يعد التجويع جريمة ضد الإنسانية تستهدف إبادة فردية أو جماعية لشخص أو مجموعة أشخاص بحرمانهم من الأكل والشرب مدة من الزمن تضعف فيها حالتهم الصحية أو يهلكون تماما، وقد حرم الإسلام تجويع الإنسان؛ بل كل كائن حي يحتاج للقوت كي تستمر حياته، وحث على إطعام الجوعى،ورخص لهؤلاء سلوك كل سبيل يمكنهم المحافظة على حياتهم، كما ألزم المسلمين بإنقاذ المسلمين الجوعى في حالة حصارهم من قبل الكفار في حروب المسلمين معهم وفديتهم بأي سبيل.

ففي جانب إطعام الجوعى أكد القرآن الكريم على عظم ثواب ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18)﴾ [البلد]،))، والمراد بذي مسغبة: ذي جوع كما أورد المفسرون، فالإطعام قربة عظيمة الأجر لكنها تزداد أجرا وثوابا في حالة الجوع وزمن المجاعة؛ لأن الجوع قد يفضي إلى هلاك الإنسان، فمن أطعمه يكون قد أحيا نفسا مشرفة على الهلاك.
كما أباح الشرع للمسلم المضطر أن يأكل الميتة لإنقاذ نفسه من الهلاك فهي رخصة له ما لم يجد عنها بديلا؛ فقال الله تعالى:﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ.. فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾[ المائدة: 3]، لأن حفظ النفس من مقاصد الشريعة الكلية، وحفظها واجب في جانبي الوجود والعدم؛بل إن الفقهاء المالكية ذهبوا أبعد من هذا حين أكدوا أن (المضطر الذي أصابه الجوع ولم يجد طعاما غير طعام الغير فله أن يأكل منه مالم يخف التهمة بالسرقة. فإذا منعه صاحب الطعام أخذه عنوة بل أباح له الشرع القتال عليه ورفع عنه الإثم ولو أدى القتال إلى هلاك صاحب الطعام، قال العلامة خليل المالكي في المختصر مع الشرح: وطعام غير إن لم يخف القطع، وقاتل عليه، يعني أن للمضطر أن يقاتل جوازا بعد أن يُعلم صاحب الطعام أنه إن لم يطعه قاتله، ثم بعد ذلك إن قتله المضطر فهو هدر وإن قتل رب الطعام المضطر فالقصاص.)، وقال الماوردي الشافعي، (إن لم يأذن له مالك الطعام في الأكل ، فلا يخلو المضطر من ثلاثة أحوال :أحدها : أن يقدر على أخذ الطعام منه بغير قتال، فله أن يأخذ الطعام جبرا ولا يتعدى الآخذ إلى قتاله، وفي قدر ما يستبيح أخذه منه قولان :أحدهما قدر ما يمسك به رمقه .والثاني: ما ينتهي به إلى حد الشبع، ويأكله في موضعه، ولا يحمله، والحال الثانية: أن لا يقدر على أخذه، ولا على قتاله عليه، فمالك الطعام عاص بالمنع، ومعصيته إن أفضت إلى تلف المضطر أعظم،والحال الثالثة: ألا يقدر المضطر على أخذه، إلا بقتاله عليه، فله أن يقاتله عليه).
فهذه الأقوال تكشف حرص الفقهاء على النفس؛ حيث أعطوا للمضطر حق الحفاظ على نفسه ولو بالقتال إذا لم يجد بدا من ذلك؛لأن الواجب على كل من استطعمه مضطر على مشارف الهلاك أن يطعمه لنقذه فإذا لم يفعل توسل المضطر بكل وسيلة لإنقاذ حياته. وهذا ليس من باب دفع الضر بأشد منه بل من باب رفع الضرر واستخلاص حق من ممتنع عنه؛ وإلا فإنه لا يجوز قتل الغير لإنقاذ النفس، فمثلا لا يجوز قتل الغير لأكله؛ لأنه في هذه الحال يكون القاتل قد أحيا نفسه بإهلاك غيره وهذا لا يجوز ولو مات جوعا، كما أنه ليس تبريرا للجريمة لأن الاعتداء على مال الغير محرم.
للجوع أثر  في تفشي الجرائم والرذائل
