه حجز مباشرة للعودة إلى برشلونة مع فتح بعض الخطوط، ليشاء القدر أن يتخلف عن موعد الرحلة بعد عطب مفاجئ لحق طائرة الخطوط الجوية القطرية عند وصولها إلى السعودية، فاضطر للبقاء لأشهر هناك، ولكنه سارع إلى الحجز من أجل العودة إلى الجزائر عبر تونس، موضحا أن شوقه وحنينه لوطنه ولعائلته جعلاه ينسى تضييع رحلته. وسرد مسافر يقطن في بروكسل ببلجيكا، قصته الحزينة، حيث لم يتمكن من العودة إلى أرض الوطن بعد محاولات دامت لأزيد من 14 شهرا، وذلك بعد تدهور حالة والده الصحية، ليسارع إلى العودة بمجرد فتح المجال الجوي.
شاب يقضي أطول عطلة سياحية بسبب كورونا
كما أكد مسافر يقيم بإنجلترا، أنه يعمل حلاقا في هذا البلد ولم يتمكن من القدوم للجزائر، منذ أشهر، لعدم الظفر بحجز في الرحلات الأولى قبل غلق المطارات بالجزائر، وكان المتحدث جد متحمسا لرؤية عائلته، والدموع كادت تنهمر من عينيه، لشدة اشتياقه لأقربائه، وخاصة زوجته المريضة وأبنائه الصغار، ولم يتوقف عن قول عبارة «الحمد لله».
و من القصص الغريبة، ما حصل لشاب من ولاية بومرداس أخبرنا أنه قضى أطول عطلة سياحية له في أوروبا، حيث قال إنه كان متواجدا في عطلة بإسبانيا، ليتفاجأ بغلق المجال الجوي بعد تفشي الوباء، كما عجزت الوكالة السياحية عن تمكنيه من العودة بسبب الفوضى التي عمت العملية في تلك الفترة. وذكر الشاب أنه عاش حياة التشرد في اسبانيا، خاصة وأنه لا يتقن لغة هذا البلد، و لا يملك أقرباء في مدينة أليكانت التي كان متواجدا بها، ليتوجه إلى أقربائه في فرنسا ويمكث معهم طيلة هذه المدة، موضحا أنه لم يتمكن من إيجاد وظيفة، قبل أن يشعر بفرحة غامرة بل ويحتفل بعد تمكنه من حجز رحلة العودة باتجاه تونس ومنها إلى الجزائر.
ح.ب

الرجوع إلى الأعلى