احتفى الجزائريون قبل يومين باليوم الوطني لذوي الاحتياجات الخاصة « ذوي الهمم» في مبادرة سنوية للفت الأنظار لحقوق هذه الفئة داخل المجتمع وما يتطلبه من واجب كل فرد تجاهها لتعيش في وئام تام مندمجة مع غيرها دون شعور منها بأي نقص أو تهميش، وهو ما يتناغم وأحكام شريعة الإسلام التي أولت اهتماما خاصا بهذه الفئة فأعفتها من بعض التكاليف وضمنت لها جملة حقوق تحميها وتدمجها بشكل عادي في محيطها الاجتماعي.

فقد عد الإسلام ذا الحاجة إنسانا كامل الحقوق، فله حق الحياة وحق التملك وحق الكرامة وحق الحرية وحق المساواة وحق التعلم وحق العمل بقدراته وحق بناء أسرة وحق التنقل وغيرها من الحقوق الطبيعية والمدنية التي يتمتع بها غيره من الناس فله حق التمتع بها في ضوء ما تسمح به قدراته،  كما ألزمه جملة من التكاليف التي يقدر عليها حتى لا يشعر أنه عالة على المجتمع أو أن وجوده في الحياة لا جدوى منه، لكن يسقط عنه من الواجبات ما يمنعه العذر من أدائه؛ قال القرطبي: (إن الله رفع الحرج عن الأعمى فيما يتعلق بالتكليف الذي يشترط فيه البصر، وعن الأعرج فيما يشترط في التكليف به من المشي، وما يتعذر من الأفعال مع وجود العرج، وعن المريض فيما يؤثر المرض في إسقاطه، كالصوم وشروط الصلاة وأركانها، والجهاد ونحو ذلك)، ولذلك برز العديد من ذوي الاحتياجات الخاصة في تاريخ الحضارة الإسلامية كعلماء كبار في مختلف العلوم والآداب والفنون، بسبب ما أتيح لهمم من الانخراط بشكل إيجابي في الحياة المدنية، بل إن بعضهم تبوأ مناصب سياسية رفيعة وأثر بشكل كبير في بعض المحطات التاريخية.
بعض التكاليف الشرعية تسقط عن أصحاب الاحتياجات الخاصة
ومما سقط عن ذوي الاحتياجات الخاصة فريضة الجهاد في سبيل الله تعالى؛ فقد أعفت شريعة الإسلام ذوي الاحتياجات الخاصة من تكاليف القتال في معارك المسلمين التي تجب على غيرهم قال تعالى:﴿ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 91]، وذلك لأن إمكانياتهم البدنية تحول دون أدائهم واجب القتال الذي يتطلب تكاملا في مختلف أطراف البدن وحواسه أثناء مجابهة العدو وإلا هلك المقاتل في أول لقاء بسبب إعاقته التي ابتلاه الله تعالى بها، وهو ما تعمل به جل جيوش العالم التي تفحص جيدا المقبلين على الانخراط فيها حتى لا تدمجهم وتعرض حياتها وحياة باقي الجند للخطر، لكن إعفاء ذوي الاحتياجات من تكاليف القتال وإسقاط الوجوب عنم لا يحرمهم من أجر القتال؛ فمن نوى بإخلاص القتال مع المسلمين وحال دون اشتراكه فيه سبب مما ذكرنا كتب له أجر الجهاد؛ ﴿ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾. [النساء (95)]، قال المفسرون: (أي: ليس المؤمنون القاعدون عن الجهاد من غير عذر والمؤمنون المجاهدون سواء غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ فَإِنَّهُمْ يُسَاوُونَ المجاهدين، لأن العذر أقعدهم،)، وقال الرازي واعلم أن القول بهذه المساواة غير مستبعد ويدل عليه النقل والعقل)، وعَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الأَنْصَارِيِّ رضِيَ اللهُ عنْهُمَا قَالَ: كُنَّا مَع النَّبِيِّ ﷺ في غَزَاة فَقَالَ:  إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالاً مَا سِرْتُمْ مَسِيراً، وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِياً إِلاَّ كانُوا مَعكُم حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ) وَفِي روايَةِ: ( إِلاَّ شَركُوكُمْ في الأَجْر)  رَواهُ مُسْلِمٌ.ورواهُ البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ رضي الله تعالى عنه قَالَ: رَجَعْنَا مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: (إِنَّ أَقْوَامَاً خلْفَنَا بالمدِينةِ مَا سَلَكْنَا شِعْباً وَلاَ وَادِياً إِلاَّ وَهُمْ مَعَنَا، حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ).
ومن أجل حمايتهم اجتماعيا فقد أوجب الإسلام مساندتهم في ضوء التعاون والتكافل والبر والإحسان، وحرم كل ما يلحق بهم الأذى الحسي أو المعنوي، ولذلك حرم السخرية والتنابز بالألقاب فقال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الحجرات: 11]، فيحرم الاستهزاء والسخرية بهم عموما وبإعاقتهم خصوصا لأنها ابتلاء من الله تعالى ومن صبر عليها سيكون له أجر عظيم،؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ - يُرِيدُ عَيْنَيْهِ -) [رواه البخاري]، كما يحرم اللمز بهم أو التنابز بالألقاب، فيحرم مناداة صاحب الإعاقة بإعاقته أو وفه أو تسميته بها إلا من باب التعريف به لكم لا يعرفه.
وهكذا دواليك فكل ما يخدش كرامتهم أو يجرح مشاعرهم محظور شرعا، إذ ينبغي أن يعاملوا معاملة الأصحاء وتسقط عنهم التكاليف والواجبات التعبدية والاجتماعية التي تحول إعاقتهم دون أدائها.
ع/خ