لكن لا ينكر أن للجوع أثرا في تفشي الجرائم ما لم يبادر المجتمع لإطعام الجوعى، فقد يدفع بعضهم أو بعضهن للمتاجرة بالشرف والكرامة في سبيل الحصول على لقمة لسد الرمق، أو تشكيل عصابات من قطاع الطرق لسلب الناس أموالهم، وحينها تتفشى الجريمة وتكثر الرذائل في المجتمع المسلم الذي ينبغي أن يحافظ على طهره وعفته. وفي الثقافة الجزائرية. يسمى الجوع بالشر، و›الشر› لفظ جامع لأنواع شتى من المعاصي والآثام والفواحش والرذائل، فكأن الجزائريين بحكم تجاربهم التاريخية ومعاناتهم مع الجوع يعتقدون أن الجوع دافع للكثير من الشرور.
كما أكد الفقهاء المسلمون أنه (إن وقع المسلمون في حصار؛ كان واجبا على المسلمين فك الحصار عن إخوانهم، والدفاع عنهم، والإبقاء على حياتهم بكل وسيلة ممكنة) وهذا واجب كفائي على المسلمين ويتعين على كل من استطاع، وكان الأقرب لإنقاذ حياة المسلمين. كما أكد الفقهاء أن من حبس غيره حتى مات جوعا بسبب ذلك أنه ضامن ويقاد به.
يشتد إثم التجويع على من وجبت عليه النفقة
ويشتد إثم عدم إطعام الجائع على من وجبت عليه نفقته أولا، فالمرضعة واجب عليها إطعام الرضيع، وإن تركته جائعا كانت آثمة، فإن هلك كانت ضامنة وتترتب عليها مسؤولية حسب درجة الإهمال ومدى وجود القصد الجنائي، وكذلك الأب مسؤول عن إطعام أبنائه بما ينفق عليهم، ثم تقع المسؤولية على عاتق المجتمع ومؤسساته الاجتماعية ومؤسسات الدولة، كل بحسب مسؤوليته وشهوده، فلا يجوز أن يموت شخص جوعا في بلاد المسلمين مسلما كان أو غير مسلم، فحق الحياة من الحقوق الطبيعية للإنسان غير القابلة للتنازل أو الانتهاك، وحفظ الناس مقصد كلي جوهري في كل الشرائع، وكل من حرم أناسا من هذا الحق، وأقدم على تجويعهم فقد انتهك مبادئ وقواعد كل الشرائع الدينية والوضعية وكل الأعراف والقوانين الكونية وتجرد من الاخلاقيات الإنسانية.
وعلى الرغم من أن الله تعالى منّ على المشركين بأنه أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف إلا أنهم استعملوا أسلوب التجويع لدفع المؤمنين للارتداد عن دينهم، فلم يفلحوا، وكذلك حاول المنافقون استعماله لدفع المؤمنين بالمدينة المنورة لينفضوا من حول رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفلحوا فقال الله تعالى:﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا  وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ[ المنافقون: 7]
وقد  بلغ حرص الإسلام على تحريم أسلوب التجويع درجة حظر فيها تسليطه على الحيوان؛ ففي الصحيح أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «دخلت امرأة النار في هرة حبستها؛ لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض»، فلئن كان هذا مصير من أجاع قطة فما مصير من يجوّع بشرا؛ لاسيما إن كان هذا البشر مؤمنا، فالله تعالى يقول: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا[ النساء: 93]،
والأكيد أن كل أساليب التجويع لن تجدي نفعا مع المؤمنين الصابرين؛ لكن على المسلم ألا يقع في إثم تجويع الغير، وأن يسعى لسد رمق الجائعين إن قصدوه، أو شهد ذلك، لاسيما من عابري السبيل الذين قد تتقطع بهم السبل وقد يهلكون إن لم يجدوا أكلا يسدون به رمقهم عند إخوانهم المؤمنين.             ع/خ

فتاوى
llأذن مؤذن الفجر وأنا أشرب؟
إذا توقفت عن الشرب مباشرة بعد سماع الأذان، فصومك صحيح، ولا قضاء عليك، ولو ابتلعت ما كان في فمك قبل سماع الأذان.
 llما حكم من شرب الماء سهوا بعد أذان الفجر؟
هذه من المسائل الخلافية بين الفقهاء: فمنهم من يرى بعدم القضاء لحديث النبي صلى الله عليه وسلم «من أكل أو شرب ناسيا، فكأمنا أطعمه الله وسقاه» فذهب أهل هذا الرأي إلى أن الصيام صحيح ولا قضاء عليه. ومنهم من يرى بوجوب القضاء: باعتباره أن الحديث سكت على القضاء وأشار إلى أن صاحبه غير آثم فقد تجاوز الله عن هذه الأمة السهو والنسيان وما استكرهوا عليه، بهذا المعنى فيكون القضاء هو الأحوط في هذه المسألة.
موقع وزارة الشؤون الدينية

في مدرسة رمضان (5)
رمضان يشعرك بمعاناة الجوعى
قد يصادف المسلم في حياته حضرا أو سفرا من تبدو على مظاهره حاجة إلى الأكل أو الشرب، سواء طلب منه ذلك بلسان المقال أو أدركه بلسان الحال، فيبادر لإطعامه أو اصطحابه لمطعم أو منحة ما يشتري به زادا، أو يمضي المسلم في طريقه مكتفيا بالحسرة والألم والشفقة على حال من لقي في طريقه، أو ربما اكتفى بنظرة عابرة ومضى لحاله ظنا منه أن حال الجائع مفتعل وأنينه مصطنع، لأنه لم يذق في حياته معنى الجوع ولم يعان ألمه،
لكن صيام رمضان يلزمك الخضوع لتجارب عملية لفعل الجوع، فتذوق ألمه ووخزه في الأمعاء وأثره الذي تتجلى بعض مظاهره في صداع الرأس ووهن الجسم وضعف الحركة، قبل أن يعود الجسم لحاله الطبيعي بعد الإفطار، فيدرك الصائم أن الجائع يعاني أكثر ما عاناه هو خلال يوم صيام؛ لأن الصائم الذي جاع يوما صبر على أمل أن يشبع وبنهم إن أراد مع غروب الشمس، بينما المحتاج الجائع قد تمر عليه أيام وليال لا يجد فيها إلا ما يسد قليلا من الرمق، وقد يظل طول يومه يعاني ألم الجوع وأعراضه ولا يجد له مخففا، والشعور الذي يتشكل لدى الصائم سيجعله يستوعب حقيقة الجوع وآثاره، وسيدفعه مستقبلا إلى إطعام الجوعى الذين يقصدونه، واستشعار معانتهم،فيسارع لتفريج كربهم ودفع الألم عنهم وإشباعهم؛ حتى تبدو على ملامحهم أمارات الراحة والاطمئنان، وتستشعر نفسه الانشراح بإدخال الفرحة على محتاجين؛ لاسيما إن كان هؤلاء الجوعى صغارا لا عائل لهم، أو يتامى أو أرامل أو عابري سبيل، ممن لا ينتحلون حالة الجوع والفاقة لسلب أموال الناس بغير حق.
ع/خ

القره داغي: كلنا محاسبون إذا مات شخص جوعا
أكد رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين أن قلوبنا تقشعر من هول ما يجري بغزة، فالأطفال والنساء يموتون، والإنسان مطالب بأن يؤثر هؤلاء على آخرين أقل حاجة».
وشدد في حصة الشريعة والحياة عبر قناة الجزيرة على أنه «إذا مات شخص من المسلمين من الجوع فإن المسلمين كل بحسب نسبته وقربه مسؤولون أمام الله، والشخص الذي لم يؤدِ حق الله فهو محاسب يوم القيامة».
وأوصى القره داغي بصرف الأموال وإنفاقها على هؤلاء المحتاجين، لكنه أشار إلى إشكالية في كيفية توصيلها إلى الفقراء، كاشفا في الوقت نفسه عن اقتراح قُدم إلى الدول المطلة عبر البحر الأبيض المتوسط لإيصالها بحرا. وبشأن توقيت إنفاق المال كارتباطه بزمان ومكان، يقول الداعية الإسلامي «عندما تكون الحاجة للمال أعظم يكون وقتها الأجر أعظم، فشهر رمضان ومكة المكرمة والمعطى إليه لهم دور كبير في زيادة الأجر». ويضيف «عندما ينفق الإنسان على شخص محتاج وينقذه بهذه الصدقة يكون أفضل عند الله من الصدقة في رمضان أو بمكة المكرمة، ولكن إذا جمعت الصدقة في رمضان وبين من تنفق عليهم وتنقذهم فهي الأفضل».
ويبين أن الفقهاء رتبوا أولوية الإنفاق في الحالة العادية، بدءا من الأقارب المحتاجين ثم أهل المنطقة ثم الأقرب فالأقرب، فيما الحالة غير العادية مثل اليوم يتم نقل الزكاة مما زاد على حد الكفاف إلى المناطق التي يتعرض أهلها للمجاعة والموت.

الرجوع إلى الأعلى