قـرار مجمع الفقـه الإسـلامي بشأن ذوي الاحتيـاجات الخاصة
أصدر مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي قرارا يحمل رقم: 213 (22/9)بشأن حقوق المعوقين في الفقه الإسلامي في دورته (22) بدولة الكويت، خلال الفترة من: 2-5 جمادى الآخرة 1436هـ، الموافق: 22-25 مارس 2015م، ومما جاء فيه:
للمعوق حقوق على أسرته تتمثل في اتخاذ التدابير التي تحد من حصول الإعاقة ابتداء، وقيام الأسرة بالنفقة الواجبة للمعوق، والتربية الصحيحة له القائمة على المحبة والاحترام، والسعي في تلبية حاجاته الأساسية كالزواج والسكنى ونحوها.
للمعوق حقوق على مجتمعه من أهمها: دمجه مع غيره من أفراد المجتمع، وتوفير الصحبة الصالحة له، واحترامه وعدم انتقاصه بأي شكل من الأشكال، واستثمار طاقاته وقدراته فيما يعود عليه وعلى مجتمعه بالخير والنفع.
للمعوق حقوق على الدولة تتمثل في:
الرعاية الصحية له من خلال إنشاء المؤسسات الطبية المتخصصة لعلاجه وتأهيله، وتدريب المباشرين لرعايته على كيفية العناية به.
التعليم المناسب له، ويشمل ذلك توفير أحدث طرق التعليم ووسائله له، وإعداد المعلمين المتخصصين في تربيته وتعليمه.
العمل الذي يتلاءم مع قدراته وإمكاناته، ويشمل ذلك تدريبه ليكون مؤهلًا لدخول سوق العمل.
كفاية المعوق المحتاج ماليًا من خلال الزكوات والأوقاف وبيت المال.
التنقل بالوسائل التي تناسبه، ويشمل ذلك تهيئة وسائل النقل المناسبة له، ووضع معايير للمباني والمرافق العامة تسهل حركته وتنقله.
سن القوانين والأنظمة التي تحفظ حقوقه ومتابعة تنفيذها.

في مدرسة رمضــان (4)
رمضـان يلفت النظر لذوي الاحتـياجات الخاصة
يبادر الكثير من الصائمين كل رمضان إلى تقديم إعانات نقدية أو عينية للمحتاجين من الفقراء والمساكين وعابري السبيل، طمعا في مضاعفة الثواب وكسب أجر مضاعف لأن من أفطر صائما كان له مثل أجره، ويختم ذلك بأداء واجب زكاة الفطر لهذه الفئات ذاتها.
وفي ثنايا إنفاق المسلم الصائم وتقديمه العون للمحتاجين مباشرة أو للجمعيات التي تتكفل بنقلها لهم أو للمطاعم التي تفتح لهم سيجد فئات اجتماعية لم تحتج لمساعدته بسبب كسل منها أو خمول، أو يتم أو انقطاع سبيل فقط؛ بل بسبب إعاقة حسية حالت دون قدرتهم على العمل والكسب الحلال، وهؤلاء عذرهم ليس طارئا بل هو عذر مستديم أبقاهم طول حياتهم محتاجين لمساعدة الدولة والمجتمع، فيدرك الصائم أن إنفاقه في سبيل الله تعالى ينبغي أن لا يكون طارئا مؤقتا ينتهي بانتهاء الشهر الفضيل؛ بل ينبغي أن يكون له عادة حسنة متواصلة على مدار العام؛ فبين جموع هؤلاء المقبلين على صدقات وعطايا المنفقين في شهر رمضان أصحاب الإعاقات الذهنية الذين سقطت عنهم كل التكاليف ولا يقدرون على العمل، وبعض أصحاب الإعاقات الحسية الذين تقدم بهم العمر ولم يعودوا قادرين على الكسب وربما ليس لهم معاش أو قريب ينفق عليهم، وهم يتحركون إلا في كراس متحركة أو دراجات متخصصة، أو أناس حجب عنهم البصر ولم يجدوا من يقودهم في الطرقات والفضاءات العامة،
فليس كل من سعى للحصول على العطايا يتيما أو أرملة أو فقيرا لا دخل له فحسب؛ بل خلف هؤلاء ومعهم مئات من أصحاب الاحتياجات الخاصة، وقد ينزوي بعضهم ولا يسأل الناس إلحافا فيكتم حاجته ويفضل الحرمان على إشعار الناس أنه عالة عليهم، فهذا وأمثاله ينبغي للصائم دوام الالتفات لهم في رمضان وبعد رمضان إدماجا لهم في المجتمع وحفاظا على حقوقهم، فيعطيهم دون من أو أذى.            ع/خ

مصحف بلـغة الإشــارة في الأفـق
طابع بريدي خاص بـ «مصحف الجزائر’’ المكتوب بتقنية البـرايل
تم صباح الخميس بالعاصمة، إصدار طابع بريدي خاص ب «مصحف الجزائر» المكتوب بتقنية البرايل، وذلك بمناسبة اليوم الوطني لذوي الاحتياجات الخاصة  و تم وضع ختم الإصدار لهذا الطابع البريدي من قبل وزير الشؤون الدينية والأوقاف الدكتور يوسف بلمهدي، ووزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، السيد كريم بيبي تريكي، خلال ندوة علمية بدار الإمام حول: «عناية الاسلام بذوي الاحتياجات الخاصة». وفي كلمة له بالمناسبة، جدد السيد وزير الشؤون الدينية والأوقاف التذكير بأن هذا المصحف «يعد الأول من نوعه على المستوى الدولي، وقال وهو أول مصحف برايل برواية ورش ويعكس المرجعية الوطنية، وكشف أن روايتنا كانت غائبة فجاء وقت بعث هذا المصحف على المستوى العالمي، ثم أضفنا له –يقول-الخط الجزائري للخطاط شريفي، فجمعنا الخط المقروء وخط تقنية برايل لذوي الهمم، مضيفا أن هذه النسخة من مصحف الجزائر «حظيت بإشادة واسعة من قبل مختلف الدوائر الدينية سواء بإفريقيا وأوروبا وكذا بروسيا الاتحادية ومصر».
وكشف في سياق ذي صلة عن «الشروع في إعداد نسخة من المصحف الشريف بلغة الإشارة»، مؤكدا أن «ترجمة معاني القرآن الكريم بهذه الطريقة مشروع صعب وكبير وليس بالأمر السهل وسيأخذ وقتا طويلا، لكن كل الجهود تبذل لتحقيق هذه الغاية وقد تم لحد الآن إتمام سورة الفاتحة والمعوذتين بذات التقنية».
وفي ذات الصدد، أكد أن عناية دائرته الوزارية بخدمة فئة ذوي الاحتياجات الخاصة «تأتي ضمن عناية الدولة الجزائرية ورؤية رئيس الجمهورية في خدمة هذه الشريحة». وأوضح أنه، «ومن هذا المنطلق تعمل الوزارة على إعداد محفظة العلوم الشرعية لفئة المكفوفين تشمل إلى جانب (مصحف الجزائر) إصدارات فقهية أخرى مكتوبة بتقنية البرايل’’، مبرزا أن «رئيس الجمهورية أمر بطبع موطأ الإمام مالك بتقنية البرايل، وفي انتظار ذلك سيتم اصدار كتاب مختصر في الفقه لأحد أبرز علماء الجزائر هو الشيح عبد الرحمن الاخضري، لدعم هذه المحفظة». من جهته، ذكر السيد بيبي تريكي، أن «إصدار طابع مصحف الجزائر، يأتي للتأريخ لواحد من أبرز انجازات الجزائر الجديدة، لصالح فئة نعتز بها كثيرا»، مشيرا أن «الطابع البريدي يضطلع بدوره لمحاكاة ومرافقة أهم المحطات والأحداث والمناسبات التي تشهدها بلادنا». وكشفت مديرة الطوابع البريدية بمؤسسة بريد الجزائر، السيدة سهام بوعزارة، في هذا الخصوص أن هذا الطابع «سيصدر 200 ألف نسخة توزع على القباضات الرئيسية للبريد، لتتم عملية البيع المسبق اليوم الخميس على أن تعمم في جميع المكاتب البريدية عبر الوطن يومي السبت والأحد»، مضيفة أنه «يصاحب هذا الطابع بطاقة تقنية في أربعة لغات».

الرجوع إلى الأعلى